في وجود الأشياء خارج الله (١٩٦٣م)
مهما حاولت البحث عن وجود الأشياء خارج الله فإني يجب أن أعترف بأنه لا يمكنني أن أُكوِّن فكرة عنها.
فإذا كانت تُعرف باسم «تكملة الإمكانية» فإني أسأل: هل توجد في الله فكرة تكملة الإمكانية هذه أم لا؟ مَن الذي سيؤكد عدم وجودها؟ ولكن إذا كانت فكرتها موجودة فيه فإن الشيء نفسه يكون فيه كلُّ الأشياء واقعة فيه.
فإن قيل: إن الفكرة التي لدى الله عن وجود شيء ما لا تنفصل عن وجود هذا الشيء الخارج عنه، أليس كذلك؟ هذا الوجود والخارج عنه يجب بأن يكون فيه شيء يتميز به عن الوجود في فكرته. وهذا يعني: يجب أن يكون في الوجود الخارج عنه شيء ليس لدى الله أية فكرة عنه. وهذا تناقض! ولكن إن لم يوجد شيء على هذا النحو، وإن كان في الفكرة التي لدى الله عن وجود شيء كل شيء حاضر أي يمكن العثور عليه في الوجود الخارج عنه، يكون الوجودان وجودًا واحدًا، وكل شيء يظن أنه خارج الله يكون موجودًا بداخله.
فإن قيل: إن وجود شيء هو مجموع كلِّ الحدود الممكنة التي قد تنطبق عليه. ألا يجب أن يكون هذا المجموع أيضًا في الفكرة التي لدى الله؟ وأي حدٍّ يكون للوجود الخارج عنه إن لم يكن المثال موجودًا في الله؟ وبالتالي يكون هذا المثال هو الشيء ذاته. والقول بأن هذا الشيء أيضًا يوجد خارج هذا المثال، يعني هذا المثال قد ازدوج بطريقة غير ضرورية ومتناقضة معًا.
وإني أعتقد بأنه عندما يقول الفلاسفة إنهم يُثبتون وجود شيء خارج الله فإنهم لا يعنون أكثر من الاعتراف البسيط بأن هذا الشيء مختلف عن الله وأنه يجب تفسير وجوده بطريقة مخالفة لوجود الله الضروري.
ولكن إن كان ذلك هو كل ما يقصدونه لماذا لا نقول إن الأفكار التي لدى الله عن الأشياء الموجودة هي هذه الأشياء الموجودة ذاتها؟ فإنها ما زالت متميزة بما فيه الكفاية عن الله، ولا يكون وجودها ضروريًّا بأي معنًى كان؛ لأنها موجودة فيه، ولأن الحدوث الذي يجب أن يكون لها خارجًا عنه لا يجب أيضًا أن يطابق صورة في فكرته. هذه الصورة هي مجرد حدوثها نفسه. وما هو حادث خارج الله يكون أيضًا حادثًا داخل الله وإلا لما استطاع أن يحصل الله على فكرة الحدوث خارجًا عنه. وإني استعمل هذه العبارة «خارجًا عنه» في استعمالها الشائع كي أبيِّن من طريقة استعمالها أنه لا ينبغي استعمالها.
ولكن سيصبح الناس في فزع: حدوث في وجود الله الثابت! لماذا؟ هل أنا الإنسان الوحيد الذي يقوم بهذا؟ يجب عليكم أنتم أنفسكم أن تُثبتوا لله أفكار الأشياء الحادثة! ألم يخطر ببالكم على الإطلاق أن أفكار الأشياء الحادثة أفكار حادثة أيضًا.
يتضح من هذا النص للسنج أهمية الدليل الأنطولوجي في فلسفة التنوير والدعوة إلى التنزيه، وتصور العالم تصورًا صوريًّا خالصًا بمنهج استنباطي صرف كما فعل ليبنتز في «المونادولوجيا».
والدليل الأنطولوجي هو الصورة الحديثة لنظرية الفيض. فكلاهما يقوم على مسلَّمة واحدة هي استنباط الوجود من الفكر، مرة واحدة في الدليل الأنطولوجي وعدة مرات في نظرية الفيض.
