النص الكامل
فاتحة الرسالة
تهنئات الأكفاء
وأشباهه — في العصر — قليلٌ، وقد وضح بذلك الدليل.
فريسة الأسد
تهنئة الفأر
مصرع الفأر
ما ذبني! أو كل في جوار الجبار: أسامة!
أهَّلت نفسك لخطابٍ: ما كنت له بأهلٍ، فعددت من أصحاب السَّفَه والجهل.
تهنئة العصفور
حَمَلة العِصِي
الأصفران
فأما الأستاذان الجليلان — زاد الله ضياء الأيام ببقائهما — فلا يُعدَل بهما الأصفران، إذا تُرجم عنهما بالذهب والزعفران، وإن كان أحدهما طيبًا يُنْشَق، والآخر مالًا يُدَّخر ويُنفَق.
رَوْقا «فزارة»
الحُرَّان والعَبْدان
فقال:
لأنه يروى عنه كلامٌ معناه:
الكوكبان
وإنما يشبهان بالحُرَّين اللذين هما كوكبان، يراهما المدلج ويتقاربان، كما قال القائل:
الربيعان
الفارسان
امرؤ القيس
وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ٨٩ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.
حديث الحيتان
عرش بلقيس
دعوة الجبال
دعوة الدرب
أسد النجوم
وسيدانا الأستاذان:
أذل الله معاندهما أخرى المنون — إلى الأبد.
كما قال الفرزدق:
هوامش
وانظر ما كتبه في ذم الخضاب والحناء: ج١، ص٦٠، ٦٩، ٨١، ١١١، ١٣٤، ١٧٥، ٢٨٠، ٢٨٨، ٢٨٩.
وج٢، ص٥٨، ٦١، ٨٦، ١٨٤، ٢٠٢، ٢٦٢، ٣١٥، ٣١٧، ٣١٨.
وقد جرى فيلسوفنا على تشبيه الناس بالغصون والثمر، فقال في لزومه:
وقال:
وقد افتنَّ الجاحظ في تدوين أخباره في البيان والتبيين.
وج٢، ص: ٢١، ٢٢، ٢٣، ٢٩، ٣٣، ٤٥، ٤٨، ٥٢، ٧١، ٧٢، ٧٦، ٧٧، ٨٠، ١١٣، ١٤٢، ١٤٥، ١٥٨، ١٦٠، ١٦٤، ١٧٨، ١٨٩، ١٩١، ١٩٢، ٢٣٦، ٢٣٨، ٢٤٥، ٢٤٦، ٢٥٧، ٣١٨.
وفي فصوله ص١٦٢، ١٨٩، ٢٧٥، ٣٦٠، ٣٦١، ٣٦٢، ٣٦٥، ٤١٠، ٤٤٩.
وفي رسائله ص٧٠، ٧١، ٨٥، ١٨٧، ١٨٩، ١٩٠، ١٩٥.
وفي رسائله ص١٠٣، ١٤٦، ١٨٧، ١٩٦، ٢١٨.
وفي لزومه، وأحدها ج١، ص٣١، ٣٢، ٧٨، ١٠٧، ١١٣، ١٦٧، ١٧١، ١٩١، ١٩٦، ١٩٧، ٢٠٦، ٢١٠، ٢١٩، ٢٢٦، ٢٣٥، ٢٤٥، ٢٥٠، ٢٨٨، ٢٩٥، ٢٩٨.
وفي ج٢، ص١٨، ١٩، ٢٠، ٣٣، ٤٠، ٤٤، ٥٧، ٦٧، ٧٦، ١٠١، ١٥٨، ١٦٩، ١٨٠، ٢٠٤، ٢١٢، ٢٩٥، ٢٩٧، ٣٠٠، ٣٠٧، ٣٦٧.
وقيل لرجل مكفوف: «لِمَ تُؤثِر عصاك على قائد يقودك من الناس؟» قال: «لأنها مقهية — ممتنعة عن الطعام — لا تطعم ولا تشره، ولا تقابلني بما أكره.»
وقوله (ص٥٢١ منها): «أنا مكفوف العين — ضرير — أتكلم في مكفوفي اللسانين — أخرسين.»
وفي رسالة الشياطين (ص٥٠٤) نراه يطلق على العصا اسم المطية الأطلحية؛ لأنها من شجر الطلح، وقد وصف أحوال راكب الناقة وراكب الجواد وراكب البغل وراكب الحمار، فلما بلغ راكب المطية الأطلحية؛ أي: العصا، وهو يعني بذلك ركوب رجليه؛ أي السير راجلًا، قال:
ولا بأس أن يسلب الله الرَّجُل حلَّة الأغنياء، فيلبس — بتفضل الله — حلل الأنبياء، فيستعين على السفر بمطية أطلحية، ليست بالملومة ولا الملحية. إذا حل في المنزل أغنته عن الملأ — الناس — بغنائها عن ماء وكلأ، وهي في التلف قريب الخلف — يسهل استبدال غيرها بها إذا تلفت — حبَّذا تلك المطية!
مولاي الشيخ الأجل الأوحد — أطال الله بقاءه، وأدام نعماءه، وكبت أعداءه.
واسمه جعفر. والجعفر النهر الصغير الكثير الماء، وإنه لفرات يرده أهل الإظماء، فيغني الوارد عن القطر النازل من السماء.
وكنيته أبو القاسم، وهو يقسم ما رزق بين الضعفاء، وطارق يجب له حسن وفاء، وهو يُشفق على بعيد وقريب، وأهل من القوم وغريب.
والله — جلت عظمته — يريه ما يسرُّه في نفسه وولده، ويجعل المسرة مقرة في خلده. وأما أنا فقد بلغت سنًّا تصير العالي — من الشجر — ثنا.
وفي هذه المدة، عرض لي ما يمنع من القيام، ويلحق النار الموقدة بالإيام — أي الدخان.
