الشياطين في عربة «الماء الثقيل»!
كان الشياطين «أحمد»، و«باسم»، و«مصباح»، و«فهد»، و«قيس» قد خرجوا في مغامرة «الماء الثقيل»، بعد أن أخبرهم رقم «صفر» أن هناك شحنةً من «الماء الثقيل»، الذي يُستخدم في صناعة القنابل الذرِّيَّة، سوف تمرُّ من فرنسا إلى إيطاليا أثناء مباريات كأس العالم، ومع أن «الماء الثقيل» يُعتبر ممنوعًا في حالات الاتجار، إلا أن إحدى العصابات قد استطاعَت الحصول عليه، لكي تبيعَه لإحدى الدول المعادية للدول العربية، ومن ميناء «نابولي»، سوف تنقله إحدى بواخر النقل إلى مدمرة عسكرية تابعة لهذه الدولة المعادية، وأن عليهم أن يقوموا بكشف هذه الشحنة، وأن المعلوماتِ كُلَّها عند «هربرت جليم هاي»، أو العميل رقم «٧٠» الذي يعمل مع رقم «صفر»، وهكذا خرج الشياطين في مغامرتهم، لكن المغامرةَ لها وجهٌ آخر؛ ذلك أن الزعيم قد شكَّ في عملية «هربرت»؛ ولهذا أصبحت مهمَّة الشياطين أيضًا كشف «هربرت»، أو التأكد من إخلاصه للزعيم.
في باريس التقى «أحمد» بعميل رقم «صفر»، بعد أن أخفى عنه أنَّ أحدًا من الشياطين معه، وأنه جاء للمغامرة وحده، فإذا لزم الأمر واضطر لوجود الشياطين، فإنه سوف يستدعيهم حالًا، وكانت خُطَّة الشياطين ألَّا يعرف «هربرت» إلا بوجود «أحمد» فقط.
شرح «هربرت» ﻟ «أحمد» كيف ستتم عملية نقل «الماء الثقيل»، وحدَّد له نوع السيَّارة ولونها، ورقم الموتور، ثم أخيرًا حدَّد له موعد قيام السيارة. وكان أحمد قد حدد النقطة «س»، ليُفاجِئَ فيها عربة النقل، وأخبر الشياطين بذلك، كانت المسافة بين العاصمة باريس و«نابولي» مزدحمةً بالسيارات، نتيجة زحف الجماهير لمشاهدة مباريات كأس العالم، وكانت هذه خطةً ذكية من العصابة؛ فوسط زحام السيارات يمكن أن يختفيَ أيُّ شيء.
خرج «أحمد» وحده للوصول للمنطقة «س» … وهناك التقى بالشياطين، ثم فجأةً ظهر مَن يُعطِّلهم، لكنهم استطاعوا أن يتغلَّبوا على مجموعة الرجال التي ظهرَت، واستمرُّوا في طريقهم، ثم فجأة، ظهرت عربةُ نقلٍ، لها كلُّ المواصفات التي ذكرها «هربرت» عميل رقم «صفر»، لكن بعد الكشف عليها، اتَّضح أنها ليست هي، في نفس اللحظة، وصلَت رسالةٌ من الزعيم يُخبر فيها الشياطين أن العربة قد تغيَّرت.
وأن شحنة «الماء الثقيل» تنقلها عربةٌ عسكرية مزيفة.
توقَّف الشياطين في حيرةٍ يُفكِّرون في مغامرتهم التي انتهَت بلا نتيجة، لكن الزعيم أرسل إليهم يطلب تكملةَ المغامرة، وتحقيق نصفها الثاني، وهو التأكُّد من موقف عميله «هربرت».
قال «أحمد» يقطع لحظةَ الحيرة التي يقفون عندها: نحتاج لاجتماع سريع في سيارة الشياطين، حتى نُدبِّر أمورنا.
وبسرعةٍ، اتجه الشياطين إلى السيارة لعقد الاجتماع، وعندما أُغلقَت السيارة، نزع «أحمد» عددًا من الأسلاك، ثم قال: حتى لا يتجسَّسَ علينا أحدٌ، فمَن يدري ماذا يُمكن أن يحدث؟!
