الفصل الثالث عشر
تساءلت إيدي بينها وبين نفسها عما سيعتقده الناس لو استطاعوا رؤيتها الآن. لو استطاعوا أن يتبعوها وهي تتنقل عبر الحواجز الأمنية بالسجن، ويداها رطبتان ترتجفان، وعيناها مثبتتان على الأرض أمامها. الآن وهي ترفع ذراعيها للتفتيش الجسدي. ثم وقلبها ينبض بشدة لأنها قريبًا سترى، وللمرة الأولى منذ أشهر، الرجل المتهم بشقِّ جمجمة زوجها.
هل سيفترض الناس — مثلما افترض زملاء مدرستها السابقون على الفيسبوك — أنها كانت «متورطة في ذلك»؟ أهذا ما ستعتقده نيتا؟ لم تتحدث إيدي إلى نيتا بعد؛ لم تتحدث عن قصة البودكاست ولا عن هذه الزيارة. كانت قد قررت أنها في حاجة إلى التحدث إلى رايان أولًا.
بعد الخزانات، أُدخِلَت إيدي والزوار الآخرون — النساء حزينات الوجوه: الأمهات والبنات والزوجات والصديقات اللاتي خذلهن رجالهن أشد الخذلان — إلى غرفة الزوار. نظرت إيدي فيما حولها. شعرت بأنها لا تنتمي إلى هذه المجموعة. كان عليها أن تستمر في تذكير نفسها: «أنا لست مثلهن. أنا مختلفة. رايان لم يخذلني. رايان بريء.»
بحلول الوقت الذي أُحضِر فيه السجناء، كانت إيدي في قمة التوتر. وعندما رأته ظنَّت أن قلبها قد ينفجر. كان وجهه الوسيم مرهقًا وشاحبًا. لحيته ظهرت بها بقع رمادية لم تكن موجودة من قبل. وعندما اقترب، رأت أن لديه جرحًا في عظمة خده الأيسر، وحول عينه اليسرى كانت هناك مسحة خضراء تشي بكدمة قديمة.
ابتسم لها تلك الابتسامة المائلة المألوفة، وفجأة راح قلبها يدق بسرعة.
قال وهو يُميل رأسه إلى الجانب بينما يجلس في المقعد المقابل لها: «تبدين متعبة يا إي.» ظلَّت إيدي بضع لحظات غير قادرة على الكلام. حدقت إليه وشفتاها متباعدتان قليلًا. فقال: «كلا!» وتابع: «لا شك أنني لا أبدو بهذا السوء؟»
هزَّت رأسها. وقالت: «هل أنت …» خرج صوتها كالنعيق وسعلت. نطقت مجددًا: «هل أنت بخير؟»
قال: «أنا أفضل حالًا بعد رؤيتك.» مدَّ يدًا ليصافحها عبر الطاولة. لم تأخذها إيدي، التي فاضت عواطفها فجمَّدتها في مكانها، فسحبها برفق، وضم يديه معًا على الطاولة. ظل صامتًا بضع لحظات. وبعدها نظر إلى أعلى، وقد بدا في وجهه الشعور بالأمل. قال: «ظننت أنكِ تخليتِ عني.» شعرت إيدي أنَّ قلبها قد ينكسر بالفعل. «هل تعلمين أن المحاكمة بعد ثلاثة أشهر؟ ثلاثة أشهر فقط …» نظر في أرجاء الغرفة، وعندما التقت عيناه بعينيها مرة أخرى، استطاعت أن ترى أنهما تبكيان. «لم أفعل هذا. أنت تعلمين هذا. «محالٌ» أن أكون من فعل ذلك يا إيدي، أنت تعلمين ذلك.»
أخيرًا تمكَّنت إيدي من الكلام: «أجل. أعرف ذلك. أصدق ذلك الآن.»
خفض رايان رأسه وبدأت كتفاه تهتزان. ثم قال: «لا أستطيع أن أخبركِ كم يعني هذا بالنسبة إليَّ!»
