القاهرة
عندما أزمعت السفر، كفت عن المجيء إلى أحلامي. وكانت تتردد عليَّ بصفة مستمرة في الآونة الأخيرة. ودومًا ألقاها وسط حشد من الناس، مضطجعين فوق الأرائك، كما في الصور الرومانية، أو الجنة. أحيانًا في قاعة ممتدة وأحيانًا أخرى فوق ظهر سفينة. وفي كل مرة تلتفت نحوي وفي عينيها نظرة غامضة، تجمع بين التساؤل والتواطؤ، والإغواء. أقترب منها مندهشًا من استجابتها حتى أُصبح إلى جوارها. وتُشجعني بابتسامة خفيفة من شفتيها، فأزداد اقترابًا حتى ألمسها، ويصبح ساقي لصق ساقها، عندئذٍ تواجهني بكل جسمها، ودون أن تعبأ بمن حولنا تجذبني إليها، حتى أشعر فوق جسمي المتوتر بالتفاصيل الدقيقة لثنايا جسدها وطياته الدفينة. وبينا أتلصص النظر للآخرين خشية أن يتبين أحدُهم ما يجرى، تتصاعد نشوتي حتى تبدأ في الفوران. وقبل أن تصل إلى مداها، يتغير المشهد على نحو مفاجئ. مرات معدودة فحسب، كانت فيها عاطفتي من الحدة بحيث اجتاحت كل السدود وخلفتني عند اليقظة، بعدها مباشرة، مبللًا، متوهجًا راضيًا.
كان تجليها دائمًا قويًّا، فائق الوضوح، بالغ التأثير، يلاحقني بعد اليقظة، فأظل تحت تأثير حضورها الفعَّال، وأفقد كل حس بالواقع، فلا أعود قادرًا على التمييز بينهما، وأظل لبعض الوقت تحت وهم أني كنت أسترجع ذكرى وقعت بالفعل في الماضي. وأعجب للملابسات التي جعلتها هي بالذات، تطفو فوق سطح ما مر بي من أحداث ونساء منذ آخر مرة رأيتها فيها، فعلًا، قبل أكثر من ثلاثين سنة، على الرغم من أن معرفتي بها لم تكن وثيقة بل عابرة، لم تتوطد أبدًا بالصورة التي تراءت لي في الحلم، ولماذا اختارت، أو اخترت أنا في حقيقة الأمر أن تتجلى فجأة وبقوة في هذا الوقت بالذات، الذي أخطو فيه حثيثًا إلى العقد السادس من عمري، الذي رُبَّما سيكون الأخير؟