الفصل السادس

وصلت نيتا مبكرًا.

فتحت إيدي الباب الأمامي وهي ملفوفة بمنشفة وتقطر ماءً على الأرضية الباركيه. اعترضت قائلة: «لقد قلتِ العاشرة!»، وأفسحت الطريق لتدخل الضابطة. وأردفت قائلة: «إنها حتى لم تتجاوز التاسعة والنصف بعد.»

ابتسمت نيتا لها. وقالت: «أنا آسفة»، ولكن إيدي كانت تشعر بأنها ليست آسفة على الإطلاق. كانت تشك في أن نيتا قد وصلت مبكرًا عن قصد. ولكن لماذا؟ لتفاجئها؟ بعد ستة أيام من وفاة جيك، كانت إيدي تعاني الأرق ولا تزال تعاني الصدمة؛ فلم تعد متأكدة متى تفكر بوضوحٍ، ومتى تكون مهووسة بالشك.

تركت نيتا في المطبخ تحضِّر القهوة بينما ذهبت إلى الحمام لترتدي ملابسها. ولكن عندما خرجت، سمعت ضجيجًا في نهاية الممر، في غرفة النوم. سارت بهدوء عبر الردهة المغطاة بالسجاد الكثيف وفتحت الباب. كانت نيتا على الجانب الآخر من سرير رايان، تنظر إلى إطار الصورة الموجود على الطاولة المجاورة للسرير.

قالت إيدي: «لا أعتقد أنكِ يجب أن تكوني هنا.»

التفتت نيتا نحوها. وقالت وهي تبتسم بلطفٍ: «آسفة. كنت فضولية فحسب.»

عادتا إلى غرفة المعيشة، وجلستا متقابلتين على طرفَي الأريكة.

سألتها إيدي: «ما الذي أردت أن تتحدَّثي معي عنه؟»

لكن لم يبدُ أن نيتا كانت منتبهة لسؤال إيدي. كانت تنظر حول الغرفة كما لو كانت تراها لأول مرة. ثم قالت: «هذه شقة جميلة حقًّا، أليس كذلك؟» وابتسمت لإيدي مرة أخرى. ثم أضافت: «لقد سرتُ على هذا الطريق عدة مرات، ونظرت إلى هذه الشقق وقلت في نفسي: يا لها من أماكن رائعة للعيش فيها!» توقفت لحظة عن الكلام. ثم أردفت: «أعتقد أنها باهظة الثمن، أليس كذلك؟»

أومأت إيدي برأسها. ثم قالت: «أجل، أعتقد ذلك. رايان يعمل في مجال رءوس الأموال المخاطرة. ولقد أبلى بلاءً جيدًا جدًّا فيه». تابعت نظرات نيتا وهي تتنقل في جميع أنحاء الغرفة، وتأمَّلت الكراسي المريحة ذات الألوان الزاهية، والستائر الحريرية المعلقة على النوافذ، والأعمال الفنية الموجودة على الجدران. وسمعت نفسها تقول: «كما أنه من عائلة ثرية. لقد كان دائمًا يحب الأشياء الجميلة.»

قالت نيتا وهي تأخذ رشفة من قهوتها: «هذا واضح. هل جعل هذا الأمور بعض الشيء … حسنًا، لا أعرف، هل جعل هذا الأمور بعض الشيء «صعبة» بينكما؟ كوْن رايان ثريًّا جدًّا، بينما كنت أنتِ وجيك تكافحان للعيش؟»

«ليس تمامًا»، هكذا قالت إيدي وهي تدير وجهها بعيدًا عن نيتا للحظة. تذكرت اليوم الذي زارت فيه هي وجيك رايان لأول مرة في هذه الشقة، والنظرة على وجه جيك عندما رأى مدى انبهارها بها. وأكملت قائلة: «لم نتحدث فعليًّا عن هذا النوع من الأمور.»

