في انتظار «الدرافيل»!
كانت إجابة «خديجة»: إن والدي يعمل مع مجموعة من الصيادين، جاءوا إلى «أصيلة» منذ شهور، وهم يخرجون إلى الصيد ويغيبون أيامًا طويلة!
ثم أضافت: إنهم يستخدمون أجهزة حديثة في الصيد لم يعرفها الصيادون في بلادنا من قبل.
كان الشياطين يتابعون حديثها باهتمام؛ فهم يرون أنهم يقتربون فعلًا مما يريدون، دون حاجة إلى جهد كبير، أضافت «خديجة» ضاحكةً: والطريف أن «الدرافيل» قد ظهرَتْ بكثرة منذ جاءوا إلى هنا، ونحن نرى «الدرافيل» من على بُعد، وعادة تكون في أعداد قليلة، أما الصيادون فهم على علاقة بهذه المخلوقات الطيبة!
ثم فجأةً قالت: ماذا تشربون؟ أم أنكم في حاجة إلى طعام؟!
ابتسمت «هدى»: وقالت: نحن في حاجة إلى أكواب الشاي بالنعناع الأخضر، وأظن أن الأصدقاء لم يتعرَّفوا بعدُ على الشاي المغربي.
عندما ابتعدَتْ «خديجة»، قال «مصباح» بسرعة: لقد اشتركَتْ «خديجة» في مغامرتنا دون أن تدري.
ردَّ «بوعمير»: بالتأكيد، وأظن أننا سوف نحتاجها كثيرًا!
قال «باسم»: إنني في حاجة إلى الراحة، فما قالته «خديجة» كان مفاجأة جعلَتْني أكاد أقفز من الفرح، في نفس الوقت أتمنى أن أنام!
ابتسم «أحمد» وقال: هذه ليست عادتك، فسوف نخرج لنشاهد القلعة ونتحدث إلى «خديجة» كثيرًا.
أضاف «بوعمير»: إننا لم نشاهد القرية بعدُ، وهذه فرصة قبل أن يعود والد «خديجة»، أو أنكم سوف تبدءون قبل أن يعود من رحلة الصيد.
أجاب «أحمد»: علينا أن ننتهز الفرصة ونرى الميدان الذي سوف نتحرك فيه.
عادت «خديجة» بالشاي وهي تقول: أين تنزلون؟!
وقبل أن يردَّ أحد، أضافت: إن لدينا «مَضْيَفة»؛ أعني مكانًا للضيوف، وأظن أنكم لن تبخلوا عليَّ بالسعادة، فتقبلوا دعوة النزول عندنا، هذا بالإضافة إلى أنه يُسعدني، فإنه سوف يعطيني فرصة أن أجلس فترة أطول مع «هدى» التي لمْ أرَها منذ زمن!
قدَّمَتْ لهم الشاي وهي تقول ﻟ «هدى»: ماذا تقولين؟!
نظرَتْ «هدى» إلى الشياطين، فأشار «أحمد» من طرف خفي إليها أن تقبل، فقالت «هدى»: إن ذلك سوف يُسعدنا تمامًا، وأظن أنه لن يعترض أحد من الزملاء!
قال «أحمد»: بالعكس، سوف نكون سعداء ونحن في صحبة الآنسة «خديجة».
ابتسمَتْ «خديجة» وقالت: بل قُل في صحبة «خديجة» فقط، وأظن أننا متقاربون في العمر.
أخذوا يرشفون الشاي وقال «باسم»: إنه شاي مُمتِع فعلًا، وهذه أول مرة أذوق فيها الشاي بالنعناع.
سأل «بوعمير»: هل هناك فرصة لمشاهدة القرية الآن؟
ردَّت «خديجة»: أظن ذلك سوف يكون أحسن إذا كنا نهارًا، إن عندنا مراسم يعمل فيها الرسامون بالرسم، وأشغال السجاد، والنحت وما إليها، وسوف يكون ذلك نهارًا، أما الآن يوجد شارع واحد تستطيعون أن تمشوا فيه على شاطئ المحيط!
وقال «أحمد»: إذن، هذه رحلتنا الليلة، شاطئ المحيط!
عندما انتهوا من الشاي قالت «خديجة»: هل تُحِبُّون أن ننصرف الآن؟
في حركة واحدة وقف الشياطين، وأخذوا طريقهم إلى الباب وأصبحوا خارجه، قال «أحمد»: إننا يمكن أن نعرف الكثير من «خديجة» خلال سيرنا، لا نريد أن يكون حديثنا محصورًا في دائرة واحدة!
انضمَّتْ إليهم «خديجة»، وانطلقوا ليقطعوا الحارات الملتوية إلى شاطئ المحيط، كان صوت الموج يملأ الفضاء وهو يرتطم بالصخور الموجودة لتحمي القرية من المحيط، فعادة تتعرض المدن الساحلية لطغيان البحر، ما لم توجد حواجز صخرية، وكان الهواء شديدًا، إلا أن ذلك لم يمنع الشياطين من الاستمرار في السير، كانت محلات صغيرة منتشرة على الجانب الآخر من الشارع؛ محلات للطعام أو للمشروبات، ومحلات تبيع المنسوجات المغربية المنقوشة بنقوش عربية بديعة …
اقترب «أحمد» من «خديجة» التي كانت تسير بجوار «هدى» وسألها: متى سيعود الوالد؟
ابتسمت «خديجة» وقالت: لقد خرجوا إلى الصيد منذ أسبوعين، وهذا يعني أن وصولهم قد أصبح قريبًا!
