الفصل الخامس
في المرة الأولى التي رأت فيها إيدي المنزل الواقع على الجرف، قالت إنه يبدو كمرحاضٍ عام.
إذا تخيلت منزلًا على ساحل فايف، قد تتوقع كوخًا غريبًا لأحد صيادي السمك، أو منزلًا مبهجًا وحديثًا مصنوعًا من الخشب وحجر الإردواز. كان منزل والد جيك مختلفًا تمامًا، فقد أُنشئ في السبعينيات من القرن الماضي، وكان مبنًى منخفضًا وعاديًّا للغاية إلى درجة أنك بالكاد ستلاحظه عندما تقترب منه على الطريق المتفرع من الطريق الرئيسي. لم يكن هناك نوافذ على جانب المنزل الذي يطل على اليابسة، فقط جدار من الطوب العادي وباب أمامي خشبي. لم يكن قبيحًا بقدر ما كان كئيبًا تمامًا.
ستعتقد هذا حتى تدخل المنزل نفسه. صحيح أنك لن تجده فخمًا من الداخل؛ فهو متهالك وبالٍ، ولكن الجزء الخلفي من المنزل كان مصنوعًا بالكامل من الزجاج. ونظرًا إلى كونه يقع على مسافة لا تزيد على عشرين مترًا من حافة الجرف، فعندما تدخله سترى البحر يمتد إلى الأفق.
ولكن اليوم، لم يجذب البحر نظر إيدي، بل بقعة داكنة تركت علامة على الأرضية الخرسانية المصقولة. كانت هذه البقعة عند النقطة التي تلتقي فيها غرفة المعيشة المفتوحة بالمطبخ. تقدَّمت نيتا بسرعة، ووقفت أمامها وحجبت عنها الرؤية. ثم قالت: «إذا كنت في حاجة في أي وقت إلى أخذ قسط من الراحة، فقط أعلميني.»
أومأت إليها إيدي إيماءة مقتضبة. وقالت: «دعينا فقط نَنتهِ من هذا الأمر.»
توجهت إيدي ونيتا نحو المطبخ، وكلٌّ منهما ترتدي بذلتها الواقية وغطاء حذائها البلاستيكي وتشعر بالغرابة. تجاوزتا البقعة البنية الرهيبة، ووقفتا أسفل كوة المطبخ، التي كانت في السابق سِمة مميزة، ولكنها أصبحت الآن مشوَّهة بعشٍّ ضخم لطائر نورس فضي. نظرت إيدي حولها، وهي تفتح وتغلق الأدراج والخزانات، وتفحص الثلاجة. بدا كل شيء طبيعيًّا. دخلت إلى المساحة الرئيسية لغرفة المعيشة. في مقابل الجدار الزجاجي، الذي كانت ألواحه ملطَّخة بالملح والأوساخ، كانت هناك مِدفأة حجرية قبيحة، وأمامها أريكة برتقالية رثة. كانت السجاجيد القديمة البالية مبعثرة على الأرض، والرفوف التي تحيط بالمدفأة تحتوي على بضع عشرات من الكتب ذات الأغلفة الورقية وبعض أقراص الدي في دي.
حدقت إيدي إلى الرفوف ثم استدارت لتواجه النوافذ. أشارت نحو الباب الجرار المؤدي إلى الحديقة، والذي كان مفتوحًا. وقالت: «هل هذا هو المكان الذي … دخلوا منه؟»
أجابت نيتا: «هذا ما نفترضه. وفقًا لرايان، كان الباب مفتوحًا عندما وصل.»
أومأت إيدي. وقالت: «كان جيك يترك الباب مفتوحًا طوال الوقت. كان يحب سماع صوت البحر. وقال …»، وارتعش صوتها قليلًا وأردفت: «قال إن المكان آمن تمامًا؛ لأنه لم يكن هناك أي شخص هنا مطلقًا. لم يكن من الممكن أن يمرَّ أي شخص من هنا.»