والغرض من ذلك هو القضاء على التصور التشبيهي لهذه الصلة وهو الخلق من عدم، وتأسيس تصور ميتافيزيقي خالص للأنطولوجيا العامة، وهو إحدى دروس الفلسفة الحديثة ابتداء من ديكارت وليبنتز؛ فالخلق يتم بالذهن الإلهي وليس بالإرادة الإلهية كما عبَّر عن ذلك لسنج في أول «مسيحية العقل»، ويعترف لسنج بأنه ليس لديه أية فكرة عن الموضوع من أجل تطهير النفس وتخليصها من العقائد اللاهوتية والأفكار المسبقة، والبداية بالتأمل من جديد.
ويقترح لسنج افتراضَ «تكملة الإمكانية» الذي يعني أن الإمكانية لا تكون مكتملة إلا بالضرورة، وأن الفكر لا يكون كاملًا إلا بالوجود. فإذا كانت فكرة الوجود مجردَ إمكانية فإن هذا الوجود بالفعل هو الوجه الآخر لهذه الفكرة. ولا يمكن أن يُنكرَ أحدٌ فكرة الإمكانية، فهي البداية الأولى أو اليقين الأول لأي فيلسوف، أن هناك شيئًا ممكنًا كمجرد فكرة وإلا لاستحال الحديث والتفكير.
وإذا كان في الذهن الإلهي فكرة الإمكانية فإن الضرورة تكون أيضًا فيه. فإذا كان الله لديه فكرة وجود شيء فإن هذا الشيء الفعل يكون موجودًا فيه. فالفكرة التي لدى الله عن الشيء لا تنفصل عن الوجود الفعلي لهذا الشيء. ومستحيل أن يوجد شيء بالفعل لا يكون لدى الله فكرة عنه، لا يوجد إذن شيء خارج الله ما دام الله لديه فكرة عنه، ولا يوجد ذهن إلهي بلا فكرة ما دام الوجود الخارجي موجودًا ولدى الله فكرة عنه.
إن كلَّ حدود الشيء موجودة في الله، ولا يوجد حدٌّ واحد خارج الله إن لم يكن له مثال لديه.
فالحقيقة أنه لا يوجد شيء خارج الله. وعندما يُثبت الفلاسفة شيئًا من ذلك فإنهم يعنون وجودًا متميزًا عن الله وليس وجودًا خارج الله. فالأفكار الموجودة لدى الله عن الأشياء هي هذه الأشياء ذاتها، ولا يوجد شيء في الخارج لا يوجد في الله.
أما اعتبار الأشياء خارجة عن الله وبالتالي تكون حادثة فإن ذلك يؤدي إلى حدوث الأفكار في الله؛ فالأشياء الحادثة تُحدث أفكارًا حادثة. وهذا ما لم يفكر أحد في تلافيه. الحل إذن هو اعتبار وجود الأشياء في الله فكرًا ووجودًا، إمكانية وضرورة، صورة ومادة، مثالًا وواقعًا.
وهنا يبدو مذهب التأليه عند لسنج الذي يتوحد فيه الله بالعالم كما تظهر إمكانيات الدليل الأنطولوجي ليس فقط من حيث إثبات وجود الله كما كان الحال عند ديكارت، بل من حيث وحدة الوجود الشاملة. كما يبدو أيضًا سبينوزا بتوحيده بين الله والطبيعة حتى يظهر كلُّ ذلك في النهاية في فلسفة الروح المطلق عند هيجل.
وباختصار فإن هذا النص عن «وجود الأشياء خارج الله» يشير إلى الميتافيزيقا الخفية وراء فلسفة التنوير، على طريقة ليبنتز أكثر منها على طريقة فلاسفة دائرة المعارف، وكأن الأنطولوجيا العامة في ألمانيا، ومذهب التأليه الطبيعي في إنجلترا والفلسفة الحسية في فرنسا، ميتافيزيقا واحدة بأساليب مختلفة وأن وحدة الوجود قد أمكن استنباطها عقلًا بعد أن كانت تجربة ذوقية خالصة.