الفصل الثاني
(عين الساحة … وقد أخذ الحراس ينظمون صفوف الشعب
حول منصة أقيمت في المكان … حانُ الخمَّار مغلق، وقد وقف يتحدث إلى
الإسكافِ المنهمك في عمله بباب حانوته المفتوح.)
الخمَّار
:
عجبي لك أيها الإسكاف! … تفتح حانوتك وتعمل، والحوانيت كلها
اليوم مغلقة؛ كما تغلق في يوم العيد!
الإسكاف
:
ولماذا أغلق أنا؟! … ألأنهم يبيعون السلطان؟!
الخمار
:
يا أحمق! … لكي تشاهد أعجب فرجة في الدنيا!
الإسكاف
:
أستطيع أن أشاهد من هنا كل ما يجري وأنا أعمل.
الخمار
:
أنت حُر … أما أنا فقد أغلقت حاني؛ حتى لا تفوتني أقلُّ
حركة من هذا المشهد العجيب!
الإسكاف
:
غلطة كبرى منك يا صديقي! … إن اليوم هو الفرصة السانحة
لاجتذاب الزبائن … ليس في كل الأيام تظفر بمثل هذه الجموع
المحتشدة أمام حانك! … وما من شك في أن كثيرين اليوم سيقتلهم
العطش، ويشتاقون إلى قطرة من شرابك!
الخمار
:
أتظن ذلك؟!
الإسكاف
:
هذا شيء بديهي! … انظر! … ها أنا ذا مثلًا قد عرضت اليوم
أفخر نعالي! … (يشير إلى نعاله التي بباب حانوته).
الخمار
:
يا عزيزي الإسكاف … إن من جاء اليوم للشراء إنما جاء ليشتري
السلطان، لا ليشتري نعالك!
الإسكاف
:
ولِمَ لا؟ … قد يوجد بين الناس من هم أحوج إلى شراء
نعالي!
الخمار
:
اسكت ولا تزد! … يبدو أنك لا ترى ما يُبهر في هذا الحدث،
ولا تدرك أنه حدث فريد! … أترى في كل يوم يُعرض سلطان
للبيع؟!
الإسكاف
:
اسمع يا صديقي! … وأقولها لك صراحة: لو أن معي من النقود ما
يكفي لشراء السلطان، فإني والله ما أشتريه!
الخمار
:
لا تشتريه؟!
الإسكاف
:
أبدًا!
الخمار
:
اسمح لي أقول: إنك أحمق! …
الإسكاف
:
بل إني عاقل فَطِن … قل لي أنت بربك ماذا تريد مني أن أصنع
بسلطان في حانوتي؟! … هل أستطيع أن أعلمه صنعتي هذه؟! …
بالطبع لا … هل أستطيع أن أكلفه عملًا ما؟! … من المؤكد لا
… إذن … أنا الذي سيعمل دائمًا ويضاعف عمله لأُطعمه وأَعوله
وأخدمه! … هذا وربي ما سيحدث! … سأشتري عبئًا على كاهلي،
ومتاعًا من أمتعة الترف، لا قِبَل لي بتحمُّله … إن مواردي يا
صاح لا تسمح لي باقتناء التحف! …
الخمار
:
يا للبلاهة!
الإسكاف
:
وأنت؟! … أكنت تشتريه؟
الخمار
:
وهل في هذا شك؟
الإسكاف
:
ماذا تصنع به؟!
الخمار
:
أشياء كثيرة … كثيرة جدًّا يا صديقي! … إن مجرد وجوده في
حاني كفيل باجتذاب المدينة كلها … يكفي أن أطلب إليه أن
يقُصَّ على زبائني كلَّ ليلةٍ أخبارَ معاركه ضد المغول وطرائفه
وأسفاره ومخاطراته، وما رأى من بلاد، وما دخل من ديار، وما
اجتاز من قِفار … أليس كل هذا مفيدًا وممتعًا؟!
الإسكاف
:
حقًّا … تستطيع أنت أن تستخدمه في هذا … أما أنا!
الخمار
:
أنت أيضًا تستطيع مثل ذلك.
الإسكاف
:
كيف؟! … إنه لا يعرف شيئًا في رَتْق الأحذية وصُنع النعال
حتى يتحدث عنها …
الخمار
:
ليس من الضروري أن يتحدث عندك!
الإسكاف
:
ماذا يفعل إذن؟
الخمار
:
لو كنت في مكانك فإني أعرف كيف أستخدمه.
الإسكاف
:
كيف؟ … أخبرني!
الخمار
:
أُجلسه أمام باب الحانوت على مقعد مريح، وأُلبسه حذاءين
جديدين، وأضع فوق رأسه لوحةً كتبت عليها هذه العبارة: «هنا
تُباع أحذية السلطان.» وسوف ترى في الغد أهل المدينة وقد
تدفقوا على حانوتك يطلبون بضاعتك!
الإسكاف
:
يا لها من فكرة؟!
الخمار
:
أليس كذلك؟!
الإسكاف
:
عقلك بدأ يعجبني!
الخمار
:
ما تقول إذن، لو فكرنا في شرائه معًا وجعلناه شركةً بيننا؟!
… أنا أتخلى لك عنه نهارًا، وأنت تدعه لي ليلًا؟!
الإسكاف
:
حلم جميل! … لكن جميع ما نملك من مال — أنا وأنت — لا يكفي
لشراء إصبع من أصابعه!
الخمار
:
حقًّا!
الإسكاف
:
انظر! … ها هي ذي جموع الناس أخذت تَفِدُ وتحتشد!
(الجموع من رجال ونساء وأطفال تتجمع وتلغط
بالكلام فيما بينها.)
الرجل الأول
(لرجل آخر)
:
أها هنا يبيعون السلطان؟!
الرجل الثاني
:
نعم … ألا ترى الحراس؟!
الرجل الأول
:
لو كان معي مال؟!
الرجل الثاني
:
صه! … إن هذا للأغنياء!
طفل
(لأمه)
:
أماه! … أهذا هو السلطان؟!
الأم
(لطفلها)
:
لا يا بني! … هذا أحد الحراس!
الطفل
:
وأين هو السلطان إذن؟!
الأم
:
لم يحضر بعد!
الطفل
:
وهل للسلطان سيف؟!
الأم
:
نعم، سيف كبير!
الطفل
:
وهل سيبيعونه هنا؟!
الأم
:
نعم يا بني!
الطفل
:
متى يا أماه؟!
الأم
:
عما قليل.
الطفل
:
أماه! … اشتريه لي!
الأم
:
ماذا؟
الطفل
:
السلطان! … اشتري لي السلطان!
الأم
:
اسكت! … إنه ليس لعبة تلعب بها!
الطفل
:
إنك قلت إنهم سيبيعونه هنا … اشتريه لي إذن!
الأم
:
يا بني اسكت! … هذا ليس لمثلك!
الطفل
:
لمن إذن؟ … للكبار؟!
الأم
:
نعم … هذا للكبار.
(تُفتح النافذة بمنزل الغانية، وتطل
الخادم.)
الخادمة
(منادية)
:
يا خمار! … يا صاحب الحان! … أتغلق حانك اليوم؟!
الخمار
:
نعم … أوَلم أُحسن صنعًا؟! … ومولاتك؟ … أين هي؟ … ألم
تزل بعدُ في فراشها؟
الخادمة
:
بل لقد خرجت من الحمام لتتزين!
