الفصل السابع

أُوقظت إيدي من نومها بعنفٍ بفعل صوت هاتفها.

انتفضت جالسة، وكادت تسقط من على الأريكة. سطع ضوء الشمس الساطع من خلال النوافذ. ألقت نظرة على الساعة الموضوعة فوق المدفأة؛ لا يمكن أن تكون قد نامت أكثر من خمس عشرة دقيقة. توقف الهاتف عن الرنين. ثم بدأ يرن مرة أخرى. يا إلهي! كل ما أرادت فعله هو النوم. مدَّت يدها والتقطت الهاتف من على طاولة القهوة. لقد كانت لارا تتصل مرة أخرى.

«مرحبًا؟» هكذا أجابت.

«إيدي!» ساد الارتياح صوت صديقتها العميق الأجش. وأردفت: «أخيرًا. لقد كنت قلقة جدًّا عليكِ!»

«أعرف. أنا آسفة، أنا …»

«لا، لا تعتذري لي، لا تكوني سخيفة. هل أنتِ بخير؟ بالطبع أنت لست بخير. هل يمكنني المجيء لرؤيتك؟»

«لارا، أنا منهكة، لا أنام …»

«انظري، سآتي وأصنع لك كوبًا من الشاي ثم سأذهب مرة أخرى، ما رأيك؟ لن أبقى. هل أحضر لك أي شيء؟ طعامًا، شرابًا …؟»

نظرت إيدي إلى زجاجة الويسكي شبه الفارغة الموجودة أعلى خزانة مشروبات رايان.

«أيمكن أن تحضري لي زجاجة ويسكي لاجافولين؟»

•••

لم تصل لارا إلا بعد الرابعة بقليل، لكن إيدي أصرَّت على فتح زجاجة الويسكي على أي حال. «لقد قضيتُ يومًا فظيعًا»، هكذا قالت وهي تعود ببؤسٍ إلى ركنها على الأريكة وتسحب البطانيات عليها. «لقد استجوبتني هذه المرأة، ضابطة الاتصال العائلي.» هكذا قالت وهي تشير بأصابعها بعلامات اقتباس في الهواء. وأردفت: «من المفترض أن تبلِّغني بالمستجدات، لكنني أشعر أنها تسعى لاستخلاص المعلومات مني فحسب.»

استقرت لارا — التي كانت تبدو مثالية كعادتها في بذلتها السوداء المتأنقة وحذائها الرياضي الأحمر الزاهي، وشعرها الداكن المصفَّف إلى الخلف والمرفوع عاليًا على شكل ذيل حصان — على الكرسي ذي الذراعين، وظهرها للنوافذ. انحنت إلى الأمام، وأسندت مرفقيها إلى ركبتيها. وقالت: «لكنهم لا يظنون أنكِ متورطة …»

أجابت إيدي: «لا، لا يظنون ذلك. لم أعد متأكدة مما يظنونه. في البداية، قالوا إنها عملية سرقة، ثم تحدثوا عن الديون، ولكن … أوه، لا أعرف. أنا لا أفكر بشكلٍ صحيح. لا أستطيع التفكير بشكلٍ صحيح، أنا متعبة جدًّا. وأشعر بالذنب بشدة طوال الوقت.»

أغمضت لارا عينيها لحظة. وقالت: «أتقصدين لأنكِ لم تكوني هناك؟ لأن …»

أكملت إيدي قائلة: «لأنني كنت هنا. مع رايان.»

لم تقل لارا شيئًا لبضع لحظات. ثم قالت: «عندما تقولين مع رايان، فإنك لا تقصدين …»

ردَّت إيدي: «لا، ليس هكذا. أتمنى فقط … أتمنى لو كنت أستطيع أن أحزن بطريقة طبيعية، هل تفهمين؟ أن أكون حزينة بطريقة طبيعية.»

اعتدلت لارا في جلستها أكثر، وابتسمت لإيدي ابتسامة حزينة. وقالت: «لست متأكدة ما إذا كان الحزن أمرًا طبيعيًّا على الإطلاق. إنك تشعرين بما تشعرين به. إنه دائمًا ما يكون معقدًا.»