أخذت نيتا رشفة أخرى، ثم وضعت الكوب مرة أخرى على الطاولة، واستدارت لتواجه إيدي بشكلٍ أكثر مباشرة. وقالت: «إيدي، هل تعرفين ما إذا كان جيك مدينًا؟ نعلم أن هناك رهنًا عقاريًّا صغيرًا على المنزل، ولكن بخلاف ذلك، هل هناك احتمال أن يكون قد اقترض بعض المال؟»

كررت إيدي قائلة: «رهن عقاري صغير؟ معقول. بالطبع.» لم تكن لديها أدنى فكرة عن الأمر. أردفت قائلة: «لا أعتقد ذلك … لا، ليس علينا أي ديون. أي ديون أخرى.»

سألتها نيتا: «هل كان جيك سيخبرك بذلك إن حدث؟»

تلوَّن وجه إيدي. كان واضحًا لنيتا أنها لم تكن تعرف شيئًا عن الرهن العقاري. ردَّت إيدي: «أعتقد ذلك، أجل.»

«أنت غير متأكدة من ذلك، أليس كذلك؟»

تنهدت إيدي وهي تفرك عينَيها بقبضتَيها مثل طفلة ناعسة. ببساطة، لم يكن لديها الطاقة اللازمة لتكون حذِرة. فقالت: «لقد أخبرتك أنه كان أبيًّا. وكانت الأمور صعبة بيننا، لذا …»، ثم توقفت عن الكلام. فكرت مرة أخرى في تلك المشاجرة الأخيرة، عندما وصفته بأنه فاشل. بالطبع لم يخبرها أنه حصل على رهن عقاري. بالطبع لن يخبرها إذا اضطر إلى اقتراض المال! لماذا قد يقدِّم لها المزيد من الإخفاقات لتستخدمها ضده؟

أدركت إيدي أن نيتا تراقبها، وتتوقع منها أن تسترسل أكثر. فقالت: «المسألة هي أنه كان قد حقق نجاحًا كبيرًا في بداية مسيرته المهنية. كان بالكاد في العشرين من عمره عندما أُنْتِجَ أول سيناريو له، ليس للتليفزيون أو شيء كهذا. كان فيلمًا مستقلًّا قصيرًا قليل التكلفة، لكنه شارك في بعض المهرجانات. حتى إنه فاز بجائزة عنه؛ الجائزة التي اختفت.» وقفت على قدميها، وأردفت: «في الواقع، هناك صورة يمكنني أن أريها لكِ. لدى رايان واحدة موضوعة في إطار في مكان ما هنا …»

على المكتبة بجوار المدفأة، كانت هناك عدة صور صغيرة موضوعة في إطارات. أمسكت إيدي بواحدة منها وأحضرتها لتريها لنيتا. لقد التقطت هذه الصورة في الليلة التي عُرض فيها الفيلم أول مرة في مهرجان لندن للأفلام المستقلة، وكان جيك يظهر في الصورة مبتهجًا بالفوز وهو يحمل جائزته عاليًا، بينما كان رايان قافزًا إلى أعلى، يحاول على ما يبدو انتزاعها منه. وبعد أن أعطت الصورة لنيتا، وجدت إيدي نفسها تبتسم بابتهاجٍ وسط دموعها. وقالت: «كانا سعيدين للغاية في تلك الليلة. كان رايان يمزح كالعادة … كان يمزح دائمًا بقوله إن التطور غير المتوقع في أحداث الفيلم كان فكرته؛ لذا كان لا بد أن يحصل على بعض التقدير.»

«هل هذا صحيح؟» هكذا قالت نيتا وهي ترفع نظرها من الصورة إلى إيدي، وقد رفعت أحد حاجبيها. وسألت إيدي وهي تعود لتنظر إلى الصورة: «عمَّ كان يدور؟ هذا السيناريو.»