راقبته إيدي لحظة وقد ضغطت بقبضتها على شفتيها لئلا تبكي. قالت بعد لحظات: «أنا أصدقك بالفعل، لكنني لا أفهم لماذا أخفيت عني أشياء، ولماذا كذبت عليَّ …»
قال رايان وهو ينظر إليها بينما مرَّر إحدى يديه في شعره: «لم نكن نكذب. اسمعي يا إي، لقد كانت أشياء غبية؛ أشياء لم تكوني في حاجة إلى معرفتها …»
همهمت إيدي وقد اتسعت عيناها: «أشياء غبية؟ لقد كانت الآلاف والآلاف من الجنيهات يا رايان! وأنا لا أعرف حتى أين ذهب أيٌّ منها؛ هو لم ينفقها عليَّ بالتأكيد، ولا على المنزل، ولا …» بسطت يديها في ارتباك. وقالت: «ماذا فعل بكل هذا؟»
نظر رايان جانبًا للحظة قبل أن تلتقي عيناه بعينيها مرة أخرى. ثم قال: «لقد التحق بدورة لكتابة السيناريو. تلك الدورة التي قلتما إنكما لا تستطيعان تحمُّل تكاليفها، أتذكرينها؟ كان يحاول تحسين نفسه، والعودة مجددًا إلى المجال … كما أنه قام ببعض الاستثمارات. كانت استثمارات خاسرة. حاولتُ إخباره أنه لا ينبغي له الدخول في تلك الأشياء الغريبة إلا إذا كان يستطيع تحمُّل خسارة المال، لكنه لم يستمع. لم يكن يريد أن يسمع هذا. على الأقل ليس مني أنا بالتأكيد.»
انحنى رايان إلى الأمام فوق الطاولة، متحدثًا بصوتٍ منخفضٍ. «لقد كان يشعر بالخزي، أتفهمين؟ كان جيك يشعر بالخزي لأنه ظل مضطرًّا إلى اقتراض المال مني.» انتصب في جلسته مرة أخرى. وتابع: «وقد تناقشت معه؛ قلت إنه لا ينبغي أن يخفي هذا عنك، لكنه رفض. لم يكن يريد أن يبدو صغيرًا أمامك. فوافقت على ذلك.» مدَّ يده مرة أخرى، وأخذتها إيدي هذه المرة، وقد ارتجف جسمها للمسته. شعرت بالاحمرار يتسلل إلى وجهها فنظرت بعيدًا. «دائمًا ما دعم أحدنا الآخر، أليس كذلك؟ إيدي؟ انظري إليَّ. لقد ساند بعضنا بعضًا على الدوام.»
لفترة طويلة، لم تقل إيدي شيئًا. عندما التقت عيناها أخيرًا بعينيه، سألته: «هل تتذكر تلك الفتاة التي كانت في المدرسة يا رايان، التي قالت إنك اعتديت عليها؟ تلك الفتاة التي كان الناس يطلقون عليها لقب الفقيرة؟»
رجع رايان بظهره في الكرسي، وعبس وجهه. «ماذا؟»
بادرت إيدي بالحديث: «ألا تتذكر؟ كنتُ أنا في الرابعة عشرة من عمري؛ لذا لا بد أنك وجيك كنتما في الخامسة عشرة. لقد ذهبنا إلى تلك الحفلة …»
قاطعها رايان: «بلى، أتذكر ذلك. بالطبع أتذكر ذلك!» ثم أضاف هامسًا: «لقد قالت إنني «اغتصبتها». شيء كهذا لا يُنسى أبدًا.» ارتسمت على وجهه نظرة من خيبة الأمل. وقال: «لماذا تسألين عن ذلك؟»
«لا أستطيع حقًّا أن أشرح كل هذا الآن. ليس لدينا الكثير من الوقت، لكن من المهم بالنسبة إليَّ أن أعرف المزيد عن تلك الفتاة. أريد أن أعرف، هل تتذكر اسمها؟»
خرجت من رايان تنهيدة سريعة. وقال: «لويز. كان اسمها لويز جرانت.»
«لويز جرانت.» أجل، هذا هو اسمها! أعاد سماع اسمها ذكرى واضحة عن وقوف الثلاثة — جيك ورايان وهي — خارج بوابة المدرسة في وقت الغداء يوم الإثنين التالي لعطلة نهاية الأسبوع التي أُقيمَ بها الحفل. كان رايان يضع ذراعه حول كتفَي إيدي. وكان جيك متكئًا على السور، وفي يده سيجارة، والبؤس يكسو وجهه. كان رايان يقول لإيدي: «تلك الفتاة لويز، إنها تنشر عنا الأكاذيب والإشاعات. تقول إننا هاجمناها، واعتدينا عليها.» عينا رايان كانتا متسعتين خوفًا، ولهجته متوسلة. «عليكِ أن تساعدينا يا إي؛ يمكن أن نصبح في ورطة حقيقية.»
تذكرت إيدي أنها تحوَّلت ببصرها من رايان إلى جيك، لكن وجه جيك كان بعيدًا عن وجهها. تابع رايان: «أنت تعرفيننا. تعرفين أننا لا يمكن أن نفعل شيئًا من هذا القبيل. عليكِ أن تخبريهم يا إي. عليكِ أن تخبريهم أن هذا ليس صحيحًا.»