أومأت إيدي برأسها. شربت كأسها بالكامل وانحنت إلى الأمام لتصب لنفسها كأسًا أخرى. وقالت وهي تنظر إلى لارا: «لا تنتقديني.»

رفعت لارا يديها. وقالت: «سأكون آخر شخص على وجه الأرض ينتقدك يا إيدي.»

أخذت إيدي رشفة أخرى من الويسكي لتدفئها، واستمتعت لحظة بتأثيره المخدر الجميل. لاحظت الآن كيف بدت لارا، على الرغم من أناقتها الظاهرية، مرهقة قليلًا هي الأخرى. فسألتها: «هل أنت بخير؟ تبدين إلى حدٍّ ما …»

أجابت لارا بابتسامة: «منهَكة؟ أجل، لقد كنت أعمل بلا توقف. لديَّ مشروع كبير أعمل عليه منذ فترة طويلة. كان عملًا يدفعه الشغف، ولكن يبدو أن الأمور تتضافر أخيرًا ليكتمل.»

أومأت إيدي برأسها، وقد شعرت بالارتياح لأن بؤرة الانتباه قد ابتعدت عنها للحظة. حثَّت لارا على الحديث أكثر عن شركتها، ستوري تايم. كانت نوعًا ما تختص بإنتاج البودكاستات والكتب الصوتية حيث يمكن للناس الاشتراك لسماع القصص الأصلية، التي تُروى على مدار عدة أيام.

قالت لارا: «الميزة الرائعة أنه يمكنك أيضًا قراءة القصص على الجهاز اللوحي أو الهاتف، ثم التبديل إلى الاستماع الصوتي، اعتمادًا على ما إذا كنتِ تركضين أو تقودين السيارة أو تجلسين في المنزل على الأريكة. لدينا جميع أنواع القصص؛ قصص لهواة التنزُّه، وقصص للمستكشفين، وحكايات عن الأشباح تُروى حول نار التخييم، وقصص للرومانسيين وغير ذلك. على أي حال، نحن جاهزون تقريبًا لتجربته على الناس. وبعد ذلك نأمل أن يكتمل المشروع برمته ويصير جاهزًا للعمل في الخريف. سأرسل إليكِ رابطًا، إذا أردت، حسنًا؟ ستكون التجربة مجانية.»

أومأت إيدي برأسها، ثم أخذت رشفة أخرى من شرابها وغاصت إلى أسفل قليلًا في الأريكة.

أمالت لارا رأسها إلى الجانب، ونظرت إليها بقلق. قالت وهي تلتقط حقيبة يدها التي وضعتها عند قدميها: «إنكِ منهَكة. لا بد حقًّا أن أتركك لتستريحي.»

«لا»، هكذا اعترضت إيدي. كان الكحول يجعلها سعيدة بالصحبة. فأردفت قائلة: «ابقي فترة أطول قليلًا. أخبريني بشيء آخر، أي شيء. هل ما زلت تفكرين في المشاركة في ذلك الماراثون الفائق؟ هل تتدربين؟»

كان الجري هو اللغة المشتركة بين لارا وإيدي، وهو ما ربط بينهما في المقام الأول. بعد شهر أو اثنين من انتقال إيدي وجيك إلى اسكتلندا، انضمَّت إيدي إلى نادٍ للجري كوسيلة لمحاولة التعرف على الناس. في أول سباق جري شاركت فيه، لفتت لارا انتباهها بقامتها الطويلة، وساقيها الطويلتين وسرعتها الشديدة. ركزت إيدي نظرها بثباتٍ على شعار «ماراثون لندن» الموجود على ظهر قميص جري المرأة الطويلة، وحاولت جاهدة مواكبة سرعتها. وفشلت. ولكن بعد انتهاء السباق، كانت المرأة الطويلة، لارا، أول من رحَّب بإيدي. كانت منفتحة وودودة، وإن كانت، كما ظنَّت إيدي في ذلك الوقت، حادة بعض الشيء. كانت لارا صديقتها الأولى والوحيدة في إدنبرة حتى انتقل رايان من لندن إلى هناك.