فجأة قالت (وهي تشير إلى المحيط): انظر … هذه علامتهم، إنهم فعلًا في طريق العودة، وقد يَصِلُون عند منتصف الليل أو عند الفجر!
كانت هناك نقط مضيئة تتأرجح في عمق المحيط بعيدًا ولا يصل البصر إلا إليها، أضافت «خديجة»: عادة عندما يقتربون يشعلون ضوءًا عاليًا حتى نعرف!
سأل «أحمد»: ومتى يخرجون للصيد مرة أخرى؟
أجابت «خديجة»: هذه مسألة يحدِّدها أصحاب مراكب الصيد، وعادة يظلون هنا أسبوعًا، ثم يستعدون للخروج إلى البحر مرة أخرى!
كان الشياطين يستمعون إلى حوار «أحمد» و«خديجة» باهتمام، ولم يسأل أحد منهم أي سؤال، فقد تركوا «أحمد» يحاورها حتى لا يبتعدون بأسئلتهم عن دائرة المغامرة، لكن فجأة قال «باسم»: أظن أن السباحة هنا تكون شيئًا مغريًا!
ابتسمت «خديجة»، وقالت: عندما يكون الماء هادئًا، ففي مثل هذا الموج لا أظن أن أحدًا يستطيع السباحة!
قالت «هدى»: أتمنى أن أرى أحد «الدرافيل»، فهو يذكِّرُني بما مضى، أيام أنْ كنا صغارًا وكنا نخاف منها!
ردَّت «خديجة»: إنها لا تظهر بالليل، فلونها الرمادي يجعلها قريبة من لون الليل والماء!
قطعوا الشارع الطويل، وبدأ «باسم» يشعر بالبرد، فقال: ينبغي أن نعود.
ابتسمت «خديجة، وقالت: لا بد أنك شعرتَ بالبرد، فالجوُّ فعلًا بارد هذه الليلة!
قالت «هدى»: كنتُ أتمنى أن أرى قوارب الصيد وهي عائدة من رحلتها!
ردَّت «خديجة»: إنه منظر بديع فعلًا، فوجوه الصيادِينَ تعلوها الفرحة لأنهم عادوا إلى الأرض؛ لأن البحر — كما يقول والدي — نوع من الصراع العنيف!
كانوا قد بدءوا رحلة العودة، لكن فجأة لمع ضوء قوي جذب أنظارهم، كان الضوء يأتي من البحر.
فقالت «خديجة»: هذا يعني أن الريح معهم، وأنهم سوف يصلون بعد قليل!
أسرعت «هدى» تقول: إذن، سوف أنتظر حتى يصلوا.
ثم نظرَتْ إلى «باسم» قائلة: وأظنُّكَ سوف تنتظر!
ابتسم «باسم» وقال: فليكن ذلك في صحن القلعة، لأنني لم أعد أحتمل الريح والبرد.
أسرعوا في سيرهم في اتجاه القلعة، التي كانت تبدو في الظلام وكأنها حيوان أسطوري بأبراجها التي تشق الفضاء، وعندما أصبحوا هناك احتموا في أسوارها، وقال «باسم»: هنا … يمكن الانتظار … حتى الصباح.
أخذَتْ «خديجة» تتحدث إليهم عن آخر مهرجان فني أقيم في صحن القلعة، المطربون والممثِّلون وفِرَق الرقص والتمثيل والعازفون، وكيف كانت الليلة تبدأ في الثامنة، وتستمر حتى الثانية صباح اليوم التالي، وكيف تصبح «أصيلة» وكأنها شعلة من النور والحركة، فالقادمون إليها يأتون من كلِّ مكان في العالم، ثم علَّقَتْ ضاحكة: الطريف أن «الدرافيل» ظهرَتْ بكثرةٍ أيام المهرجان.
نظر الشياطين إلى بعضهم نظرات سريعة، وعلَّق «بوعمير»: لعل الموسيقى والرقص والغناء يجذب «الدرافيل» هي الأخرى!
ثم سأل بسرعة: هل رأيتِ «درفیلًا» عن قُرب.
أجابت «خديجة»: رأيته في البحر فقط.
سأل مرة أخرى: وهذه الأيام ألا تظهر الدرافيل؟
أجابت «خديجة»: تظهر ليلًا، ولو أننا انتظرنا فعلًا حتى وصول قافلة الصيد، فربما شاهدنا أحدها وهو يسبح ببراعة بجوار المراكب!
سأل «مصباح»: هل يتعامل الصيادون مع «الدرافيل».
ابتسمت «خديجة»، وهي تقول: نعم، ﻓ «الدرافيل» أصدقاء الصيادين!
فجأةً، حملت الرياح أصوات غناء الصيادين، فقالت «خديجة»: إن القافلة اقتربت!
وانتظر الشياطين، أخذوا طريقهم إلى شاطئ المحيط، ورغم برودة الجو، إلا أنهم كانوا في انتظار أن يظهر «درفیل» ما وسط الضوء الذي بدأ ينتشر باقتراب القافلة.