الشياطين … ولقاء الدرافيل!
قطع تفكيرهم ظهور فيلم «الفك المفترس» على شاشة الخريطة الإلكترونية، وهو عبارة عن سمكة قرش غير حقيقية، مزودة بموتور صغير يجعلها تتحرك وفقًا لسيناريو الفيلم.
قال «أحمد»: لقد شاهدناها عندما كنا نزور استوديوهات «يونيفرسال» الأمريكية، أنتم تتذكرون ذلك، عندما ركبنا مركبًا صغيرًا في بحيرة صغيرة، وظهر الفك المفترس، أو هذه الخدعة السينمائية فجأة، وكأنها تريد أن تلتهمنا، وشاهدنا كيف يُصاب الناس بالذعر عند ظهورها، مع أنها لا تفعل شيئًا، إلا أنها خدعة تقترب من الحقيقة!
كان الشياطين يتابعون الفيلم، الذي يقوم على خدعة تقول إنَّ سمكةَ قرشٍ ضخمة تظهر عند شاطئ إحدى البلاد، وتهدِّد الناس، حتى إنهم لا يستمتعون بصيفهم في البحر؛ فهي تلتهم كل من يقع في دائرتها، ومن خلال سيناريو محكم جدًّا، وتصوير بارع، يعيش الناس بخيالهم مع هذه السمكة المتوحشة. كان الفيلم مسليًّا فعلًا، ورغم أن الشياطين شاهدوه من قبل، ورغم أنهم شاهدوا السمكة السينمائية على الطبيعة، إلا أنهم انهمكوا في مشاهدته مرة أخرى، غير أن «أحمد» كان يفكِّر بطريقة أخرى، كان مشغولًا بحكاية الدرافيل، وربطها بسمكة القرش في «الفك المفترس».
قال «أحمد» لنفسه: إنها يمكن أن تكون خدعة، استغلها تجار المخدرات في تهريب المخدرات إلى داخل المنطقة، وما دام يمكن تحريكها، فإن إطلاقها في الماء ثم توجيهها بطريقة معينة، يمكن أن يؤدي إلى تحقيق الهدف.
نظر إلى الشياطين الذين كانوا مُنهمِكِينَ في مشاهدة الفيلم، وابتسم وهو يقول لنفسه: «إنه فيلم مسلٍّ فعلًا».
فجأةً، توقف عرض الفيلم، وأصبحت الشاشة بيضاء … قال «عثمان»: إنها خدعة ذكية.
ردَّ «بوعمير»: ولذلك كسب الفيلم الملايين!
وقال «فهد»: ويمكن أن تكسب هذه الخدعة مليارات، وليست ملايين فقط!
نظر له «أحمد» وسأله: ماذا تعني؟
قال «فهد»: إن استخدام نفس الخدعة بطريقة أخرى يمكن أن تحقِّق مكاسب كبيرة.
ثم ابتسم قائلًا: لهم طبعًا … وأنت تفهمني.
قال «خالد»: إنها مسألة لا تغيب عن البال، فبينما كنت أتابع الفيلم لمعَتْ في رأسي فكرة، أن تكون هناك «درافيل» بنفس الطريقة!
ابتسم «أحمد» وقال: هل فهم الشياطين شيئًا؟
ردَّت «هدى»: نعم، إننا جميعًا قد توصَّلنا إلى نفس الفكرة، وهي ليست غامضة، بل إنني فكَّرت فيها عندما ذكر ذلك رقم «صفر»، إلا أنني أجَّلْتُ إعلانها حتى ينتهي الفيلم.
قال «أحمد»: رائع أن نفكِّر جميعًا في شيءٍ واحدٍ، وفي وقت واحد أيضًا.
قالت «إلهام»: هذه ليست مسألة جديدة على الشياطين، فهم يفكرون دائمًا وكأنهم عقل واحد.
قطع كلامهم صوت رقم «صفر» يقول: لقد كنت متأكدًا من ذلك، فأنا أعرف كيف يفكِّر الشياطين.
