الفصل التاسع

المفاجأة!

لم ينم «تختخ» هذه الليلة جيِّدًا … فقد سهر طويلًا يفكِّر في سؤال واحد: لماذا استبعد المغامرون نقل العصافير إلى مكانٍ بعيدٍ خوفًا من اكتشافها؟ فقد ينقلها اللصوص إلى بور سعيد مثلًا، أو السويس، أو المنصورة، أو حتى إلى إحدى مدن الصعيد، وقال في نفسه: إن هذه مسألةٌ مفزعة … فكيف يمكن البحث عن الطيور في مساحة مصر كلها؟ أرَّقه هذا السؤال، لكن لأنه كان متعبًا، فقد استغرق في النوم أخيرًا … ولم يوقظه إلا رنين تليفونه المحمول … ولم يكن المتحدث سوى «عاطف» الذي سأله نفس السؤال … ولم تكن إجابة «تختخ» محددة … فقد أرجأ مناقشته حتى اجتماع المغامرين.

وما إن انتهت المكالمة … حتى رنَّ المحمول مرةً أخرى، وكان المتحدث هذه المرة «محب»، الذي سأل نفس السؤال، وإن قال إنه يستبعد نقل الطيور إلى محافظة أخرى، فعادةً تُجَّار هذا النوع من الطيور يعرفون بعضهم في كل مكان … وإن نقل الطيور يمكن أن يكشف حاملها، ويمكن أن يشتبه فيه، خصوصًا وهي طيورٌ نادرة، ومرة أخرى تأجلت مناقشة السؤال حتى اجتماع آخِر النهار.

جهَّز «تختخ» نفسه، فتناول إفطارًا سريعًا، وتفاهم مع «زنجر»، ثم أخذ طريقه وحده إلى الخارج، استقلَّ المترو إلى ميدان رمسيس، ومن هناك استقلَّ مترو آخَر إلى مصر الجديدة، لكنه في منطقة العباسية غيَّر طريقه، ونزل في العباسية، فهو يذكر أنه رأى محلًّا لبيع عصافير الزينة في ميدان العباسية.

كان الميدان مزدحمًا تمامًا، حيث توجد محطة الأتوبيسات التي تنقل الركاب إلى اتجاهات متعددةٍ في القاهرة الكبرى، التي تضم محافظات القاهرة، والجيزة، والقليوبية، كان المحل يقع على يمين الميدان، فاتجه إليه مباشرة، وهناك بعض الأقفاص معلَّقة في حوامل، وفيها مجموعة من طيور الزينة تتقافز داخل الأقفاص، وهي تطلق شقشقاتها الجميلة.

وفي قفصٍ وحيدٍ كان يقف ببغاءٌ وحيدٌ يتنقَّلُ في تثاقُل وكأنه معجبٌ بنفسه، وبألوان ريشه الرائعة، وقف يتأمل العصافير، كانت هناك مجموعة بيضاء اللون، اقترب أكثر، وظل يتأمل ويسمع أصواتها، وسأل نفسه: هل يكون بينها أحد عصافير السيدة «فرانسوا»؟ لكنَّ سؤالًا قفز إلى خاطره، وكان السؤال: ما نوع عصافير السيدة «فرانسوا»؟

وبسرعة، أخرج تليفونه المحمول، وتحدَّث إلى مستر «براون» الذي أجاب عن السؤال، بأنها من نوع الكناريا البيضاء، ولهذا فهي نادرةٌ؛ لأن عصفور الكناريا له لون معروفٌ هو الأصفر الفاتح جدًّا، حتى إنه يُقال دائمًا عن شيء: إنه في لون الكناريا، وعندما أغلق المحمول اقترب منه صاحب المحل يسأله إن كان يبحث عن عصافير معينة، فقال «تختخ»: نعم.

قال البائع: عندي مجموعةٌ نادرة بالداخل، يمكن أن تراها.

دخل «تختخ» المحل خلف البائع إلى داخل المحل الذي كان مزدحمًا بأقفاص العصافير، وكلها تطلق أصواتها في وقت واحد، فكأنها فرقة موسيقية تعزف سيمفونية رائعة …

ظل «تختخ» يدور بين الأقفاص، والبائع يتابعه بعينيه، توقف «تختخ» لحظة، ثم قال للبائع: أبحث عن عصفور كناريا أبيض.

ابتسم البائع وقال: لا تبحث عن هذا النوع فهو نادرٌ جدًّا … ومَن يملكه لا يبيعه أبدًا … لكن عندي بعض عصافير الكناريا العادية، التي تطلق أنغامًا جميلة.

قال «تختخ»: بصراحة، كان عندي عصفور كناريا أبيض، ولكنه للأسف طار من قفصه، وأنا أبحث عنه.

