الفصل الثامن

بعد أن خلد رايان إلى الفراش، أطفأت إيدي الضوء واستلقت مستيقظة في الظلام، تحاول جاهدة إبطاء نبضات قلبها. لا بد أنها نامت في النهاية؛ لأنها عندما استيقظت كان الضوء قد سطع، وكانت الشقة صامتة على نحوٍ أخبرها أن رايان قد غادر إلى العمل. نهضت وأحضرت كوبًا من الماء من المطبخ وتناولت قرصَي باراسيتامول. فتحت الستائر لكنها وجدت أن المنظر قد اختفى. كان الضباب البحري الكثيف قد انسدل وغطى المدينة باللون الأبيض.

أعدت قهوة وعادت إلى الأريكة، وحينئذٍ لاحظت مظروفًا على طاولة القهوة يحمل اسمها، وكانت بجواره قصاصة ورقية مطوية. تناولت الورقة أولًا وفتحتها، فقرأت الرسالة التالية:

«لم أرغب في إيقاظك! آمل أن تنعمي بقسطٍ جيدٍ من النوم. سأتصل بك غدًا، مع خالص حبي.»

لا بد أن لارا تركتها بالأمس. لم تلاحظ هذه القصاصة في الليلة الماضية، لكن ذلك لم يكن مفاجئًا على الإطلاق في ظل ما حدث. التقطت المظروف بعد ذلك. وفي الداخل وجدت رسالة أخرى:

«آسف بشأن ليلة أمس. كنت مستاءً. أعتقد أننا في حاجة إلى مساحة للحزن، أليس كذلك؟ أليس من الأفضل أن تبحثي عن مكان آخر تقيمين فيه لفترة؟ رايان.»

ارتفعت معنويات إيدي لكنها سرعان ما انخفضت مرة أخرى. كانت تأمل أن يغيِّر رأيه تمامًا؛ فإلى أين كان يتوقع منها الذهاب على أي حال؟ لم يكن يتوقع بالتأكيد أن تعود إلى منزل الجرف. أخذت رشفة من قهوتها، وشعرت على الفور تقريبًا بموجة من الغثيان.

ركضت إلى الحمام، وجثت على ركبتَيها، وأمسكت بالمرحاض بكلتا يديها. وحاولت التقيؤ. لكن لم يخرج شيء. ظلت جاثية تعانق المرحاض وهي في أشد حالات التعاسة، وراحت تبكي بهدوء بينها وبين نفسها وقد أغلقت عينيها على دموعها. وعندما فتحتهما مرة أخرى، رأت شيئًا ما. لمحة من المعدن في قاع المرحاض. دفعت بذراعها في الماء، وأغلقت أصابعها حول جسم معدني صغير.

على مدار بضع لحظات، جلست على الأرض وقلبها ينبض بشدة، والماء يقطر من ذراعها. كانت تحدق بذهول في القطعة الذهبية الصغيرة الموجودة بين أصابعها، والتي كان اسمها محفورًا بداخلها. لقد كانت خاتم زواج جيك.

كان هذا غير منطقي تمامًا. لم يذهب جيك إلى شقة رايان منذ أسابيع، منذ شهر على الأقل. محالٌ أنه أتى إلى هنا خلال هذه الفترة. فكرت في احتمالية أن يكون المسعفون قد أعطوا رايان الخاتم من أجل حفظه. لكن ما الذي حدث بعد ذلك؟ هل نسيه رايان؟ هل «تخلص منه»؟ حتى في الحالة التي كان عليها الليلة الماضية، كانت إيدي تجد صعوبة في تصديق أنَّ رايان يمكن أن يفعل ذلك.

كانت الأفكار تتسارع في عقلها، وتذكرت صباح اليوم السابق وتسلُّل نيتا إلى غرفة نوم رايان، وتفتيشها فيها. لقد استخدمت نيتا الحمام، لكن ماذا كان يعني ذلك؟ أنَّ نيتا كانت تحاول «توريط» رايان في جريمة قتل جيك؟ أو أنَّ نيتا كانت تحاول الإيقاع بها هي؛ وهي فكرة انقبضت معدة إيدي بشدة لها؟ لكن لارا أيضًا كانت هنا، أليس كذلك؟ وهي أيضًا استخدمت الحمام. لكن كيف كان من الممكن أصلًا أن تحصل لارا على خاتم جيك؟ لارا لم ترَ جيك منذ أشهر.

