هل ستنتهي ثورة يوليو نهاية ثورة عرابي؟
كانت مفاجأة لي، ولغيري، أن نجد الدكتور فؤاد زكريا — في مقالاته عن جمال عبد الناصر واليسار المصري — يُهاجِم ثورة يوليو من نفس الزاوية التي هوجمت منها جميع ثورات العالم قديمها وحديثها!
ولو أننا أخذنا حقًّا بمنطق الدكتور لكان علينا أن نقتنع بأن الثورات الأمريكية والفرنسية والروسية والصينية (والجزائرية أيضًا) كانت أخطاءً حدثت في تاريخ شعوبها.
إن لكل ثورةٍ أخطاءَها، وقد يكون منها السماحُ للعناصر الانتهازية بالتسلُّق على حساب العناصر الثورية، وعدم الاهتمام الكافي بتربية الكوادر السياسية، وتفشي البيروقراطية في التنظيمات السياسية، وعدم الاعتماد بالقدر الكافي على طاقات الجماهير، وعدم الضرب بشدة على أيدي العناصر المنحرفة أو المخربة. وقد تصل هذه الأخطاء إلى حد أن تأكل الثورة نفسها، ولكنها ليست بالضرورة متعمدة كما يجزم بذلك الدكتور فؤاد زكريا في نقده لشعار «من لا يعمل لا يخطئ» وإصراره على أن الخطأ «الذي كان هذا الشعار يهدف إلى تبريره والدفاع عنه، كان خطأً مقصودًا ومتعمدًا ارتكب برويةٍ وتفكيرٍ وسبق إصرار وترصد يرمي إلى إكساب مرتكبه مغانم لا يستحقها من قوت شعب مطحون.»
سبحان الله! هل هناك امتهان بحقوق الناس، وتحيز واضح ضد ثورة يوليو أكثر من هذا. إن الأرجح هو أن الدكتور كان متأثرًا بموضوع شخصي لمسه عن قرب أو سمع به. وهذه هي نفس الطريقة والأسلوب الذي يهاجم به اليمين الرجعي في الوقت الذي كنَّا نأمل منه أن يكون أكثر موضوعية لا يدين بغير الحقيقة كما يفهمها بمقاييس البحث العلمي المجرَّد.
إن أكبر خطأ للدكتور هو أنه اكتفى بما تردده حلقات محدودة، معظمها رجعي، في منتدياتها وثرثراتها ولم يحاول أن يتعرَّف على حقيقة شعور الطبقات الكادحة من عمال وفلاحين وشباب ومثقفين ثوريين … وهم الذين قامت الثورة من أجلهم وحقَّقت أكبر إنجازاتها بواسطتهم.
لعل الأستاذ الدكتور لم يسمع بالموقف الوطني الثوري الذي وقفته الجماهير يومي ٩، ١٠ يونيو سنة ١٩٦٧م حينما رفضت الهزيمة وأصرت على استمرار النضال بقيادة جمال عبد الناصر. ولا بوقفتها الرائعة حينما تصدَّت لقوى اليمين الرجعي في مناقشات «ورقة أكتوبر» في سبتمبر ١٩٧٤م أمام لجنة الاستماع بمجلس الشعب التي حاول فيها الانقضاض على مكتسبات الشعب التي حققها بعرقه ودمائه، ولعله أيضًا لم يسمع أن بعض عناصر اليمين طالبت أن تذهب البنوك الوطنية إلى الجحيم كي تفسح المجال للبنوك الأجنبية لتحتل مكانها، أو أنها نادت بهدم السد العالي وتصفية القطاع العام الذي يملكه الشعب وبيعه بالمزاد. وإلا فلماذا لم يبيِّن لنا رأيه في هذه المواضيع ويحلِّلها التحليل العلمي الصحيح في بحثه المستفيض، ويحدد لنا موقفه منها بوضوح، كما اجتهد وتوصَّل في تحليله إلى «أن سخط الإنسان المصري على التجربة الاشتراكية كان واضحًا وجليًّا في استقبال نيكسون وأن ذلك كان استفتاء غير رسمي على التجربة الاشتراكية المزعومة.»