فإذا نهضت خلت أني متوقل في نيق يعجز تعالى السوذنبق، وإذا مثلت قائمًا لم أقدر على خطو إلا كما ضعف من القطو — تقارب المشي — كأن خطوي فتر. وبيد الله العافية والستر. ولا بد لي من عصًا مُعينة، والعجب للدنيا اللعينة.
وورد وليه الشيخ أبو الحسن علي بن عبد الله بن أبي هاشم وهو موقر من أيادٍ ما زال لمثلِها ذا اعتياد.
والله يستجيب مني فيه، وفي أودائه، ما يرفع من دعاء؛ فالرب الأول ملك الملوك وراعي الرعاء.
وله رأسان يسميان ابني شمام.
قال لبيد:
وكأنهم يستعملون الأخ في معنى الصاحب فيقولون: أخو السيف؛ أي صاحبه، وأخو الحيرة … (ف٢٧٥). وقد جرى على ذلك الأسلوب العربي عامة، وأسلوب المعري خاصة، فهو يقول: أين أخو الإباءة [الأجمة]؟
ويقول في هذه الرسالة: «أفضل من جوار أخي كندة — امرئ القيس.»
ويقول في لزومياته:
ومما اختاره «أبو العلاء» في غفرانه قول الشاعر في هذا الباب:
ومما يختار له من إشاراته قوله في لزومه:
والمعري يكثر من استعمال هذا التعبير، نجتزئ من ذلك بقوله في «رسالة الغفران» (ص٨): «تعرج بها الملائكة من الأرض الراكدة إلى السماء.» وقوله في مخاطبة رضوان: «فكأنما أخاطب ركودًا صماء لأستنزل أبودا عصماء …»
وقوله في غفرانه (ص١٥٩) في معرض الكلام عن بلاغة القرآن وإعجازه: «لو فهمه الهضب الراكد لتصدع.»
وقيل: طريق يبس أي لا ندوة فيه ولا بلل.
فعجب «سليمان» مما سمع، وبعث الهدهد بكتاب إلى «بلقيس» يأمرها بالحضور إليه طائعة مختارة، ويحذرها مخالفة أمره، فجمعت حاشيتها واستشارتهم في أمرها، فأظهروا لها استعدادهم لحرب «سليمان»، ولكنها بما وُهِبت من رجاحة العقل وبُعد النظر آثرت المهادنة والسلام، على المخالفة والخِصام، ثم بعثت إليه بهدية فاخرة، راجيةً أن تكفَّ بها عن نفسها ما تخشاه من الأذى، ولكنه رفض الهدية وأصر على إحضارها، فلم تستطع لمشيئته رفضًا. وعلم «سليمان» بما اعتزمته، فأعدَّ لها في «أورشليم» — حاضرة مُلكِه — صرحًا باذخًا لم تقع العين قط على أبهى منه، وأمر الجن بإحضار عرشها إلى قصره العظيم، فلما رأته في قصره دهشت في أمرها، فسألها سليمان: «أهكذا عرشك؟» فقالت متحيرة: «كأنه هو بعينه!» ورأت أرض القصر من زجاج ممرد فحسبته ماء، فكشفت عن ساقيها حتى لا يبتل بالماء ثوبُها، ثم أدركت الحقيقة فخجلت وقالت: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وقد أشار المعري إلى «بلقيس» في لزومه عدة مرات، منها قوله:
وهذا هو أسلوب المعري، فهو يتحدث في غفرانه (ص١٢٠) على لسان «أبي هدرش» الجني، يصف انقياد طائفته لإبليس فيقول:
وهو يعني بقوله «إذا مثل خبر أو قيس.» أن الرياح ربما حملت سفينة صاحبه في هبوبها كما حملت عرش «بلقيس»؛ فإننا متى تمثلنا هذه القصة سهل علينا أن نقيس عليها تلك الأمنية التي لا يستحيل تحقيقها. ولا ريب أن القدرة الإلهية لا يعجزها أمر من الأمور، قادرة على إبداع كل شيء، وتذليل كل صعب.
العالم العالي: وقد سبح به خياله في هذه القصيدة الحاشدة بأعمق التأملات في عجائب صنع الله، وكمال قدرته التي أبدعت العالم العالي، وزينته بالنجوم و«السهى» و«الثريا» و«السماكين»، كما أنشأت القلب — يعني قلب العقرب، وهو من منازل النجوم — وألحقت النحول والهزال بالبدر بعد تمامه، فخيل لرائيه أنه سوار كسرته يد الظلام، وأدنى الرشاء للعراقي — وللرشاء معنيان، فهو منزلة من منازل القمر، وهو أيضًا حبل الدلو. والعراقي: جمع عرقوة؛ وهي خشبتان تعرضان على الدلو — ولما كانت هذه الدلاء من منازل القمر، فهي لا تحتاج إلى رشاء — حبل — أيًّا كان نوعه، سواء أكان شريعًا — حبلًا من الكتان — أم جلبًا — حبلًا من ليف. ثم صوَّر الليث — وهو كما أسلفنا أحد البروج الاثني عشر — في مكانه من السماء، ولو شاء — سبحانه — لحوله كلبًا من كلاب الأرض، ثم رمى بفراقد النجوم إلى الأرض وجعلها من فراقد الأرض — وهي أولاد البقر الوحشي — وأنزل إلى دنيانا الثور — وهو أيضًا من منازل القمر — فجعله مثل سميه الثور الأرضي: يكرب — يحرث الأرض — فتشتبك بظلفيه الشوابك والهلب — وللهلب معنيان؛ أحدهما: الشعر، والآخر: كوكب من الكواكب — ثم أنزل نعام الجو من عليائها، فجعلها نعامًا أرضية مُفزَّعة القلب تهيم على وجهها في الدوِّ — الفلاة — تخشى أن يغلبها الصيادون على أمرها، فلا يقر لها قرار من شدة الخوف، ثم أمر الحوت — وهو من أبراج القمر كذلك — فهوى إلى البحر ليعيش مع أخيه الحوت في الماء، وأسكن النجوم المتألقة في السماء حفرة ضيقة في الأرض بعد أن كانت تنير الظلماء في الليلة الحالكة الدجياء. وإليك النص العلائي:
ومن أبرع ما يختار له في هذه القصيدة قوله يسخر ممن أسندوا إليها العقل والتمييز، ويُفنِّد رأي من وصفوها بالمنطق، وزعموا أن لها عواطف ورغبات، وآرابًا وغايات، تحفزها إلى المنافسة والمحاسدة، وتزج بها في ميدان التحاقد والمكايدة:
وقوله في لزومه يؤكد هذا المعنى متهكمًا:
وليس هذا الخيال بمستغرب منه؛ فالنجوم عنده كغيرها من الأناسي وسائر الكائنات عبيد لخالقها أو إماء:
ثم قرر أن نار المريخ سيُجري عليها القدر حكمه، وينفذ فيها مشيئته، فيطفئها بعد أن دام اشتعالها، ويجني جمرتها بعد أن طال التهابها، قال:
وإليك النص العلائي:
أيتها النفس المجهشة — المتهيئة للبكاء — مهلًا، قرب مماتك فلا تقولي لي «كلا»؛ بليت وحسرتك لا تبلى.
