داخل مدينة الألغاز!
همَس «فهد»: لا أصدِّق!
ابتسم «أحمد» وقال: يا عزيزي «فهد»، نحن أمام واحدة من أكبر عصابات العالم، يكفي أنها تتعامل في «الماء الثقيل»!
كان هناك طريقٌ متحرك، يرتفع وينخفض، فلا يصل إليه إلا مَن يأتيه إذنٌ بالدخول، وكان أربعة من الرجال يقودون أربعة كلاب ضخمة، وقد ارتفع بهم الطريق حتى سطح الأرض، قال «قيس»: إن المدينة كلها تحت الأرض!
أضاف «فهد»: كيف يمكن أن نتعامل مع هذا الطريق؟!
أسرع الشياطين في اتجاه الكلاب والرجال، فجأة، نبحَت الكلاب في عنف، قال «أحمد»: إنها قويةُ الشم، ويبدو أنها اكتشفَت وجودنا!
أسرع «فهد»، وأخرج كرات غاز الأعصاب، قذف بها بقوة في اتجاه القادمين، مرَّت دقائق كان الطريق قد استوى بالأرض تمامًا، فجأةً أُصيبَت الكلاب بحالة هياج شديدة، حتى إن الرجال الأربعة لم يستطيعوا السيطرة عليها، همس «أحمد»: هذه فرصتنا، بعد أن أثَّر غاز الأعصاب في الكلاب!
قفز الشياطين جريًا إلى حيث الطريق الذي لم يكن قد نزل بعد، فقد كانت معركة السيطرة على الكلاب لا زالت مستمرة، فجأة، انفلتَت الكلاب، وعادَت إلى عمق الطريق، وخلفها الرجال يجرون، كان الشياطين قد وصلوا إلى بداية الطريق، فجأة، أخذ الطريق ينزل بهم، ثبَّتوا أقدامهم جيدًا، فهذه أول مرة يتعاملون فيها مع طريق متحرك، كانوا يرون الرجال وهم يطاردون الكلاب، قال «قيس»: ينبغي أن نختفيَ؛ فنحن هكذا مكشوفون تمامًا!
أخرج «فهد» كرات الدخان من حقيبته، ثم وضعها تحت أقدامهم، في نفس الوقت، كانوا يبتلعون سائلًا يمنع تأثير الدخان عليهم، في أقل من دقيقة، كان الدخان قد لفَّهم تمامًا، وأصبح من المستحيل أن يكشفَ وجودَهم أحدٌ، ظلَّ الطريق يهبط، لم تكن تظهر سوى الجدران السوداء على جانبَيه، وعندما استقر الطريق، أسرع الشياطين جريًا في اتجاه المدينة الغامضة، التي تسكنها العصابة، كانت أصوات الكلاب لا تزال تتردد، فجأة غمرَ الطريقَ ضوءٌ قوي، جعلهم ينبطحون على الأرض، أخذ «فهد» يتحسَّس الطريق حتى اصطدمَت يدُه بالجدار، أخذ يتحسَّس الجدار أيضًا؛ فقد كان يفكِّر في شيء ما، فجأة اصطدمَت يدُه ببروزٍ صغير، أخذ يدور حول البروز، كان يفكر: لا بد أن هناك استخدامًا لهذا البروز، ولا يمكن أن يكون موجودًا بلا فائدة!
ضغط على أحد البروز بقوة، فجأةً كان جزءٌ من الطريق ينفصل ويهبط بهم، قال «قيس»: ماذا حدث؟!
أجاب «فهد» بسرعة: يبدو أننا في مدينة مسحورة!
ثم شرح لهما ما حدث، كان جزءُ الطريق لا يزال يهبط، وشيئًا فشيئًا، كانت سرعتُه تقلُّ، حتى توقَّف تمامًا، وملأَت الدهشةُ وجوهَهم، إن أمامهم مدينة كاملة بشوارعها، وبيوتها، تساءل «قيس»: أين نحن؟! إنني لا أصدق، كأننا في إحدى مدن الخيال!
قال «أحمد»: يجب أن نختفيَ من الطريق، وألَّا تظلَّ المفاجأةُ تربطنا بالأرض!
تحرَّك الشياطين بسرعة، فكَّر «أحمد»: كنَّا نحتاج ﻟ «باسم» و«مصباح»، فيبدو أن المغامرة معقدة تمامًا، عندما وصلوا إلى مشارف المدينة، عرفوا أنهم سوف ينكشفون؛ فقد كان سكانها يلبسون ملابس مختلفة عن ملابسهم.
قال «قيس»: لا بد أن نحصل على هذه الملابس حتى لا ينكشفَ أمرنا.
فكر «أحمد» قليلًا، ثم قال: إن الحلَّ الوحيد أن نصطادَ بعضَهم للحصول على الملابس!
بسرعة، نفَّذ الشياطين فكرةَ «أحمد». انتظر «فهد» حتى اقترب أحدُهم منه، ثم جذبه بقوة، وضربه ضربة عنيفة جعلَته يتهاوى إلى الأرض، كان «فهد» يقف خلف جدار أحد البيوت، أسرع فانتزع ملابس الرجل، ثم لبسها بسرعة. في مكان آخر … كان يقف «أحمد»، وفي مكان ثالث … كان يقف «قيس»، لم تمرَّ دقائق، حتى استطاع كلٌّ منهما أن يجد لنفسه الملابس الخاصة، وبهدوء، أخذوا يمشون في المدينة، لفت نظرَهم أن سكانها لا يتحدثون مع بعضهم البعض، ويبدون وكأن كلًّا منهم مشغولٌ بشيء ما، وهم يتحركون حركة سريعة.
قال «فهد»: من أين نبدأ؟
أجاب «قيس»: أعتقد أننا يجب أن نتبع أحدهم، لنعرف ماذا بالداخل!
فجأة، دوَّت صفارةُ إنذار، نظر الشياطين إلى بعضهم، وقال «أحمد»: لا بد أنهم اكتشفوا وجودَنا!
مرَّت لحظة قبل أن يُضيفَ: يجب أن نتصرف بطريقة عادية، حتى لا نلفتَ نظرَ أحد.
مرَّ بجوارهم أحدُ الرجال، فمشى خلفه «أحمد»، وهو يُشير إلى «فهد» و«قيس» أن يتبعاه عن بعد، اقترب الرجل من أحد الأبواب، فانفتح الباب، فدخل «أحمد» خلفه، وانغلق الباب، كان «أحمد» يمشي بنفس طريقة الرجل، حتى إن أحدًا مهما كان، لا يستطيع أن يكشفَه، فجأة، تردَّد صوتٌ من أحد مكبرات الصوت يقول: هناك غرباء بيننا!
كان الصوت يتحدث بالإنجليزية، قال «أحمد» في نفسه: لقد أصبحت مهمة سهلة، فلم نكن نعرف أي لغة نتحدث! فُتح بابٌ أمام الرجل، فدخل بسرعة، إلا أن «أحمد» لم يتبعه، أخرج جهاز الكشف، ثم ضغط زرًّا، فتردَّد الضوء الأحمر، قال في نفسه: يبدو أن «هربرت» هنا!
ضغط زرًّا آخر، فتحرَّك المؤشر وحدَّد اتجاه اليمين … نظر إلى حيث أشار الجهاز، فلم يجد سوى حائط أملس … فكَّر، لا بد أن هناك شيئًا … نظر إلى الأرض، كانت هناك دائرة سوداء … صغيرة، اتجه إليها، وداس عليها، فجأة انفتح باب، فدخل بسرعة، فأغلق الباب …
قال في نفسه: إنها مدينة الألغاز!
فكر لحظة، ثم نظر إلى الأرض، فرأى نفس الدائرة السوداء، داس عليها، فانفتح باب، وكانت المفاجأة أنه «هربرت»، كان «هربرت» يقف مستندًا إلى الحائط، عندما رأى «أحمد» لم يعرفه؛ لأن الملابس كانت تُخفيه، فيبدو كأنه أحدُ رجال المدينة.
قال «هربرت»: هل وصل الزعيم؟
لم يردَّ «أحمد» مباشرة؛ فقد كان يتخيَّر صوتًا لا يكشفه «هربرت» … وأخيرًا قال بصوت هادئ ناعم: نعم … وسوف أصحبك إليه.
امتلأ وجه «هربرت» بالفزع، وقال: الآن؟!
ردَّ «أحمد» بنفس الصوت: نعم، ثم أضاف بسرعة: يمكن أن تخرج من هنا لو عثرت على الطريق.
ظهرَت الدهشة على وجه «هربرت» وقال: ماذا تعني؟
قال «أحمد»: لقد أضعتُ عمري في العمل هنا، وأتمنى أن أقضيَ بقية أيامي في بلدي.
سأل «هربرت»: وما هي بلدك؟
ردَّ «أحمد»: روما!
صمت «هربرت» قليلًا ثم قال: إننا نستطيع أن نخرج، لكن … عند البوابة لن نستطيع المرور!
قال «أحمد»: دع لي هذه المسألة، فأنا أستطيع أن أتفاهم مع الحراس!
ثم أضاف: إننا نحتاج إلى ملابس حتى لا يكشفَك أحد.
سأل «هربرت»: وكيف نحصل عليها؟
قال «أحمد»: سوف أتصرف … هيَّا بنا!
تحرك الاثنان خارجَين من الغرفة الصغيرة، وما إن غادراها، حتى ظهر أحد الرجال يجري، وفي لحظة كان «أحمد» يطير في الهواء، ثم ضربه ضربة قوية جعلَته يسقط على الأرض، سحبَا الرجل إلى الغرفة، وقال «أحمد»: أبدل ملابسك بسرعة! وسوف أراقب المكان.
عندما اختفى «هربرت» داخل الغرفة، أخرج «أحمد» جهاز الإرسال، وأرسل رسالة إلى الشياطين يقول فيها: إن اللقاء في النقطة «ج»، وإن الصيد معه! ظهر «هربرت»، وتقدَّمَا بسرعة، كانَا يخرجان من مكان إلى مكان، ثم فجأة قال «هربرت»: الآن استعد، فسوف يصعد بنا الطريق … داس زرًّا على الأرض، فأخذ الطريق يصعد بهما، وعندما استقر، كان اثنان من الرجال يقفان.
نظر «هربرت» إلى «أحمد»، فابتسم قائلًا: إنهما معي، ومنذ فترة ونحن نبحث عن طريقة للخروج!
جرى الأربعة بسرعة حتى منطقة معينة، فجأة قال العميل: انتظروا، فسوف يرتفع بنا الطريق مرة أخرى.
ضغط زرًّا في الجدار، فارتفع الطريق بسرعة، كان كلُّ شيء يبدو وكأنه خيال حقيقي، مرة أخرى توقَّف الطريق، وقال العميل: لم تبقَ سوى البوابة، ولا ندري كيف سنمرُّ منها!
نظر له «أحمد» وقال: الآن … نحن نعرف الباقي!
أشار «أحمد» إليهم، فأسرعوا بالتقدم، لكن فجأة، تردَّد نباح الكلاب … كاد «هربرت» يتوقف، لكن «أحمد» جذبه بقوة، حتى كاد يقع على الأرض، في نهاية الطريق، ظهرَت الأشجار، فنظر الشياطين إلى بعضهم، اقترب نباح الكلاب؛ فأسرع «فهد» بإرسال كرات غاز الأعصاب دون أن يلحظ «هربرت» ذلك، وفي ربع ساعة كانوا عند سيارة «فهد». حملوها هم الأربعة، ووضعوها على الطريق، قفز «فهد» إلى عجلة القيادة، ثم ضغط قدم البنزين، فانطلقت السيارة بسرعة، فجأة، ظهرَت السيارة المدرعة تسدُّ الطريق، حرَّك «فهد» ذراع الارتفاع، فطارت السيارة حتى تجاوزت السيارة المدرعة، والسيارة الأخرى.
قال «هربرت»: ما هذا … كأنكم الشياطين!
ابتسم «أحمد» وهو يرفع القناع عن وجهه ويقول: نعم … نحن الشياطين فعلًا!
في نفس اليوم، كان «هربرت جليم هاي» أمام رقم «صفر» في المقر السري، حيث جرَت محاكمتُه.