لا بد أنَّ هذه سخافة منها. لا شك أنَّ حالة فرط الشك أصابتها مجددًا. أليس كذلك؟

بينما كانت تجلس على بلاط الحمام البارد تحدق إلى خاتم زفاف جيك، انتبهت إلى صوت رنين، يتوقف ثم يتكرر مرارًا وتكرارًا. إنه جرس الباب. ساعي البريد، على الأرجح. كانت تميل إلى تجاهله، لكنه استمر، مرارًا وتكرارًا، حتى إنها لم تعُد قادرة على تحمُّله أكثر من ذلك. تحاملت على نفسها حتى وقفت، وغسلت يديها ووجهها بالماء بسرعة، ثم توجهت إلى الردهة. وضغطت على زر نظام الاتصال الداخلي.

«إيدي؟» كانت نيتا.

كان قلب إيدي يدق بسرعة شديدة بين ضلوعها، وفتحت فمها لتقول شيئًا، لكنها وجدت أنها ليست لديها أي كلمات.

«إيدي؟ أنا نيتا بادامي.»

«لا أستطيع التحدث معك الآن، أنا …»

«إيدي، رجاء هل يمكنك أن تفتحي الباب؟»

أخذت إيدي نفسًا عميقًا. «لا، لا أستطيع. أنا لست بخير، أنا …»

«إيدي، عليَّ أن أدخل وأتحدث معك.» كان صوت نيتا صارمًا، كأنها معلمة في المدرسة. «إنه أمر مهم. لن يستغرق منك وقتًا طويلًا على الإطلاق، لكن من الضروري أن نتحدث الآن.»

ضغطت إيدي على الزر لفتح الباب الأمامي. فتحت باب الشقة، وقبضت يدها اليمنى على إطار الباب لتستند إليه. وفي يدها اليسرى، كانت تمسك بخاتم زواج جيك. استمعت إلى خطواتهم على الدرج؛ يبدو أنهم جمع كبير، كانت خطواتهم كأن جيشًا يتقدم في اتجاهها. شعرت برغبة مفاجئة في الفرار، لكن لم يكن ثمة مكان تذهب إليه، ولا مكان للاختباء.

ظهرت نيتا، بوجه متجهم، وكان يتبعها ضابطان يرتديان زي الشرطة. ليس جيشًا إذن، ثلاثة أشخاص فقط. شدَّت إيدي رداء نومها وربطته بإحكامٍ أكبر حولها. تمايلت في المدخل، إذ كانت مصابة بدوار.

سألت: «ما الأمر؟ ما الأمر المهم جدًّا؟»

«هل يمكننا الدخول دقيقة واحدة فقط؟»

تراجعت إيدي باستسلام. وتخطَّاها ضابطا الشرطة إلى المطبخ، حيث وضع أحدهما شيئًا ما على المنضدة قبل أن يبتعدا. أخذت نيتا بذراع إيدي وقادتها إلى المطبخ. ابتعدت إيدي عنها، خائفة، رغم أنها لم تستطع تحديد سبب خوفها. على المنضدة الرخامية، قبع كيسان من البلاستيك الشفاف، وفي داخلهما هاتف محمول وجهاز كمبيوتر محمول.

سألتها نيتا: «هل تميزين أيًّا من هذَين الشيئَين؟»

شعرت إيدي أنَّ ساقيها بدأتا تهتزان تحتها. وأومأت برأسها.

قالت: «هذا هو الكمبيوتر المحمول الخاص بجيك. أعرفه من هذا الملصق المكتوب عليه: «وارب سبييد فيلمز»؛ هذا ملصقه. الهاتف المحمول … لا أستطيع أن أقول ذلك على وجه اليقين، لكنه يبدو كهاتفه.» شعرت بقبضة نيتا على ذراعها ترتخي. وأردفت: «أين وجدتم هذَين الشيئَين؟»

قالت نيتا: «في قالب المهملات العمومي الموجود في نهاية الطريق. قال أحد السكان إنه رآهما هناك هذا الصباح. واعتقد أنه من غير المعتاد التخلص من مثل هذه الأشياء.»

دار رأس إيدي. «قالب المهملات … في … في نهاية الطريق؟» على بُعد نحو خمسين ياردة من باب رايان الأمامي. قالت: «لم أضعهما هناك. أقسم أنني لم أفعل ذلك.»

أومأت نيتا. وقالت: «لا، لم نظن أنك مَن وضعهما هناك يا إيدي.»

«إذن … «رايان»؟» اختنقت إيدي بالبكاء. وسقطت عندما بدأت ساقاها الهلاميتان تخونانها. أحدهم أمسك بها قبل أن تصطدم بأرضية المطبخ؛ كان أحد الرجلين اللذين يرتديان زي الشرطة على الأرجح. كان آخر شيء سمعته قبل أن تفقد وعيها هو رنة خاتم زواج جيك على البلاط الحجري بينما تدحرج من يدها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