مبتدعك مقتدر على أن يجعل «زحل» كرابًا — حرَّاثًا — يتبع خائرة — بقرة — عجلى.
•••
و«المريخ» ماهنًا — خادمًا — يطعم الإرة — وهي الحفرة يوقد فيها النار — حطبًا جزلًا.و«المشتري» سائمًا — وهو الذي يسوم البضاعة عند الشراء — يقول: «ما أرخص وأغلى»!
و«الشمس» في قلادة كعاب تجلى — والشمس ضرب من الحلى — والمعنى أن الله تعالى لو شاء جعل هذه الشمس الطالعة شمسًا في القلادة.
و«الزهرة» زهرة تعلو بقلًا، و«عطاردًا» كاتب تاجر ينظر ما قال وأملى، و«القمر» بياضًا يستبطن يدًا أو رجلًا.
و«الشرطين» قرني حمل — والمنجمون يزعمون فيما يقول أبو العلاء أن الشرط قرن الحمل — يرتعي خلي — نباتًا رطبًا.
و«البطين» محتويًا على كبد وكلى.
والثريا منيرة في بعض الحنادس منزلًا. يعني أن الله تعالى يقدر أن يجعل ثريا الكواكب التي في السماء مثل ثريا القناديل التي في الدور.
وحادي النجم راعيًا يتبع قلاصًا عجلًا — حادي النجم يعني الدبران، والنجم: الثريا — قال الشاعر:
والهَقْعَة دائرة في طرف — فرس — عاطلًا أو محجلًا [الهَقْعَة من دوائر الفرس يتشاءم بها، ويقال: إنها بياض في الجانب الأيمن مما يقع عليه أحد جانبي السرج، وكانت العرب تتيمن بها].
والهنعة تركب عنقًا مذللًا [اشتقاق الهنعة من قولهم: في عنقه هنع؛ أي اطمئنان].
والذراع [الذراع يذكر في لغة عكل] يطبخ فيمسي منتشلًا.
والطرف عيني أسد تزران إذا رأى سفرًا مليلًا — في الليل.
والنثرة والجة في الأنف يقدم وجهًا مسهلًا — ضد الجهم — [والنثرة باطن الأنف، ومنه قيل: استنثر الرجل؛ أي أدخل الماء في باطن أنفه، ويقال: طعنه فأنثره إذا ألقاه على النثرة، قال الراجز:
والزبرة تعلو كتدًا لليث يسكن دغلًا [زبرة الأسد: الشعر الذي يعلو كتفيه، وبها سميت زبرة النجوم، والكتد: مجتمع الكتفين].
والجبهة [ويقال للخيل: جبهة] خيلًا كرامًا، أو جبهة ضرغام: لا يحذر محتبلًا — لا يخاف حبالة الصياد — يقتنص في غابه ظليمًا — ذكر النعام — أو وعلًا.
والصرفة خرزة تغدو بها المرأة طالبة أملًا [ويقال لضرب من الخرز — التي تزعم نساء الأعراب أنهن يصرفن بهن الزوج — الصرفة، ولهن خرز كثير، فمنهن: الصدحة، والزلقة، والكحلة، والوجيهة، والهمرة، والهنمة.
ويقولون في سجع لهن: أخذته بالهنمة، بالليل عبد، وبالنهار أمة].
والعواء ضروة — كلبة — تتبع فرقًا — قطيعًا عظيمًا من الغنم — مهملًا [والعواء من الكواكب — تمد وتقصر، والقصر أكثر — وأنشد في المد:
والسماك الأعزل راجلًا يشتكي عزلًا.
والرامح فارسًا يخضب قناته قتلًا.
والغفر نمطًا تودعه الظعينة — الزوجة — حللًا [والغفر: نمط يجعل كالعكم — الغرارة — فتجعل فيه المرأة متاعها، ويقال: إن الغفر من النجوم سمي بذلك. والله أعلم].
والزباني على شوشب سلاحًا لا يرهب فلًّا، والإكليل للفرضخ مجللًا [والزباني: قرن العقرب الأرضية، وكذلك هو للعقرب من النجوم، وشوشب: من أسماء العقرب الأرضية، والفرضخ: من أسماء العقرب].