البائع: هذه خسارةٌ كبيرة … ومَن يدري، قد يصطاده أحد ببندقية ويقتله، وتكون قد فقدتَ عصفورًا نادرًا، مع ذلك يمكن أن تذهب إلى سوق الحمام، فمَن يدري؟! قد يكون أحدٌ أوقع به، وذهب يبيعه في السوق!

فكَّر «تختخ» لحظات ثم قال: هل يمكن أن أترك لك تليفوني إذا حدث وجاء أحد يبيعه عندك أن تحجزه لي؟

ووافق البائع، فترك له «تختخ» تليفونه واسمه، وشكره وانصرف … ما إن غادر محل العصافير حتى تذكر أن المغامرين لا يعرفون نوع عصافير السيدة «فرانسوا» … وبسرعة تحدث إلى «عاطف» وأخبره، ثم إلى «محب» وأخبره، ثم انطلق إلى مصر الجديدة.

•••

آخِر النهار اجتمع المغامرون الخمسة، وكان أول ما قاله «تختخ» ﻟ «نوسة»، إنني أكاد أموت من الجوع … هل تستطيعين أن تتحفيني بأي ساندويتش؟

ابتسمت «نوسة» وهي تقول: أعرف أنك لا تستطيع التفكير ومعدتك خالية … ثم قفزَت إلى داخل الفيلَّا واختفت … فقالت «لوزة»: هل توصلتَ لشيءٍ؟

«تختخ»: لا أستطيع الرد الآن … فقد تعطَّل تفكيري تمامًا.

ولم تمضِ دقائق، حتى عادت «نوسة» تحمل صينية عليها عدد كبير من الساندويتشات … وقبل أن تضعها أمامهم، كان «تختخ» قد مدَّ يديه الاثنتين، وقبض على عدة ساندويتشات، وهو ينظر إلى المغامرين مبتسمًا، وهو يقول: حتى أستطيع التفكير!

وانقضَّ المغامرون على الساندويتشات وهم صامتون، فقد كانوا جائعين تمامًا، وعندما انتهى «تختخ» من التهام مجموعة الساندويتشات، حتى خبَّط على بطنه وهو يقول: لقد امتلأت … والآن أستطيع أن أتكلم.

وبدأ المغامرون الخمسة يُقدِّم كلٌّ منهم تقريره عمَّا وصل إليه، ولم تكن أيُّ مجموعة منهم قد توصَّلَت إلى شيءٍ، لكنهم تصرفوا كما تصرَّف «تختخ»، فقد تركوا أرقام تليفوناتهم عند أصحاب محلات العصافير، وأخيرًا قال «تختخ»: لقد توقَّعتُ ذلك، فلن تظهر العصافير ولا الببغاء سريعًا، لا بد أن يمرَّ وقت حتى يمكن أن تظهر العصافير.

ثم وقف قائلًا: لقد تحرَّكنا كثيرًا اليوم، وأنا في حاجة إلى النوم، خصوصًا وقد أوحشني «زنجر» وافتقدته كثيرًا.

انفضَّ الاجتماع، وأخذ كلٌّ منهم طريقه إلى بيته، في الطريق فكَّر «تختخ» أن الأمل في يوم الجمعة القادم، حيث سوق الحمام.

•••

ظلَّ المغامرون الخمسة يدورون على محلَّات بيع العصافير، فقد اكتشفوا أن هناك عددًا كبيرًا من هذه المحلات في مناطق مختلفة، حتى جاء يوم الجمعة، أسرع «تختخ» إلى سوق الحمام، وهو يحمل القفص الصغير، وفيه عصفورا الكناريا، ما إن وصل إلى هناك حتى وقف مندهشًا، كان الزحام شديدًا، اندسَّ بين الزحام، وفجأةَ وقعت عينه على «محب» و«نوسة» في جانب … و«عاطف» و«لوزة» في جانب … ابتسموا لبعضهم، وأخذ كلٌّ منهم يتجوَّل حسب خطته.

امتدت يدٌ تربتُ على كتف «تختخ»، فالتفتَ بسرعة، كان هناك رجلٌ متقدِّمٌ في السن، ينظر إليه مبتسمًا، وقال: هل تبيع هذين العصفورين؟

قال «تختخ»: لا … ولكنِّي أبحث عن …

ثم ابتسم وأضاف: إنني أبحث عن رجل لهما، فهما أنثيان.

ضحك الرجل، فقد فهم ماذا يقصد «تختخ»، وقال: هذه كناريا غالية.

تختخ: أعرف … وسوف أدفع أيَّ مبلغٍ.

نظر له الرجل قليلًا، ثم قال: عندي ما تبحث عنه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