نظرت إيدي إلى رايان الآن، نظرت إلى الكدمة المحيطة بعينه، وإلى يديه حيث الأظافر مقضومة بشدة. كانت ستفعل أي شيء من أجله حينئذٍ، وستفعل الآن. غير أنَّ ثمة فكرةً ظهرت فجأة في خلفية عقلها. وقالت: «رايان، ثمة شيء واحد آخر فقط.»
«لقد كاد الوقت ينتهي يا إيدي، وأحتاج إلى …»
قاطعته إيدي: «لقد رآك شخص ما. في اليوم الذي مات فيه جيك، ثمة شخص ما كان ينزِّه كلبه، رآك تركن سيارتك خارج المنزل قبل عشرين دقيقة من الوقت الذي أخبرت فيه الشرطة بأنك وصلت إلى هناك.»
ارتفع صوت رايان وأكمل: «ظننتُ أنكِ قلتِ إنكِ تصدقينني؟»
«لماذا كذبت عليهم؟ ماذا كنت تفعل خلال تلك العشرين دقيقة؟»
انحنى رايان إلى الأمام، ووضع مرفقيه على الطاولة، بينما راح يمسد رأسه بأطراف أصابعه. أخذ نفسًا عميقًا. وقال: «دار بيننا شجار حاد أنا وجيك، قبل يوم أو يومين من ذهابي إلى هناك. ولم نكن قد تحدثنا منذ ذلك الحين. لم أكن متأكدًا حتى مما إذا كان سيسمح لي بالدخول، أم لا. كنت أفكر فيما كنت سأقوله له.»
«أي شجار؟ أنت لم تخبرني بذلك قَطُّ. لقد كنتُ أقيم معك في ذلك الوقت يا رايان. لماذا لم تخبرني عن هذا الشجار؟»
هزَّ رايان رأسه وبدا قلقًا. وقال: «لأن الشجار كان بشأنك.»
احمرَّ وجه إيدي. وقالت: «ماذا تقصد؟» شعرَت بالحرج، لكنها كانت سعيدة أيضًا. لم تستطع قَطُّ أن تتخلص من ذلك الشعور؛ السرور الذي ينتابها من تنافسهما عليها.
التقت عينا رايان بعينيها، ولاحظ تعبير وجهها، وحرجها. نظر بعيدًا. هو أيضًا كان محرجًا. كان محرجًا «لها». ثم قال: «لم أقصد أنَّ الشجار كان عليكِ يا إيدي. كان بشأنك.»
تعمَّق احمرار وجه إيدي. «حسنًا، لا بأس. ماذا تقصد بأنه كان «بشأني»؟»
قال رايان وقد التقت عيناه بعينيها قبل أن تميلا بعيدًا: «أردت منه أن يكون صادقًا معك. بشأن المرأة التي التقى بها.»
أحسَّت إيدي بصوتٍ مندفعٍ في أذنيها، مثل صوت البحر، أو الريح في مرورها عبر أشجار الصنوبر خلف المنزل. شعرت كما لو أن الأرض تميل من تحتها. أمسكت بسطح الطاولة بكلتا يديها.
وقالت: «ماذا؟»
تنهد رايان. وقال: «كان على علاقة بامرأة أخرى يا إيدي. لقد رأيتهما معًا في حانة فندق بالمورال. كانا … حسنًا، كان من الواضح أنهما في موعدٍ غرامي معًا. لقد كذب بشأن ذلك بالطبع. قال إنها منتِجة، لكني أدركت أنه كان يكذب؛ كان متكتمًا جدًّا بشأنها، وكان غاضبًا جدًّا.»
ظلَّت إيدي برهة عاجزةً عن الكلام. وأخيرًا تمتمت: «لكن … لماذا لم تخبرني بذلك؟»
نظر إليها رايان ثم رفع كفَّيه إلى الأعلى. وقال: «كيف كان لي أن أفعل ذلك يا إي؟ لم يكن من الممكن أن أفعل هذا به، ولا بك. ولم تكوني لتصدقيني قطُّ على أي حال. فدائمًا ما كانت لديك بقعة عمياء عندما يتعلق الأمر به.»
كانت إيدي في حيرة من أمرها، وتمتمت: «لكن … كيف كان من الممكن أصلًا أن يلتقي بامرأة؟ لم يكن يغادر المنزل إلا نادرًا.»
ابتسم لها رايان ابتسامة في غاية الحزن. وقال: «التقى بها من خلالك. لا أستطيع أن أتذكر اسمها. لورنا؟ ربما لورا؟ هي تذهب إلى نادي الجري الذي تذهبين إليه.»
««لارا»؟»
«أجل، هذا هو اسمها. لارا.»