هل صنع اليمين كل هذا
يقول الأستاذ الدكتور: «إن التجربة الناصرية لم تكن في حقيقتها يسارية بالمعنى الصحيح، ولم يكن لها من مقومات الاشتراكية بالمقاييس العلمية الصحيحة إلا أقل القليل.»
وإني أسأله: هل تنتمي إلى اليمين إذن إنجازات «التجربة الناصرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتي غيرت خريطة مصر كما لم تتغير في كل تاريخها، والتي تجاهلها في بحثه بدعوى أن الجماهير ملَّت من كثرة تكرارها»؟
ما هو تقييمه للتخلُّص من الوجود الاستعماري البريطاني الذي ظل جاثمًا على صدر الشعب أكثر من سبعين عامًا وتحرير الاقتصاد المصري من سيطرة الرأسمالية والاحتكارات العالمية، المتمثلة في الشركات الأجنبية وأهمُّها شركة قناة السويس — وتصفية قواعد الإمبريالية المتمثلة في البنوك وشركات التأمين الأجنبية — والقضاء على الإقطاع وتوزيع الأرض على المعدِمين — ووضع أساس بناء القاعدة الصناعية والعلمية للمجتمع لمواجهة متطلبات المستقبل، وإعطاء دفعةٍ قوية للتنظيمات النقابية والتعاونية وإقرار مجانية التعليم، وإعطاء المرأة حقوقها السياسية والاجتماعية وتدعيم أكبر مؤسسة دينية (الجامع الأزهر) ليكون جامعة إسلامية تجمع بين علوم الدنيا والدين، ومنارة للمعرفة لكافة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها — وغير ذلك من إجراءاتٍ استهدفَت مصالح أوسع الجماهير الشعبية.
إن الدكتور يتجاهل هذا كله، ويزعم «أن التجربة الاشتراكية الناصرية لم تضع الطبقات الشعبية نصب عينيها دائمًا فيما كانت تتخذه من إجراءات.» وهو يعطي مثلًا لذلك «رفع أسعار السكر والكيروسين وهما مادتان أساسيتان للكادحين الفقراء.»
ونحن نذكر أنه تم رفع سعر هاتين المادتين عام ١٩٦٨م حينما كانت مصر تواجه مرحلةً من مراحل نضالها ضد العدو المشترك (الصهيونية والإمبريالية) وهي مرحلة الصمود الاقتصادي التي كان العدو يأمل أن تنهارَ فيها جبهتنا الداخلية وكان من الضروري اتخاذ بعض الإجراءات الاقتصادية لتدعيم هذه الجبهة. ومع ذلك فإن الزيادة التي تمت لم تتجاوز بضعة مليمات للكيلو الواحد، هذا علاوة على ما اتخذ من إجراءات أخرى كان لها أثر في تدعيم جبهتنا الاقتصادية بحيث اعترف كثير من المراقبين بقوة الاقتصاد المصري عام ١٩٦٩م رغم الأعباء الكبيرة التي كان يتحملها، لقد كنت أربأ بالدكتور فؤاد زكريا أن يستشهد بهذا المثل لمهاجمة التجربة الناصرية، ولكن إنما الأعمال بالنيات!
