الفصل السادس عشر
شعرت إيدي باضطرابٍ شديدٍ في معدتها. وارتجفت وهي تغمض عينيها بشدة. بدأت تسترجع في ذهنها أحداثًا من الماضي، فرأت كاميرا. وسمعت في خيالها صوت رايان وهو يستجديها بصوتٍ خفيضٍ. قال: «تقول لويز إننا هاجمناها واعتدينا عليها. يمكن أن نصبح في ورطة حقيقية.» تذكرت جيك وهو يدير وجهه بعيدًا عنها.
كانوا جميعًا ثملين. فلقد كانوا يشربون بالفعل حتى قبل أن يصلوا إلى مكان الحفلة. كانت إيدي قد سرقت زجاجة فودكا من خزانة المشروبات الخاصة بوالديها. وكانوا يحتسون هذا الشراب في غرفة الجلوس، وثلاثتهم يجلسون على الأريكة الضيقة، ويشاهدون الأغاني المصورة.
أراد رايان، الذي كان يلهو بالكاميرا التي أُهديَت له بمناسبة عيد ميلاده، الذهاب إلى الحفلة. أما إيدي فقد كانت تفضِّل لو ظل ثلاثتهم في منزل جيك. حينئذٍ كان انقضى شهر منذ بدأت هي وجيك يتواعدان. بالنسبة إلى إيدي، كانت هذه العلاقة تثير فيها شعورًا بالحماس لأنها جديدة بطبيعة الحال، لكن هذا الشعور لم يكن يضاهي شعورها حين ضبطت رايان وهو يراقبهما. بل بالأحرى يراقبها. كان رايان مصممًا على الذهاب إلى هذه الحفلة، ولم تكن إيدي تريد أن توصَم بأنها مفسِدة للملذات — أو أن يحدث ما هو أسوأ من ذلك، وهو أن يتركاها ويذهبا من دونها. انطلقوا إلى وجهتهم، وشقوا الطرق المظلمة راكبين دراجاتهم. في لحظة من اللحظات كاد جيك أن يصطدم ويقع بقناة مائية. ضحكت إيدي عليه هي ورايان ووصفاه بأنه ضعيف أمام تأثير الشراب.
أقام الحفلة شخص في نفس السنة الدراسية لإيدي، كان غنيًّا ووالداه مسافرَين. عندما وصلوا، تجاهلهم الجميع. الكل تجاهلهم ما عدا «الفقيرة» التي تقافزت نحوهم فور وصولهم، ولم تكن مرتدية حمالة صدر تحت قميصها الأبيض، وأخذت تدفع بجسدها نحو رايان. تذكرت إيدي هذا الجزء بوضوح. تذكرت كيف ابتسم رايان للويز. وكيف كان يضحك بصحبتها. تذكرت أنه عرض عليها أن تأخذ رشفة كبيرة من الزجاجة التي جلبتها إيدي. وتذكرت الطريقة التي أطبقت بها لويز شفتَيها الورديتَين على حافة الزجاجة. لقد انهمكت في مراقبة لويز ورايان. وشعرت بأن جيك يراقبها هو الآخر، وبأن الأمسية بأكملها قد تعكر صفوها. فأرادت الذهاب الى المنزل. واتجهت نحو المطبخ، تاركة الشابَّين برفقة لويز. التفتت إلى الوراء ونظرت خلسة فوق مستوى كتفها لترى ما إذا كان أحدهما سيتبعها. لكنْ كلاهما لم يفعل ذلك.
لاحقًا، وبعد مرور ساعة أليمة ظلَّت أثناءها إيدي واقفة وظهرها مستند إلى جدار المطبخ، على أمل أن يتحدث معها أحد — أي أحد — قررت إيدي العودة إلى الخارج والبحث عن الشابين. سارت عبر غرفة المعيشة، ومن هناك انتقلت إلى غرفة المكتب. ورأتهما إيدي عندما نظرت من نافذة الغرفة واقفين على العشب. ظنَّت للحظة أنهما ذاهبان إلى المنزل، وأنهما سيتركانها، فأسرعت بالخروج عبر الباب المؤدي نحو الشرفة.