أجابت إيدي: «كان يدور حول رجل اتُّهم خطأ بالاغتصاب في موعدٍ غرامي. إنه يدور حول السياسة الجنسية، واسمه «لا غضب» (نو فيوري). على غرار، في الجحيم لا غضب …»

«يضاهي غضب امرأة مُحتقرة.» هكذا أكملت نيتا الاقتباس وعيناها لا تزالان على الصورة. وسألت إيدي: «ماذا كان التطور غير المتوقع في الحبكة؟»

«إنه لم يُتهَم بالخطأ على الإطلاق. إنه فقط يجعل الجميع يصدقون براءته. ويفلت من العقاب.»

نظرت نيتا إلى أعلى. وقالت: «يبدو ذلك سوداويًّا جدًّا.»

نظرت إيدي بعيدًا، وفجأة شعرت بعدم الارتياح تحت تأثير نظرة نيتا الحادة. قالت إيدي: «حسنًا، نعم، أعني … لقد كان فيلم تشويقٍ مخيفًا. لذا بالطبع كان سوداويًّا. كان من المفترض أن يكون سوداويًّا.»

وقفت نيتا على قدمَيها، وسارت نحو المكتبة، وأعادت إطار الصورة إلى موقعه الأصلي. أخذت إطار صورة آخر ورفعته لتريه لإيدي. قالت بابتسامة: «هذه صورة جميلة لك.» في الصورة، كانت إيدي وجيك ورايان يجلسون على كراسيَّ قابلة للطي في حديقة صغيرة، وهم مُسمرُّون بشدة ويبتسمون للكاميرا.

قالت إيدي: «هذا هو المكان الذي مكثنا فيه في ستريتام. لقد مكثنا هناك بعد زواجنا مباشرة. لقد كان مكانًا صغيرًا جدًّا مكونًا من سريرين في الطابق الأرضي. كنا نحن الثلاثة متكدسين معًا طوال الوقت، لكننا كنا سعداء جدًّا هناك.»

«ثلاثتكم؟»

«كان رايان يعيش معنا آنذاك.»

رمقتها نيتا بنظرة غريبة. وقالت: «بعد زواجكما مباشرة؟»

شعرت إيدي بنفسها وهي تحمرُّ خجلًا. وقالت: «فقط فترة وجيزة. كان قد …» ثم شعرت بالغضب من نفسها. لماذا كانت تشعر بالخجل من هذا؟ لم يكن هناك شيء غير ملائم في ذلك. فأردفت: «كان قد انفصل لتوِّه عن فتاة ما، على ما أعتقد. لا أتذكر التفاصيل حقًّا. لم يستمر الأمر طويلًا.» نظرت إلى قدميها. وأضافت: «على أي حال، كنا سعداء للغاية. ثلاثتنا.»

شعرت إيدي بعينَي نيتا مثبَّتتين عليها وهي تعود للجلوس جوارها على الأريكة. قالت نيتا: «لا بد أن الأمر كان صعبًا، العيش مكدسين معًا بهذه الطريقة. أتصور أنه كانت هناك مشاجرات …»

نظرت إيدي بعيدًا. وردت: «ليس تمامًا.»

«قَطُّ؟»

قالت إيدي: «حسنًا، لقد كانا يتنافسان، جيك ورايان، لقد كانا دائمًا كذلك، منذ أن كنا صغارًا. مَن يمكنه الجري أسرع، والتسلق أعلى، وإحراز أهداف أكثر. وعندما كبرنا، صارا يتنافسان حول من ينهي الماراثون في وقتٍ أقصر، ومن يمكنه القيام بأكبر عَدَّات من تمرين الضغط … الأشياء الخاصة بالصبية هذه.» خلعت إيدي نعلَيها، وثنت قدميها تحتها وهي تتكئ على مسند ذراع الأريكة.

«لا شيء مهم إذن؟»

زفرت إيدي بصوتٍ عالٍ عبر شفتيها المزمومتَين. «لماذا تسألين عن هذا؟ لا، لم يتشاجرا كثيرًا! ربما كان يحدث هذا عندما كنا صغارًا. ذات مرة، توقفا عن التحدث كلٌّ منهما إلى الآخر بضعة أشهر. كان الأمر يتعلق بإحدى الكاميرات؛ فقد كسر جيك كاميرا رايان.» شعرت إيدي بوجهها يحمرُّ خجلًا مرة أخرى، وأدارت رأسها بعيدًا. ثم أردفت: «أو شيء من هذا القبيل.»