بدأ «باسم» الكلام: من المفروض أن تصلَ السيارة العسكرية المزيفة الآن، وعند النقطة التي حدَّدناها، وهي النقطة «س»، وما دامت السيارة لم تَصِل، أو أننا لم نلحظها، فهذا يعني أمرين؛ إما أن السيارة قد مرَّت وأخذَت طريقها إلى ميناء «نابولي»، وإما أنها سلكَت طريقًا آخر.
قال «مصباح»: هذا يعني أمرًا واحدًا، وهو أن «هربرت» قد خدعنا أولًا في نوع السيارة، وخدعنا ثانيًا في موعد قيامها!
قال «قيس»: إن هذا يُضيف احتمالًا آخر، وهو أن السيارة قد قامَت بعد موعدها، وهذا يعني أنها لم تَصِل بعدُ!
قال «فهد»: أمام هذا كلِّه، فإننا يجب أن نحدِّد خطواتنا بالضبط، وحتى يحدث ذلك، فإننا يجب أن نُعيدَ ترتيب الأمور منذ بدايتها!
مرَّت لحظةُ صمتٍ، ثم قال «أحمد»: إنني أوافق على كلِّ هذه الاحتمالات، وهذه الاستنتاجات … وأضيف أن «هربرت» يُمكن أن يكون قد خُدِعَ هو الآخر، فنقل عنهم مواعيدَ مختلفةً، وربَّما خدعوه حتى لا ينكشفوا، ومن المؤكَّد أنهم يشكُّون فيه!
صمتَ لحظةً ثم أضاف: من البداية نحن أمام سيارة محددة، وموعد محدد، ونقطة انتظار محددة أيضًا، اتضح أن السيارة ليست هي، وأن الموعد ليس هو، وأن النقطة ليست هي أيضًا! هذه هي الحكاية من بدايتها، الآن يجب أن نرسم خُطَّتنا. أولًا، ينبغي أن ننقسم إلى مجموعتين، مجموعة تنطلق الآن في حدود إمارة «موناكو»؛ فالسيارة وهي تحمل شحنة ثقيلة لا تستطيع أن تسير بسرعة كبيرة، وهذا يعني أنها إذا كانت على الطريق، فإن الشياطين يستطيعون اللحاق بها، ومجموعة أخرى تنتظر؛ فربما كانت السيارة في الطريق!
سكت «أحمد» قليلًا، ثم قال: في هذه الحالة، نكون قد غطينا الاحتمالَين، إما أنها مرَّت، أو أنها لم تأتِ بعد.
قال «فهد»: وإذا كانت قد غيَّرَت طريقها؟
ردَّ «أحمد»: لا أظن، وإلا ما كانت العصابة قد أرسلَت رجالَها لتعطيلنا!
أضاف «مصباح»: خصوصًا وأننا قيدناهم بالسلاسل الحديدية!
مرَّت لحظة قبل أن يقول «أحمد»: هل اتفقنا؟
ردَّ «باسم»: نعم، ويجب أن تتحرك المجموعة فورًا!
قال «أحمد»: سوف أصحب معي «فهد»، وعلى «مصباح» و«باسم» و«قيس» أن ينطلقوا فورًا …
بسرعة، قفز «فهد» و«أحمد» من السيارة، فانطلق «قيس» الذي كان يجلس إلى عجلة القيادة بسرعة البرق، كان «أحمد» ينظر في أعقاب سيارة الشياطين، ثم همس قائلًا: أرجو ألَّا يُعطلَهم زحام الطريق.
وقف الاثنان على جانب الطريق، في الوقت الذي كانت تتوالى فيه مواكب السيارات مسرعة في طريقها إلى إيطاليا.
قال «فهد»: علينا أن نظهر وكأننا نشجع إحدى الفِرَق؛ فوقوفنا هكذا قد يُثير الانتباه!
فكَّر «أحمد» لحظة ثم قال: لا بأس، ويمكن إذا ظهرَت السيارة أن نُشير إليها، فربما تنقلنا إلى مقرِّها، وهو ما نريده، ونكون قد ضربنا عصفورين بحجر واحد!