والشولة معها نصلًا، والقلب بين جوانح يوجد مشتعلًا [وقلب النخلة يقال في جمعه: قلبة]، أو بين سعف نفى عنه المشذب هملًا، والنعائم [النعائم خشب يوضع على البئر] على قليب — بئر — يوجد مظللًا، والبلدة في نحر ظل مقبلًا [البلدة من النحر وسطه].
وسعدًا الذابح مقترًا يذبح حملًا [سعد الذابح: من منازل القمر، وإنما قيل الذابح لأن قدامه كوكبًا تزعم العرب أنه ذبحه، والذبح: المذبوح أو ما أعد ليذبح، قال جرير:
وثالثهما: سعد بن ضبيعة قائلًا مرتجلًا [وسعد بن ضبيعة هو: سعد بن مالك بن ضبيعة. وهذا يجوز في كلام العرب ويكثر، ومنه قوله ﷺ: «أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب»].
وسعد الأخبية سعد بن زيد نازلًا مرتحلًا [وسعد بن زيد هو: سعد بن زيد مناة بن تميم].
والفرغين يكتنفان غربًا سحبلًا [والفرغان: من النجوم شُبِّها بفرغي الدلو، وهو: ما بين العراقي، وربما قالت العرب: العرقوتان وهم يريدون الفرغين، قال عدي بن زيد:
والرشاء مرسا — حبلًا — في يد مهيف [أي عطشان] ينضح بالماء غللًا، من حول ولقاح [والحول: جمع حائل، وهو الأنثى من أولاد الإبل ساعة توضع] ولقاح — حامل.
مراجع النصوص العلائية: وللمعري في هذا الباب روائع لا تحصى، فلنجتزئ منها بهذا القدر اليسير، تاركين لكتاب «العالم العالي» تفصيل ما أجملنا بعضه في هذه الوجازة، ولمن شاء الاستزادة من هذا الإبداع الفني العالي أن يرجع إلى لزومه (ج١، ص٢٩، ٣٣، ٣٦، ٣٧، ٣٨، ٤١، ٤٤، ٤٧، ٥٠، ٥٢، ٥٤، ٥٥، ٥٩، ٦١، ٦٣، ٦٤، ٦٦، ٦٩، ٧٠، ٧٧، ٧٨، ٧٩، ٨٣، ٩٣، ٩٦، ٩٧، ٩٨، ١٠٠، ١٠٢، ١١٣، ١١٧، ١٢٧، ١٣١، ١٣٤، ١٣٥، ١٣٦، ١٣٨، ١٤٠، ١٤٧، ١٤٩، ١٥١، ١٥٥، ١٥٦، ١٦٣، ١٦٦، ١٦٩، ١٧٠، ١٧١، ١٧٤، ١٨٠، ١٨٣، ١٩٢، ١٩٣، ١٩٦، ٢٠٠، ٢٠١، ٢٠٢، ٢٠٨، ٢١٠، ٢١١، ٢١٢، ٢١٤، ٢١٦، ٢١٧، ٢١٩، ٢٢١، ٢٢٢، ٢٢٤، ٢٢٦، ٢٢٧، ٢٣٣، ٢٣٧، ٢٣٩، ٢٤١، ٢٤٥، ٢٤٦، ٢٤٧، ٢٤٩، ٢٥٣، ٢٥٧، ٢٥٨، ٢٦٠، ٢٦١، ٢٦٢، ٢٦٣، ٢٦٤، ٢٦٧، ٢٧٢، ٣٧٣، ٢٧٤، ٢٧٧، ٢٧٩، ٢٨٢، ٢٨٣، ٢٨٦، ٢٨٨، ٢٩٠، ٢٩١، ٢٩٢، ٢٩٤، ٢٩٥، ٢٩٦، ٢٩٩، ٣٠٠، ٣٠١، ٣٠٣، ٣٠٤، ٣٠٥، ٣٠٦، ٣١٠، ٣١١، ٣١٢، ٣١٣، ٣١٤، ٣٢٠، ٣٢١، ٣٢٢، ٣٢٤، ٣٢٥، ٣٢٩، ٣٣٠، ٣٣٢، ٣٣٦، ٣٣٧، ٣٣٨، ٣٣٩، ٣٤١، ٣٤٤، ٣٤٥، ٣٤٦، ٣٤٧، ٣٤٨، ٣٤٩، ٣٥٠، ٣٥١، ٣٥٢، ٣٥٣، ٣٥٤، ٣٥٥، ٣٥٩).
(ج٢، ص٤، ٨، ١٠، ١١، ١٥، ٢١، ٢٢، ٢٣، ٢٤، ٢٦، ٢٧، ٢٨، ٢٩، ٣٠، ٣٢، ٣٣، ٣٤، ٣٥، ٣٨، ٤٠، ٤١، ٤٤، ٤٧، ٥١، ٥٤، ٥٥، ٦٩، ٧٠، ٧٣، ٧٥، ٨٧، ٨٩، ٩٢، ٩٧، ١٠٥، ١٠٦، ١٠٨، ١١٠، ١١١، ١١٧، ١١٨، ١٢١، ١٢٣، ١٢٤، ١٢٥، ١٢٧، ١٢٨، ١٣١، ١٣٣، ١٣٧، ١٣٩، ١٤٤، ١٤٥، ١٤٦، ١٥٠، ١٥١، ١٥٢، ١٥٣، ١٥٦، ١٥٧، ١٥٨، ١٥٩، ١٦٠، ١٦١، ١٦٣، ١٦٥، ١٦٦، ١٦٧، ١٦٨، ١٧٠، ١٧١، ١٧٢، ١٧٣، ١٧٦، ١٧٩، ١٨١، ١٨٤، ١٨٦، ١٨٨، ١٨٩، ١٩٠، ١٩١، ١٩٢، ١٩٦، ١٩٧، ٢٠٢، ٢٠٣، ٢٠٤، ٢٠٥، ٢٠٦، ٢٠٧، ٢٠٩، ٢١٢، ٢١٥، ٢١٦، ٢١٩، ٢٢٠، ٢٢١، ٢٢٢، ٢٢٥، ٢٢٦، ٢٣١، ٢٣٣، ٢٣٤، ٢٣٥، ٢٣٧، ٢٣٩، ٢٤٠، ٢٤٨، ٢٥٠، ٢٥١، ٢٥٢، ٢٥٤، ٢٥٧، ٢٥٨، ٢٥٩، ٢٦٦، ٢٦٧، ٢٦٨، ٢٧٤، ٢٧٦، ٢٧٧، ٢٧٩، ٢٨٢، ٢٨٨، ٢٩٢، ٢٩٤، ٢٩٦، ٢٩٧، ٢٩٩، ٣٠٠، ٣٠٢، ٣٠٤، ٣٠٥، ٣٠٩، ٣١١، ٣١٢، ٣١٤، ٣١٥، ٣١٦، ٣٢١، ٣٢٢، ٣٢٩، ٣٣٠، ٣٣٣، ٣٣٥، ٣٣٦، ٣٤٩، ٣٥٠، ٣٥١، ٣٥٧، ٣٥٨، ٣٦١، ٣٦٤، ٣٦٥، ٣٦٨).