اقتربت نيتا بضع خطوات من الباب. وقالت وهي تنظر إلى رقعة الحديقة القبيحة خارج المنزل: «وماذا عن الطريق الساحلي؟ ألا يوجد الكثير من المارة في هذا الطريق؟»
أومأت إيدي. وقالت: «هناك الكثير منهم، ولكن ليس عند هذا الجانب من المنزل. على بُعد قرابة خمسمائة ياردة جنوبًا، سقط جزء كبير من الجرف في البحر منذ وقت ليس ببعيدٍ؛ لذا جرى تحويل المسار الآن. يمتد الطريق داخل اليابسة قليلًا، خلف المنزل، في اتجاه الطريق الرئيسي. يمكنك رؤية المنزل من هناك، لكنك ربما لن تلاحظيه إلا إذا كنتِ تبحثين عنه.»
اتخذت نيتا خطوة إلى الأمام، حتى التصق أنفها بالزجاج تقريبًا. وقالت: «هل المكان خطير هناك؟»
أومأت إيدي مرة أخرى. وقالت: «عندما ينحسر المد يمكنك النزول إلى الشاطئ — هناك، على اليمين، يمكنك رؤية المسار. لكن عليكِ الحذر، فالمد يأتي بسرعة. وكلما حدثت عاصفة، تآكل جزء أكبر من الجرف. ولن يمرَّ وقت طويل قبل أن يسقط هذا المكان بأكمله في البحر.»
تبعت نيتا إيدي بطول ممر يؤدي إلى غرفة النوم الإضافية، التي تحتوي على أريكة سرير قديمة ومكتب صغير من خشب الصنوبر موضوع في الزاوية. سألتها نيتا: «هل هذا هو المكتب؟»
ردَّت إيدي: «هذه هي غرفة كتابة جيك.» وأضافت وهي تتقدَّم بضع خطوات إلى الأمام وتضع يديها على ظهر الكرسي الفارغ: «ولكن لأكون صادقة، في الغالب كان يأتي هنا ليلعب على جهاز الإكس بوكس.» التفتت إلى نيتا بابتسامة حزينة، ومسحت بفظاظة دمعة من على خدها بظهر يدها. وقالت وهي تشير إلى جهاز الإكس بوكس: «إنه لا يزال موجودًا هنا. الشيء الوحيد المفقود هو الكمبيوتر المحمول الخاص به.»
كانت غرفة النوم الرئيسية تقع في نهاية الممر، وهي مزودة بسريرٍ مزدوج، وطاولة على كلا جانبيه وكرسي قديم بذراعين مكدس بتلٍّ من الملابس. بدت الغرفة أبرد من بقية المنزل. جلست إيدي على حافة السرير غير المرتب وسحبت الغطاء نحوها، وضمته إلى صدرها واستنشقت رائحته.
وقفت نيتا بهدوء في المدخل، تشاهد إيدي وهي تبكي. بعد فترة صمت احترامًا لحزنها، طلبت نيتا من إيدي النظر حول الغرفة مرة أخرى، والذهاب إلى الحمام، وتفقد خزانات الملابس.
صاحت إيدي وهي تنظر إليها ببؤس: «لا يوجد شيء يستحق السرقة! لم يكن لدينا أي شيء، لقد كنا مفلسَين. ألا يمكنك تبين ذلك من حالة هذا المكان؟ ليس لدينا أي قطع فنية، باستثناء المطبوعات الرخيصة المعلقة على الجدران. ليس لدينا نظام صوتي غالي الثمن … كل شيء قديم ورديء ومستعمل …»
«ماذا عن المجوهرات؟»
رفعت إيدي يدها لتظهر لنيتا خاتم زواجها. وقالت: «هذا كل شيء.»
أومأت نيتا برأسها. وقالت: «ولكن جيك لم يكن يرتدي خاتم زواج، أليس كذلك؟»
عبست إيدي في وجهها. وأجابت: «بلى، كان يرتديه. خاتمه مطابق للذي أرتديه، ولكن محفور عليه اسمي من الداخل، كما أن خاتمي محفور عليه اسمه من الداخل.» خلعته إيدي من إصبعها ورفعته لتراه نيتا.
في طريق عودتهما عبر غرفة المعيشة، توقفت إيدي فجأة أمام المدفأة. كانت تنظر إلى مكان فارغ على رف المدفأة بين شمعدان نحاسي وصورة بالأبيض والأسود موضوعة في إطار. قالت وهي تشير إلى الرف الفارغ: «الجائزة. الجائزة التي نالها جيك عن كتابة السيناريو، إنه يضعها هناك.» التفتت لتنظر إلى نيتا. وأكملت قائلة: «اسمه مكتوب عليها. وهذا يجعلها مميزة جدًّا، أليس كذلك؟»