الفصل الثاني

لقد نامت إيدي لوقتٍ متأخر مرة أخرى.

أدركَت من زاوية الضوء الذي ينساب إلى غرفة المعيشة، وكذلك من الهدوء العميق الذي يسود الشقة، أن الساعة تجاوزت التاسعة. ما أجمل الاستلقاء على أريكة رايان الواسعة الوثيرة! ما أجمل النوم الهانئ الذي نعمت به، بلا أحلامٍ أو انزعاج!

هنا، في شقة رايان الجميلة رغم صغرها؛ إذ تتكوَّن من غرفة نوم واحدة، كانت إيدي تغفو ليلًا على ضوضاء المدينة: أصوات ضحكات المراهقين وصرخات السكارى، وأصوات صفارات الإنذار البعيدة وهدير السيارات المريح على الشارع المرصوف بالحصى. ضجيج الحركة والناس. وهو ما يختلف تمامًا عن عزلة منزلها الواقع على الجرف، الذي بلا أي صوت مسموع سوى صرخات النورس الملتاعة، وأصوات تحطُّم الأمواج اللانهائي على الصخور. كانت إيدي تنعم بنومٍ أفضل على أريكة رايان من نومها في فراش الزوجية، وكان هذا أمرًا مخزيًا ولكنه حقيقي في الوقت نفسه.

تَلَوَّت إيدي وهي تخرج من كيس النوم الخاص بها، وتوجَّهت إلى المطبخ حيث وضعت كبسولة قهوة في ماكينة صنع القهوة. ومن نافذة المطبخ، كان في إمكانها رؤية ما فوق قمم أشجار الزان في الحديقة المقابلة للمتنزه، والتل الذي يُطلق عليه اسم «مقعد آرثر» الذي يعلو فوقها. كان قلبها يقفز فرحًا في كل مرة تقف فيها هنا، محاطةً بالجمال والرفاهية. كان هذا عالمًا بعيدًا كل البعد عن المنزل المتهالك على الجرف الذي يضمها هي وزوجها، ومشكلاتهما المادية، وزواجهما الذي يتداعى ببطء.

عادت إيدي إلى الأريكة في غرفة المعيشة وهي تحمل كوب القهوة في يدها، وتفحصت هاتفها. لم تتلقَّ أيَّ مكالمات من جيك، ولا رسائل أيضًا. لم تعرف عنه أي أخبار منذ أكثر من ثمانٍ وأربعين ساعة. كان صمته غير معتاد، ولكن أدركت إيدي، بوخزٍ شديدٍ من الذنب، أن هذا الصمت لا يزعجها، بل مرحب به. كانت قد سمعت ما فيه الكفاية منه مؤخرًا.

شربت قهوتها، وكانت في طريقها إلى الحمام للاستحمام عندما رنَّ جرس الباب. توقعت أن يكون رايان قد عاد من تريُّضه. لا بد أنه نسي أن يأخذ مفتاحه. ضغطت الزر لفتح الباب في الطابق السفلي وفتحت الباب الأمامي. وصاحت وهي تنظر إلى أسفل الدرج، متوقعة أن ترى رايان يصعد درجات السُّلَّم بخطواتٍ واسعة سريعة: «كان ذلك سريعًا.» ولكن لم يكن هو. كان شخصًا آخر. في الواقع، كانا شخصَين، رجلَين متجهمَين يرتديان زي الشرطة.

بدأ نبض إيدي يتسارع. «ما الذي يحدث؟» هكذا سألت، وهي تمدُّ يدها لتستند إلى إطار الباب. فقالا إن حادثًا قد وقع. لقد وقع في منزل الجرف. فسألتهما: «ما الذي حدث؟» انتابها شعور رهيب بالغثيان، كما لو كان هناك شيء زلق يتحرك داخل معدتها. ثم أضافت: «هل وقع شجار؟» نظر الشرطيَّان أحدهما إلى الآخر متفاجئَين.

أخذاها إلى الداخل، وأغلقا الباب خلفهما. أجلساها على الأريكة، ووقفا أمامها بينما كانا يشرحان لها سبب وجودهما. أخبراها أن زوجها قد هوجِم في منزلهما. وأنه تعرض لإصاباتٍ خطيرة في الرأس. وعلى الرغم من جهود المسعفين، لم يتمكنوا من إنقاذه. وقد أُعلِنَت وفاته في مكان الحادث. لم يكن واضحًا بعد ما حدث، ولكن يبدو أنها قد تكون محاولة سرقة فاشلة.

لم تقل إيدي شيئًا لبضع لحظات. كانت تستمع إلى صوتيهما، وهي تنتظر طوال هذا الوقت أن تستيقظ. غرست أظافرها في راحتيها، وقرصت الجلد على ظهر يديها، ومع ذلك لم يختفِ الشرطيان. لم تجلس مذعورة من كابوس كانت تراه. إنها لم تكن تحلم. كان هذا حقيقيًّا. كان هذا يحدث فعلًا.

«أين رايان؟» هكذا سألت إيدي عندما تمكَّنت من الكلام أخيرًا. «ماذا حدث لرايان؟»

تبادل الشرطيان نظرة أخرى. «رايان بيرس؟» هكذا سألها أحدهما، وقد عقد جبينه بعبوسٍ شديد. ثم أضاف: «إنه في قسم الشرطة. يقدِّم إفادته. هو الذي وجد اﻟ… وجد السيد بريتشارد. هو الذي اتصل ﺑ ٩٩٩.»

قالت إيدي: «إذن، هل هو بخير؟ هل رايان بخير؟»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