وديوان سقط الزند (ج١، ص٧، ١٠، ١١، ١٣، ١٤، ١٥، ١٦، ١٧، ١٨، ١٩، ٢٠، ٢١، ٢٣، ٢٤، ٢٥، ٢٦، ٢٧، ٢٨، ٢٩، ٣٠، ٣٢، ٣٣، ٣٤، ٣٥، ٣٦، ٣٨، ٣٩، ٤٠، ٤٣، ٤٤، ٤٥، ٤٦، ٤٨، ٥٠، ٥١، ٥٢، ٥٣، ٥٤، ٥٥، ٥٧، ٥٨، ٦٠، ٦١، ٦٣، ٦٤، ٦٥، ٦٧، ٦٨، ٧٠، ٧١، ٧٣، ٧٤، ٧٥، ٧٦، ٧٩، ٨٠، ٨١، ٨٢، ٨٤، ٨٥، ٨٧، ٨٨، ٨٩، ٩٠، ٩١، ٩٢، ٩٥، ٩٦، ٩٧، ١٠١، ١٠٢، ١٠٣، ١٠٧، ١٠٨، ١٠٩، ١١٢، ١١٥، ١١٦، ١١٧، ١٢٠، ١٢١، ١٢٢، ١٢٣، ١٢٦، ١٢٧، ١٣٠، ١٣١، ١٣٢، ١٣٤، ١٣٧، ١٣٨، ١٣٩، ١٤٠، ١٤٥، ١٤٩، ١٥٠، ١٥٣، ١٥٥، ١٥٦، ١٥٧، ١٥٨، ١٥٩، ١٦٠، ١٦٢، ١٦٤، ١٦٦، ١٦٨، ١٦٩، ١٧١، ١٧٤).
رجلان ما اغتابا قط ولا يغتابان، ولا كذبا، ولا يكذبان، ما نطقا بكلمة ذميمة، ولا فاها — مع البشر — بالنميمة.
فنحن كما قال القائل:
فضل الصمت: ومن وصاياه في الصمت قوله في فصوله (ص١٧٤): «وإن عصتك الغريزة؛ فعليك الصمات إن كان كلامك لا ينتفع به سواك، فإن ظننت المنفعة لغيرك؛ فلا بأس بعظتك وأنت مصر على الآثام.» وقوله في (ص٢٥): «التقي ملجم، يفتقر كلامه إلى أن يترجم.» وقوله في لزومه:
الكذب كما يراه أبو العلاء، مراجع النصوص: وللمعري في ذم الكذب فنون تضيق بتفصيلها مطولات الرسائل والكتب، بله موجزات الشروح، ومختصرات التعليقات، وحسبنا أن ننبه القارئ المستزيد إلى ما أبدعه شاعرنا من روائع الصور البيانية في هذا الباب في لزومه (ج١، ص٣١، ٣٦، ٤١، ٤٢، ٤٩، ٥٤، ٦٠، ٦٦، ٨٥، ٨٩، ٩٦، ٩٧، ١٠٥، ١١٢، ١١٣، ١١٤، ١١٨، ١٢٢، ١٢٣، ١٢٧، ١٣١، ١٣٣، ١٣٥، ١٦٥، ١٦٦، ١٧٤، ١٧٦، ١٧٩، ١٨١، ١٨٣، ١٨٧، ١٩٢، ١٩٧، ١٩٨، ٢٠٣، ٢٠٧، ٢٠٨، ٢١١، ٢١٢، ٢١٥، ٢٢٩، ٢٤٢، ٢٤٣، ٢٤٤، ٢٥١، ٢٦٣، ٢٧٠، ٢٨٧، ٢٩٢، ٢٩٦، ٣٠٨، ٣١٩، ٣٢٤، ٣٢٧، ٣٣٠، ٣٣٣، ٣٣٩، ٣٤٠، ٣٤١، ٣٤٢، ٣٤٨، ٣٤٩، ٣٥٧، ٣٥٩).
