المفاجآت تتوالَى أمام الشياطين!
كانت مفاجأةً حقيقية؛ فهم لم يتصوروا أن يكون «هربرت» هنا في هذه الساعة، وكان تقدير «أحمد» إما أنه في مقرِّه نائمًا، أو أنه يتابع نقل شحنة «الماء الثقيل»، لكن ظهوره قلَبَ كلَّ الموازين، غير أن «أحمد» تدارك المفاجأة وقال مبتسمًا: إنها مفاجأة طيبة، أن نتناول الإفطار مع «هربرت»!
ابتسم «هربرت» وقال: إنها فعلًا مفاجأة طيبة، أن أرى الزملاء جميعًا!
ثم أضاف بسرعة: وإن كنتُ أظن أنك هناك عند المهمة!
ابتسم «أحمد» وقال: لقد تأجلَت المهمة بعض الوقت.
ظهرَت الدهشة على وجه «هربرت»، وقال: تأجلت كيف؟! إن الخطة التي اتفقنا عليها تقول غير ذلك!
قال «أحمد» وهو يبتسم: إنها فعلًا قالت غير ذلك.
ثم أضاف بسرعة: هل ندعوك إلى الإفطار ونُكمل حديثنا؟
كان يبدو أن «هربرت» قد فوجئ بما قاله «أحمد»، ورغم أنه حاول أن يُخفيَ دهشته أو مفاجأته، إلا أن الشياطين لاحظوا ذلك جيدًا.
قال «هربرت»: دعوني أدعوكم إلى الإفطار؛ فأنا في حاجة إلى التحدث إليكم.
دخلوا جميعًا المطعم، يتقدَّمهم «هربرت»، بينما كان «فهد» آخرَ مَن دخلوا، لكنه أسرع بالجلوس بجوار «هربرت»، حتى إن سرعتَه لفتَت أنظار الشياطين، وإن كانوا قد فهموا أن «فهد» يقصد شيئًا، كان «أحمد» يجلس أمام «هربرت» مباشرة، والتفَّ الآخرون حول المنضدة التي جلسوا إليها، أشار «هربرت» للجرسون الذي أقبل بسرعة، فطلب كلٌّ منهم ما يريده، واختفى الجرسون.
نظر «هربرت» إلى «أحمد»، وقال: أرجو أن تشرح لي ما حدث!
ابتسم «أحمد» وأجاب: أظن أن الزعيم كان على اتصال بك!
ظهرَت الدهشة على وجه العميل، وإن حاول أن يُخفيَها، ثم قال في محاولة لإخفاء الدهشة: نعم، كان على اتصال بي.
ابتسم «أحمد» وقال: لعله شرح لك الظروف.
كان يبدو أن «هربرت» ضائعٌ تمامًا؛ ولذلك كان يحاول أن يبتسم، وأن يُخفيَ ضياعَه، لكن ذلك لم يكن يفوت على الشياطين، أخيرًا قال «هربرت»: إن آخر ما قاله لي الزعيم، هو أن الخطة تمشي في خطها المرسوم، وأن «أحمد» يقوم بالتنفيذ.
ابتسم «أحمد» وقال: هذا فعلًا ما حدث!
وسأل «هربرت» بسرعة: إذن لماذا تأجل التنفيذ؟
ردَّ «أحمد» في هدوء: لأن أشياء في الخطة قد تغيَّرَت.
تساءل العميل: كيف؟!
ردَّ «أحمد»: تغيَّرَت العربة!
تجمَّد وجه العميل، وهمس: تغيَّرَت كيف؟!
أخفى «أحمد» ضحكة، بينما كانت الابتسامة ترتسم على وجوه الشياطين، وهم يرون حيرة «هربرت».
قال «أحمد»: إن العربة المتفق عليها لم تكن تحمل سوى صناديق فارغة.
اتسعَت عينَا العميل، وازدادَت دهشتُه، ثم في نوع من اليأس همس: إنني لم أَعُد أفهم شيئًا!
قال «فهد»: دعونا نؤجل الحديث الآن إلى ما بعد الإفطار، خصوصًا وأن الجرسون في الطريق إلينا.
كان الجرسون يدفع أمامه عربة صغيرة تحمل كلَّ ما طلبوه، وعندما توقَّف أمامهم، أخذ يضع الأطباق أمام كلٍّ منهم، ثم الخبز، وأخيرًا تساءل إن كان أحد يشرب شيئًا، فقال «أحمد»: نفضَّل شايًا ساخنًا.
قال «هربرت»: أُفضِّل القهوة.
