الفك المفترس!
أمطرت السماء في ذلك اليوم مطرًا بلا حدود، حتى تصوَّر الشياطين أن المقر السري سوف يعوم في بحيرة من الماء، كانوا يقفون خلف زجاج الشرفة العريضة، يرقبون سيول المطر التي كانت تخفي كل شيء.
قالت «هدى»: إنه يوم رائع، فلَمْ أرَ مطرًا بهذه القوة!
ابتسمت «ريما» وقالت: ولهذا تقولين رائع؟!
صمتَتْ لحظةً ثم أضافت: إن اليوم الرائع، هو الذي نستمتع به!
ضحكت «هدى» وقالت: لهذا أقول إنه يوم رائع؛ لأنني أستمتع بالمطر تمامًا.
وثار الجدل بين الشياطين، حول معنى «رائع»، فقال «عثمان»: إنه فعلًا الشيء الذي أستمتع به!
قال «بوعمير»: إن وجهات النظر تختلف، فقد تحب «هدى» المطر، وقد لا تحبه «ريما»؛ ولهذا فإن المعنى يأتي من وجهة نظر كلٍّ منهما!
واشتد الجدل مرة أخرى، بينما كان «أحمد»، يرقب حبَّات المطر الكبيرة وهي تتساقط في خط مستقيم، وقد انغمس تمامًا في ملاحظاته، حتى إنه لم يشترك معهم في الحديث. لكن «مصباح» الذي نظر إليه، ورأى استغراقه وتأمله، أراد أن يداعبه، فقال: يبدو أن «أحمد» من حزب «هدى»؛ إنه هو الآخر استغرق في التفكير في المطر.
لكن «أحمد»، لم يسمع مداعبة «مصباح»، فقد كان مشدودًا بكل حواسه في تأمل لحظة هطول المطر.
قالت «زبيدة» تناديه: «أحمد»، ألستَ معنا؟!
انتبه «أحمد» فجأةً، فاستغرق الشياطين في الضحك، بينما تساءل هو: ماذا هناك؟
لكن قبل أن يجيب أحدهم، كان هناك صوت صفارة متقطع يتردَّد، حتى إن الشياطين توقفوا فجأة عن الضحك، لقد كانت تلك الصفارة تعني أن ينضموا إلى غرفة الاجتماعات سريعًا، ابتسمت «زبيدة» وقالت: لقد أنقذَتِ الدعوة «أحمد» من الحديث!
وبسرعة، كانوا يأخذون طريقهم إلى قاعة الاجتماعات الصغرى، التي لم تكن تبعد عنهم كثيرًا، في الطريق إلى القاعة قال «بوعمير»: إن الخروج في مغامرة الآن يبدو غير منطقي، فكيف يمكن أن نتحرك تحت هذه السيول؟!
ردَّ «فهد»: إن المطر يا عزيزي نعمة من السماء للذين يبحثون عن قطرة ماء؟!
ثم أضاف بعد لحظة: إن هذا يعني أن فيضان النيل سوف يكون عاليًا هذا العام.
ضحك «بوعمير» وقال: «اسأل «عثمان»، فهو الذي يعرف أكثر منا بحكم موقعه.
كان الشياطين قد بدءوا يدخلون القاعة، التي كانت الأضواء فيها خافتة تمامًا، فعلَّقَتْ «إلهام» قائلة: إنها إضاءة رومانسية جدًّا، ويبدو أننا سنقوم بمغامرة هادئة!
ضحك الشياطين لهذه الكلمات التي أطلقتها «إلهام»، وعلَّق «فهد»: إنها كذلك تصبح مغامرة رائعة!
وضحكوا جميعًا لحظةً، ثم أخذت الإضاءة الخافتة تنسحب في هدوء، في نفس الوقت الذي أخذت فيه الخريطة الإلكترونية في الظهور، عندما أظلمت القاعة تمامًا، برزت على الخريطة قارة أفريقيا، فقالت «إلهام»: يبدو أن المطر كان مقدمة للمغامرة!