كانت لارا تتحدث عن جدول تدريباتها عندما سمعت إيدي ضجيجًا في الخارج وجفلت. توقفت لارا عن الكلام، ورفعت حاجبيها. وسألت: «ما الأمر؟»

«لا شيء، أنا فقط …» كانت إيدي تميل إلى الأمام على الأريكة، وتمد رقبتها لترى الباب الأمامي. وأردفت قائلة: «لقد سمعت شيئًا. اعتقدت أن ربما …»

«ربما؟»

«ربما عاد رايان إلى المنزل مبكرًا.» جلست إيدي مرة أخرى على الأريكة، وهي لا تزال تنصت بإمعان. وأخذت رشفة أخرى من شرابها.

سألتها لارا: «هل سيكون ذلك مشكلة؟»

قضمت إيدي أحد أظفارها. وقالت: «إنه ليس في حالة جيدة. أعني، من الواضح أنه ليس في حالة جيدة. لقد فقد جيك، وكان هو من وجد جثته. ولكن الطريقة التي يتصرف بها ليست … طبيعية. إنه يصر على الذهاب إلى العمل، يصر على أنه لا يستطيع أخذ إجازة، ولكن عندما يعود إلى المنزل، يكون غاضبًا، حساسًا، وشبه … شبه مذعور. إنه يقفز عند سماع أصوات عالية. لقد فقد أعصابه عندما صفعت الباب الأمامي بالخطأ قبل بضعة أيام … أعتقد أنه مثلما قلتِ، كل الناس حزنهم معقد.»

أومأت لارا بتأمُّل. وقالت: «أجل، ولكن غير مقبول أن يغضب منكِ.»

قالت إيدي ببؤس: «لا، لا بأس، لا بأس. لكنني أشعر أنه مستاء من وجودي هنا، وأنه يفضِّل حقًّا أن أكون في مكان آخر. وهذا مؤلم، لأنني أشعر أننا في حاجة إلى بعضنا أكثر من أي وقتٍ مضى.» هزَّت رأسها. وقالت: «لا أعرف، إنني أبالغ في رد فعلي تجاه الأشياء أيضًا. أنا أيضًا حساسة للغاية، محمومة بالشك …» شربت كأسها بالكامل، وانحنت إلى الأمام لتصب كأسًا أخرى.

قالت لارا وهي تعض شفتها: «إيدي …»

أجابت إيدي: «قلتِ لا نقد، أتذكرين؟»

فأومأت لارا مرة أخرى.

عادت إيدي إلى جلستها، ومدَّدت ساقيها أمامها واضعة واحدة فوق الأخرى، وأخذت رشفة كبيرة أخرى. قالت: «المشكلة في رايان أنه لا يتعامل مع الفشل بشكلٍ جيد. ليست لديه الكثير من الخبرة في ذلك.»

عبست لارا قائلة: «الفشل؟»

«هكذا سيرى الأمر. لم يقل ذلك، ولكني أعرف رايان، سيظن أنه خذل صديقه وتخلى عنه. وأنه أذى مشاعر جيك بوقوفه في صفي، على الرغم من أن الأمر لم يكن كذلك حقًّا. الأمر برمته معقد جدًّا، وأنا لا أتوقف عن التفكير …» تحشرج صوت إيدي. وأردفت قائلة: «أظل أسأل نفسي عن السبب. ماذا فعلنا لنستحق هذا؟ نحن أشخاص صالحون. نحن لا نستحق هذا.»

نهضت لارا فجأة وذهبت لفتح النافذة. وقالت: «الجو خانق هنا، أليس كذلك؟» لبضع لحظات، وقفت أمام النافذة المفتوحة وهي تنظر إلى أشعة الشمس الناعمة للمساء. قالت بهدوء كأنما تقول لنفسها: «هذا أفضل.»

من خلفها، شربت إيدي كأسها واستقرت على الأريكة، وسحبت البطانية إلى ذقنها.