الخمار
:
لقد كانت بارعة! … ونفعت حيلتها مع الجلاد!
الخادمة
:
صه! … إنه هناك … أراه بين الجمع … ها هو ذا قد
لمحنا!
الجلاد
(مقبلًا على الخمار)
:
لعنة الله عليك وعلى خمرك!
الخمار
:
لماذا؟ … أي ذنب جناه خمري ليستحق لعنتك؟! … أليس هو الذي
أدخل على نفسك السرور تلك الليلة، وحمَّسك للغناء، وجعلك ترى
كل شيء من حولك صافيًا رائقًا!
الجلاد
(في نبرة غيظ)
:
صافيًا رائقًا؟! … حقًّا … رأيت كل شيء تلك الليلة صافيًا
رائقًا؟!
الخمار
:
بالتأكيد … أوَتشك في ذلك؟
الجلاد
:
اسكت ولا تُذكرني بتلك الليلة.
الخمار
:
سكتُّ … قل لي: هل أنت اليوم في عطلة؟
الجلاد
:
نعم.
الخمار
:
وصاحبك المحكوم عليه؟
الجلاد
:
صدر العفو عنه.
الخمار
:
وأنت بالطبع … ما سألك أحد عن حكاية الفجر … إياها!
الجلاد
:
لا.
الخمار
:
كل شيء إذن قد انتهى على خير.
الجلاد
:
نعم … ولكني لا أحب أن يستغلني أحد أو يلعب بعقلي.
الخادمة
:
حتى وإن كان في ذلك إنقاذ لرأس رجل؟
الجلاد
:
اخرسي يا لئيمة … أنتِ وسيدتك.
الخادمة
:
أتعود إلى سبابنا في يوم كهذا.
الخمار
(للجلاد)
:
لا تعكر مزاجَك! … سأقدِّم إليك هذا المساء قدحًا كبيرًا من
جيد الخمر، دون مقابل!
الجلاد
:
دون مقابل؟!
الخمار
:
نعم … هدية مني، في نخب …
الجلاد
:
في نخب مَنْ؟
الخمار
(يلمح المؤذن مُقبلًا)
:
في نخب المؤذن الشجاع!
الجلاد
:
هذا الكذاب الأشر؟!
المؤذن
:
كذاب؟ … أنا؟!
الجلاد
:
نعم … تزعم أني كنت نائمًا أغط تلك الساعة؟
المؤذن
:
وكنتَ مخمورًا!
الجلاد
:
أنا واثق كلَّ الثقة أني كنت متنبهًا يقظًا … ولم أنم لحظةً
تلك الساعة!
المؤذن
:
ما دمت واثقًا من ذلك كلَّ الثقة …
الجلاد
:
نعم … ما كنت قطُّ نائمًا تلك الساعة!
المؤذن
:
حسن!
الجلاد
:
توافق على هذا؟
المؤذن
:
نعم!
الجلاد
:
إذن أنت كنت تكذب؟
المؤذن
:
لا.
الجلاد
:
كنت نائمًا أنا إذن؟
المؤذن
:
نعم!
الجلاد
:
كيف تقول نعم؟!
المؤذن
:
لا!
الجلاد
:
اثبُتْ على قول! … أهو نعم أم لا؟
المؤذن
:
ماذا تريد أنت؟
الجلاد
:
أريد أن أعرف هل كنت نائمًا تلك الساعة أو أني كنت
مستيقظًا؟!
المؤذن
:
وماذا يهمك؟ … ما دام كل شيء قد مر بسلام … صاحبك المحكوم
عليه قد صدر العفو عنه، وأنت ما سألك أحد في شيء … وأنا ما
حدثني أحد في شأن ذلك الفجر! … والأمر بالنسبة إلينا جميعًا
قد انتهى على خيرِ ما نرجو، ففيم نَبْشُ الماضي؟
الجلاد
:
نعم … ولكن الأمر لم يزل يُقلقني منذ ذلك اليوم … إني لم
أبصر بعدُ الموقف جليًّا واضحًا! … أريد أن أعرف هل كنت أنا
حقًّا نائمًا تلك اللحظة، وهل أذَّنت أنت للفجر حقيقة دون أن
أَفطِن؟! … يجب أن تُفضي إليَّ بواقع الأمر في النهاية، وأنت
تعرف الحقيقة كلها دون ريب … أخبرني عما حدث بالضبط تلك
اللحظة … إني كنت ثَمِلًا قليلًا وقتئذ حقًّا … ولكن
…
المؤذن
:
ما دام الأمر يشغل بالك إلى هذا الحد، فلماذا أريحك وأشفيك؟!
… إني أفضِّل تركك هكذا تُشوى على نار الشك وتتقلب!
الجلاد
:
تقلبت في نار جهنم أيها المؤذن الخسيس!
المؤذن
(صائحًا)
:
انظر! … موكب السلطان قد أقبل!
(يظهر الموكب وعلى رأسه السلطان، يتبعه قاضي
القضاة والوزير والنخاس المحكوم عليه، ويتجهون إلى المنصة، حيث
يُجلسون السلطان على مقعد في الوسط، يحُفُّ به الجميع، ويقوم إلى
جانبه النخاس ليواجه الناس.)
الخمار
(للجلاد)
:
عجبًا! … هذا صاحبك المحكوم عليه … ماذا جاء به هناك إلى
جوار السلطان؟!
الجلاد
(ناظرًا إليه)
:
حقًّا … هو والله بعينه!
المؤذن
:
لا شك أنه هو المكلف بإجراء البيع، أليس نخاسًا من كبار
النخاسين؟!
الخمار
:
أرأيت أيها الجلاد؟! … لم تكن نجاته إذن من يدك
سُدًى!
الجلاد
:
يا للعجب! … ها هو ذا يبيع نفس السلطان مرتين … مرةً في
صِغره، ومرة الآن في كِبَره!
المؤذن
:
صه! … إنه يتأهب للكلام!
النخاس
(مُصفقًا بيديه)
:
السكوت أيها الناس! … أعلن إليكم أني بصفتي نخاسًا
ودلَّالًا، كُلفت مباشرةَ هذا البيع في المزاد العلني؛ لمصلحة
بيت المال، وإنه لَيُشرفُني بادئَ ذي بدء أن يفتتح قاضي القضاة
هذا الإجراءَ بكلمة يوضح فيها شروط هذا البيع … الكلمة الآن
لقاضي قضاتنا الموقر!
القاضي
:
أيها الناس! … إن البيع المطروح أمامكم ليس ككل بيع … إن
له صفة خاصة … وقد سبق أن أُعلن ذلك إليكم … فهذا البيع يجب
أن يقترن به عقدٌ آخر؛ هو عقد العتق؛ بمعنى أن المشتري الذي
يرسو عليه المزاد لا يجوز له الاحتفاظ بما اشترى … إنما عليه
إجراء العتق في مجلس العقد … أي: مجلسنا هذا، ولا حاجة بي أن
أُذكركم بنص القانون الذي يمنع موظفي الدولة ورجالَها من
الاشتراك في بيع ما للدولة … أمَا وقد قلت لكم هذا، فإن
الكلمة الآن للوزير كي يُحدثكم عن الطابَع القومي لهذا
الإجراء.