و(ج٢، ص٣، ٧، ٢١، ٢٢، ٢٥، ٢٦، ٢٩، ٤٠، ٤٨، ٥٣، ٥٧، ٥٨، ٦٤، ٦٨، ٧١، ٧٣، ٧٥، ٨٦، ٩٠، ٩١، ١٠٠، ١٠٧، ١٠٨، ١١٤، ١١٥، ١٢١، ١٢٣، ١٣٠، ١٣٢، ١٣٤، ١٣٧، ١٤٧، ١٥٧، ١٥٨، ١٦٢، ١٦٦، ١٧٠، ١٧١، ١٧٤، ١٧٥، ١٧٦، ١٧٧، ١٧٩، ١٨٣، ١٨٤، ١٨٧، ٢٠٥، ٢٠٩، ٢١٠، ٢١١، ٢١٧، ٢١٩، ٢٢١، ٢٢٧، ٢٣١، ٢٣٤، ٢٣٧، ٢٤٢، ٢٥٤، ٢٥٨، ٢٥٩، ٢٦١، ٢٦٢، ٢٦٥، ٢٦٩، ٢٨٣، ٢٩٣، ٢٩٤، ٢٩٥، ٢٩٦، ٣٠١، ٣٠٥، ٣١٢، ٣١٥، ٣١٧، ٣٢٤، ٣٢٧، ٣٢٨، ٣٣٤، ٣٤٤، ٣٥٠).
ورُبَّ ورُبَّة ورُبَّما وريثما — بالتشديد، وقد يخفف: حرف خفض لا يقع إلا على نكرة، وقد عرض له التاج ببحث وافٍ؛ فليرجع إليه من شاء في (ج١، ص٢٧٨ و٢٧٩).
الساكن المشدد: فإذا قرأنا هذا الحرف بالتشديد تبادر إلى فهمنا أن شاعرنا يعني أن التشديد في هذا الحرف ثقيل لا يحتمل ولا يطاق، وذكرنا قوله في لزومه:
فإذا قرأناها بالدال بدلًا من الراء، وهي مترجحة الشبه في المخطوطة بين الراء والدال، تبادر إلينا أنه يعني بلفظ «دب» زمن الشيخوخة التي تُعجز صاحبها عن الحركة والسَّير، وتجعله يدبُّ على العصا، كما يشير إلى المثل القائل: «أعييتني من شب إلى دب.» بضمِّهما ويُنوَّنان؛ أي من الشباب إلى أن دبَّ على العصا، قالوا: ويجوز «من شب إلى دب» على الحكاية، وتقول: «فعلت كذا من شب إلى دب».
وقد اقتبس أبو العلاء هذا المثل في رسالته التي كتبها إلى خاله أبي القاسم علي بن سبيكة عند طلوعه من العراق، ووجد أمه قد توفيت ولم يعلم قبل مَقْدمِه بذلك، قال يخاطب نفسه: «وعصيتني من شب إلى دب.» أي من شبابي إلى أن دببت على العصا، فهو يعني أن الشيخ الهرم الذي يدب على العصا يعجز عن الحركة والنهوض، وقد أشار إلى هذا المعنى في صور عدة نجتزئ منها بقوله يصف ضعفه وعجزه عن القيام:
«فإذا نهضت انهضت.» يعني أنه إذا حاول النهوض أو القيام انْهاضَ أي انكسر بعد الجبور، ويقال: هاض يهيض فهو مهيض، وانهاض وتهيض: انكسر.
قصة الحروف والألفاظ: وقد ألفنا من المعري مثل هذه الأساليب في جمهور نثره ونظمه، كما ألفنا منه ولوعه بتشبيه نفسه وغيره بالحروف والألفاظ وما إليها.
بين الحركة والسكون: وله في هذا الباب فنون لا تحصى، منها قوله يقابل بين الناس والحروف في التحريك والتسكين:
قال: لو أذن «الله» قالت ميم: «قم» — إذا لقيتها الألف واللام — لألف قام: «لِمَ لا تحركين؟»
فقالت: «أصابك ألم. إذا كانت الحركة كسرًا؛ فالسكون أسلم، والله يميت المتحركات.»
تأملات في الحروف: فإذا انتقلنا من بدائع تصويره في الحروف بين الحركة والسكون إلى ما أبدعه من فنونه الأخرى فيها، رأينا — من خياله الخصب وتأمله العميق — ألوانًا من أبكار المعاني في هذا الباب؛ منها قوله:
معتل العين: ومن مختار شعره تلك الشكوى الصارخة التي أودعها بيته الحزين في لزومه متفجعًا لفقد بصره، مقابلًا بينه وبين فعل «قال» وكلاهما معتل العين. وقد أوردناه في أثناء الكلام على العصا (ص٢٣٠) من هذا الكتاب، قال:
ربِّ، أبلغني هواي، وارزقني منزلًا لا يلجه سواي؛ من دخله أمن، فهو ﮐ «عند»، وأنا ﮐ «من».
وهو يعني بذلك — كما فسره — أن «عند» لا يدخل عليها من الحروف شيء غير «من».
وقول العامة — فيما يرى — «ذهبنا إلى عنده» خطأ.
قال: «وزعم النحويون أن «عند» غير محدودة؛ لأنها تقع على الجهات الست، و«إلى» للغاية، فامتنعت «عند» من دخول «إلى» عليها؛ لأن في «إلى» بعض التخصيص.»
مضمر «نِعم»: ومن البيوت التي اختارها لسكناه بيت يضمره ويستره عن الناس، فيقضي حياته مضمرًا في ذلك البيت كمُضمَر «نِعم»، قال في لزومه:
«ولا تجعلني ربِّ كواو الخزم، والثابتة في الجزم، وأثْبِت اسْمِي في ديوان الأبرار مع الأسماء المتمكنات.»
ويقول في تفسيرها: «واو الخزم: هي التي تزاد في أول بيت الشعر، ويكون مستغنيًا عنها، وأكثر ما يزيدون الواو والفاء وألف الاستفهام للحاجة إليهن. وزعم الأخفش أنهم يزيدون الحرفين [أي على وزن البيت] نحو «بل» وما جرى مجراها … إلخ.»
وقوله: «لا تجعلني ربِّ معتلًّا ﮐ «واو يقوم»، ولا مبدلًا ﮐ «واو موقن»: تبدل من الياء.