ثم انصرف الجرسون، لكن يبدو أن هذه لم تكن المفاجأة الأخيرة، ففجأة اقترب الجرسون من العميل، ثم انحنى وهو يهمس في أُذُنِه بكلمات لم يسمعها الشياطين، لكنهم عرفوا أن هناك شيئًا هامًّا.
فجأةً وقف «هربرت»، وهو يصطنع ابتسامة قائلًا: سوف أتغيَّب عنكم دقائق.
ثم تردَّد لحظة وأضاف: فإذا تأخرتُ، أرجو أن نكون على اتصال!
ثم انصرف مسرعًا، فجأةً، ضحك «فهد» بصوت مرتفع، في حين كان الشياطين يراقبون انصراف «هربرت» بكثير من الدهشة، نظر له «أحمد» ثم همس: هل هناك ما يُضحك؟
قال «فهد»: بالتأكيد، وإلا ما كنتُ ضحكت!
قال «باسم»: إن «هربرت» قد يُفلت منَّا!
ابتسم «قيس» وقال: لا أظن!
نظر له «أحمد» متسائلًا: ولماذا لا تظن؟
نظر «قيس» إلى «فهد» الذي ابتسم، في حين قال «مصباح»: إن «فهد» صنع شيئًا!
ضحك «فهد»، وابتسم «أحمد» قائلًا: لهذا أسرعتَ بالجلوس بجواره؟!
قال «فهد» مبتسمًا: من الضروري الاستفادة من نظرية الاحتمالات!
أخرج من جيبه جهازًا صغيرًا، ثم ضغط زرًّا فيه؛ فأعطى إشارة حمراء ظلَّت تتردَّد باستمرار.
سأل «باسم»: هل وضعتَ المادة في جيبه؟
ابتسم «فهد» وقال: ليس في جيبه فقط، ولكن في حذائه أيضًا!
ثم أضاف: إن تأثير هذه المادة لا يتوقف عند المساحة التي يصل إليها، فهو يتسرب حتى يصل إلى الجلد.
توقَّف ضاحكًا ثم قال: إلا إذا خلع «هربرت» جلده!
ضحك الشياطين؛ فقد عرفوا أن «هربرت» لن يُفلت منهم، وإن كان «مصباح» قد قال: أخشى أن نتأخر عليه، وربما يكون قد انتهى!
ردَّ «أحمد» بسرعة: ولذلك يجب أن نكون خلفه الآن، فمَن يدري، قد يتخلصون منه!
أنهى الشياطين إفطارَهم بسرعة، وعندما جاء الجرسون بالشاي، لم يستطيعوا شربه، كانت الدقائق ضرورية، وقال الجرسون مبتسمًا: لقد دفع السيد «بريشور» الحساب.
كانت مفاجأة أن يسمعوا اسمًا جديدًا ﻟ «هربرت»! شكره الشياطين، ثم أسرعوا بالخروج، وفي دقائق، كانت سيارة «أحمد» تتقدم سيارة الشياطين، في حين جلس «فهد» إلى عجلة القيادة.
كان «أحمد» يُمسك بجهاز الكشف الصغير في يده، وكانت الإشارة الحمراء لا تزال تتردد، قال «أحمد»: إنهم يتجهون خارج باريس!
تحدَّث بالتليفون إلى الشياطين في سيارتهم، وأخبرهم باتجاههم، كانت الشمس قد ملأَت الدنيا ضياءً، فقال «فهد»: إن ظهورنا بالنهار سوف يكون صعبًا.
ردَّ «أحمد»: إن «هربرت» أو «بريشور» لم يرَ سيارتنا.
قال «فهد»: لكنه يعرف سيارة الشياطين؛ ولذلك أقترح أن ينضموا إلينا.
ثم أضاف: صحيح أن السيارة صغيرة، لكننا في النهاية يجب ألَّا يكشفَنا، ولا «هربرت» نفسه.
فكَّر «أحمد» لحظة، ثم قال: يمكن أن ينضمَّ إلينا «قيس»، على أن يبقى «مصباح» و«باسم» عند نقطة معينة، فيمكن أن ينضمَّا إلينا عندما نطلبهما.
قال «فهد»: هذا اقتراح طيب.
وبسرعةٍ تحدَّث «أحمد» إلى الشياطين، فوافقوا على الاقتراح. توقَّفت سيارة «فهد»، واقتربَت سيارة الشياطين، فانضمَّ إليهما «قيس»، وتم الاتفاق على أن ينتظر «مصباح» و«باسم» عند النقطة «ص».
وفي لحظة، كانت سيارة «فهد» تنطلق بسرعة الصاروخ في اتجاه الإشارة الحمراء التي يُرسلها جهاز الكشف.