معركة … تحت الماء!
لم يعرف الشياطين ماذا يفعلون الآن، فعليهم أن ينتظروا عودة العم «عابد»، فسوف تكون عودته بداية تحرُّكهم، وهم الآن يقتربون من الخطوة الأخيرة، بعد أن اختَصرَتِ الظروف كلَّ شيء، فقد كان المفروض أن ينزلوا القرية، وأن يتعرفوا إلى أهلها، وأن يحاول أحدهم تقديم نفسه كباحث عن عمل، ثم تأتي بقية الخطوات، لكن ظهور علاقة «هدى» ﺑ «خديجة»، ثم ظهور العم «عابد» كصياد مع هؤلاء الغرباء، كل ذلك اختصر الطريق أمامهم، ولم تَعُد سوى لحظة الاكتشاف قالت «خديجة»: ما رأيكم، هل نخرج الآن لنشاهد القرية والمراسم التي فيها؟!
ردَّ «أحمد» بسرعة (حتى لا يعطي أحدًا من الشياطين فرصة التصرف): لقد اتفقتُ مع العم «عابد» أن أنتظره، وأظن أنه لن يغيب، وأقترح أن يخرج بعضُنا معكِ لمشاهدة معالم قريتكم الجميلة، ثم نستطيع في وقت آخَر أن نقوم بالجولة كلنا معًا!
فهم «باسم» ما يرمي إليه «أحمد»، فقال: سوف أكون سعيدًا لو دخلت القلعة وتعرَّفتُ على معالمها.
ابتسمَتْ «خديجة» وقالت: سوف نضرب عصفورَينِ بحجر واحد، فالمراسم موجودة كلها أسفل القلعة.
قفز «باسم» صائحًا بطريقة تمثيلية: إنني على استعداد الآن!
وحدَّد «أحمد» مَن ينصرف ومَن يبقى، فقد خرجَتْ «هدى» و«باسم» و«مصباح» في صحبة «خديجة»، وبقي «بوعمير» و«أحمد» فقط، وعندما أصبحا وحيدَينِ، قال «بوعمير»: أخشى أن نكون قد تسرَّعنا في إطلاع العم «عابد» على مهمتنا!
قال «أحمد» بعد لحظة: لقد فكَّرتُ في ذلك قبل أن أتحدَّثَ إليه … لكن الذي شجعني هو أن المواطن العربي يهتم بشئون بلده تمامًا، ويدافع عن وطنه حتى النهاية أيضًا، فكما رأينا، إن «العم عابد» إنسان طيب تمامًا، ويبدو هذا واضحًا من تصرفاته معنا، فهو يعاملنا وكأننا أبناؤه … ولا أظن أنه يمكن أن يغدر بنا!
مرَّت لحظات قبل أن يقول «بوعمير»: أرجو أن يكون ذلك صحيحًا.
لم يمضِ وقت طويل، فقد ظهر العم «عابد»، كان يبدو مهمومًا، حتى إن ذلك أفزع «أحمد» و«بوعمير»، قال الرجل: يبدو أن ما تقولونه صحيح.
سأل «أحمد» بسرعة: هل توصَّلَ العم «عابد» إلى شيء؟
قال «عابد»: نعم، لقد استرجعتُ كل ما حدث منذ ظهور هؤلاء الغرباء في قريتنا، كيف تودَّدوا للناس، وكيف ظهرَتْ مراكب الصيد، وكيف دفعوا مُرتَّبات ضخمة للعاملِينَ، وكيف ظهرَتِ الدرافيل بظهورهم، فنحن عادةً نعرف أعدادها التي تصل إلينا، أو تظهر أمامنا. صمتَ لحظة، ثم أضاف: الغريب أن ذلك لم يلفت نظرنا، فلم أرَ «درفیلًا» مختلفًا عن بقية «الدرافيل»، ولم يلفت نظري أن بعضها لم يكن يقفز في الماء كبقية «الدرافيل»، أيضا كنت أشاهد الغرباء وهم يتعاملون مع «الدرافيل» بطريقة غريبة، كنت أظن أنها مسألة عادية.
صمتَ مرةً أخرى، كان يبدو حائرًا حزينًا، بينما كان «أحمد» و«بوعمير» يتابعانه، قال فجأةً: لقد قابلتُ زملاءكم في طريقهم إلى القلعة.
ابتسم «أحمد» وقال: لقد انتظرناك يا عم «عابد»، وقصدنا أن يخرج بعضُنا حتى لا نلفت نظر أحد.
ابتسم العم «عابد» ابتسامة حزينة وقال: كم أنا سعيد بكم تمامًا.
مرَّت لحظة قبل أن يقول: إن الدرافيل الكثيرة التي ظهرت منذ مجيء الغرباء لم تظهر الليلة الماضية، وما ظهر منها هي «الدرافيل» الحقيقية، فقد كانت سعيدة بالضوء وبوجودنا …
قال «بوعمير»: ربما تظهر في وقت آخَر.
ردَّ العم «عابد» في شرود: ربما.
ثم أطرقَ مفكرًا لحظةً، لكنه فجأةً قال: هل لديكم ملابس للغوص!
أسرع «أحمد» بالرد: نعم.
قال «عابد»: إذن، فلتكن لكم نوبات حراسة، فأنا لا أعرف يقينًا متى تظهر هذه «الدرافيل» الصناعية، وهي قد تظهر في أي وقت، وأنا أشك في ظهورها بالليل، لأن الحراسة على الشاطئ جيدة طوال الليل، وما دامت هذه خدعة مرسومة بعناية، فإن ظهور «الدرافيل» بالنهار لن يلفت نظر أحد، خصوصًا وأن الناس قد تعوَّدَت على ظهورها!
سأل «بوعمير»: وماذا تقترح!
قال العم «عابد» أقترح أن تتناوبوا الحراسة، كل اثنَينِ منكم يقومان بالحراسة لعدة ساعات حتى تظهر الدرافيل، ثم نرى!
سأل «أحمد» بسرعة: ومتى نبدأ!
قال العم «عابد»: من الآن حتى لا نضيع وقتًا، وحتى لا نعطيهم فرصة للتصرف!
ثم أضاف: وحتى لا نكشف أنفسنا، فما زلتُ حتى الآن لا أصدق، برغم الشكوك الكثيرة التي تدور في رأسي!
قال «أحمد»: إذن، سوف نترك رسالة تعطيها للزميلَينِ «باسم» و«مصباح» ليكونا جاهزَينِ في نوبة حراستهما، وعليك يا عم «عابد» أن توجههما، وإن كانا يعرفان مهمتهما جيدًا.
وقف «أحمد» و«بوعمير»، فقال العم «عابد»: سوف نخرج إلى أقصى القرية، ومن هناك سوف تبدأ رحلتكما إلى نفس المكان الذي نزلنا عنده أمس عند عودتكما من الصيد، وسوف أشرح لكما.
أخذ العم «عابد» يشرح لهما كيف يحدِّدان المكان بالضبط، قال إن هناك صخرة بها كهف مستطيل أسفل الماء، وبهذا الكهف توجد عدة سلاسل لربط المراكب، ولا توجد صخرة غيرها بها هذه السلاسل … عند هذه الصخرة تظهر «الدرافيل»، ثم قال: الآن، هيا بنا، وسوف أكون قريبًا من الشاطئ حتى أراقب ما يدور!
أخرج «أحمد» من حقيبته جهازًا لاسلكيًّا صغيرًا، وقال للعم «عابد»: سوف يكون هذا الجهاز وسيلة الاتصال بيننا.
ثم أخذ يشرح للعم «عابد» طريقة تشغيل الجهاز وكيف يمكن أن يرسل لهم أو يستقبل منهم.
ثم قال في النهاية: وسوف تكون «هدى» معك، وهي تعرف كل شيء!
غادروا البيت إلى طرف القرية، وهناك فتح لهم مخزنًا دخلوه وأبدلوا ثيابهم ولبسوا ملابس الغوص، ثم أسرعوا إلى المحيط، واختفيا في الماء، في نفس الوقت عاد العم «عابد» إلى نفس المكان الذي رسَتْ عنده المراكب … في أعماق الماء.
كان «أحمد» يسبح بسرعة، وخلفه «بوعمير»، ظهرت كتلة سوداء أمامهما، تحسَّسها «أحمد» وعرف أنها إحدى الصخور، دارَ حولَها، لكنه لم يجد الكهف الذي حدَّده العم «عابد»، تركا الصخرة واستمرَّا في طريقهما، تعدَّدت الصخور حتى وصلا في النهاية إلى الصخرة المحدَّدة، دار «أحمد» حولها فوجد الكهف، ووجد السلاسل الحديدية، تحدَّث إلى «بوعمير» بالإشارات، كان عليهما أن يبقيا في مكانهما حتى يظهر شيء.
فجأةً، ظهر أحد الغواصين، أسرع «أحمد» و«بوعمير» بالاختفاء وراء الجانب الآخَر من الصخرة، كانا يراقبانه، فجأةً ظهر آخَرُ، ثم ثالثٌ، نظر «أحمد» إلى «بوعمير» وتحدَّث إليه بالإشارات، قال: إن العملية توشك أن تبدأ، فجأةً ظهر أحد «الدرافيل» كان يتجه ناحية الرجال الثلاثة مباشرة، وعندما وصل إليهم توقف تمامًا، كانت كل التفاصيل واضحة أمام «أحمد» و«بوعمير»، فجأةً بدأت العملية، ضغط أحدهم على بطن «الدرافيل»، فانفتحت فتحة صغيرة، مد الغواص يده وأخرج كيسًا أبيض اللون، قال «أحمد» بالإشارة: هذه هي المخدرات!
أخرج الغواص كيسًا آخَر، وثالثًا، قال «أحمد» بالإشارة: ينبغي أن نبدأ قبل أن يتصرف أحد منهم!
في أقل من دقيقة كانا يشقان الماء في طريقهما إلى حيث الغواصِينَ الثلاثة، ولم يلتفت أحدهم، فقد كانا مشغولِينَ بالمخدرات التي تخرج من بطن «الدرفيل» عندما اقترب «أحمد» من أحدهما، تمدَّد تمامًا حتى أصبح كالسهم، ثم اندفع بقوة في اتجاه الغواص، لكنه قد التفت، فشاهد «أحمد»، وتنحى جانبًا، فاندفع «أحمد» إلى الفراغ، لكن «بوعمير» كان قد اندفع هو الآخَر في اتجاه الرجل، كانت يده ممدودة في قوة، فأصابت بطن الرجل الذي انحنى بشدة الضربة، في نفس الوقت كان الآخَران قد اندفعا في اتجاه «أحمد»، الذي انتظر توقيتًا مناسبًا، ثم فتح ساقيه، وعندما اقتربا تمامًا، ضرب كلًّا منهما فالتوى لعنف الضربة، بينما كان الصراع مستمرًّا بين «بوعمير» والرجل الأول، فشاهد «أحمد» أكياس الهيروين البيضاء وهي تتهاوى إلى قاع المحيط.
فجأةً، ظهر عدد آخر من الرجال، فكَّر «أحمد»: هل ظهرَتِ المعركة على سطح الماء؟!
ضغط زرًّا في جهاز الإرسال، ثم أتبعها بعدة ضغطات سريعة، ولم تمضِ دقيقة، حتى كان الرد قد وصل، التفت الرجال حول «أحمد» و«بوعمير»، فجأةً، ظهرَتِ الخناجر، نظر «أحمد» نظرة سريعة إلى «بوعمير»، ففهم ماذا يعني، إنهما قد يخسران المعركة، لكن ما حدث غيَّر كل الموازين، فجأةً ظهر «باسم» و«مصباح»، ودارت المعركة، اندفع أحدهم في اتجاه «بوعمير»، إلا أن «بوعمير» كان ينتظره بحرص، فعندما اقترب تمامًا دار «بوعمير» نصف دورة حول نفسه، ثم أمسك بذراع الرجل وسدَّد إليه ضربة عنيفة، على أثرها تهاوى إلى القاع، ألقى نظرة سريعة في اتجاه بقية الشياطين، كانت هناك معركة حامية لم يدخل الشياطين مثلها من قبل، فقد وضح أن الغواصِينَ رجالٌ مُدرَّبون على معارك الماء، لكن الشياطين كانوا — هم الآخَرِينَ — يجيدون مثل هذه المعارك.
فجأةً، ظهر ضوء قوي، عرف «أحمد» أن مصدره سطح الماء، ففهم كلَّ شيء بسرعة، وعرف أن العم «عابد» قد تصرف جيدًا.
فجأةً أيضًا، كان رجال حرس السواحل المغاربة قد شكَّلوا حلقة واسعة، أخذَتْ تضيق عليهم، ولم يكن أمام العصابة إلا التوقُّف عن المعركة، فقد عرفوا أنهم خسروا المعركة تمامًا، وفي دقائق كان الجميع يصعدون إلى سطح الماء، حيث كان لنش السواحل في انتظارهم.
قال الضابط ﻟ «أحمد»: لقد قدَّمتم لنا عملًا عظيمًا!
ردَّ «أحمد» مبتسمًا: إنها بلادنا في النهاية!
على الشاطئ كان يقف العم «عابد» و«خديجة» و«هدى»، عندما وصلوا أخذ يحتضنهم الواحد بعد الآخَر، وهو يقول: أنا سعيد بكم وفخور!
تقدَّم إليه الضابط يشكره على معونته للأصدقاء، وقال: اسمح لي أن أحتفل بهم.
فضحك العم «عابد» وهو يقول: ليس قبل أن أحتفل بهم!
وكانت ليلة رائعة، فقد أقامت القرية احتفالًا لهم، لكن فجأةً وصلت رسالة من رقم «صفر» تُهنِّئُهم وتطلب منهم العودة فورًا، فهناك مهمة أخرى.