الإسكاف
(همسًا للخمار)
:
أسمعت؟! … لا يجوز للمشتري الاحتفاظ بما اشترى؟! … معنى
هذا الإلقاءُ بالنقود في البحر!
الخمار
(هامسًا)
:
سنرى الآن مَن المعتوهُ الذي سيتقدم!
النخاس
(صائحًا)
:
سكوتًا! … سكوتًا!
الوزير
:
أيها القوم الأعزاء! … إنكم تحضُرون اليوم حدثًا فذًّا
ضخمًا، من أخطر الأحداث في تاريخنا: سلطان مجيد يطلب حريته،
فيلجأ إلى شعبه بدلًا من أن يلجأ إلى سيفه، هذا السيف البتَّار
الجبار الذي انتصر به في معارك المغول؛ كان يستطيع أن ينتصر به
أيضًا في نيل حريته وتحرير رقبته … ولكن سلطاننا المظفر
العادل قد اختار أن يخضع للقانون … كما يخضع له أضعفُ فرد في
رعيته، وها هو ذا يلتمس حريته بالطريق الذي نص عليه القانون …
فمن شاء منكم أن يفتدي حرية سلطانه المحبوب فليتقدم إلى هذا
المزاد، ومن دفع منكم أغلى ثمن، فقد عمِل عملًا صالحًا للوطن،
سيُذكر له على مدى الأيام ومَر الزمن!
(هتاف من الشعب.)
صوت
(يرتفع من بين الشعب)
:
فليحيَ السلطان!
صوت آخر
:
فليحيَ القانون!
النخاس
:
السكوت أيها الناس!
الوزير
(مستأنفًا)
:
والآن وقد علمتم أيها القوم الأعزاء ما تنتظره منكم بلادُكم
من تضحية قليلة وفداء يسير، في سبيل هذا الهدف السامي النبيل؛
وهو تحرير سلطانكم بأموالكم، وذَهاب هذه الأموال إلى بيت
المال؛ ليُصرف منه على الفقراء والمُعْوِزين … الآن وقد جاء
إليكم سلطانكم المحبوب المُفدَّى لتتنافسوا في تقديره وتحريره،
فإني أُعلن بدء الإجراءات.
(يشير إلى النخاس بالشروع في العمل، بينما تهتف
الجماهير.)
النخاس
:
سكوتًا! … سكوتًا! … يا أهل هذه المدينة! … لقد فُتح
المزاد … ولن ألجأ إلى تلك الأوصاف والنعوت التي يُلجأ إليها
عادةً في الأسواق للتحلية والترغيب، فموضوع هذا البيع هو فوق
كل وصف ونعت وتعليق، ولا مبالغةَ ولا إغراق إذا قيل إنه يساوي
وزنه ذهبًا … إلا أن المقصود ليس التعسير ولا الإعجاز، إنما
التيسير عليكم بتقدير ما هو في الإمكان … لذلك أبدأ المزاد
بمبلغ صغير ضئيل بالنسبة إلى سلطان: عشرة آلاف دينار!
(لغط بين الجماهير.)
الإسكاف
(للخمار)
:
عشرة آلاف؟! … فقط؟! … يا للثمن البخس! … انظر إلى هذه
الياقوتة الكبيرة في عمامته! … إنها وحدها واللهِ تساوي مائة
ألف دينار.
الخمار
:
حقًّا … إنه لمبلغ تافه! … خاصةً وهو يُدفع في سبيل هدف
وطني نبيل! … عشرة آلاف دينار؟! … إن هذا لا يليق! … إني
مواطن مخلص ولا يرضيني هذا … (يصيح) أحد عشر ألف
دينار!
النخاس
:
أحد عشر ألف دينار! … أحد عشر؟!
الإسكاف
(للخمار)
:
أحد عشر ألف دينار فقط؟! … أهذا كل ما عندك؟! … إذن فأنا
أقول … (يصيح) اثنا عشر ألف دينار!
النخاس
:
اثنا عشر ألف دينار! … اثنا عشر.
الخمار
(للإسكاف)
:
أتُزايد أنت عليَّ أنا؟! … إذن فأنا أقول … ثلاثة عشر ألف
دينار.
النخاس
:
ثلاثة عشر ألف دينار … ثلاثة عشر.
(رجل مجهول يتقدم فجأةً وهو يشق طريقًا بين
الجموع.)
المجهول
:
خمسة عشر ألف دينار!
الإسكاف
:
يا للهول! … من يكون هذا الرجل؟!
الخمار
:
شخص ماجنٌ من طِرازك ولا شك!
الإسكاف
:
ومن طرازك أنت أيضًا!
النخاس
:
خمسة عشر ألف دينار … خمسة عشر … خمسة عشر.
الإسكاف
(صائحًا)
:
ستة عشر ألف دينار!
النخاس
(صائحًا)
:
ستة عشر ألف دينار … ستة عشر.
المجهول
:
ثمانية عشر ألف دينار!
الإسكاف
(للخمار)
:
دفعة واحدة! … إن هذا الرجل قد بالغ وأسرف!
النخاس
:
ثمانية عشر ألف دينار … ثمانية عشر.
الخمار
(يمعن النظر إلى المجهول)
:
يُخيل إليَّ أني رأيت هذا الرجل في مكان ما! … نعم … إنه
هو … أحد الموسِرين … يختلف إلى حاني من حين إلى حين ويشرب
قدحًا قبل أن يصعد إلى تلك الغانية!
الإسكاف
(ملتفتًا إلى نافذتها)
:
انظر … ها هي ذي في نافذتها! … تَبرُق في أتم زينة
وبَهْرَج؛ كأنها عروس من الحلوى! … (يصيح بها): أنتِ أيتها
المليحة في عليائك! … ألستِ مواطنةً مخلصة أنتِ
الأخرى؟!
الغانية
:
اخرس أيها الإسكاف! … إني لست ممن يَهزِل في مثل هذا
الظَّرف! … والله إن لم تكُفَّ لأبلغن عنك، وعندئذ توضع في
الحبس!
النخاس
(مُرددًا)
:
ثمانية عشر ألف دينار … بمبلغ ثمانية عشر.
(أحد الأعيان يتقدم إلى المنصة)
العين
(صائحًا)
:
تسعة عشر ألف دينار!
المجهول
(مُزايدًا)
:
عليَّ بعشرين ألف دينار!
النخاس
:
عشرين ألف دينار … عشرين ألف دينار! … عشرين!
العين
:
عليَّ بواحد وعشرين ألف دينار!
المجهول
:
باثنين وعشرين ألف دينار!
(عين ثانٍ من الأعيان يتقدم)
العين الثاني
:
بثلاثة وعشرين ألف دينار!
النخاس
:
بثلاثة وعشرين … بثلاثة وعشرين.
المجهول
:
خمسة وعشرين!
النخاس
:
خمسة وعشرين ألف دينار … خمسة وعشرين!
(عين ثالث من الأعيان يتقدم)
العين الثالث
:
ستة وعشرين!
النخاس
(صائحًا)
:
ستة وعشرين ألف دينار! … ستة وعشرين!
المجهول
:
ثمانية وعشرين!
النخاس
(يصيح)
:
ثمانية وعشرين … ثمانية وعشرين ألف دينار!
العين الثالث
:
تسعة وعشرين.
الإسكاف
(هامسًا للخمار)
:
أجادُّون هم في كل هذا؟ … هؤلاء؟!
الخمار
:
الظاهر!
النخاس
:
تسعة وعشرين … تسعة وعشرين ألف دينار! … تسعة
وعشرين!
المجهول
(صائحًا)
:
ثلاثين! … عليَّ بثلاثين ألف دينار!
النخاس
:
ثلاثين! … بمبلغ ثلاثين! … ثلاثين ألف دينار!
الإسكاف
(هامسًا)
:
ثلاثين ألف دينار يلقى بها في البحر! … يا للجنون!
النخاس
(صائحًا بأعلى صوته)
:
ثلاثين ألف دينار! … ثلاثين ألفًا … أمَا مِن مُزايد؟ …
لا أحد؟! … لا أحد يُزايد على ثلاثين ألف دينار؟! … أهذا هو
كل ما يُعرَضُ ثمنًا لسلطاننا العظيم؟!
السلطان
(للوزير)
:
هذا هو الحد الأقصى للتقدير الوطني النبيل!
الوزير
:
يا مولاي! … إن الحاضرين هنا للمزايدة هم في الأغلب من
بخلاء التجار والموسرين، ممن ركبت فيهم طبيعة الشُّح، والرغبة
في الربح، والضن بالمال في سبيل هدف أسمى!
النخاس
(صائحًا)
:
ثلاثين ألف دينار! … مرة أخرى أقول: من يزايد؟ … من يزايد؟
… لا أحد؟ … لا؟ … لا؟
(النخاس يتبادل النظرات مع الوزير): سأكررها ثلاثًا: واحد …
اثنان … ثلاثة! … انتهى! … رسا المزاد على ثلاثين ألف
دينار!
(هتاف من الجماهير.)
الخمار
(للإسكاف)
:
إنه زَبوني الذي رسا عليه المزاد!
النخاس
:
تقدَّم أيها الفائز! … وتقبَّل التهنئة على حظك
السعيد!
(الجماهير تهتف له.)
الوزير
:
أهنئك أيها المواطن الصالح وأُحييك (هتاف من الجماهير).
النخاس
(صائحًا)
:
السكوت! … السكوت!
الوزير
(مستطردًا)
:
أُحييك أيها المواطن الصالح باسم الوطن وباسم هذا الشعب
المخلص الأمين الذي نبعتَ منه؛ لتشتري وتفتدي حرية سلطاننا
المعظم! … إن عملك النبيل هذا سوف يُنقش أبدَ الدهر على صفحات
تاريخ هذه الأمة الكريمة!
(هتاف من الجماهير.)
النخاس
(صائحًا)
:
سكوتًا! … (يلتفت إلى المجهول) أيها المواطن الصالح … إن
المبلغ مُعدٌّ … أليس كذلك؟!
المجهول
:
بدون شك … إن أكياس الذهب على قاب خطوتين!
النخاس
:
حسن … انتظر إذن ما يأمر به قاضي قضاتنا الموقر!
القاضي
(يعلن)
:
قضي في المسألة … ونفذ حكم القانون … وحلت المشكلة …
اقترب أيها المواطن الصالح! … هل تستطيع التوقيع
بإمضائك؟!
المجهول
:
نعم يا مولاي القاضي!
القاضي
:
وقِّع إذن على هذه الحجج!
المجهول
:
سمعًا وطاعة يا مولانا القاضي!
القاضي
(يقدم إليه وثيقة)
:
هنا … وقِّع هنا!
المجهول
(يقرأ قبل أن يوقع)
:
ما هذا؟ … ما هذا؟
القاضي
:
هذا عقد البيع.
المجهول
:
نعم … أوقِّع … (يوقع بإمضائه على الوثيقة).
القاضي
:
وهذه أيضًا … (يقدم إليه الوثيقة الثانية).
المجهول
:
هذه؟ … ما هذه؟!
القاضي
:
هذه حجة العتق!
المجهول
(يتراجع خطوة)
:
إني آسف!
القاضي
(وقد فوجئ)
:
ماذا تقول؟!
المجهول
:
لا أستطيع التوقيع على هذه الحجة.
القاضي
:
كيف؟ … ما هذا الذي تقول؟!
المجهول
:
أقول إنه ليس في يدي.
القاضي
:
ليس في يدك ماذا؟
المجهول
:
التوقيع على حجة العتق.
القاضي
(في ذهول)
:
ليس في يدك التوقيع؟
المجهول
:
لا … ليس في يدي ولا سلطتي.
القاضي
:
ما معنى هذا؟ … ماذا تعني بهذا؟! … أنت مجنون ولا ريب …
إنه لواجب محتَّمٌ عليك أن توقع حجة العتق … هذا هو الشرط …
الشرط الأساسي لكل هذا الإجراء.
المجهول
:
مع الأسف الشديد لست أملك هذا … إن هذا فوق إمكاني، وخارج
حدود صفتي!
الوزير
:
ماذا يقول هذا الرجل؟!
القاضي
:
لست أفهم.
الوزير
(للمجهول)
:
لماذا ترفض التوقيع على حجة العتق؟!
المجهول
:
لأنه لم يؤذن لي في ذلك!
الوزير
:
لم يؤذن لك؟
المجهول
(مؤكِّدًا برأسه)
:
لم يؤذن لي، ولم أفوَّض إلا في المزايدة وعقد الشراء … أما
خارج هذا النطاق فلا تفويضَ عندي.
القاضي
:
تفويض؟! … تفويض ممن؟!
المجهول
:
من الشخص الذي وكَّلني عنه.
القاضي
:
أنت وكيل عن شخص آخر؟
المجهول
:
نعم يا مولاي القاضي!
القاضي
:
مَن هو هذا الشخص؟!
المجهول
:
لا أستطيع الجواب!
القاضي
:
بل يجب أن تجيب.
المجهول
:
لا … لا أستطيع.
الوزير
:
أنت مُرغَمٌ إرغامًا أن تذكر لنا الشخص الذي وكلك عنه في
التوقيع على عقد البيع!
المجهول
:
لا أستطيع الإفضاء باسمه!
الوزير
:
لماذا؟
المجهول
:
لأني أقسمت قسمًا لا حِنْثَ فيه أن أحفظ اسمه سرًّا.
الوزير
:
ولماذا يحرص موكلُك على أن يبقى اسمه سِرًّا؟
المجهول
:
لا أدري.
الوزير
:
إنه يملك مالًا كثيرًا بالطبع، ما دام في مقدوره إنفاق مثل
هذا المبلغ الجسيم دفعةً واحدة؟!
المجهول
:
هذه الثلاثون ألفًا من الدنانير هي كلُّ ما ادَّخر في
حياته.
الوزير
:
وفوَّضك في أن تضعها كلها في هذا المزاد؟
المجهول
:
نعم!
الوزير
:
إن هذا لهو الكرم بعينه … بل هو عين النُّبل في الشعور …
لكن … لماذا يخفي اسمه؟ … أهو التواضع؟ … أهي الرغبة
الأكيدة في أن يبقى إحسانه مستورًا، وعمله الصالح
مجهولًا؟
المجهول
:
ربما.
القاضي
:
في هذه الحالة كان ينبغي أن يأذن لوكيله في توقيع حجة العتق
كذلك.
المجهول
:
لا … إنه لم يوكلني عنه إلا في عقد الشراء فقط!
القاضي
:
هذا هو دليل سوء النية.
الوزير
:
حقًّا!
السلطان
(في نبرة سخرية)
:
يظهر أن المسألة قد تعقدت!
القاضي
:
قليلًا يا مولاي!
الوزير
:
لا بد لهذا الرجل من أن يتكلم! … وإلا فإني سأرغمه على
الكلام إرغامًا …
القاضي
:
مهلًا أيها الوزير … مهلًا … إنه سيتكلم من تلقاء نفسه
وسيجيب برفق عن أسئلتي! … اسمع أيها الرجل الطيب! … موكلك
هذا ماذا يصنع؟
المجهول
:
لا يصنع شيئًا.
القاضي
:
أليست له مهنة؟
المجهول
:
يزعمون ذلك!
القاضي
:
يزعمون أن له مهنةً ولكنه لا يصنع شيئًا؟!
المجهول
:
هو ذاك!
القاضي
:
إنه إذن موظف؟
المجهول
:
لا؟!
القاضي
:
إنه غني؟
المجهول
:
بعض الشيء.
القاضي
:
وأنت المتولي إدارةَ شئونه؟
المجهول
:
تقريبًا!
القاضي
:
أهو من الأعيان؟
المجهول
:
خير من ذلك!
القاضي
:
كيف ذلك؟
المجهول
:
الأعيان يزورونه، ولكنه لا يُعنى بزيارتهم!
القاضي
:
إنه وزير إذن؟
المجهول
:
لا.
القاضي
:
أله نفوذ؟
المجهول
:
نعم … على معارفه!
القاضي
:
أَله كثير من المعارف؟
المجهول
:
نعم! … كثير!
القاضي
(يفكر في صمت وهو يُمشط لحيته
بأصابعه)
:
نعم … نعم.
السلطان
:
وأخيرًا أيها القاضي؟! … أوجدت حلًّا لهذه الألغاز؟! … أم
أننا سننفق وقتنا الآن في ألعاب الألغاز والأحاجي؟!
الوزير
(نافد الصبر)
:
يجب أن نلجأ إلى العنف يا مولانا السلطان! … ليس أمامنا إلا
هذا … إن ذلك الشخص المحجب بالأسرار، الذي يخفي اسمه، ويقتحم
هذا المزاد على هذه الصورة، لا بد أنه يدبر في رأسه أمرًا
مُريبًا وخطةً خطرة … بعد إذنك يا مولاي … سأتصرف في الأمر
… (يصيح بالحراس) اذهبوا بهذا الرجل إلى التعذيب؛ إلى أن يفضي
إليكم باسم موكله ومُحرِّضه!
المجهول
(صارخًا)
:
لا … لا … لا … لا ترسلوني إلى التعذيب! … بربكم! … لا
تعذيب … أتوسل إليكم!
الوزير
:
تكلم إذن!
المجهول
:
إني أقسمت.
الوزير
(للحراس)
:
اذهبوا به!
(الحراس يحيطون به.)
المجهول
(يصرخ)
:
لا … لا … لا.
(يُفتح باب دار الغانية، وتظهر هي وتتقدم إلى
المنصة، تتبعها خادمتها وجواريَها يحملن الأكياس.)
الغانية
:
اتركوه! … اتركوه! … أنا موكلته … وإليك أكياس الذهب …
ثلاثون ألف دينار نقدًا وعدًّا!
(هرج ومرج بين الجماهير.)
النخاس
(صائحًا)
:
سكوتًا! … السكوت!
الوزير
:
من هذه المرأة؟
الجموع
(صائحة)
:
العاهرة التي أمامنا!
الوزير
:
عاهرة!
الجموع
:
نعم … عاهرة مشهورة في الحي!
السلطان
:
مرحى! … ختامه مسك!
الوزير
:
أنتِ أيتها المرأة! … أنتِ التي؟ …
الغانية
:
أنا التي فوضت هذا الرجل في المزايدة لحسابها … (ملتفتة إلى
الرجل المجهول) أليس كذلك؟
المجهول
:
هي الحقيقة يا مولاتي.
الوزير
:
أنتِ تجرئين على شراء مولانا؟!
الغانية
:
ولِمَ لا؟ … ألستُ مواطنة ومعي نقود؟! … فلِمَ لا يكون لي
عينُ الحق الذي للآخرين؟!
القاضي
:
نعم … لكِ هذا الحق … إن القانون يسري على الجميع … على
أنه يجب عليكِ أيضًا أن تكوني على علم بشروط هذا البيع.
الغانية
:
هذا طبيعي … إني أعلم أنه بَيع …
القاضي
:
بيع له صفة خاصة.
الغانية
:
بيع بالمزاد العلني.
القاضي
:
نعم … ولكن …
الوزير
:
إنه قبل كل شيء عملٌ وطني … وأنتِ مواطنة يهمك خير الوطن،
فيما أظن.
الغانية
:
بدون شك!
الوزير
:
إذن وقِّعي هذه الحجة!
الغانية
:
ماذا جاء في هذه الحجة؟
الوزير
:
العتق.
الغانية
:
ماذا يعني هذا؟
الوزير
:
ألا تعرفين ما هو معنى العتق؟
الغانية
:
أمعناه أن أتخلى عما في يدي؟!
الوزير
:
نعم!
الغانية
:
أتخلى عن المتاع الذي اشتريته في المزاد؟!
الوزير
:
هو ذاك.
الغانية
:
لا … لا أريد التخلي عنه.
السلطان
:
جميل!
الوزير
:
ستتخلين عنه أيتها المرأة!
الغانية
:
لا.
الوزير
:
لا ترغميني على أن أكون عنيفًا … إنكِ تعلمين أني أستطيع أن
أرغمك.
الغانية
:
بأية وسيلة؟
الوزير
(مشيرًا إلى سيفه)
:
بهذا.
السلطان
:
تلجأ إلى السيف الآن؟! … لقد فات الأوان!
الوزير
:
إنها يجب أن تُذعن!
الغانية
:
إني أذعن أيها الوزير … أذعن للقانون … أليس بمقتضى
القانون أني وقَّعت مع الدولة عقد بيع؟ … أهذا القانون محترم
أم غير محترم؟!
السلطان
:
أجب يا قاضي القضاة!
القاضي
:
حقًّا أيتها المرأة … لقد وقَّعت عقد بيع، ولكنه عقد
مشروط.
الغانية
:
يعني؟!
القاضي
:
يعني أنه بيع معلَّق على شرط.
الغانية
:
أي شرط؟
القاضي
:
العتق … وإلا فالبيع نفسه يصبح باطلًا!
الغانية
:
تعني أيها القاضي أنه لكي يصبح البيع صحيحًا يجب أن أوقِّع
العتق.
القاضي
:
نعم.
الغانية
:
وتعني كذلك أنه يجب أن أوقِّع العتق حتى يصبح الشراء
نافذًا!
القاضي
:
تمامًا!
الغانية
:
لكن يا مولاي القاضي ما هو الشراء؟ … أليس هو امتلاك شيء في
نظير ثمن؟ …
القاضي
:
هو هذا.
الغانية
:
وما هو العتق؟! … أليس هو عكس الامتلاك؟ … إنه التخلي عن
الأملاك.
القاضي
:
نعم!