ظلت القارة الأفريقية لحظة فوق الخريطة، كان مستطيلها العلوي ومثلثها السفلي يغرقان في المياه الزرقاء، حيث يحدها من الشرق المحيط الهندي والبحر الأحمر، ومن الغرب المحيط الأطلنطي، ومن الشمال البحر المتوسط، ومن الجنوب لقاء المحيطين الهندي والأطلنطي الذي يسمونه المحيط الجنوبي. قال «عثمان» بإعزاز: هذه قارتنا العظيمة!
ردَّ «خالد»: نرجو أن تكون مغامرتنا فيها!
فجأةً، خرج سهم أحمر من المحيط الأطلنطي، ودائرة واسعة ضمَّت جزءًا من القارة … قالت «هدى» بفرح: «هذه منطقتنا».
أخذت أطراف الخريطة تختفي في المياه الزرقاء، حتى أصبح السهم الأحمر يدور حول المملكة المغربية. نظر الشياطين إلى «هدى»، ثم علَّق «بوعمير»: «يبدو أننا سوف نكون ضيوفًا على «هدى».
ابتسمت «هدى» وقالت: إن ذلك سوف يسعدني تمامًا!
لكنها قالت بعد لحظة: أرجو ألا تكون مملكتنا قد تعرضت لسوء!
بدأت تفاصيل المملكة المغربية في الظهور … ميناء «طنجة»، «الدار البيضاء»، «الرباط»، «أغادير»، ثم قفز سهم أخضر ودار حول قرية صغيرة اسمها «أصيلة» تقع على المحيط الأطلنطي.
قال «خالد»: هذه قرية شديدة الجمال والأناقة، وقد حضرتُ فيها أحد المهرجانات الفنية، ويُسمُّونه موسم «أصيلة» الثقافي، وفيه يجتمع الفنانون من شتى بقاع العالم.
قالت «هدى»: إن ضربات قلبي تسرع جدًّا الآن!
فجأةً، جاء صوت رقم «صفر» يقول: لا داعي لذلك، فهذه ليست أول مغامرة تقومين بها، بجوار أن «أصيلة»، بل والمغرب كله، جزء من الوطن العربي الكبير، وعندما يتعرض جزء منه إلى خطرٍ ما فإن بقية الأجزاء، يجب أن تقف معه!
صمتَ لحظةً ثم قال: نحن ما زلنا في دائرة المخدرات!
اتسعَتْ عينا «هدى»، وهمسَتْ: مخدرات! كيف؟!
جاء صوت رقم «صفر» يقول: إن القوى المدمِّرة، لا تترك مكانًا إلا وتضع قدميها فيه، ومنطقتنا العربية مُعرَّضة، ربما أكثر من غيرها، لغزو المخدرات؛ لأنه سلاح قاتل، بلا حرب واضحة. وعندما يكون المغرب مُستهدَفًا، فإن ذلك يعني أن منطقة المغرب العربي كلها؛ الجزائر وتونس وليبيا والمغرب طبعًا، تكون هدفًا هي الأخرى.
صمتَ لحظة، ثم قال: سوف آتيكم حالًا!
نظرَتْ «هدى» إلى الشياطين، كانت عيناها تلمعان، فقال «أحمد» مبتسمًا: سوف نعرف حالًا ما هي القضية، وأظن أن هذه ليست أول قضية نقابلها من جرائم هذا العصر، فقد كانت هناك حرب المخدرات التي حقَّقنا فيها انتصارًا هائلًا عندما قبضنا على أحد رءوسها الكبار، وإذا كان المغرب هدفًا جديدًا لهم، فنحن قادرون على التصدي له.
همسَتْ «هدى»: أعرف ذلك يا عزيزي «أحمد»، وإن كان خوفي رغمًا عني!
ابتسم «أحمد» لهذا التعبير، بينما كان صوت أقدام رقم «صفر» يقترب، كانت الخريطة لا تزال مضاءة، وكانت الدائرة الخضراء لا تزال تدور حول قرية «أصيلة»، في نفس الوقت، كان الشياطين في انتظار أن يبدأ رقم «صفر» عرض مغامرتهم الجديدة، توقَّف صوت أقدام رقم «صفر»، وجاء صوته يُحيِّي الشياطين، ثم قال: إن منطقتنا العربية، التي تمتد داخل آسيا وأفريقيا، من المناطق المُستهدَفة تمامًا من تجار المخدرات، ليس هذا فقط، وإنما هي أيضًا ألاعيب سياسية تقوم بها جهات أجنبية لتعطيل مسيرة التنمية في منطقتنا.