ولا أحب أن أكون زائدًا مع الاستغناء ﮐ «واو جدول وعجوز» — الواو فيهما زائدة لأنهما من الجدل والعجز، فأما «واو عمرو» فأعوذ بك — رب الأشياء — إنما هي صورة لا جرس — لا صوت — لها ولا غناء، مشبهها لا يُحسب من النسمات.»
حرف النفي: وقال يتمثل حاله بعد موته:
«تلبس طمري اللبسة، وتوحش الدار المؤنسة، وأصبح — وحالي منعكسة — كأني حرف نفي بعد إيجاب.»
حرف الضمير: وقال — وهو من بدائع اللفتات:
«رب، لأكن — بين عبادك — كحرف الضمير؛ ناب عن الأطول وهو قصير.»
ومن بدائع إشاراته إلى الضمير أيضًا ما كتبه في بعض رسائله إلى صاحبه أبي القاسم المغربي، يصف ما وهبه الله من براعة الإيجاز، قال: «ودل على جوامع اللغة بالإيماء، كما دل المضمر على ما طال من الأسماء.»
براعة الإيجاز: ومن بدائع أخيلة أبي العلاء في الإشادة بالإيجاز قوله أيضًا من رسالة إلى صاحبه «أبي القاسم»، وكأنما يصف لنا المعري أسلوب نفسه: «شاهِدُنا فيما سمعناه المعنى الحصير — المحصور المستوعب — في الوزن القصير، كصورة كسرى في كأس المشروب، وتمثال قيصر في الإبريز المضروب، لم يُزْرِ به ضيق الدار، وقصر الجدار.»
وقريب من هذه الصورة قوله يصف أسلوب أبي القاسم أيضًا، ولعله أبرع ما قرأناه في وصف الإيجاز والتركيز: «يجمع بين اللفظ القليل والمعنى الجليل جمع الأفعوان في لعابه بين القلة وفقد البلة.»
وإذا فتن النقاد بتلك الصورة الخالدة التي أبدعتها يراعة الشاعر العالمي شكسبير في قصة «هملت»، حين عرض لوصف خنجر القاتل، وتمثل أن بحار الدنيا كلها عاجزة عن تطهيره وإزالة ما لصق به من الدم، ومحو أثر الجريمة منه، فإن إعجابهم سيتضاعف حين يرون في هذه الصورة العلائية البارعة كيف تمثل شاعرنا أسلوب صاحبه الحاسم، يصيب الهدف في أوجز لفظ فلا يرده عن غايته شيء، كما تصيب القطرات القليلة من لعاب الثعبان غايتها، فلا يزيل أثرها كل ما يحتويه العالم من ماء ودواء.
الحرية والقيد: ومن رغبات شاعرنا وصادق أمانيه أن يطلقه الله من قيد الحياة، كما أطلق «لبيد» الشاعر الجاهلي قافية معلقته إطلاقًا لا يجوز فيه التقييد، على حين قيد «رؤبة بن العجاج»؛ الراجز المعروف، مطلع أرجوزته — كما قيدت الدنيا شاعرنا — تقييدًا لا يجوز فيه الإطلاق.
وقد عبر عن هذا المعنى في فصوله (ص١٣٥) أحسن تعبير، حين قال:
قيدتني تقييد «وقاتم الأعماق»، فأطلقني إطلاق «عفت الديار».
وهو يشير بهاتين الإشارتين إلى قول رؤبة:
خالقي، لا أختار شبه الظالمين، فإن الشيئين يتشابهان، فينقلهما التشابُه إلى الاتفاق: ﮐ «إن» — المكسورة المشددة — أشبهت الأفعال، فجاء بعدها اسمان آخرهما كالفاعل، وأولهما كالمفعول، وكذلك ما قاربها من الأدوات.»
إنَّ يشبهونها بالفعل الذي يتقدم مفعوله على فاعله، مثل «ضرب زيدًا عمرو» وما قاربها من الأدوات، مثل: «ليت»، و«لعل» وما أشبههما.
والله — بقدرته — يعلم النطق الحروف، وهي — لخوفه — مستشعرات.
«هل تشعر الألف، ولتشعرن — إن شاء الله — أنها تمجد الله متوسطة، ومنتهى، ورويًّا … إلخ.»
وللمعري في مداعبة الحروف والقوافي وما إليها فنون لا تحصى، وقد عرضنا لذلك في مقدمة «الغفران»، وذكرنا كيف تمثل قوافي أبي تمام الشاعر كائنات حية؛ توشك — لو علمت مصابه — أن تولول عليه نادبات، كما تمثل في «رسالة الإغريض» معلقة امرئ القيس كلها عجوزًا فاجرة (الغفران، ص١٢).
والآن نعرض عليك قوله في بعض فصوله يداعب حرف اللام الذي اختاره امرؤ القيس قافية، ويصف عجزه عن الكلام (الغفران، ص٤٧٧):
«وما تشعر لام «قفا نبك» أمطلقة هي أم مقيدة!»
ثم ما لبث أن تخيلها قادرة على الكلام بإذن الله، فمثلها لنا في بعض رسائله المخطوطة شاكية متبرمة بقائلها، منددة بمساوئه ومخازيه، كما تمثل ديوان امرئ القيس مُعنِّفًا صاحبه على ما أودعه فيه من سقطات، فهو كما قال أبو العلاء: «لو أذن له في الكلام، لعقد به كل ملام.»
فقالت «قفا نبك» — وهي أمُّ ما نظم من القريض، والراتعة في الأنيق الأريض: «إن الكندي امرأ القيس أقر في أبياتي بعهار، من سر — يكتم — ومن جهار إلخ.»
وسيمر بك تفصيل هذا في شرحنا لرسالة «الديوان»، إن شاء الله.
شهادة الهمزة: ومن بدائعه في فصوله كذلك قوله في (ص٢٣٥) منها:
«وشهدت بك الهمزة في «إبل» ترزق منها المسكين، وإبر تنعش بها الفقير، وأذن: أنت — لما وعته — سميع، وأمم عدلك — بجزائها — جدير.