الغانية
:
إذن أيها القاضي أنت تجعل العتق شرطًا للامتلاك … أي: إنه
لكي يكون امتلاك الشيء المَبيع صحيحًا يجب على المشتري أن
يتخلى عن هذا الشيء.
القاضي
:
ماذا؟ … ماذا؟
الغانية
:
بعبارة أخرى لكي تمتلك شيئًا يجب أن تتخلى عنه.
القاضي
:
كيف تقولين لكي تملك يجب أن تتخلى؟
الغانية
:
أو إذا شئت … لكي تملك يجب ألا تملك.
القاضي
:
ما هذا الكلام؟
الغانية
:
هذا هو شرطك … لكي أشتري يجب أن أُعتق … لكي أملك يجب ألا
أملك! … أترى هذا معقولًا؟!
السلطان
:
معها حق … لا عقلَ ولا منطق يقبل هذا.
القاضي
:
من علَّمكِ ذلك أيتها المرأة؟ … ما من ريب في أنه فقيه من
فقهاء القانون، قادر ماجن فاجر هو الذي لقَّنها هذا الذي
تقول.
السلطان
:
وماذا يهم! … هذا لن يغير من الأمر شيئًا … هذا هو قانونك
أيها القاضي! … أرأيت؟! … مع القانون … هناك دائمًا حجةٌ
تقارع حجة، وكلها لا تخلو من المعقول والمنطق.
القاضي
:
ولكن هذه مغالطة! … هذه سفسطة … إن ما تقوله هذه المرأة
ليس إلا سفسطة!
السلطان
:
شرطك هو السفسطة … فالبيع هو البيع … هذا شيء بديهي … أما
الباقي فلا يلزم أحدًا.
القاضي
:
أجل يا مولاي … ولكن هذه المرأة قد تقدمت إلى المزاد، وهي
على بينة من طبيعته، وتعلم تمام العلم ما ينطوي عليه من معنًى
وهدف، فتصرفها بعد ذلك على هذا النحو إنْ هو إلا خديعة وغش
وتحايل!
السلطان
:
إذا كنت تريد الآن أن تلقنها درسًا في الأخلاق، فهذا شأنك …
أما القانون فلم يعُدْ له هنا محل … وعليك أن تكفَّ عن التحدث
باسمه.
القاضي
:
بل من واجبي يا مولاي أن أحمي القانون من هذه المخلوقات التي
تعبث به وتهزأ!
الغانية
:
أرجو منك أيها القاضي ألا تُهينني!
القاضي
:
وأنتِ أيتها المرأة … ألا تستحين؟! … ألا تخجلين من تصرفك
هذا؟!
الغانية
:
أخجل وأستحي؟! … لماذا؟! … لأني اشتريت شيئًا تبيعه
الدولة؟ … لأني رفضت أن يُنهب مني ما اشتريت، وأن أُسلب ما
دفعت فيه الثمن الغالي؟ … هاكُم أكياس الذهب، عدوا مالكم
واقبضوه!
القاضي
:
إني أرفض مالكِ … وعليه فإني أُبطل هذا العقد.
الغانية
:
لأي سبب تُبطله؟
القاضي
:
لأنكِ امرأة سيئة السمعة رديئة السيرة، ولعل هذا المال قد
جاء من طريق الخطيئة، فكيف يمكن قَبوله فيما يُدفع لبيت المال
والدولة؟
الغانية
:
إن مالي هذا قد قُبل بالفعل فيما يُدفع من ضرائب ومُكوس، فهل
الضرائب والمكوس ليست مما يُدفع لبيت المال والدولة؟! … إذا
كان هذا رأيك أيها القاضي فلن أدفع بعد اليوم ضريبةً واحدة
للدولة.
السلطان
:
اقبل مالها أيها القاضي … إن هذا أبسط وأسلم!
القاضي
:
إذن أنتِ تُصرين على موقفك أيتها المرأة؟!
الغانية
:
بدون شك … إني لست أمزح بهذه الأكياس من الذهب … إني أدفع
لأشتري … وأشتري لأملك … والقانون يعطيني هذا الحق … البيع
هو البيع … والملكية هي الملكية … اقبضوا حقكم وسلموني
حقي!
الوزير
:
كيف تريدين أن نُسلمك السلطان أيتها المرأة؟
الغانية
:
ولماذا إذن عرضتم سلطان البلد للبيع؟
السلطان
:
كلامها منطقي هذه المرأة!
الغانية
:
أنا أجيب؛ لأن الجواب بسيط: عرضتموه للبيع كي يشتريه أحد من
الناس … وها أنا ذي قد اشتريته ورسا عليَّ المزاد! … علنًا
أمام الجميع … وها هو ذا الثمن المطلوب … ولم يبقَ عليكم إلا
تسليمي البضاعة المشتراة!
السلطان
:
البضاعة؟!
الغانية
:
نعم … وإني أطلب تسليمها في المنزل.
السلطان
:
أي منزل؟
الغانية
:
منزلي بالطبع … هذا … هذا المنزل المواجه.
السلطان
(للقاضي)
:
أتسمع؟!
القاضي
:
لم تعد هناك فائدة ولا نفع في مناقشة امرأة من هذا الصنف يا
مولاي! … قد نفضت يدي!
السلطان
:
ونِعم الحل يا قاضي القضاة! … تغرسني في هذا الوحل وتمضي
أنت تنفض يدك!
القاضي
:
إني معترف بإخفاقي … ما كنت أعلم أني سأواجه مثل هذا الطراز
من الناس!
السلطان
:
وإذن؟!
القاضي
:
عاقبني يا مولاي! … إني مستحق لأفظع العقاب، على سوء نُصحي
وقِصر نظري! … مُر بقطع رأسي!
السلطان
:
وما فائدة قطع رأسك؟! … إن رأسك وهو على كتفيك قد رماني في
هذه الورطة، فهل رأسك المقطوع هو الذي سيخرجني منها؟!
الوزير
:
دع الأمر لي يا مولاي! … الآن أرى جليًّا ما ينبغي أن أفعل
… (يستل سيفه).
السلطان
:
لا!
الوزير
:
لكن يا مولاي السلطان …
السلطان
:
قلت لك لا … أغمِدْ سيفك!
الوزير
:
أصغ إليَّ قليلًا يا مولاي!
السلطان
:
أغمد سيفك … لقد قَبِلنا هذا الوضع … فلنستمر!
الوزير
:
يا مولاي … ما دام القاضي قد أخفق وأفلس؛ فلنرجع إلى
وسائلنا نحن.
السلطان
:
لا … لن أرجع إلى الوراء!
الوزير
:
بالسيف كلُّ شيء يتم في يُسر، ويُحل في طرفة عين!
السلطان
:
لقد اخترت القانون … وسأمضي في هذا الطريق مهما يصادفني فيه
من أوحال.
الوزير
:
القانون؟
السلطان
:
نعم … ولقد قلتها أنت منذ قليل، ونطقت بألفاظ جميلة: إن
السلطان اختار أن يخضع للقانون كما يخضع له أضعفُ فرد في رعيته
… إن هذا القول الرائع يستحق أن يُبذل في تحقيقه كل
الجهد.
الوزير
:
أوَتظن يا مولاي أن أضعف فرد في رعيتك يقبل الوقوف في هذا
الموقف؟ … ها هو ذا الشعب أمامنا إذا أَذِنْت لي فإني أسأله
وأحتكم إليه … أتأذن؟
السلطان
:
افعل وأرني!
الوزير
(مخاطبًا الجموع)
:
أيها الناس! … إنكم لترون كيف تعامل هذه المرأة الوقحة
سلطانكم المعظم … أأنتم مقرون فعلها؟
الشعب
(صائحًا)
:
لا.
الوزير
:
أأنتم راضون عن مسلكها المهين لحاكمنا المبجَّل؟!
الشعب
:
لا!
الوزير
:
أترونها مستحقةً للعقاب؟!
الشعب
(يصيح)
:
نعم.
الوزير
:
ما هو الجزاء الخليق بها؟
الشعب
(صائحًا)
:
الموت!
الوزير
(ملتفتًا إلى السلطان)
:
أرأيت يا مولاي؟! ها هو ذا الشعب قد نطق بالحكم!
الغانية
(متجهةً إلى الشعب)
:
الموت لي؟! … لماذا أيها الناس تحكمون عليَّ بالموت؟! …
أيَّ ذنب جنيت؟ … هل الشراء إهانة وجريمة؟ … هل أنا سارقة
لهذا المال؟! … إنه مدَّخَري طولَ حياتي! … هل أنا ناهبة
خاطفة لهذا المعروض للبيع؟ … إني اشتريته بِحُرِّ مالي في
مزاد علني أمام أعينكم … ما هي جريمتي إذن؟ … تكلموا … بأي
ذنب تطلبون سفك دماء امرأة ضعيفة اشترت شيئًا في مزاد!
أصوات
(ترتفع من بين الجموع)
:
الموت للعاهرة!
أصوات أخرى
(من بين الجمع)
:
لا … لا تقتلوها!
السلطان
(للوزير)
:
أترى؟
الوزير
(للشعب)
:
أيها الناس! … أترون أن يُنفَّذ فيها الحكم؟!
أصوات
(تصيح)
:
نعم!
أصوات أخرى
(صائحة)
:
لا!
السلطان
:
انقسمت الآراء أيها الوزير!
الوزير
:
لكن الأغلبية يا مولاي في جانب الموت!
السلطان
:
ليس هذا عندي بمبرر لقتل هذه المرأة … إنك تريد أن تلجأ إلى
تبرير شبه قانوني لاستخدام السيف!
الوزير
:
موت هذه المرأة ضروري لإخراجنا من هذا المأزق!
السلطان
:
الآن نحتاج إلى جثة هامدة لإنقاذنا؟!
الوزير
:
نعم يا مولاي!
السلطان
:
بين الوحل والدم يتعين عليَّ مرةً أخرى أن أختار؟!
الوزير
:
لم يبقَ لنا غير السيف ليشق لنا مخرجًا!
السلطان
:
إن الذي يمضي قُدمًا إلى الأمام في خط مستقيم يجد دائمًا
مخرجًا.
الوزير
:
تقصد يا مولاي؟
السلطان
:
أقصد أنه لا نُكوصَ على الأعقاب، ولا عودة إلى الوراء …
أفهمت؟
الوزير
:
فهمت يا مولاي … إنك تريد أن تمضي في اتباع القانون!
السلطان
:
هو ذاك … لن أَحيد عما اخترت، ولن أرجع فيما قررت!
الوزير
:
وكيف تمضي في اتباع القانون؛ والقاضي نفسه يعلن إخفاقه
وإفلاسه؟!
السلطان
:
هو حر في إعلان إفلاسه! … أما أنا فلا … لن أتقهقر …
فلنَسِرْ في الطريق إلى نهايته.
الوزير
:
وهذه المرأة التي تسد علينا هذا الطريق؟!
السلطان
:
دع أمرها لي (يلتفت إلى المرأة) تعالي هنا أيتها المرأة! …
اقتربي؟! … خطوة أخرى … هنا أمامي! … أريد أن أُلقي عليكِ
بضعة أسئلة! … أتسمحين؟
الغانية
:
سمعًا وطاعةً يا مولاي!
السلطان
:
أولًا … وقبل كل شيء … من أنا؟
الغانية
:
من أنت؟!
السلطان
:
نعم … من أكون أنا؟
الغانية
:
أنت السلطان!
السلطان
:
أنتِ معترفة بأني السلطان؟
الغانية
:
طبعًا!
السلطان
:
حسن … والسلطان ما عمله؟!
الغانية
:
عمله … أن يحكم!
السلطان
:
أنتِ موافقة على أنه يحكم؟
الغانية
:
بدون شك.
السلطان
:
حسن جدًّا … إذن ما دُمت مُقرةً بكل هذا؛ فكيف تُطالبين بأن
يُسلم إليكِ السلطان؟!
الغانية
:
لأنه أصبح من حقي!
السلطان
:
لست أناقش حقك … إنما أنا أتساءل فقط عن إمكان تنفيذ هذا
الحق … ما دمت سلطانًا يحكم، فكيف أستطيع القيام بمهام منصبي
إذا سُلِّمت إليكِ في منزلك؟! …
الغانية
:
ليس أبسط ولا أسهل من ذلك؛ أنت سلطان أثناء النهار … إذن
فأنا أُعيرك للدولة طول النهار، فإذا جاء المساء عُدت إلى
منزلي!
السلطان
:
للأسف … أنتِ لا تفهمين عملي فهمًا صحيحًا … إن السلطان
ليس صاحب حانوت يفتحه نهارًا ويغلقه ليلًا … إنه رهن إشارة
الدولة في كل لحظة … وهنالك من المسائل الخطيرة العاجلة ما
تضطره أحيانًا كثيرةً إلى الاجتماع برجال دولته في منتصف
الليل.
الغانية
:
أمر هذا سهل أيضًا … ففي بيتي حجرة منعزلة هادئة تستطيع
العمل فيها مع رجال دولتك!
السلطان
:
أترين هذا الوضع مقبولًا؟!
الغانية
:
أكثر من مقبول … أراه مدهشًا!
السلطان
:
هو مدهش فعلًا … سلطان يصرِّف شئون دولة من بيت امرأة يقال
إنها … لا تؤاخذيني! … معذرة!
الغانية
:
قُل … قل! … الكلمة لم تعُدْ تجرحني! … لكثرة ما تلقيت من
الوخزات. تكسرت النِّصالُ على النصال! … على أني أؤكد لك أيها
السلطان أنك ستجد عندي من البهجة ما لا تجد عندك!
السلطان
:
ربما … إلا أن الحاكم لن يُحسن القيام بمهام الحكم من بيوت
الآخرين.
الغانية
:
هذا إذا كان الحاكم حُرًّا.
السلطان
:
أصبتِ … إني لست حُرًّا … (يطرق برأسه).
(لحظة صمت.)
الغانية
:
ما يعجبني فيك أيها السلطان هو موقفك الهادئ الرزين أمام هذه
الكارثة!
السلطان
(يرفع رأسه نحوها)
:
أمعترفةٌ أنتِ إذن أنها كارثة؟!
الغانية
:
بديهي! … سلطان عظيم مثلك تُساء معاملته على هذه
الصورة!
السلطان
:
وهل أحدٌ غيرك يسيء معاملتي؟!
الغانية
:
حقًّا! … وأي فخر وأي سرور أن أسمع هذا من فم سلطان عظيم!
… إنه لشرف يستحق أن يُدفع فيه ذهبُ الأرض كلُّه! … ما من
أحد يَجسُر بعد اليوم على ازدرائي في المدينة! … فأنا أسيء
معاملة السلاطين!
الوزير
(ثائرًا)
:
كفى أيتها المرأة! … كفى! … إن هذا لفوق الاحتمال! … إنها
قد جاوزت كل حد! … لا بد من ضرب رأس هذه الشقية
الوقحة!
السلطان
:
اهدأ!
الغانية
:
نعم … اهدأ أيها الوزير! … ولا تتدخل فيما لا
يعنيك!
الوزير
:
أيمكن احتمال هذا كله؟! … اللهم صبرًا! … اللهم
صبرًا!
الغانية
:
نعم … تجمَّل بالصبر أيها الوزير! … ودعنا نتحدث أنا
والسلطان؛ فهذا موضوع يعنينا وحدنا!
السلطان
:
هذا صحيح!
الغانية
:
أين وقفنا يا مولاي السلطان؟!
السلطان
:
لم أعد أدري … أنتِ التي كنتِ تتحدثين.
الغانية
:
نعم! … ها أنا ذي أتذكر … وقفنا عند قولي: إنه لشرف
…
السلطان
:
أن تسيئي معاملتي!
الغانية
:
بل أن أحظى بمتعة الحديث معك! … في الواقع يا مولاي، إنها
المرة الأولى التي أراك فيها عن قرب … لطالما حدَّثوني عنك،
لكني ما كنت أعرف أنك بهذا اللطف! …
السلطان
:
شكرًا!
الغانية
:
حقًّا لكأننا صديقان منذ عهد بعيد!
السلطان
:
أوَمن عادتك أن تُعرِّضي أصدقاءك هكذا للمهانة
والسخرية؟!
الغانية
:
لا … مطلقًا! … بالعكس!
السلطان
:
إذن، لماذا جعلتِ مني استثناء؟
الغانية
:
هذا بالفعل ما بدأ يؤلمني … ولكم أتمنى الآن أن أُدخل على
قلبك السرور وأُقدم إليك التجِلَّة والاحترام، لكن كيف؟ … كيف
أستطيع ذلك؟ … ما هي الطريقة؟ .
السلطان
:
الطريقة بسيطة.
الغانية
:
توقيع حجة العتق هذه؟!
السلطان
:
أظن!
الغانية
:
لا … لا أريد أن أتركك … لا أريد أن أتخلى عنك … أنت
مملوك لي … أنت لي … لي …
السلطان
:
لكِ ولغيركِ من أبناء هذا الشعب كله!
الغانية
:
إني أريد أن تكون لي وحدي.
السلطان
:
وشعبي؟
الغانية
:
شعبك لم يدفع فيك ذهبًا ليحصل عليك!
السلطان
:
هذا صحيح … لكن يجب أن تعلمي أنه من المستحيل قطعًا أن أكون
لكِ وحدك، وأبقى بعد ذلك سلطانًا! … ليس هناك غير وضع واحد
يستقيم معه أن أكون لك وحدك!
الغانية
:
ما هو؟
السلطان
:
هو ألا أكون سلطانًا … أن أنزل عن العرش وأعتزل
الحكم.
الغانية
:
لا … لست أريد لك ذلك … أريد أن تبقى سلطانًا!
السلطان
:
في هذه الحالة لا بد من التضحية!
الغانية
:
من جهتي؟!
السلطان
:
أو من جهتي أنا.
الغانية
:
أتخلى عنك؟!
السلطان
:
أو أتخلى أنا عن العرش!
الغانية
:
وعليَّ أنا أن أختار!
السلطان
:
بالطبع عليكِ أنتِ أن تختاري … لأن زمام الأمر كله في يدك
أنتِ الآن!
الغانية
:
ألِي كل هذه الأهمية وكل هذا الخطر؟!
السلطان
:
في هذه اللحظة … نعم!
الغانية
:
هذا مدهش!
السلطان
:
حقًّا!
الغانية
:
أنا إذن أملك في يدي زمام الأمر الآن؟
السلطان
:
نعم!
الغانية
:
بمشيئتي أُبْقي السلطان!
السلطان
:
نعم!
الغانية
:
وبكلمة مني يتم عزل السلطان؟!
السلطان
:
نعم!
الغانية
:
إن هذا حقًّا لمدهش!
السلطان
:
بدون شك!
الغانية
:
ومن الذي أعطاني كلَّ هذه السلطة؟ … المال؟
السلطان
:
القانون.
الغانية
:
لفظ من فمي يستطيع أن يُغير مصيرك ويوجه حياتك؛ إما إلى الرق
والعبودية، وإما إلى الحرية والسيادة!
السلطان
:
وعليكِ أنتِ أن تختاري!
الغانية
(متفكرة)
:
بين العبودية التي تمنحك لي، وبين الحرية التي تحفظك لعرشك
وشعبك!
السلطان
:
عليكِ أنتِ أن تختاري!
الغانية
:
الخيار صعب!
السلطان
:
أعرف!
الغانية
:
إنه لمؤلم أن أتركك تذهب … أن أفقدك إلى الأبد! … ولكنه
مؤلم أيضًا أن أراك تفقد عرشك! … لأن بلادنا لن يتاح لها
أبدًا سلطان في مثل عدلك وشجاعتك … لا … لا تترك الحكم، ولا
تعتزل العرش! … أريد أن تبقى سلطانًا.
السلطان
:
وإذن؟
الغانية
:
سأوقِّع الحجة!
السلطان
:
حجة العتق؟
الغانية
:
نعم!
القاضي
(يبادر بتقديم الحجة)
:
ها هي ذي الحجة.
الغانية
:
لي فقط طلبٌ أخير.
السلطان
:
ما هو؟
الغانية
:
أن تمنحني يا مولاي هذه الليلة … ليلة واحدة … شرِّفني
بقَبول دعوتي، وكن ضيفي حتى مطلع الفجر! … فإذا أذَّن المؤذن
لصلاة الفجر من فوق مئذنته هذه، فإني أوقِّع حجة العتق، ويصبح
مولاي السلطان حرًّا طليقًا.
القاضي
:
إذا أذَّن المؤذن لصلاة الفجر؟!
الغانية
:
نعم … أهذا كثير؟! … أن أشتري بكل هذه الأكياس من الذهب لا
السلطانَ نفسه، ولكن ليلةً واحدة يمضيها في ضيافتي؟!
السلطات
:
قبلت!
الوزير
:
لكن يا مولاي … من يضمن لنا هذا الوعد من مثل هذه
المرأة؟!
السلطان
:
أنا … أنا الضامن … إني أثق بقولها.
القاضي
:
أتقسمين على ما تقولين أيتها المرأة؟!
الغانية
:
نعم … أقسم … أُقسم بالله العظيم ثلاثًا … إني أوقِّع حجة
العتق عند أذان المؤذن لصلاة الفجر من فوق هذه المئذنة!
القاضي
:
اللهم فاشهد! … ونحن جميعًا هنا شاهدون!
السلطان
:
أما أنا فمصدِّقُها دون قسَم!
الغانية
:
والآن … يا مولاي السلطان النبيل، أتأذن وتُشرف بيتي
المتواضع بزيارتك الكريمة؟!
السلطان
:
بكل سرور!
(ينهض السلطان ويتبع الغانية إلى دارها …
موسيقى.)
(ستار.)