عندما خرجت، استطاعت سماعهما وهما يتبادلان الصراخ، وأدركت أنهما كانا يتشاجران. شعرت بوخزة حادة في جسدها نتيجة اندفاع الأدرينالين: كان هناك شيء ما يحدث، شيء «مثير». رأت رايان يمسك بياقة سترة جيك، وجيك يصارعه ليفلت من قبضته. كانت تحاول سماع ما يقوله أحدهما للآخر، ولكن كان هناك ضجيج آخر يشوش على سمعها. التفتت نحو مصدر الصوت فرأت فتاة تجلس على الأرض، في زاوية الشرفة، تنورتها مرفوعة إلى أعلى، وسروالها الداخلي ظاهر، وكانت تبكي كما لو أن قلبها على وشك الانفطار. خطت إيدي خطوة نحوها فتطلعت إليها الفتاة. كانت الفتاة هي لويز وكانت عيناها الزرقاوان الكبيرتان ممتلئتين بالدموع، وقد تلطخ وجهها الجميل بالمسكرة. أشاحت إيدي بنظرها بعيدًا عنها. راقبت جيك وهو ينتزع كاميرا رايان من يديه ويلقيها بعنفٍ على الأرض.
رنَّ هاتف إيدي مرة أخرى. قالت لارا عندما أجابت إيدي: «أعتقد أن الاتصال قد انقطع.»
قالت إيدي: «لم أكن أعرف ما حدث في الحفلة. كيف كان في مقدوري أن أعرف؟ أنا لم أكن هناك. لم أكن موجودة في الغرفة عندما … حدث أيًّا كان ما تدَّعين أنه قد حدث …»
قالت لارا: «لكنكِ قلت إنكِ تعرفين ما حدث. أو بالأحرى، قلتِ إنكِ تعرفين أنه لم يحدث أي شيء؛ لأن هذَين الشابَّين لم ينفردا بي إطلاقًا. لقد كذبتِ.»
قالت إيدي: «لم يكن من الممكن أن أكون متيقنةً من الأمر …» قاطعت كلامها صاعقة باهرة من البرق وَمَضت بقوة على مسافة قريبة جدًّا لدرجة مثيرة للقلق. شهقت إيدي من شدة الخوف. وبالمثل سُمعت شهقة لارا على الناحية الأخرى من الخط. وبعد ذلك سُمع صوت الرعد المهيب، الذي هزَّ دويه المنزل بأكمله. وأدركت إيدي في تلك اللحظة أن صوت الرعد الذي سمعته للتو لم يكن مسموعًا في غرفتها فحسب، بل إنها سمعته عبر الهاتف أيضًا.
رفعت بصرها. لم ترَ بالكاد في الظلام سوى ستارة الغرفة وهي تتمايل وتموج كما لو الرياح قد وصلت إليها. وسمعت صوت الأمواج وهي تتلاطم على الجرف في الخارج. وشعرت فجأة ببردٍ شديد، وأحسَّت بأن الخوف ليس هو السبب الوحيد الذي جعلها تشعر بهذا البرد القارس. بل كان السبب هو هبَّة هواء لاسع البرودة. وأدركت حينئذٍ أن شخصًا ما قد فتح الباب.
شخص ما كان في المنزل.
بدأت تتحرك في اتجاه باب غرفة النوم، وقد أصابها الدوار من فرط الرعب، وأمسكت الهاتف بيدها بإحكام. فتحت الباب وألقت نظرة على الرواق. وتكاثف الظلام من حولها وأصبح أقوى وأكثر انتشارًا.
نادت: «لارا؟ هل أنتِ هنا؟» زاد الخوف الذي سمعته في صوتها من رعبها. تقدمت بخطوات صغيرة إلى الأمام، وهي تمشي بحذرٍ بالغ بطول الرواق. ثم قالت: «أعرف أنكِ هنا.»
عندما وصلت إلى مدخل غرفة المعيشة، لاحظت وجود بركة صغيرة من الماء على الأرض أمام الباب الجرَّار الذي كان المطر المنهمر يدخل منه. حاولت أن تمنع نفسها من الإجهاش بالبكاء، وبدأت في الاتصال بالشرطة. كانت تضغط على ثاني رقم، وهو الرقم ٩، عندما شعرت فجأة بتغير شيء ما حولها؛ فقد رأت ظل شخص يندفع فجأة تجاهها. مالت إلى الوراء لتتفاداه، لكن الأوان كان قد فات؛ كان الدخيل قد انقض عليها، وأمسك بذراعها ولواها خلف ظهرها. وصرخت إيدي بينما وقع الهاتف من يدها. وشعرت بضربة على مؤخرة رأسها أسقطتها على ركبتيها، وهي تصرخ من شدة الألم.