ثم هل ينتمي إلى اليمين ما قامت به ثورة يوليو — كما يحلو للأستاذ الدكتور أن يقول — من دور على النطاق القومي، سواء بطريق مباشر أو غير مباشر في تدعيم الحق العربي، وتصفية كثير من مواقع الاستعمار والإمبريالية في الوطن العربي، وإعلان الثورة الاجتماعية، وتأكيد انتماء مصر إلى الأمة العربية؟ وهل ينتمي إلى اليمين أيضًا الدور القيادي لمجموعة دول عدم الانحياز، والمساهمة الفعالة في قيام منظمة الوحدة الإفريقية، وتدعيم حركات التحرير الوطني في العالم الثالث والوقوف بجانب حركات الشعوب المناضلة من أجل الحرية والاستقلال؟
لقد امتنع الدكتور عن إبداء رأيه في كل ذلك، واكتفى بأن يقول: «إن للنظم التقدمية مؤشرات معروفة تدل — دون حاجة إلى مجهود — على أنها حققت أهدافها أو سارت في طريقها بجدية.» وأورد بعض الأمثلة لذلك، تبين قصورًا في قطاعات الخدمات على وجه الخصوص، وإنني أحيله إذا أراد أن يزيد معلوماته في هذا الشأن إلى البيانات التي تصدرها الإدارة العامة للتعبئة والإحصاء وغيرها من تقارير الأمم المتحدة والوكالات الدولية للتطور الاقتصادي والاجتماعي في مصر منذ عام ١٩٥٢م حتى الآن، وأعتقد أن بها كثيرًا من المعلومات المفيدة في هذا المجال … إذا كان مصممًا على أنه المؤشر الوحيد لتقدمية الأنظمة أو رجعيتها.
أما إذا كان المؤشر ظاهرةً سطحية، كاستمرار استخدام الألقاب في المحادثات اليومية حتى اليوم، فإنني أستأذن في أن أضع في مقابل هذه الظاهرة أشياء تحتاج إلى تفسير، مثل: القوانين العمالية التي أصدرتها الثورة، تمثيل العمال في مجالس إدارات الشركات، والمشاركة في الأرباح، ونظام الحوافز المادية والمعنوية، والدور الفعال للتنظيمات النقابية على مستوى وحدات الإنتاج، وغير ذلك من إجراءاتٍ أعطت للعامل كفايةً وإحساسًا بكرامته كعضو في المجتمع، وأنه لم يعد مجرد سلعة تباع وتشترى كما كان يحدث في الماضي، وقد عبرت الطبقات البورجوازية في مناسبات مختلفة عن ضيقها الشديد بهذه الإجراءات.
أدعياء البطولة
على أن ما ورد في بحث الدكتور زكريا هو ثورته العامة على اليسار المصري لاتخاذه موقف التأييد والدفاع عن التجربة الناصرية أو ثورة يوليو سنة ١٩٥٢م، وكأنه من المفروض بل من الضروري أن يتخذ اليسار نفس الموقف الذي يتخذه اليمين حيال هذه الثورة، وأن يهيل عليها التراب وأن يصبَّ عليها أقذع أنواع السباب كما يفعل اليمين.
لمصلحة مَن يطلب الدكتور فؤاد زكريا ذلك؟ هل لمصلحة الشعب المصري بملايينه الكادحة من عمال وفلاحين حطمت الثورة القيود التي كانت تمنع انطلاقهم سياسيًّا واجتماعيًّا؟ أم لمصلحة أصدقاء صيدناوي وأفرينو — حسب تعبيره — الذين يطلب من اليسار أن ينافسهم في مهاجمة الناصرية.
إن العجيب حقًّا هو أنه يتهم اليسار بقصر النظر لاتخاذِه موقف الدفاع عن الثورة، وفي نفس الوقت يقول: «إن دعوة اليمين الرجعي دعوة عدوانية ينبغي التصدِّي لها بكل قوة» أي المنطقَيْن نصدق؟ وإذا لم يكن اليسار هو القوة المؤهلة لكي تتصدى لليمين الرجعي فما هي القوة التي يطلب منها الدكتور زكريا القيام بهذا التصدي؟
الأدهى من ذلك أننا نجده يثير اليسار بقوله: إن قرارات التأميم صدرت واليساريون في السجن، وبعدها ظلوا في السجن أيضًا. كأنما القضية المطروحة للمناقشة قضية شخصية … وليست قضية شعب، وقضية ملايين من هذه الأمة يتطلعون إلى مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، وقضية نظامٍ يحقق لهم آمالَهم في التحرُّر عن عبودية واستغلال الماضي.