اقتربت نيتا قليلًا من إيدي على الأريكة. وقالت: «السبب في أنني أسأل عن هذا يا إيدي، هو أنه عندما جاء الضباط ليخبروكِ بمقتل جيك، كان أول شيء سألتِ عنه هو ما إذا كان قد وقع شجار. لقد كنت تعلمين أن رايان ذهب إلى المنزل كما كان يفعل صباح كل خميس. لذا أردتُ أن أعرف، ما الذي جعلكِ تعتقدين أنهما يمكن أن يتشاجرا؟»

اعتدلت إيدي في جلستها مرة أخرى. وقالت بغضبٍ: «ما هذا بالضبط؟ هل تستجوبينني الآن؟»

قالت نيتا بهدوء: «لا. أنا فقط أحاول فهم سبب اعتقادك أن جيك ورايان قد يتشاجران.»

سألتها إيدي: «لماذا نتحدث عن هذا الأمر؟ في البداية قلتِ إنكِ تعتقدين أنها كانت عملية سرقة، ثم تسألين عن الديون، والآن تسألين عن رايان … هل تقولين إنك لم تعودي تعتقدين أنها كانت سرقة؟» كان في إمكان إيدي سماع صوتها يرتفع، ويصير أكثر حدة.

قالت نيتا بحذر: «كان انطباعنا الأول أنها سرقة، لكننا الآن في اليوم السادس من التحقيق ولم نعثر على أي آثار اقتحام. لم تُفتَح الأقفال بالقوة، ولم تُكسَر النوافذ، وكان التليفزيون وجهاز الإكس بوكس لا يزالان هناك. وجدنا محفظة جيك، تحتوي على ستين جنيهًا إسترلينيًّا نقدًا في الجيب الداخلي لمعطفه.»

تنهدت إيدي وانحنت إلى الأمام، وأراحت جبهتها على يديها. وقالت: «لكنهم لم يكونوا في حاجة إلى الاقتحام! كان الباب مفتوحًا. وربما لم يجدوا محفظته فحسب. ماذا عن الجائزة؟ تلك التي كنا ننظر إليها لتوِّنا؟»

تنحنحت نيتا. وقالت: «المسألة هي»، هكذا شرعت نيتا في الحديث، واستطاعت إيدي الاستنتاج من نبرة صوت نيتا أنها لن يعجبها ما سيقال. وأضافت: «لم أشرح لكِ هذا من قبل؛ لأنني لم أرغب في إزعاجك، ولكن الجائزة ليست مفقودة.» حدقت إيدي إليها بذهول. أردفت نيتا قائلة: «لقد أخذها ضباط مسرح الجريمة من المنزل في يوم الهجوم. لقد أجرينا بعض الفحوصات. ونعتقد أنها سلاح الجريمة.»

«يا إلهي!» تجعد وجه إيدي تأثرًا، ودفنت وجهها بين يديها مرة أخرى.

«حتى الآن عثر فريق الطب الشرعي على ثلاث مجموعات مختلفة من البصمات على الجائزة. بصمات جيك وبصماتك، وبصمات رايان، بالطبع.»

رفعت إيدي رأسها مرة أخرى. وقالت: «لماذا قُلتِ «بالطبع» عندما أتيت على ذكر بصمات رايان؟»

قالت نيتا وهي تراقب وجه إيدي بعناية: «حسنًا، نحن نعلم أنه لمس الجائزة. يقول إنه أمسكها عندما حرَّك جسد جيك. في الواقع، كان لا يزال ممسكًا بها في يده عندما وصل المسعفون. لقد بدا أنه يكاد …»

«يكاد …؟»

«يكاد يكون رافضًا أن يتركها، هذا ما قاله المسعفون.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