مرَّت لحظة، ثم قال «أحمد»: نرسم علم إيطاليا على ملابسنا، فما دامت السيارة متجهةً إلى هناك، فإن أحدًا لن يشكَّ؛ فالطريق مزدحمٌ بالمشجعين.
وبسرعة، أخرج «فهد» أدوات الماكياج، وبدأ يرسم وجهَ «أحمد»، ثم تبادلَا العمل، فرسم «أحمد» وجهَ «فهد»، بألوان علم إيطاليا المكوَّن من الألوان الثلاثة؛ الأحمر والأبيض والأخضر، ثم رسم كلٌّ منهما علَمًا آخر على ملابسه، كان منظر الاثنين مضحكًا، لكنه كان يحقق الهدف. مرَّت عدة سيارات تحمل عددًا من المشجعين؛ فأشاروا إليهما، وصاح أحدهم: يمكن أن نصحبكم معنا!
ردَّ «أحمد»: نحن في انتظار بعض الزملاء.
كانت أعلام كثيرة ترتفع فوق السيارات المارة، كلُّ مجموعة تشجع إحدى الدول ترفع علَمَها، فجأةً ظهرَت سيارة نقل عسكرية، كانت تبدو من خلال انعكاسات أضواء السيارات الأخرى عليها.
قال «فهد»: لعلها هي!
ردَّ «أحمد»: مَن يدري، وسوف نكون سعداءَ الحظِّ إذا كانت هي العربة المطلوبة!
تذكَّر «أحمد» رقم السيارة كما ذكره رقم «صفر» في رسالته، وانتظر … اقتربَت السيارة، واستطاع «أحمد» أن يحدِّد رقمها، همس ﻟ «فهد»: إنه نفس الرقم!
قال «فهد»: هل تظن أننا سوف ننجح في ركوبها؟
مرَّت لحظة قبل أن يردَّ «أحمد»: أظن أنها مسألة صعبة!
رفع «أحمد» و«فهد» أصابعهما بعلامة النصر، وهما يشيران إلى السيارة التي كانت قد اقتربت.
صاح «أحمد»: هل يمكن أن تأخذونا معكم؟
كانت العربة ضخمة جدًّا، حتى إن «أحمد» و«فهد» كانَا يبدوان بعيدَين عن سائقها، كانت كابينة العربة تضم اثنين بجوار السائق، في نفس الوقت كان هناك عددٌ من الرجال يلبسون الملابس العسكرية، ويجلسون فوقها، فكر «أحمد»: هل هؤلاء جنود مزيفون؟!
صاح السائق: إلى أين؟
ردَّ «أحمد» بصوتٍ عالٍ: إلى مباريات كأس العالم!
ضحك السائق وقال: أنتما مجنونان، ونحن لن ندخل روما!
قال «أحمد»: لا بأس. يمكن أن نَصِل إلى أقرب نقطة.
نظر السائق لمن بجواره، كان يبدو أنه يتحدث إليهما … مرَّت لحظة قبل أن ينظر إليهما صائحًا: لا بأس، هيَّا اقفزَا في صندوق العربة!
وفي لمح البصر، كان «أحمد» و«فهد» يقفزان في رشاقة داخل الصندوق الخلفي للسيارة، حيث يوجد الجنود.
ألقى «أحمد» إليهم تحية المساء، فسأل واحد: كأس العالم؟
ابتسم «أحمد» وقال: نحن عاملان إيطاليَّان، نعمل في فرنسا، وفي طريقنا لنشجِّع فريقنا.
ابتسم آخر، وقال: هل تظن أن إيطاليا سوف تفوز بكأس العالم؟
ردَّ «فهد»: نرجو ذلك، ولو أن هناك فِرَقًا قوية في صراع الكأس، مثل ألمانيا وإنجلترا.
أضاف «أحمد»: أظن أن الكاميرون سوف تفجِّر مفاجأة، على الأقل تَصِل إلى الأدوار النهائية.
ضحك أحدهم وقال: هؤلاء القادمون من الأدغال؟!
شعر «أحمد» بالغيظ، لكن الموقف لم يكن يحتمل، فابتسم قائلًا: مَن يدري، ربما يفعل الفهود السود شيئًا!
في نفس اللحظة، كان «أحمد» يفكر في شيء آخر.