•••

للمرة الثانية في ذلك اليوم، استيقظت إيدي مفزوعة. لم تعد أشعة الشمس تتدفق من خلال النوافذ الآن. كانت الغرفة معتمة تمامًا. للحظة أو اثنتين ظلت مستلقية على الأريكة تستمع إلى دقات قلبها المذعورة. لم تتذكر أنها ودَّعت لارا، لا بد أنها استغرقت في النوم فحسب. تذكرت الويسكي. كانت تشعر بآثاره الآن، رأسها يؤلمها وفمها جاف. دفعت الغطاء، وصارعت للوقوف. محمومة بالذعر، حاولت العثور على مصباح الطاولة إلى يسارها، ولكنها كانت كالعمياء في الظلام.

اجتاحتها موجة من الشعور بالغثيان، أجبرتها على الجلوس ساكنة للحظة. نظرت أمامها مباشرة دون أن ترى أي شيء، ولكن إحساسًا بدأ يتسلل إليها بأنها ليست وحدها، وأن هناك شخصًا آخر في الغرفة. ربما نامت لارا هنا أيضًا. فجأة، أحسَّت بحركة، وفي اللحظة التالية أُضيئَت الغرفة. كان رايان جالسًا على المقعد المقابل لها، يراقبها ويده على مفتاح المصباح.

صرخت إيدي وهي تحمي عينيها من وهج الضوء قائلة: «يا إلهي! لقد أخفتني يا رايان!»

لم ينبس رايان ببنت شفة. كان وجهه خاليًا من التعبير، وعيناه زائغتَين. أدركت أنه سكران.

همست قائلة: «هل أنت بخير؟» ولكنه ظل صامتًا. أردفت إيدي قائلة: «رايان، ماذا حدث؟ لقد بدأت تخيفني …»

قال أخيرًا: «لقد زارت صديقتك مكتبي.»

رمشت إيدي بقوة، ودفعت أصابعها بين شعرها. وقالت: «صديقتي؟ أتقصد لارا؟»

هزَّ رأسه ببطء وعيناه لم تفارق عينيها. وقال: «صديقتك الأخرى. الضابطة. هي واثنان من رفاقها حضروا إلى مكتبي؛ في الواقع اقتادوني من مكتبي. أمام الشركة بأكملها.»

«ماذا؟ لماذا؟ يا إلهي، يا رايان، لم أكن أعرف شيئًا …»

«لماذا؟ أخبريني أنتِ يا إي.» لم يتحرك، لكن صوته ارتفع. وقال: «أخبريني لماذا فجأة يبدو أنني صرت المشتبه الرئيسي في هذا الأمر.»

««المشتبه الرئيسي»؟» انخلع قلب إيدي ذعرًا. وقالت: «لا يا رايان، لم أقل شيئًا، لم …»

«أرادوا معرفة ما الذي كنت أنا وجيك نتشاجر بشأنه ذلك الصباح. أرادوا معرفة ما إذا كنا قد تشاجرنا حول فيلم جيك. ما إذا كنت أحسد جيك على نجاحه!» ضحك ضحكة بغيضة ومريرة. وأكمل قائلًا: «ثم أرادوا معرفة إذا كنا نتصارع «عليكِ».» لوى رايان شفتيه مبتسمًا ابتسامة هازئة كريهة. وقال: «هل هذا ما قلتِه لهم؟ إننا قضينا حياتنا كلها نتشاجر للحصول على اهتمامك؟»

أجابت إيدي والدموع تحرق عينيها: «بالطبع لم أفعل ذلك. لم أقل قَطُّ إنكما تصارعتما عليَّ. لم أقل إنكما تشاجرتما أصلًا. لقد ذكرت الفيلم ذكرًا عابرًا فحسب. لا أعرف حتى لماذا كنت أتحدث عنه …»

وقف رايان وهو يترنح قليلًا. وقال وهو يتجه نحو غرفة نومه: «لا، ولا أنا أعرف أيضًا. ولكنني أعرف الآتي. أنني أريدكِ أن ترحلي.»

قالت: «رايان …» وبدأت تبكي.

التفت لمواجهتها وقد اختفى الاحتقار من على وجهه، وقال: «إيدي، إنني أعني ما قلتُه.» كان وجهه الآن جامدًا. وأردف قائلًا: «لا أريدك هنا. هل تفهمينني؟ لا أريدك أن تتواجدي معي على الإطلاق.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