والأدهى أيضًا هو القول بأن اليسار يدافع دفاعًا مستميتًا عن التجربة الناصرية؛ بسبب تعيين أفراد منه في بعض المناصب الرفيعة. فنحن نعلم أن اليسار (سواء الذي كان في السلطة أو خارجها) كان القوة الوحيدة التي تنقد وتنبِّه إلى الأخطاء والانحرافات، في حين أن الذين يدَّعون البطولة اليوم كانوا أول من ارتكبوا الأخطاء والانحرافات، وكانوا يسبحون ويوافقون على كل إجراء مهما كان.
ولقد كان اليسار وسيظل دائمًا الحارس الأمين على القيم والمبادئ، ولن يكون الحارس الغافل بأي حال من الأحوال ولن يكون الذي تجهض الثورة مبادئه.
وقد كنا نود لو ألقى الدكتور فؤاد زكريا بعض الضوء على ما يعني بكلمة «اليسار» نفسها. قضية أخرى كنت أود أن يُلقيَ عليها الدكتور فؤاد زكريا بعض الضوء؛ هي هل الماركسيون أم أن هناك آخرين يندرجون تحت هذا المفهوم؟ وإذا كان هناك يساريون فما هو موقفهم من التجربة الناصرية؟ وما هو موقف الناصريين أنفسهم، وهم عناصر معروف أنها يسارية، كما أن هناك عناصر اشتراكية لها مفهومها الخاص بالنسبة للتطبيق الاشتراكي. لماذا لم يحددها د. فؤاد زكريا ويحدِّد مواقفها من التجربة الناصرية؛ حتى لا يتيح فرصة لتفتيت قوى اليسار، وإغراء جزء منهم باتخاذ موقف معادٍ للتجربة، واتهام الذين يقاومون الفكر اليميني الرجعي بالشيوعية والإلحاد، ثم التحريض على قتلهم وسحلهم كما نادت بذلك بعض أبواق الرجعية والإمبريالية أخيرًا، إن الأمانة العلمية كانت تقتضي من الأستاذ الدكتور أن يكون أكثر وضوحًا في هذه النقطة بالذات.
من هو الإنسان المصري
يقول الدكتور فؤاد زكريا: إن التجربة الناصرية خربت نفس الإنسان المصري وعقله. وأنا أتفق معه في ذلك، ولكني اختلفت معه فيمن خربت نفوسهم وعقولهم؛ إنهم الطبقة الإقطاعية التي اعتصرت دماء الفلاحين قرونًا طويلة، والمستغلون الذين أثروا على حساب الكادحين من العمال والشباب والمثقفين، والعملاء الذين تعاونوا مع أعداء الوطن وباعوا أنفسَهم للشيطان، وكانوا ينفثون سمومَهم من محطات إذاعات الاستعمار السرية، والخونة الذين كانوا أداةً لكل عهدٍ ومطيةً لكل مستعمر، وأهل الرأي الذين كانوا يرون أن النظام الملكي هو أصلح نظام لحكم مصر، ومؤلفو الأغاني وقصص الجنس والدعارة الذين بارَت تجارتهم ببزوغ فجرٍ جديدٍ أصبح فيه النضال والكفاح قيمةً إنسانية ومطلبًا جماهيريًّا، لم تفسد التجربة الناصرية نفس وعقل العمال والفلاحين الذين تحرَّرت نفوسهم وعقولهم من عقدة الماضي بأدرانه وأوساخه. ولا الجنود من جيل الثورة الذين حطموا أسطورة إسرائيل، ولا المثقفين والمهنيين الذين عملوا في المصانع ووحدات الإنتاج، ليثبتوا أساس القاعدة الصناعية والعلمية في المجتمع، ولا الشباب الذين فتحت أمامهم آفاق المستقبل وربطتهم بتاريخ النضال الوطني. لم تفسد التجربة الناصرية نفوس وعقول الجماهير العربية الذين انطلقوا يحرِّرون أوطانهم من عهود القرون الوسطى وسيطرة الاستعمار والإمبريالية.
بل إن حركة تحرر الجماهير المصرية كانت لها انعكاساتها على حركات التحرُّر في العالم الثالث في قارات آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وكانت التجربة الناصرية من التجارب الرائدة في العالم الثالث. لم ترتبط بشرق أو غرب، لكنها كانت تعبيرًا عن الواقع الذي تعيشه البلاد النامية التي رزحت طويلًا تحت نير الاستعمار، وكان من أبرز مهامها القضاءُ على التخلُّف المادي والتخلف الثقافي. وهي استمدت أصولها من تراث الشعب وتقاليده وواقعه وتاريخه الحضاري، وكان كل فرد مصري أو عربي يفخر بأنه عربي ينتمي إلى «بلاد ناصر» وأصبح للمصري والعربي شخصيته المميزة في أي بلد ينزل فيه.
ما لم يفعل الدكتور
-
من ١٩٥٢م إلى ١٩٥٦م هي مرحلة الصراع ضد الاستعمار وتثبيت الاستقلال الوطني وإسقاط تحالف الاستعمار والإقطاع.
-
من ١٩٥٧م إلى ١٩٦١م محاولة إقناع الرأسمالية المحلية بالمشاركة في عملية التنمية وتحمُّل دورها الوطني … وظهور وجه مصر العربي، وانعكاس ذلك على الوطن العربي من المحيط إلى الخليج.
-
من ١٩٦١م إلى ١٩٦٧م مرحلة الثورة الاجتماعية، وصدور القوانين والإجراءات الاشتراكية في قطاعات الإنتاج والخدمات.
-
المرحلة من ١٩٦٧م حتى الآن: مرحلة العدوان الصهيوني الإمبريالي، الذي نشط لهدم مواقع النضال ضد الإمبريالية في الوطن العربي، ومحاولة الحد من الدور الثوري الذي تقوم به مصر على المستوى السياسي والاجتماعي.
ثم كنَّا نتوقَّع من الدكتور فؤاد زكريا، بعد أن يرى هذه المراحل، أن يتبينَ طبيعة المرحلة القادمة الحاسمة في تاريخ أمَّتنا لعدة أجيال تالية، هي مرحلة ستقرِّر هل تكون هناك ثورة أو لا ثورة، وهي تحتاج إلى تكاتُف القوى الثورية المؤمنة بوطنها وقوميتها، لمواجهة الهجومِ الرجعيِّ العاتي الذي يُحاول طمس معالم الثورة، ولتثبيت الإنجازات السياسية والاجتماعية التي حقَّقها الشعب خلال صراعه المرير ضد قوى التخلُّف والاستعمار.
لقد مر الشعب المصري بتجارب كثيرة من قبل، منها الثورة العُرابية التي كانت نقطة مضيئةً في خضم ظلامٍ دامس كان يلفُّ شعبنا، قدم الشعب كل ما يملك، ولم يبخل عليها بعرقه ودمائه ولكن حينما هزمت عسكريًّا بواسطة الاستعمار نتيجة خيانة طبقاتٍ معينة معروفة أخذ البعض يهيل عليها التراب. بعضهم وصفها بأنها كانت «نقطة سوداء في تاريخ مصر» والبعض أطلق عليها «هوجة عرابي» وكان ذلك إرضاءً للسادة الجدد ولطمس معالم تاريخ النضال الشعبي المصري، بل إن الحركة الوطنية المصرية بعد ذلك — والتي كانت لها انتماءات معينة — أخذت تهون من هذه الثورة، ووصلت إلى حد المسخ والتشويه، وهو ما خلق جوًّا من عدم الثقة في نضال الشعب غذي بأكاذيب لبست ثوب الحقائق. ومع ذلك ظلت الثورة العُرابية علامةً على طريق نضال الشعب حتى تمكَّنت ثورة يوليو ١٩٥٢م من طرد الاستعمار وشق طريقٍ جديد أمام الشعب للكفاح.
ولنا أن نتسأل الآن: هل ستنال ثورة يوليو ٥٢ نفس ما نالتْه الثورة العُرابية على أيدي الرجعيين والعملاء؟
أرجو أن ننتبه لذلك قبل فوات الأوان.