صمتَ لحظة ثم أضاف: وأنتم تعرفون أن الحروب قد أخذَتْ أشكالًا مختلفة، ولم يَعُد السلاح هو العنصر الوحيد في الحرب، فهناك الحرب الاقتصادية، وهناك حرب التجويع، وهناك الحرب النفسية، وهناك الحرب الثقافية، وهناك أيضًا حرب المخدرات، وأنتم تعرفون أن المخدرات إحدى هذه الحروب القاتلة، فهي لا تقتل الشباب فقط، إنها تدمرهم، وتتركهم عالةً على البلاد، بجوار أنها تعطل مسيرة أي شعب، فهو ساعتها لا يدري هل يظل في مسيرة البناء، أو يقف مدافعًا عن قواه البشرية التي تقتلها المخدرات! إن هناك مليارات الدولارات تنزل السوق من أجل تحطيم الدول، ولعلكم عرفتم من خلال مغامرات سابقة ماذا يحدث في أمريكا اللاتينية.
سكتَ لدقائق، ثم قال: إن مغامرتكم الجديدة، تسير في نفس الاتجاه للدفاع عن طاقتنا الشبابية وقواتنا البشرية ضد هذه الحروب الجديدة والمخيفة، التي هي حرب العصر، وهي حرب المخدرات، فقد ظهرَتْ في المغرب العربي كميات هائلة منه، ولقد عمل بعض عملائنا في هذه المنطقة بجد شديد، وكانت ملاحظاتهم هي التي أوصلتنا إلى مغامرتكم الجديدة، وهي مغامرة الدرفيل.
ظهرَتِ الدهشة على وجوه الشياطين؛ فقد كان الاسم غريبًا، لكن صوت رقم «صفر» جاء يقول: «لقد ظهرت «الدرافيل» بكثرة عند قرية «أصيلة» التي حددها السهم الأخضر على الخريطة، وهي قرية سياحية جميلة ووديعة تعيش في هدوء، والصيد هو الحرفة الرئيسية لسكان «أصيلة»، لكن فجأة ظهرت «الدرافيل» في هذه المنطقة، في نفس الوقت الذي ظهرت فيه المخدرات، وبالبحث الذي قام به عملاؤنا هناك، ربطوا بين ظهور «الدرافيل» وظهور المخدرات، وجاء السؤال: هل هناك علاقة حقيقية بين الاثنين؟ وهل يكون للدرافيل دور في جلب المخدرات إلى هذه المنطقة؟!»
صمت رقم «صفر»، وكأنه يعطي للشياطين وقتًا لكي يبحثوا في رءوسهم عن إجابة للسؤال. مرَّتْ دقائقُ، كان الصمت يخيم فيها على القاعة، حتى كان صوت أنفاس الشياطين يبدو واضحًا. قطع صوت رقم «صفر» السكون قائلًا: «أنتم تعرفون أن هناك خدعًا كثيرة تستخدمها العصابات في تحقيق أهدافها، وهذه العصابات تعرف أن السلطات المغربية يقظة تمامًا، ولذلك فهي تحاول أن تبتدع أساليب جديدة، وربما غريبة لا تلفت نظر أحد؛ حتى تحقق أهدافها».
فجأةً، اختفت الخريطة، وجاء صوت رقم «صفر» يقول: «أنتم شاهدتم فيلم «الفك المفترس»، هذا القرش الغريب الذي ظهر ليلتهم الناس، هل هذا القرش حقيقي؟ هل هو سمك القرش الذي يوجد في المحيطات بكثرة؟ طبعًا لا؛ فسمكة القرش السينمائية ليست هي سمكة القرش الطبيعية أو الحقيقية».
فجأةً، لمعت لمبة حمراء في أعلى الخريطة، فقال رقم «صفر»: سوف أعود إليكم حالًا، فيبدو أن هناك رسالة ما.
أخذ صوت أقدامه يتباعد، بينما غرق الشياطين في التفكير …