وسبحتك الهمزة المتوسطة في مواضع بعدد الليالي والأيام إلخ.»
الحرف الحي: على أن شاعرنا يسبح خياله في تمثل حياة الحروف — ما شاء له تصوره الرحيب وآفاقه الفسيحة — ولكنه يجري على مألوف عادته، متى عاد إلى عالم الحقائق، وخلع عنه ثوب الشاعر الحالم المستغرق في تأملاته، فلا يكاد يلتفت في لزومه إلى جماعة النصيرية القائلين بالتناسخ حتى يفتك بمزاعمهم وتخرصاتهم فتكة الناقد الباطش، منددًا بهم، ساخرًا من ضيق تفكيرهم، وفساد معتقدهم، وسوء تعبيرهم، كما ترى في قوله:
في العالم الآخر: ولقد شغل فيلسوفنا أدباء الجنة وشعراءها وغيرهم في العالم الآخر بجمهرة من المسائل النحوية والصرفية واللغوية وما إليها، وأبت له دعابته الساخرة إلا أن يشغل طائفة من أعلام اللغة — في الفردوس — بالوزن الصرفي لكلمة «إوزة» وما إلى ذلك من بدائع فكاهاته وتنادره.
وتخيل نفسه — في «رسالة الملائكة» — يحاور ملك الموت ليدفعه عنه وقت حلول الأجل — ويسأله عن الوزن الصرفي لكلمتي «ملك» و«ملائكة»، ويدلل على صحة رأيه بأقوال أئمة اللغة، فيقول له الملك: «ما هذه الأباطيل؟ إن كان لك عمل صالح فأنت السعيد، وإلا فاخسأ وراءك.»
كما تخيل نفسه يحاور الملكين في القبر ويسألهما كيف جاء اسماهما عربيين غير منصرفين، وأسماء الملائكة كلها من الأعجمية؛ مثل: إسرافيل وجبرائيل وميكائيل إلخ.
ويسأل خازن النار متوددًا عن واحد الزبانية، وعن تصريف غسلين، وهل النون في جهنم زائدة؟
كما يسأل «رضوان» عن الترخيم سؤال الأبله الغبي، أو — على الأصح — المُتَبَالِه المُتَغابي.
وقد بلغ الذروة في دعابته وسخريته حين قال: «ولعل في الفردوس قومًا ما يدرون: أحروف الكمثرى كلها أصلية؟ أم بعضها زوائد؟»
وهكذا إلى أن يقول:
«وما يجمل بالرجل — من الصالحين — أن يصيب من سفرجل الجنة، وهو لا يعلم كيف تصغيره وجمعه، ولا يشعر إن كان يجوز أن يشتق منه فعل أم لا.»
ثم يقول: «وهذا السندس الذي يطؤه المؤمنون ويفرشونه، كم فيهم من رجل لا يدري أوزنه: فعلل أم فنعلل إلخ؟» (انظر: رسالة الغفران، ص٤٤١ إلى ص٤٦٩).
أدلة النحاة: وقد بقي علينا أن نوجز لك رأيه في أدلة النحاة والصرفيين بعد أن زخرت كتبه بالإشارة إليها في منثوره ومنظومه. وإليك ما قاله في فصوله (ص٧٣):
«أمر لا يضرك الجهل به، ولا يسألك عنه مولاك، قولك: «أخوك والزيدان» أين منهما حرف الإعراب؟»
وقد عرض في تفسيره لرأي «سيبويه» أن الألف في قولك: «الزيدان» هي حرف الإعراب، ورأي «أبي عمر الجرمي» أن الألف حرف الإعراب، وانقلابها هو الإعراب، وقول «الأخفش سعيد»: الألف دليل الإعراب.
وكذلك الاختلاف في «واو أخوك» و«ياء الزيدين».
ومن بدائع تهكمه في هذا الباب قوله في فصوله (ص٧٣):
«لا يسخط عليك الله والملكان إذا لم تدر: لِمَ ضُمتْ تاء المتكلم وفتحت تاء الخطاب.»
وقد لخص — في تفسيرها — ما يزعمه النحاة من أن تاء المتكلم خصت بالضم؛ لأن أكثر ما يخبر به الإنسان عن نفسه، فأعطيت التاء أقوى الحركات، وقولهم: إن الضم من الشفة — لأنه من الواو — وأول ما يخبر الرجل عن نفسه، فحمل الأول على الأول. ولما حصلت الضمة في تاء المتكلم لم يكن بد من الفرق، فآثروا المخاطب المذكر بفتح التاء؛ لأن المؤنث أولى بالكسر.
وقوله:
«كذبت النحاةُ أنها تعلم لمَ رفع الفاعل ونصب المفعول، إنما القوم مرجمون، والعلم لعلام لغيوب إلخ.»
هدير الجمل: وبِحَسْبِنا أن نختم هذه الوجازة بقوله متهكمًا ساخرًا من شقشقة النحاة، متخيلًا مجادلتهم ومناقشتهم كهدير الجمل وصخبه. وإليك قوله في بعض فصوله:
«لو عاش الدؤلي حتى يسمع كلام الفارسي في الحجة ما فهمه — فيما أحسب — إلا فهم الأمة هدير السنداب — الجمل الغليظ الشديد.»
وقد أغرم أبو العلاء بهذا العدد ومضاعفاته فيما أغرم به من اللعب بالأعداد والألفاظ. وقد مرت بك طائفة من دعاباته وإشاراته إلى الحروف والألفاظ. وإليك بعض ما قاله في هذا الصدد:
ودنانيره — بإذن الله — مقدسات، وإن كانت زائدة على الثمانين، فقد أوفت على عدة أصحاب «موسى» الذين جاء فيهم: