الفصل الخامس

في الأمثالِ العربيةِ المنقولة عن الأسفار المُقدَّسة

يَعرف القُرَّاء ما كان للأمثال الدارجة من الشهرة والاعتبار بين عرب الجاهلية، فإنهم أودعوها أخبارهم وضمنوها حكمهم، وكانوا يحلون بها صدور محافلهم ويدرجونها في خطبهم، وينظمونها في أسلاك قصائدهم وينقلونها في أنحاء جزيرتهم حتى ضرب المثل في سيرها فقالوا: أسير من مثل، وإنما فَضَّلُوها لأربع فوائد وجدوها فيها كما قال أحدهم: اجتمع في المثل أربعة لا تجتمع في غيره من الكلام إيجاز اللفظ وإصابة المعنى وحسن التشبيه وجودة الكناية، وهذه الخواص تنطبق كلها مع غرائز العرب وأطباعهم، إذ عَرفوا بالرزانة والتَّروِّي في الكلام وإيراد الحِكَم البليغة باللفظ الوجيز، وقد أشار صاحب سفر الملوك الثالث إلى حكمة العرب هذه عند كلامه عن حكمة سليمان، وقد سماهم هناك بأهل المشرق فقال (٤: ٣٠): «ففاقَتْ حكمةُ سليمان حكمةَ جميع أهل المشرق.» ثم ذكر بعض العرب المشهورين بذلك.

ولما ظهر الإسلام وأخذ اللغويون يجولون في أحياء العرب ليجمعوا شِعْرَهم ومآثرهم الأدبية جعلوا لأمثالهم شأنًا عظيمًا، وكان أول مَن أخذ يجمعها عُبَيد بن شَرِيَّة وصُحار العبدي كانَا في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان، ولكليهما كتاب في الأمثال واشتهر بعدهما المُفضَّل الضبي في أوائل الدولة العباسية، وقد طُبِعَت أمثاله في الآستانة، ثم تبعه أبو عُبَيد القاسمُ بن سلام، وله كتاب الأمثال السائرة، ثم الأصمعي، وأبو زيد، وأبو عبيدة النحوي، ثم هشام الكلبي صاحب كتاب «أمثال حِمْيَر»، ثم ابن الأعرابي وله «تفسير الأمثال»، وابن قتيبة مؤلف «حكم الأمثال»، ثم العسكري مؤلف «جمهرة الأمثال»، حتى قام الميداني شهاب الدين أحمد النيسابوري ( +٥٣٩ﻫ/١١٤٥م)، فوضع كتابه «مجمع الأمثال» وضمَّنَه نيفًا وستة آلاف مَثَلٍ جمعها من أكثر من خمسين كتابًا ورتبها على حروف المعجم (ونحن نشير في كلامنا إلى طبعة بولاق، سنة ١٢٨٤م).

وقد راجعنا ما تَيسَّر لنا من هذه المجاميع لعلنا نقف على أصول تلك الأمثال فوجدنا عددًا منها نقل بلفظه أو بمعناه عن أسفار العهدين القديم والحديث ما يدل على أن قائليها عرفوا كتب النصارى المنزلة وخالطوا النصارى ولعل قومًا منهم كانوا نصارى، فلم يصعب عليهم أن يضربوا الأمثال نقلًا عن كتب كانوا يسمعونها في مجتمعاتهم الدينية.

وها نحن نورد هنا هذه الأمثال إثباتًا لقولنا، ونشير إلى الآيات الكتابية المأخوذة عنها، ولم ننقل غير الأمثال الراقية إلى عهد الجاهلية أو أوائل الإسلام ما يدل على هذا النفوذ النصراني بين العرب، ونقسم هذا الفصل أربعة أقسام:

  • (١)

    إن بينَ الأمثال العربية قسمًا كبيرًا ورَد على صورة أفعل التفضيل، ذكره الميداني في آخر كل باب من حروف المعجم، وهذه الأمثال مبنية على ما خصت به المواليد الطبيعية من الصفات اللازمة لها كنور الشمس وحلاوة العسل وشجاعة الأسد، فهذه الأمثال التي نُقِلَت عن العرب ليست خاصة بهم، وقد سبقهم إلى استعمالها أصحاب الأسفار المنزلة في العهدين القديم والحديث، سواء قيل: إن العرب استعاروها من تلك الأسفار، أو إنهم أوردوها بمجرد نظرهم إلى الطبيعة.

    فمنها أمثال مبنية على الطبيعة الجامدة كالفَلَك، وظواهر الجوِّ، والمعادن، نذكر هنا ما عثرنا عليه من ذلك، يقول العرب: أحسنُ من الشمس والقمر (الميداني، ١: ٢٠١)، وأبهى من القمرين (م١: ١٠١)، وأشهر من البدر (م١: ٣٤٣)، وأثقب من النجوم وأرفع من السماء (م١: ٢٧٨)، وأبين من فَلق الصبح (م١: ١٠٣)، وأنور من وضح النهار (م٢: ٢٦٢)، فهذه الأمثال قد سبق إليها كلها الكتاب الكريم، مثال ذلك قول سفر الحكمة (٧: ٢٩) عن الحكمة: «إنها أبهى من الشمس وأسمى من كل مركز للنجوم، وإذا قيست بالنور تَقدَّمتْ عليه.» وكقول ابن سيراخ (١٧: ٣٠): «أي شيء أضوأ من الشمس؟!» وكقول سفر الأناشيد (٦: ٩): «من هذه المشرفة كالصبح الجميلة كالقمر المختارة كالشمس؟»

    ويقول العرب: آكَلُ مِن النار! (م١: ٧٤)، وقال أشعيا النبي قبلهم (٣٠: ٢٧): «هو ذا اسم الرب يأتي من بعيد … وشَفتاه مملوءتان سخطًا ولسانه كنار آكلة.» وضربوا المثل في سرعة البرق (م١: ٣١٥)، وقال الرب قبلًا في الإنجيل عن سقوط إبليس من السماء (لوقا، ١٠: ١٨): «إني رأيت الشيطانَ ساقطًا من السماء كالبرق.»

    ومن أمثالهم في الحُسْن: «أحسنُ من الدمية.» (م١: ٢٠٠)، وكان داؤد قال في مزاميره (١٤٣: ١٢): «إن بناتنا كأعمدة الزوايا مُزيَّنات كدمية هيكل.»

    وقد ضربوا المثل بصلابة الصخر فقالوا: «أقسى من صخرة ومن حجر.» (م١: ٦٢)، وأيبس من صخر (م٢: ٣٢٢)، وأرسب من حجارة (١: ٢٧٨)، ومثله في أشعيا (٥٠: ٧) عن ثبات المسيح بإزاء أعدائه: «السيد الرب ينصرني لذلك لم أخجل، بل جعلت وجهي كالصوان.» وقال موسى في تثنية الاشتراع (٨: ١٣) لبني إسرائيل عن الرب: «إنه أخرج لك الماء من صخرة الصوان.» وقد أشار السيد المسيح إلى ثبات بيعته لما دَعا رسوله بطرس الهامة بالصخرة وأكَّد له أنه «يبني بِيعَته على تلك الصخرة فلا تقوى عليها أبواب الجحيم.» (مَتَّى، ١٦: ١٨)، ويشبهه مثل العرب في ثقل الرصاص فقالوا: أثقل من الرصاص (م١: ١٣٨)، وأرسى من الرصاص (م١: ٢٧٨)، وقد شَبَّه موسى قبلهم غرَق المصريين في البحر بالرصاص (خروج، ١٥: ٥ و١٠): «غطتهم اللجج فهبطوا في الأعماق كالحجارة … وغرقوا كالرصاص في غمر المياه.» وكذلك قولهم: «أثقل من طود.» (م١: ١٣٨)، وقد شبه الملك داود في الزبور (١٢٤: ١) المتكلين على الرب «بِجَبلِ صهيون الغير المتزعزع الثابت إلى الأبد.»

    ومما ضربوا فيه الأمثال من الجمادات مُروق السهم ومَضاء السيف وحِدَّة الموسى وعَدْل الميزان، وسحابة الصيف، وحلاوة العسل، وشهوة الخمر، وحقارة الأرض، فقالوا: «أمرَقُ من السهم» (م٢: ٢٣٣)، وأمضى من السيف (م٢: ٢٣٦)، وأحَدُّ من موسى (م١: ٢١٢)، وأعدَلُ من ميزان، وأخْلَف من سحابة صيف، وأحلى من العسل (م١: ٢٠١)، وأشهى من الخمر (م١: ٣٤٢)، وأحقَرُ من التراب (م١: ٢٠٢)، وكل ذلك قد شبهت به الكتب المقدسة فقال أشعيا (٤٩: ٢): «جعل (الرب) فمي كسيف ماضٍ، وجعلني سهمًا مختارًا وفي جعبته سترني.» وقال بولس الرسول في رسالته إلى العبرانيين (٤: ١٢): «إن كلمة الله هو حي عامل أمضى من كل سيف ذي حَدَّين.» وقال داود النبي (مز، ٤٤: ٦): «نِبالك مسنونة … هي في قلوب أعدائك.» وقال أيضًا (مز، ٥١: ٤) في الرجل الظالم: «لسانك يخترع الظلم عاملًا بالغش كالموسى المسنونة.» وقال موسى في عدل الميزان (أخبار، ١٩: ٣٥-٣٦): «لا تَجُوروا في الوَزْن والكيلِ بل موازين عادلة وعيارات عادلة تكون لكم.» وقد شبه القديس يهوذا في رسالته (١: ١٢) المنافقين بالسحابة المخلفة فقال: «هؤلاء سحب بلا ماء تحملها الرياح.» أما حلاوة العسل فتكرر ذكرها في الكتاب المُقدَّس قال ابن سيراخ عن لسان الحكمة (٢٤: ٢٧): «إن روحي أحلى من العسل وميراثي ألَذُّ من شهد العسل.» وقال صاحب المزامير (١٨: ١١): «خشية الرَّبِّ أشهى من الذهب والإبريز الكثير، وأحلى من العسل وقطر الشهاد.» وقال في سفر نشيد الأناشيد في شهوة الخمر (١: ٣): «نفوحُ ذاكرين حُبَّك الذي هو أطيبُ من الخمر.» وقال في المزامير (١١٢: ٧) في حقارة التراب: «إن الرب يُنْهِض المسكين عن التراب ويقيم البائس من المزبلة ليجلسه مع عظماء شعبه.»

    وكما سَبقت الكتبُ المقدسة العربَ في أمثالهم المنقولة عن الجماد كذلك تَقدَّمتْهم في استعارة الأمثال عن الحيوان ومميزاته، فمن ذلك ضربهم المثل بشجاعة الأسد فقالوا: «أجرأُ من قسورة ومِن ذي لُبَد.» (م١: ١٦٤)، وأشجعُ من أسامة وأشدُّ من أسد (م١: ٣٤٣)، وقال قبلهم بقرون عديدة صاحب سفر القضاة (١٤: ١٨): «أيُّ شيء أحلى من العسل؟ وأي شيء أشد من الأسد؟» وقال في سفر الأمثال (٢٨: ١): «الصِّدِّيقون كشِبْل يَطمَئِنُّون.» وقال يعقوب في نبوءته على يهوذا (تك، ٤٩: ٩): «يهوذا شِبْل أسد … جثم وربض كأسد وكلبؤة فمَن ذا يقيمه؟!»

    وضرَبوا المَثل في ظلم الذئب وعداوته وفي خبث الثعلب فقالوا: «أظلم من ذئب.» (م١: ٣٩٢)، وأعدى من ذئب (م١: ٤٣٠)، وأسْلَط مِن سِلقَة، وهي الذِّئْبَة (م١: ٣١١)، وأروغ من ثُعالة، قال طرفة: «كلهم أَروَغُ من ثَعلب.» (م١: ٢٧٩)، وتقدَّمَهم الكتاب الكريم فقال يعقوب (تك، ٤٩: ٢٧): «بنيامين ذئب يفترس.» وقال السيد المسيح لتلاميذه (لو، ١٠: ٣): «ها أنا مرسلكم مثل خراف بين ذئاب.» وقال أيضًا (متى، ٧: ١٥): «احذروا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بلباس الحملان وهم في الباطن ذئاب خاطفة.» وقد شبه لذكره المجد هيرودوس بالثعلب لخبثه (لو، ١٣: ٣٢)، وقالوا على خلاف ذلك: «أذل من النَّقَد»؛ أي الغنم، وقال أشعيا يصف وداعة المسيح بإزاء أعدائه (٥٣: ٧): «كشاةٍ سِيق إلى الذَّبح وكحَمَل صامتٍ أمام الذين يَجزُّونَه.»

    وقد ضرب العرب الأمثال في الفرس وسرعته وشدته وكرم طباعه فقالوا: «أجود من الجوادِ المُبِرِّ» (م١: ١٦٧)، وأسرع من فريق الخيل (م١: ٣٠٧)، وأشأى من فرس، وأشد من فرس (م١: ٣٤١)، وقد وصف الكتاب الكريم الفرس بكل هذه الصفات في آيات شتى ولا سيما في وصف سفر أيوب (٣٩: ١٩–٢٥): «أأنتَ الذي يؤتي الفرس قوة ويُقلِّد عنقه رعدًا؟»

    وكذلك ضربوا الأمثال في الكلب وفي السُّوس وفي النملة فقالوا: آلَفُ من كلب (م١: ٧٥)، وأطوعُ من كلب (م١: ٣٨٧)، وأحرصُ من كلب على جيفة (م١: ٢٠١)، وقالوا: آكَلُ من السوس (م١: ٧٤)، ووصَفوا النملة بالحرص فقالوا: أجمَعُ من النملة (م١: ١٦٦)، وأكسب من نملة وذَرَّة (م٢: ٩٨)، وأحرص من نملة (م١: ٢٠٢)، وفي الكتب المنزلة أوصاف مثلها فجاء في سفر طوبيا (٦ و١١) وصف أُلْفَة الكلب، وقال أشعيا يصف رَقَباء إسرائيل وطَمَعَهم (٥٦: ١١): «كلاب نَهِمَة النفوس لا تعرف الشبع.» وقال في سفر الأمثال (٢٥: ٢٠) عن السُّوس والعُثِّ: «كالعُثَّ في الثوب والسوس في الخشب هكذا الكآبة في قلب الرجل.» وقال الرب لتلاميذه (متَّى، ٦: ١٩): «لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض حيث يفسد السوس والآكلة وينقب السارقون فيسرقون.» وأما النملة وحرصها على جمع الطعام فقد ألمع إليها سفر الأمثال بقوله للكسلان (٦: ٦): «اذهب إلى النملة أيها الكسلان انظر طرقها وكن حكيمًا.»

    ومن أمثالهم في الطيور ما قالوه في مَنَعة العُقاب وسرعة طيرانه وحِدَّة بصره، وفي عمر النسر، وفي ألفة الحمام، ونهم الجراد: «أعز من عُقاب الجوِّ.» (م١: ٤٣٧)، وأبصر من عُقاب ملاع (م١: ١٠٠)، وأَعْمَر من نسر (م١: ٤٣٤)، وآلَف من حمام (م١: ٧٥)، وأَجْرَد من الجراد (م١: ١٦٧)، وكذلك ورد في الكتب المنزلة عن مَنَعة النسر قول أيوب (٣٩: ٢٧): «أبأمرك يُحلِّق النسر ويجعل وَكْرَه في العلاء؟ مَسكنُه الصخر وفيه مَبيته، وعلى أنف الصخر معقله، من هناك يبحث عن قُوتِه وعيناه تنظران من بعيد.» وقال داود في رثائه لشاول وليوناتان (٢ ملوك، ١: ٢٣): «أسرعُ من النسور وأشد من الأسود.» وقال السيد المسيح ممثلًا بوداعة الحمام (مَتَّى، ١٠: ١٦): «كونوا وُدَعاء كالحمام.» ثم في تثنية الاشتراع (٢٨: ٣٩) يتهدد الرب شعبه «بالجراد القارض.»

    وقد قالوا في الحية والأفعى: «أَظلمُ من حية وأظلم من أفعى.» (م١: ٣٩١)، وأعدى من الحية (م٢: ٤٢٩)، ومثل هذا في سفر أيوب يصف المنافق (٢٠: ١٦): «يَرضع سم الأصلال فقتله لسان الأفعى.» وفي الكتب المقدسة آيات كثيرة تشير إلى خُبْث الحية وسُمِّها القاتل، وفي الإنجيل الكريم (متَّى، ١٠: ١٦): «كونوا حُكماء كالحيات.» قال ذلك لأن الحية تحرص على رأسها لئلَّا تصاب بأذى فتصونه دون جسمها، ولعل العرب أرادوا أيضًا ذلك بقولهم: «أعدى من الحية.» يريدون العَدْو؛ أي السُّرْعة لتسرعها إلى جُحْرِها لتنجو من العدو، هكذا شرحها الدميري في حياة الحيوان (١: ٣٢٠) بخلاف الميداني الذي اشتقها من العداوة والظُّلم، وقد روى ابن قتيبة هذا المثل في عيون الأخبار (ed. Brockelmann, p. 459) على صورة أخرى فقال: «أحلمُ من الحية» ثم روى (ص٤٦٠) كلام الإنجيل هكذا: «إن المسيح (عم)» قال للحواريين: «كونوا حُكماءَ كالحيات وبُلهًا كالحمام.»
  • (٢)

    ومن أمثال العرب الدالة على اختلاطهم بأهل الكتاب وعلى الأخص بالنصارى ما رَوَوه منسوبًا إلى الأنبياء أو إلى مشاهير رجال العهد القديم والجديد، وقد جاء أشياء كثيرة من ذلك في كتاب الأمثال للميداني (م)، وقد صنَّف أبو منصور الثعالبي كتابًا جليلًا في هذا المعنى دعاه «ثمار القلوب في المُضاف والمنسوب» في مكتبتنا الشرقية منه نسخة حسنة، وقد طُبِع في مصر طبعًا سقيمًا سنة ١٣٢٦ﻫ نشير إليه بحرفي «مض» ونتبع زمن التاريخ مباشرة بآدم.

    «آدم» عرفوه بأبي البشر وضربوا به المثل بالشهرة (مض، ٢٩) وبالقِدَم (اطلب [القسم الثاني، الفصل الخامس]) = «أَنوش» هو ابن شيث ويُدْعَى أحنوخ ينسب إليه العرب الآثار القديمة والخط فقالوا: «إنما خَدَش الخدوش أَنوش (م١: ١٥)» = (نوح) ذكروا سفينة نوح، وغُراب نوح، وعُمْر نوح (مض، ٢٩–٣١، اطلب [القسم الثاني، الفصل الخامس]) = «إبراهيم الخليل» ذكروا (مض، ٣١–٣٤) «مقام إبراهيم» فضربوا به المثل لكل مكان شريف، ونار إبراهيم زعموا أنه نجَا منها بإذن الله، وصُحُف إبراهيم لحِكَم قالوا: إن الله أنزلها عليه، وضيف إبراهيم، وتحفة إبراهيم إشارة إلى الله تعالى الذي تراءى لإبراهيم على صورة ثلاثة رجال (سفر التكوين، ف١٨) فأضافهم وقدَّم لهم خبزًا ولحمًا (اطلب: القرآن، سورة الحِجْر، ٤٩): وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا … = «إسماعيل» نسبوه إلى الصدق فقالوا: «صدق إسماعيل» (مض ٣٣–٤٣، وسورة مريم) = «يعقوب» قالوا: «أحزان يعقوب» مشيرين إلى حزنه على يوسف لمَّا أخبره بنوه بموته (مض، ٤٤) = «يوسف الصِّدِّيق» ضربوا المثل (مض، ٣٤–٣٨) برؤيا يوسف إشارة إلى الرؤيا الصادقة، وبذنب يوسف لتهمة كاذبة، وبقميص يوسف المُضَرَّج بالدم، وبحُسْن يوسف، وسِني يوسف السبع المُخْصِبة ثم السبع المُجْدِبة (راجع: سفر التكوين، ف٣٧ وما يليه؛ ثم في القرآن، سورة يوسف) = «موسى» مما يذكرون له (مض، ٣٨)، عصاة موسى التي فلق بها بحر القلزم، ونار موسى التي تجلَّى له فيها الله، ويد موسى التي لاحت عليها آثار البَرَص، وصُحُف موسى المنزلة عليه ومناجاته لله (راجع: سِفر الخروج؛ وبعض سور القرآن كالبقرة والأعراف) = «فرعون» نَسبوا إليه الصَّلَف والنخوة فقالوا: «نخوة فرعون» (مض، ٦٣) = «قارون» هو قورح أحد الذين خُسِفَت بهم الأرض لمعارضتهم موسى، وقد زعموا أنه كان مُثْرِيًا فقالوا «كنوز قارون» (مض، ٦٤؛ والقرآن، سورة القصص، ٧٦) = «بنو إسرائيل» ضَربوا بهم المثل في التِّيه فقالوا (م١: ١٣١): «أَتْيَه من قوم موسى عم» = «أيوب» ضَربوا به المثل في الصبر «صبر أيوب» (مض، ٤١) = «داود» ذَكَر العرب في أمثالهم مزامير داود ونغمته في تلاوتها وزعموا أنه بَرَع في نسج الدروع (مض، ٤٣-٤٤؛ واطلب فصولنا السابقة، [الجزء الثاني، الفصل التاسع]) = «سليمان» ضربوا به المثل في عزة الملك واتساعه فقالوا: «مُلك سليمان.» ونسبوا إلى خاتمه المعجزات فقالوا: «خاتم سليمان.» كما قالوا: «جن سليمان وسير سليمان.» لزعمهم بأن الله سخر لخِدْمَته الجن والشياطين وأنه كان يعلم منطق الطير والحشرات (راجع: سورة النمل في القرآن)، ويسير على بساط الريح (سورة سبأ في القرآن؛ اطلب: مض ٤٤–٤٦؛ وفصولنا السابقة [الجزء الثاني، الفصل التاسع]) = «الخضر» قيل: إنه إلياس النبي فقالوا: «فلان خليفة الخضر.» أي جوَّاب في الآفاق (مض، ٤٢) = «يونس» هو النبي يونان ضَربوا المثل في الحوت الذي ابتلعه فقالوا: «أتهم من حوت يونس» (مض، ٤٣) = «عُزَيْر» هو عَزْرا صاحب السِّفْرَين الواردَين باسمه في الكتاب المُقدَّس، ضربوا بحماره المثل فقالوا: «حمار عُزَيْر»؛ لأن الله على زعمهم أمَدَّه به في نكبته (مض، ٤٦) = «هامان» وزير الملك أحشورش نسبوا إليه صرحًا فقالوا: «صرح هامان.» زعموا أنه بناه لفرعون (راجع القرآن، سورة القصص؛ ومض ٦٣) = «عيسى» أي السيد المسيح ضربوا المثل في نطقه بالمهد (مض، ٤٠) ثم في طِبِّه فقالوا: «طِب عيسى.» لكثرة معجزاته في إحياء الموتى وشفاء المرضى (مض، ٤٧) وفي حماره الذي ركبه يوم دخوله أورشليم في أحد الشعانين (مض، ٤٦)، ونسبوه إلى الله فقالوا: «روح الله» و«كلمة الله» (مض، ١٥) = «مريم العذراء» ضربوا المثل بعفتها فقالوا «عفة مريم» (مض، ٤٤؛ وسورة آل عمران)، وقالوا: «تحفة مريم» كما قالوا تحفة إبراهيم يريدون بها الرُّطَب؛ أي التمر (مض، ٣٣)، وكذلك قالوا «نخلة مريم»؛ لأنهم زعموا أنها كانت تنحني أمامها لتأكل من ثمرها (مض، ٢٤٤) = «يحيى» وهو يُوحَّنا المعمدان فقالوا: «دم يحيى بن زكريا» (مض، ٤٧) لقتله ظُلمًا على يد هيرودوس = «الحواريون» وهم رسل السيد المسيح ضربوا المثل في صفاء قلوبهم (قصص الأنبياء، للثعلبي، ص٣٤٣) = ومن أمثالهم النصرانية «كعبة نجران»، وهي كنيسة كان يحج إليها أهل اليمن لحُسْنها (مض، ٤١٢)، و«قس نجران»، وهو قس بن ساعدة المضروب به المثل في الخَطابة (مض، ١٨٥)، و«أبدال اللُّكام»، و«أبدال لبنان» وهم قوم من النُّسَّاك الصالحين زَهِدوا في الدنيا وعَبَدوا الله في جبل اللُّكام، وجبل لبنان (مض، ١٨٦-١٨٧)، و«نوم أصحاب الكهف» وهم شهداء النصرانية في أفسس، قيل: إنهم أَوَوْا إلى مغارة لِينجُوا من المغتصبين فباتوا فيها نائمين سنين عديدة (مض، ٦٥؛ وسورة الكهف في القرآن)، و«كنيسة الرُّهَا» قالوا: إنها من عجائب الدنيا (مض، ٤١٦)، و«دير هرقل» كانوا يعالجون فيه المجانين (مض، ٤١٩).
  • (٣)

    وبين أمثال العرب في الجاهلية وأول الإسلام ما هو منقول بحرفه أو بمعناه من الكتب المُقدَّسة، فدونَك ما أخذوه عن أسفار العهد القديم.

    بين الأمثال التي رواها الميداني في مجموعه (طبعة بولاق، ٢: ٢٢٩) قولهم: «المرأة من المرء، وكل أَدْماء من آدم.» وأردف: «ويقال: إن هذا أول مثل جرى للعرب.» وهو منقول عن سفر التكوين (٢: ٢٣) حيث روى موسى كيف خلق الله حواءَ من ضلع آدم فقال: «هذه تُسمَّى امرأة لأنها من امرئ أُخِذَت.»

    ومنها مَثلُهم (م، ١: ٤٣): «إن لم يَكُن وفاقٌ ففراق.» ينظر إلى قول إبراهيم إلى لوط في السفر المذكور بعد نزاع حصل بين رعاتهما (١٣: ٨-٩): «لا تَكُن خصومة بيني وبينك إنما نحن أَخوان … اعتزِل عَنِّي إما في الشمال فأَتَيامَنُ عنك، وإما إلى اليمين فأَتَياسَر.»

    ومنها قولهم (م١: ٢١٣): «خير قليل وفضحتُ نفسي.» لا يبعد عن قول يوناتان لما أراد أبوه شاءول أن يقتله لقليل من عَسَل ذاقه وقت الحرب (١ ملوك، فقال، ١٤: ٤٣): «ذُقتُ ذوقًا برأس العصا قليلَ عسلٍ وها أنا ذا أموتُ»

    ومن أمثالهم لمن يسهو عن الحديث (م١: ٤٠): «إليك يُساق الحديث.» فكأنه ترجمة قول ناتان النبي لداود (٢ مل، ١٢: ٧) بعد أن عرض عليه مثل الغني المُضَحِّي لشاة الفقير إشارة إلى خطيئته مع امرأة أوريا: «أنت هو الرجل.»

    ومنها أيضًا (م٢: ٨٤): «كل امرئ فيه ما يُرمَى به.» هو كآية سفر الملوك الثالث (٨: ٤٦): «ليس إنسان لا يخطئ.» وكذلك ورد في سفر الجامعة (٧: ٢١): «ليس مِن صديق على الأرض يصنع الخير بغير أن يخطأ.» ويشبهه قول السيد المسيح في الإنجيل (مرقس، ١٠: ١٨): «لا صَالِح إلا الله وحْدَه.»

    ومما رُوِي بين أمثال علي١ (ص٨): «جُدْ بما تَجِد» فهو مثل قول طوبيَّا (٤: ٨) يوصي ابنه: «تَصدَّق من مالك، إن كان لك كثير فابذل كثيرًا، وإن كان لك قليل فابذل عن نفس طيبة.»

    ومن أمثال العرب في الميداني (٢: ٢١٥): «المنية ولا الدَّنِيَّة» نظمه الحريري فقال:

    المنايا ولا الدَّنَايا وخيرٌ
    من ركوب الخَنَى ركوب الجنازةْ

    وقد سبق العازر الشيخ فقال في سفر المكابيين الثاني (٦: ٢٣–٢٧): «أسبقُ إلى الجحيم … ولا أجلبُ على شيخوختي الرِّجْس والفضيحة.»

    وقالوا (م، ١: ٩٢): «البِطْنة تَأفُن الفِطْنَة» ومثله قول علي: «البِطْنة تَذهَب بالفطنة»، وقد قال النبي هوشع قبلًا (٤: ١١): «الزِّنى والخمر والسُّلاف تستهوي القلب.»

    وروى الميداني (١: ٢٥) للعرب: «إن كنتَ ريحًا فقد لاقيتَ إعصارًا»، ومثله لهوشع أيضًا (٨: ٧): «إنهم يزرعون الريح ويحصدون الزوبعة.»

    وله (م، ٢: ٢٠٣) عن لسان أحد الأعراب لكلبه: «ما لك لا تَنبحُ يا كلبَ الدَّوم قد كنتَ نبَّاحًا.» وجاء في نبوة أشعيا (٥٦: ١٠) إلى رُقباء بني إسرائيل: «إن رُقباءه كلهم كلاب بُكْم لا يستطيعون النباح.»

    ومن أمثالهم فيمَن لا يُميِّز الخير من الشر (م، ٢: ١٨٦): «ما يعرف قبيلًا من دبير» أو «ما يعرف الحوَّ من اللو.» وجاء قبله عن لسانه عز وجل في سفر يونان (٤: ١١): «أفلا أشفق أنا على نِينَوى المدينة العظيمة التي فيها أكثر من اثنتي عشرة ربوة من أناس لا يعرفون يمينهم من شمالهم.»

    ومما ورد بين أمثال علي (ص٨٦): «طَعْن اللسانِ أَمْضَى من جرح السنان.» سبق إليه النبي داؤد في مزاميره (٥٦: ٥) عن المنافقين: «أسنانهم أَسِنَّة وسهام وألسنتهم سيوف حادَّة.»

    ومنها أيضًا قوله (ص١٦): «زينة الباطن خير من زينة الظاهر.» فكأنه نظر إلى قول صاحب المزامير في وصفه للملكة السِّرِّيَّة (مز، ٤٤: ١٤): «بنتُ الملكِ جميعُ مَجدِها في الداخل.»

    وللعرب عدة أمثال في الإخاء والصداقة فيقولون (م، ١: ٦٣): «إن أخاك مَن آساك.» ويقولون (م، ١: ٤٢٢): «عند الامتحان يُكْرَم المرء أو يُهان.» ويقولون أيضًا: «عند النازلة تَعرِف أخاك.» ومثله قول علي (ص٢): «أخوك من واساك في الشدة.» وقول أكثم بن صيفي (العقد الفريد، لابن عبد ربه، ١: ٣٢٨): «أخوك مَن صدقك.» وقوله: «خير أهلك من كفاك.» وقول الشاعر:

    فما أكثرَ الأصحابَ حِينَ تَعدُّهم
    ولكنهم في النائباتِ قليلُ

    فهذه كلها كالآية الواردة في سفر أمثال سليمان (١٧: ١٧): «الخليل عند الضِّيق يضحي أخًا.» وكقوله (١٨: ٢٢): «رُبَّ صديق أقربُ علاقةً من الأخ.» وقوله (٢٧: ١٠): «جار قريب خير من أخٍ بعيد.» وقول ابن سيراخ (١٢: ٨): «لا يُعْرَف الصديق في السراء ولا يَخْفَى العدو في الضرَّاء.»

    ومن أمثال العرب عن المشابهة بين الأقران والأخلاء قولهم (م، ٢: ١٩١): «المرءُ بخليله.» أي مَقيس بخليله، قال الميداني: «يُرْوَى عن النبي » ومثله لعلي (ص٨): «جليس المرء مثله.» وله (ص١٠): «خليل المرء دليلُ عَقْلِه.» وله (ص٣٠): «قرينُ المرء دليلُ دينه.» ولِطَرَفة الشاعر في معلقته:

    عنِ المرء لا تسأل وسَلْ عن قَرينِه
    فكلُّ قرينٍ بالمقارن يَقتدي

    وكل ذلك في معنى قول سليمان (أمثال، ١٣: ٢٠): «مُسايِر الحكماء يصير حكيمًا، ومؤانِس الجهلاء يصير شريرًا.»

    ومما قالوا في حفظ اللسان (م، ٢: ٢١١): «مَن أَكثرَ أَهْجرَ.» وقالوا (م، ١: ١٤): «إن البلاء موكَلٌ بالمنطق.» وقالوا (م، ٢: ١٨١): «مَقتل الرجل بين فَكَّيهِ.» وقول علي: «بلاء الإنسان من اللسان.» وقوله (ص٢٠): «صلاح الإنسان في حفظ اللسان.» وقد قال قبلهم سليمان في أمثاله (١٠: ١٩): «كثرة الكلام لا تخلو من زَلَّة ومن ضبط شفتيه فهو عاقل.» وقال (١٣: ٣): «من ضبَط فاه صان نفسه ومن فتق شفتيه فحَظُّه الدَّمارُ.» وقال (١٨: ٧): «فَمُ الجاهل دمارُه وشفتاه شَرَكٌ لنَفْسِه.» وقال (٢١: ٣٢): «من يحفظ فاه ولسانه يحفظ من المضايق نَفْسَه.» وللقديس يعقوب في رسالته (٣: ٢): «إن كان أحد لا يَزِلُّ في الكلام فهو رجل كامل.» فكأن الشاعر عقد هذه الأمثال فقال:

    احفظْ لسانَك أيها الإنسان
    لا يَلدغَنَّك إنه ثعبانُ
    كم في المقابر من قَتيلِ لسانِه
    كانت تَهاب لقاءه الشجعانُ

    ومن أمثال علي (ص١٨): «سُموُّ المرء التواضع.» فهو على شبه قول سليمان أمثال (١٥: ٣٣): «قبل المجد التواضع.»

    ومن أمثال العرب: «كل طير يأوي إلى جنسه.» وقد سبق ابن سيراخ (١٣: ١٩) فقال: «كل إنسان يحب قريبه وكل حيوان يحب نظيره.»

    وروي بين أمثال علي وغيره من العرب قولهم: «رأس الحكمة مخافة الله.» وأول من قال ذلك بلفظه داود في مزاميره (١١٠: ١٠) وابن سيراخ (١: ١٦)، وروى سليمان في أمثاله (١: ٧): «مخافة الرب رأس العلم.»

    ومن أمثالهم (م، ١: ٩): «إن الحديد بالحديد يُفلَح.» أو (م، ٢: ١٥٢): «لا يفلُّ الحديد إلا الحديد.» نظمه الشاعر فقال:

    قومُنا بعضُهم يقتلُ بعضًا
    لا يفلُّ الحديد إلا الحديدُ

    وكان سليمان قد قال (أمثال، ٢٧: ١٧): «الحديد يصقل الحديد.» ويقول العرب (م، ١: ١٢٧): «تَضرَّع إلى الطبيب قبل أن تَمرض.» كأنهم أخذوه من قول ابن سيراخ (٣٨: ١): «أعطِ الطبيب كرامته لأجل فوائده (أي وقت المرض).»

    ومن أمثال العرب (م، ٢: ٢٢): «في التجارب علم مستأنَف.» وكان ابن سيراخ قال (٣٤: ١٠): «الذي لم يختبر يعلم قليلًا.»

    وكذلك قالوا في النظر إلى العواقب (م، ٢: ٢٢): «في العواقب شافٍ أو مُريح.» ومثله قولهم (م، ٢: ١٢٨): «ليس للأمور بصاحب مَن لم ينظر في العواقب.» سبق أيضًا إليه ابن سيراخ قائلًا (٧: ٤٠): «في جميع أعمالك اذكر عواقبك فلن تخطأ إلى الأبد.»

    ومن أمثال العرب (م، ٢: ٢٠٤) في الاستشارة: «ما هلكَ امرؤ عن مشورة.» قاله ابن سيراخ (٣٢: ٢٤): «لا تعملْ شيئًا من غير مشورة فلا تندم على عملك.»

    ويقول العرب في أمثالهم (م، ٢: ٢١١): «مَن حفر مغواة وقع فيها.» ومثله لحسان بن ثابت (حماسة البحتري، ص٧١):

    وكمْ حافرِ حفرةٍ لامرئٍ
    سيصرعه البغْي فيما احتفَرْ

    وكان داؤد قال في مزاميره (٧: ١٦) يصف الشرير: «كَرَى بئرًا وحفرها فسقط في الهُوَّة التي صنع.» ولسليمان ابنه (أمثال، ٢٦: ٢٧): «مَن يحفر هُوَّة يسقط فيها.» راجع أيضًا: سفر الجامعة (١٠: ٨)؛ وابن سيراخ (٢٧: ٢٩).

    ولا يبعد أن يكون قول العرب في الخيبة (م، ٢: ٨٠): «كالقابض على الماء» منقولًا عن أمثال سليمان (٢٧: ١٦): «إنما يضبط على الريح ويقبض بيمينه على زيت.»

    ومن أمثال العرب (أغاني، ١٥: ١٢١): «التوبة تُذهِب الحَوبة.» وقد تكرر هذا مرارًا في الأسفار المُقدَّسة على صور شتى (راجع: نبوة حزقيال، ف١٤ و١٨)، وفي أعمال الرسل (٣: ١٩): «تُوبوا وارجعوا تغفر خطاياكم.»

    ومن أمثالهم أيضًا (م، ١: ١٧): «إن من لا يعرف الوحي أحمق.» ومثله ما ورد في سفر الحكمة «١٣: ١»: «إن جميع الذين لم يعرفوا الله حُمْق.»

  • (٤)

    وكما أخذ العرب كثيرًا من أمثالهم عن أسفار العهد القديم كذلك رووا عدة أمثال عن أسفار العهد الجديد، ولا سيما الإنجيل الطاهر.

    فمن ذلك مثل لعلي (ص٢): «أَحْسِن إلى المسيء تَسُدْ.» فهو صدًى ضعيف لقول الرب في مَتَّى (٥: ٤٤): «أحْسِنوا إلى من يبغضكم لتكونوا بَني أبيكم الذي في السموات.»

    ومثله المثل الذي رواه ابن قتيبة في عيون الأخبار (١: ٣٣٢): «احلم تَسُدْ» فإنه كقول الإنجيل (متَّى، ٥: ٤): «طُوبى للوُدَعاء فإنهم يرثون الأرض.»

    وروى الميداني في أمثاله (م، ١: ٢٩٧): «اسْمَحْ يُسْمح لك.» وكذلك روى ابن عبد ربه (١: ٣٢٨): بين أمثال أكثم بن صيفي: «أَحْسِن يُحْسَن إليك» وكلاهما كقول الرب في لوقا (٦: ٣٨): «أَعْطُوا تُعْطَوا» ومثله قول أكثم أيضًا: «ارحمْ تُرحمْ» وقوله: «مَن بَرَّ يومًا بُرَّ به» نُقل عن تطويبات الرب (متَّى، ٥: ٧): «طُوبى للرُّحماء فإنهم يُرْحَمون» وكان سليمان قال في أمثاله (١١: ١٧): «ذو الرحمة يُحْسِن إلى نَفْسِه.»

    ومن أقوال الرب الشهيرة (متَّى، ٧: ٧-٨): «اسألوا تُعْطَوا اطْلُبوا تَجِدُوا، اقْرَعُوا يُفْتَح لكم؛ لأن كل مَن يسأل يُعطَى ومن يَطلُب يجد، ومن يَقْرَع يُفْتَح له.» أخذه العرب فقالوا في أمثالهم (م، ١: ٣٠٢): «سائِلُ الله لا يَخيب.» وقالوا (م، ١: ٣٨٣): «اطلبْ تَظفَر.» وقالوا (م، ٢: ٢٢٦): «مَن طلب شيئًا وجَده.» وقالوا (م، ٢: ٤٧): «اقصدي تصيدي.» وكذلك نَظَم صالحُ بن عبد القدوس هذا المثل فقال (حماسة البحتري، ص١٣٤):

    مَن يَسَل يُعْطَ ومَن يَستَفْتِح
    البابَ يَفْتحْه بطيءٌ أو سريعُ

    ومن أقوال السيد المسيح أيضًا (متَّى، ٧: ١-٢؛ ولوقا ٦: ٢٧): «لا تَدينوا لئلَّا تُدانوا، فإنكم بالدَّيْنُونة التي بها تَدينون تُدانون، وبالكَيْل الذي به تَكِيلون يُكالُ لكم.» فقد أخذَه العرب بلفظه «كما تَدينُ تُدان.» هكذا رواه الميداني (٢: ٨٥)، وقد رواه ابن عبد ربه (١: ٣٢٨) للأكثم بن صيفي، وروى في التاج (٩: ٢٠٧) لخويلد بن نَوفل الكلابي يخاطب الحرث بن شمر:

    يا حارِ أَيقِنْ أنَّ مُلْكَك زائلُ
    واعلم بأنْ كما تَدينُ تُدانُ

    ومَثَل الكيل رواه الميداني (١: ١٤٨) على هذه الصورة: «جَزَيتُه كيلَ الصاعِ بالصاع.»

    وقال الرب (متى، ٧: ٣؛ ولوقا ٦: ٤١) لمن يُعيِّر غيرَه داء يكون في نفسه أعظم: «ما بالُك تنظرُ القذى الذي في عَين أخيك، ولا تَفطن للخشبة التي في عينك؟!» نقله العرب فقالوا (م، ٢: ٨٥): «كيف تُبصِر القذى الذي في عين أخيك وتَدعُ الجِذْع المُعترِض في عينك؟!».

    وقال الرب أيضًا (متى، ٧: ١٦؛ ولوقا ٦: ٤٤): «هل يُجْتَنى من الشوكِ عِنَب أو من العَوسج تين؟!» أخذه العرب فقالوا (م٢: ١٥٢): «لا تَجْنِ من الشوكِ عِنبًا.» روي لأكثم بن صيفي، وقالوا (م، ١: ٤٣٦) في العَجْز: «أَعْجزُ من جانِي العنب من الشوكِ.» وقال الشاعر (م، ٢: ١٥٢):

    إذا وَتَرْتَ امرأً فاحْذَرْ عَداوته
    مَن يزرعِ الشوكَ لا يَحصدِ به العِنبَا
    ومن أقواله تعالى (متَّى، ١٩: ٢٤؛ ومر، ١٠: ٢٥): «إنه لأسهلُ أن يدخل الجَملُ في ثُقب الإبرة من أن يَدخل غَنِيٌّ ملكوت الله.» فأخذه العرب وضربوه مثلًا للضيق فقالوا (م، ١: ٣٧٤): «أَضْيقُ من خَرْت الإبرة وسَمِّ الخياط.» وضربوه مثلًا أيضًا لصعوبة الشيء فقالوا (م، ٢: ١٤٤): «لا أفعل كذا حتى يَلِجَ الجَمَل في سَمِّ الخِيَاط.» ومثله في القرآن في سورة الأعراف (٧: ٣٨): وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ.

    وقال في الإنجيل (لو، ٦: ٣٩): «هل يستطيع أعمى أن يقود أعمى؟ أليس كلاهما يسقطان في حفرة؟!» فرووه بين أمثال علي (ص١٠٠) على هذه الصورة: «كيف يهدي غيره من يضل نفسه؟!»

    وكذلك رووا لعلي (٦٦): «خير الصَّدقَة إخفاؤها.» وكان الرب أعلن في إنجيله (متَّى، ٦: ٣-٤): «إذا عملتَ صدقةً فلا تَعلم شمالُك ما تصنع يمينُك لتكون صدقَتُك في خفية، وأبوك الذي يرى في الخفية هو يجازيك.»

    ومن أمثال الميداني (١: ٢٧٥): «رُبَّ زارعٍ لنفسه حاصدٌ سواه.» قاله الرب في إنجيله (يوحنا، ٤: ٣٧): «إن واحدًا يزرع وآخر يحصد.»

    وللرب في الإنجيل أقوال كثيرة في الصبر كقوله تعالى: (لو، ٢١: ١٩): «بصبركم تَقْتَنون أنفسكم.» وقوله (متَّى، ١٠: ٢٢): «الذي يَصبِر إلى المنتهى فذلك يَخلُص.» وقال يعقوب في رسالته (١: ٤): «العمل الكامل للصبر.» وإلى ذلك تنظر أقوال العرب (م، ١: ١٣٥): «ثمرة الصَّبر نُجْحُ الظَّفَر.» وقولهم وهم يروُونه لأكثم بن صيفي (العقد الفريد، ١: ٣٢٩): «عواقبُ الصبر محمودة.» وقول علي (ص٨): «بَشِّر نفسك بالظفر بعد الصبر.» وقوله (ص٢٠): «صبرُك يُورث الظَّفر.»

    وكذلك التواضع، فقد ورَدتْ فيه آيات عديدة في الإنجيل كقوله (لوقا، ١٤: ١١؛ و١٨: ١٤): «كل مَن رفع نفسه اتَّضَع.» وقال القديس بطرس في رسالته الأولى (٥: ٦): «اتَّضِعوا تحت يد الله القادرة لِيرفَعَكم.» فروى العرب لعلي قوله (ص٥٨) وهو كالآيات السابقة: «تواضعْ لربك يرفعك.» وقوله: «التواضعُ يَرفعُ والتَّكبُّرُ يضعُ.» وقوله (ص١٠٦): «من تَوَقَّر وُقِّر، ومن تَكبَّر حُقِّر.» ويشبهه قول سويد بن أبي كاهل (شعراء النصرانية، ص٤٣١؛ والمفضليات، ص٣٩٩):

    كَتبَ الرحمنُ والحمدُ له
    سعةَ الأخلاق فينا والضَّلَعْ
    وبناءً للمعالي إنما
    يرفعُ اللهُ ومَن شاء وضَعْ

    وعلى شبه هذا قول العرب (حماسة أبي تمام، ١٢٢): «سَيِّد القوم خادمهم.» وهو عين ما قاله الرب لتلاميذه (لوقا، ٢٢: ٢٦): «ليكن الأكبرُ فيكم كالأصغر والذي يَتقدَّم كالذي يخدم … وأنا في وسطكم كالذي يخدم.»

    وكذلك يروى للعرب (م، ٢: ١٨٨): «ما جُعِل العبدُ كَرَبِّه.» وهو عين قول الرب (متَّى، ١٠: ٢٤): «ليس عبدٌ أفضلَ من سيده.» كما أن مثلهم (م، ٢: ١٣٥): «ليس عبدٌ بأخٍ لك». هو مثل قوله (يوحنا، ١٥: ١٥): «لا أُسمِّيكم عبيدًا بعد لأن العبد لا يعلم ما يصنعُ سَيِّدُه، ولكني سَمَّيتُكم أَحِبَّائي.»

    وقال الرب لبطرس لما سَلَّ سيفه فقطع أذن عبد رئيس الكهنة (متَّى، ٢٦: ٥٢): «ارْدُد سيفك إلى غمده؛ لأن كل من يَأخذُ بالسيف بالسيف يَهلكُ». روي لعلي في نهج البلاغة على صورة: «مَن سَلَّ سيفَ البغي قُتل بهِ.»

    ومن الأمثال التي استشهد بها المخلِّص في الناصرة (لو، ٤: ٢٣): «أيها الطبيبُ اشفِ نفسك.» وهو كمثل العرب (م، ٢: ٢٠٧): «يا طبيبَ طبَّ لِنفسك.»

    ورووا بين أمثال علي بن أبي طالب قوله (ص١٠٦): «مَن أكرم نفسه أهانته.» وقوله (ص١٠٨): «مَن أطاع نفسه قتَلَها.» وهو من أقوال الرب (يوحَنَّا، ١٢: ٢٥): «مَن أحب نفسه فإنه يهلكها، ومَن أبغض نفسه في هذا العالم فإنه يحفظها للحياة الأبدية.»

    ومن أمثال العرب (م، ٢: ٣٢١): «اليسير يجني الكثير.» يروى لأكثم بن صيفي، وقريب منه قولهم (م، ١: ٣٢١): «الشرُّ يبدؤه صغاره.» وقد قال الرب في معناه (لوقا، ١٦: ١٠): «الأمينُ في القليل يكون أمينًا في الكثير، والظالم في القليل يكون ظالمًا في الكثير.» وإلى هذا المعنى يعود قول ابن سيراخ (١٩: ١): «الذي يحتقر اليسير يسقط شيئًا فشيئًا.»

    وقال الرَّبُّ في عدم الاهتمام بالغد (متَّى، ٦: ٣٤): «فلا تهتموا بشأن الغد، فالغد يهتم بشأنه يكفي كل يوم شره.» أخذه العرب فقالوا (م، ١: ٦١): «إن غدًا لناظره قريب.» وهو يُروَى لامرئ القيس الذي قال أيضًا (م، ٢: ٣١٣): «اليوم خمر وغدًا أمر.» وكذلك يقول العرب في أمثالهم (م، ٢: ١٢٩): «لكل غدٍ طعام.»

    وقال الرب أيضًا في شر الأقارب (متَّى، ١٠: ٣٦): «أعداء الإنسان أهلُ بيته» (راجع: نبوة ميخا، ٧: ٦)، وهو شبه مثل العرب المروي لأكثم بن صيفي: «الأقارِبُ عَقارب.»

    وقال العرب في الشُّهرة (م، ١: ٣٤٣): «أشْهَرُ من عَلَم.» و«أشهرُ من نارٍ على عَلَمٍ.» وعلى ظننا أنه مأخوذ من قول الرب (متَّى، ٥: ١٤-١٥): «لا يمكن أن تخفى مدينة مبنية على جبلٍ ولا يُوقَد سراج ويوضع تحت مكيالٍ ولكن على المنارة لينير على كل مَن في البيت.» (راجع أيضًا: نبوة ميخا، ٤: ١).

    وكذلك في قول العرب (م، ١: ٣٣): «إن أردتَ المحاجزة فقَبْل المُناجَزة.» وفي قولهم (م، ٢: ٢٣٧): «مَن سَئِم الحرب اقتوى للسِّلْمِ.» تنويه إلى قول الرب في لوقا (١٤: ٣١–٣٣): «أيُّ ملكٍ يخرج ليحارب ملكًا آخر ولا يجلس أولًا ويُشاور نفسه هل يستطيع أن يلاقي بعشرة آلاف مَن يأتي إليه بعشرين ألفًا وإلا فيرسل سفارة وهو بعيد ويلتمس ما هو من أمر الصلح.»

    ومن أمثالهم في التقريع (م، ١: ٢٣): «إنه لَصِلُّ أَصلالٍ.» وقد سبق يوحنا المعمدان (لوقا، ٣: ٧) فقرع بني إسرائيل فدعاهم «بأولاد الأفاعي».

    وقد روى العرب بعض الأمثال التي ضربها السيد المسيح دون الإشارة إلى أصلها، فمن ذلك مثل رب البيت الذي شارَط العمَلة على دينار وأعطاهم أُجْرَتَهم على اختلاف ساعاتِ شغلهم (متَّى، ف٢٠)، فدونك هذا المثل كما رواه البخاري في صحيحه في كتاب الإجارة ونسبَه إلى محمد (طبعة ليدن، ٢: ٥٠):

    «حدثنا إسماعيل بن أبي أويس … عن عمر بن الخطاب أن رسول الله قال: إنما مثَلُكم ومثل اليهود والنصارى كرجل استعملَ عُمَّالًا فقال: مَن يعمل لي إلى نصف نهار على قيراط قيراط؟ فعملَتِ اليهودُ على قيراط ثم عَملتِ النصارى على قيراط قيراط، ثم أنتم الذين تعملون من صلاة العصر إلى مغارب الشمس على قيراطين قيراطين، فغَضِبَت اليهود والنصارى وقالوا: نحن أكثر عملًا وأقل عطاءً، قال: هل ظلمتُكم من حقكم شيئًا؟ قالوا: لا، قال: فذلك فضلي أوتيه من أشاء.»

    وكذلك أبو الحسن علي بن هذيل (ص٨٨-٨٩) روى مَثَل السيد المسيح للزَّرَّاع الذي وقع زرعه في الطريق وبين الأشواك وعلى الصخور وفي الأرض الجيدة (لوقا، ف٨) ونسبه إلى بعض الحكماء قال:

    «وقد ضرب بعضُ الحكماء مَثَل الحِكْمة والحكيم الذي يُلْقِيها إلى القلوب قال: إن الباذِر خرجَ ببذره الطَّيِّب ليبذره فنَثره فوقع بعضُه في أرض محجرة، بل في جَنَبات الطريق فلم يلبث أن اختطفه الطير فذهَب به، ووقع بعضُه في أرض محجرة إلا أن عليها ندًى وطينًا فرَسَخ البذر في ذلك الندى والطين ونبت شيئًا حتى إذا وصلت عروقه إلى الحجر لم يجد مساغًا ينفذ فيه فتَلفَ وفَسَد ويَبِسَ، ووقع بعضه في أرض رخوة إلا أن فيها شوكًا نابتًا فنبتَ حتى إذا كان عند الإثمار خنَقَه الشوكُ فلم يأتِ بثمره، ووقع بعضه في أرض طيبة نقية ليست على ظهر طريق ولا على حَجَر ولا فيها شوك، فنَما وطابَ وزكا ونَبَت وأثمر فجاءت الحبة بأضعاف مضاعفة، ثم فسَّره فقال: فالباذر هو الحكيمُ الزَّارع الحكمة في القلوب، وبذره الطَّيِّب هو حكمته وموعظته الحسنة التي يلقيها إلى القلوب وهي في تلقاء ذلك منقسمه إلى الأقسام الأربعة المذكورة، فمنها القاسي الذي إذا سمع الحكمة لم يَعْقِد عليها لقساوته فلم تلبث فيه، ومنها قلبٌ ظاهره رقة وباطنه قساوة، فهو في أول سماع الحكمة يَرِق لها ويَلذُّ بسماعها ويَحِنُّ إلى ذلك بتلك الرِّقَّة الظاهرة على قلبه ولا يعقد عليها بعزم لقساوته، ومنها قلب يسمع الحكمة ويحبها ويحب العمل بها إلا أنه قلبٌ قد امتحن بلصوق الشهوات به حتى صارت له طباعًا، فإذا عزم على العمل بما سمع اعترضَتْ له تلك الشهوات فمَنعَتْه من إقامة وظائفها وأفسَدَت عليه ما سمع فاختلط عليه أمره ولم يتم له مراده، ومنها القَلبُ النقي الصافي العالم بِفضْل الحكمة المُؤْثِر لها، الذي لا همَّةَ له غيرها ولا شغل له إلا بها، ولم تعلق به شهوة تناقضها ولا داء يقطع عنها، فهذا القلبُ الذي تُنمِّي فيه الحكمة إيمانًا وفهمًا وحفظًا وعلمًا وقولًا وعملًا، وتبلغ به أفضل العواقب وأعلى المراتب.»

    فهذه كلها من الأناجيل يضاف إليها بعض أمثال من بقية أسفار العهد الجديد كقولهم (م، ١: ١٢٠): «اتْرُك الشر يَتركك.» وقولهم (م، ٢: ١١٩): «ليس أخو الشر مَن تَوقَّاه.» فمثله قول القديس يعقوب في رسالته (٤: ٧): «قاوِموا إبليس فيهرب منكم.» وكان ابن سيراخ قال قبلًا (٧: ١): «لا تعمل الشر فلا يلحقك الشر.»

    ويقول العرب (م، ٢: ١٩٣): «كما تَزرع تحصد.» فهو كما قال بولس في رسالته إلى أهل غلاطية (٦: ٨): «الإنسان إنما يحصد ما زرع.» وفي أمثال سليمان (٢٢: ٨): «من زرع الظلم حصد السوء.»

    وجاء في أمثال علي (ص٨): «جل من لا يموت.» وقال الرسول بولس في رسالته الأولى إلى تيموتاوس: «لله وحده الخُلودُ … له الكرامة والعِزَّة المُؤبَّدة.»

    ويضرب العرب المثل بالسحابة الفارغة من المطر المخيبة لآمال الزارع فقالوا (م، ٢: ٢٠٢): «ما هو إلَّا سحابة ناصحة.» وقالوا (م، ١: ٢٦٧): «أرى خالًا ولا أرى مطرًا»، وكان الرسول يهوذا سبق ووصف المنافقين بقوله (١: ١٢): «هؤلاء سُحُب بلا ماء تحملها الرياح.»

    ولعل مثلهم (م، ٢: ١٩٧): «ما أنت بِخَلٍّ ولا خَمْرٍ»، له علاقة بقول صاحب الرؤيا (٣: ١٦): «إنك لستَ باردًا ولا حارًّا … فقد أوشكتُ أن أتقيأك من فمي.»

١  نشير إلى مجموع أمثاله الذي طُبِع في أوكسفورد سنة ١٨٠٦م: Corn. Van Waenen: Sententioe Ali eben Abi Taleb.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