ثم أضاف بعد لحظة: إنني في الطريق إليكم!
نظر الشياطين إلى بعضهم، فقال «مصباح»: أعتقد أننا يمكن أن ننطلق الآن.
ابتسم «أحمد» وقال: نعم نستطيع، لكننا في انتظار أوامر رقم «صفر»، بجوار أن الزعيم يمكن أن تكون قد وصلته معلومات جديدة.
كانت أقدام رقم «صفر» تقترب، وعندما توقفت، قال: نعم … لقد وصلتني معلومات جديدة الآن من عميلنا في المغرب، وأظن أنها سوف تفيدكم كثيرًا.
صمت لحظةً، ثم قال: بعد تحريات وأبحاث عملائنا في المنطقة، اتضح أن مجموعة من الصيادين الغرباء قد نزلوا قرية «أصيلة»، واتضح أنهم من أمريكا اللاتينية أو الجنوبية، وهم لم يظهروا حديثًا، فقد وصلوا منذ عدة أشهر، جاءوا أولًا بمراكب صيد عادية … ثم سكنوا القرية، وكعادتنا نحن العرب، نساعد الضيف أو الغريب ولا نشك فيه، وقد ساعد صيادو «أصيلة» وأهلها هؤلاء الصيادين الغرباء، فاستقروا بينهم وسكنوا القرية، ومرت شهور دون أن يظهر شيء، لكن يبدو أن الخطة كانت موضوعة منذ فترة، ويجري تنفيذها على مراحل، فعندما ظهرت المخدرات في المنطقة، لم يلفت نظر أحد وجود هؤلاء الصيادين الغرباء، ثم فجأة ظهرت «الدرافيل» بكثرة.
صمت قليلًا ثم أضاف: أنتم تعرفون أن قرية أصيلة تقع على شاطئ المحيط الأطلنطي، ويصبح طبيعيًّا أن تظهر «الدرافيل» في المحيط أمام القرية، و«الدرافيل» كما تعرفون صديق للصياد، ولذلك فإن ظهوره لا يلفت نظر أحد، وليست له سوى دلالة واحدة، وهي وجود الأسماك … ولهذا لم يعلِّق أحد على المسألة أو فكَّر فيها.
سكت رقم «صفر»، ومرَّتْ دقائق، كان الشياطين خلالها ينتظرون عودته إلى الكلام، لكن الدقائق طالت، نظر «بوعمير» إلى «أحمد» الذي هز رأسه ليفهم أنها مسألة عادية، ثم جاء صوت الزعيم يقول: أمامكم نقطتان في المغامرة، أن تتأكدوا أولًا من أن ظهور «الدرافيل» له ارتباط بظهور المخدرات بكثرة في المنطقة، ثانيًا كيف نقضي على هذه الكارثة التي تهدِّد بلادنا؟!
سكت من جديد، لكن هذه المرة لم يَطُل سكوته، فقد جاء صوته يقول: ليست لدي أية تفاصيل أخرى يمكن أن أقدمها لكم، فقد عرفتم المهمة، وعرفتم احتمالاتها، وعليكم أن تصلوا معها إلى نتيجة!
ثم أضاف: هل من أسئلة؟
مرَّتْ دقائق صامتة، لم يكن أيٌّ من الشياطين يفكِّر في شيء آخر، كانت أفكارهم تتجمع عند تحديد مجموعة المغامرة ثم الانطلاق، وبسرعة قال الزعيم: إذن، فإن مجموعة المغامرة يقودها «أحمد»، ومعه «بوعمير» و«مصباح» و«باسم» … توقف لحظة، كان الشياطين ينظرون إلى «هدى» التي ظهرت الدهشة على وجهها، فلم يذكرها الزعيم حتى هذه اللحظة، غير أن صوته جاء يقول: و«هدى» طبعًا مع المجموعة!
ظهر الارتياح على وجه «هدى» وقد جاء صوت الزعيم يقول: كنت أفكِّر في أن نعفي «هدى» من هذه المغامرة، فأنا أخشى أن تنكشف وهي من أبناء المغرب.
قالت «هدى» بسرعة: أعتقد أن ذلك سوف يكون في صالح المغامرة، عندما أنضم إلى المجموعة فإن ذلك سوف يعطي لها شكلًا عاديًّا أكثر.
جاء صوت الزعيم يقول: وهذا ما فكَّرْت فيه أيضًا!
سكت لحظةً ثم قال: الآن يمكن أن تنطلقوا، أما بقية الشياطين فعليهم أن يكونوا على استعداد، فمَن يدري إلى أين يمكن أن تسبح «الدرافيل»؟
ابتسم الشياطين لهذه المداعبة السريعة.
انتظروا لحظةً، فقد بدأت أقدام رقم «صفر» تبتعد، ثم أخذوا ينصرفون في هدوء، كانت «هدى» أسرعهم في الانصراف، لكن «أحمد» استوقفها وهو يقول: سوف نلتقي بعد عشر دقائق!
أخذ الشياطين طريقهم إلى غرفهم، وعندما وصل «أحمد» إلى غرفته، وجد رسالة من رقم «صفر» على جهاز التليفزيون تقول: «يجب الانتهاء من المغامرة بسرعة». ابتسم «أحمد»، وقال بصوت مسموع: سوف يتحقق ذلك أيها الزعيم.
وبسرعة جهز حقيبته، ونظر في ساعة يده، كانت خمس دقائق قد مرَّتْ، فقال في نفسه: «إن الدقائق الباقية كافية لأنْ أصِلَ إلى هناك».
عند الباب توقف لحظة، ثم فكَّر: «تُرى هل سوف نحتاج إلى ملابس للغطس؟» ولكن لم يجب عن السؤال مباشرة، كان يقلب السؤال في ذهنه، ثم قال لنفسه: «إنها قد تلفت النظر».
لكنه عاد يقول: «ومع ذلك فقد نحتاجها» … ثم أسرع إلى دولابه، وأخرج ملابس الغوص الخاصة ووضعها في حقيبته، أسرع إلى التليفون وضغط عدة أزرار، ثم رفع السماعة، ظل ينتظر أن يجيبه أحد، إلا أن الطرف الآخر لم يجب إلا بصوت رنين جرس خافت، وضع السماعة وهو يقول لنفسه: «يبدو أنهم انصرفوا، وسوف تكون هذه مشكلة، إذا لم يكن كلٌّ منهم قد أخذ معه الملابس الخاصة بالغوص». خرج وأغلق الباب بهدوء، واتجه إلى حيث نقطة اللقاء.
وهناك، كانت المجموعة في انتظاره، وقبل أن يبدأ في طرح السؤال عليهم، سألته «هدى»: هل أحضرتَ ملابس الغوص؟
ابتسم وهو يقول: لقد فكَّرْتُ أن أذكِّرُكم!
قال «بوعمير» مبتسمًا: الشياطين دائمًا يفكِّرون بطريقة واحدة!
قفزوا داخل السيارة، وجلس «باسم» إلى عجلة القيادة، وانطلق كالسهم خارجًا من المقر السِّري، وعندما تجاوز المبنى وخرج إلى الفضاء، كانت السماء لا تزال تمطر نفس المطر الشديد، فأعمل المسَّاحات، إلا أن هطول المطر بشدة جعله لا يرى الطريق جيدًا.
قالت «هدى»: أظن أن المطر سوف يعوق تقدُّمنا سريعًا!
ابتسم «باسم» وقال: لا تنسي يا عزيزتي «هدى» أن هذه ليست سيارة عادية!
ضغط عدة أزرار في تابلوه السيارة، ثم قال: الآن، نستطيع أن نطير فوق الأرض.
وفعلًا، كانت السيارة تنطلق بسرعة رهيبة حتى تكاد ترتفع عن الأرض، وأخيرًا كان الشياطين في طريقهم إلى لقاء «الدرافيل».