الجزيرة الملعونة!
عندما استيقظا في صباح اليوم التالي … كانت الشمس تغمر المكان … وخرجا إلى الصالة … ووجدا خادمًا انحنى لهما باحترام وقال بلغة إنجليزية سليمة، إنني في خدمتكما!
قال «بو عمير»: إفطار خفيف … وشاي.
واختفى الرجل في هدوء … وبعد أن اغتسلا عادا إلى الصالة … وكان طعام الإفطار معدًّا …
بعد نصف ساعة ظهر رجل طويل القامة أشعث الشعر … يبدو كأنه لم يحلق شعره طول حياته … يحمل خنجرًا ضخمًا على بطنه البارزة …
قال الرجل في لهجة حاسمة: عندكما برنامج اليوم لزيارة المزارع … هل أنتما على استعداد؟
أحمد: نعم.
الرجل: إذن هيا بنا.
خرجا إلى ضوء النهار الذي كان يتسلل من خلال الأشجار العالية … وكانت هناك ثلاثة فيلة قفز كل واحد منهم على فيل منها … وانطلقت الأفيال داخل الغابة …
لم يرَ «أحمد» في حياته مثل هذا التنوُّع العجيب في الغابة … تنوع الأشجار والحيوانات … أما الناس فقد كان يراهم عن بُعد … وكانوا يختفون بمجرد ظهورهم … وكان الرجل الضخم يسير في المقدمة وخلفه «بو عمير» ثم «أحمد»، وكانت الفِيَلة تعرف طريقها فلم تتوقف لحظة واحدة وسارت تقطع ممرَّات الغابة بخطوات مدربة حتى أشرفت على مزارع واسعة تُحيطها الغابات من كل جانب.
واشْتَمَّ «أحمد» كما اشْتَمَّ «بو عمير» رائحةَ الأفيون النفَّاذة، ثم خرجا من الغابة وتوقفت الفيلة عند كوخ خشبي … وأشار الرجل الضخم إلى المزارع وقال: هذه أكبر مزارع في العالم لزراعة الأفيون … ومن يرها إما أن يكون مخلصًا أو يموت!
وبالطبع فإن «أحمد» و«بو عمير» لم يكونا مخلصين لهذه العصابة، فمصيرهما حسب كلام الرجل … هو الموت!
كان «أحمد» يدرس كل شيء … ويحاول أن يجد منفذًا … فما زال أمامه هو و«بو عمير» مهمة صعبة … للغاية وخطيرة جدًّا، ولكن هذه المهمة تتوقف على أن يظلا أحياء.
لقد تصورا في البداية أنهما سيتسلمان البضاعة جاهزة … ويعرفان التركيب الداخلي للعصابة، وكيفية القضاء عليها … ولكن من الواضح أن المسألة ليست بهذه البساطة … فهذه العصابة العاتية ليس عندها وقت للعبث … إما أن تكون مخلصًا … أو تموت …
نزلا إلى الأرض … وسار الرجل أمامهما يشرح لهما طريقة زراعة نبات الخشخاش الذي يُستَخرج منه الأفيون الخام … ثم انحرفا يسارًا إلى داخل الغابة، وشاهدا مجموعة من المباني، يرتفع منها الدخان، وأخذ الرجل يشرح لهما عملية تحويل معجون الأفيون الخام إلى هيروين!
كانت الأفران بُدائية، تعمل بالخشب … وكان العاملون بها مجموعة من البؤساء يلبسون الملابس البالية … ضعفاء … جياع … تبدو عليهم الذِّلة والمسكنة. وكانت الأفران تعمل ليل نهار … في تحويل الأفيون الأسود إلى هيروين رمادي، كاد «أحمد» أن يشك فيما يرى … كل هذه الكمية من الهيروين توزَّع في العالم لتحويل الناس من عقلاء إلى مجانين … لتدمير صحتهم لقاء لحظات من السعادة الزائفة … ولولا أنه كان متأكدًا مما يرى لظن أنه في حلم … وأدرك أنه وقع على أخطر عصابة في مغامراته كلها … عصابة مهمتها تدمير الناس وتحويلهم إلى عجزة … وإلى مجانين.
كانت الرائحة المنبعثة في الجو قادرة على إدارة أي رأس … وأحس «أحمد» و«بو عمير» بالدُّوار … وطلبا أن يبتعدا قَدْر الإمكان عن الأفران … كانا يريدان الاطلاع على كل شيء … ولكن دون أن يصابا بالدوار …
كانت جزيرة الأفيون واسعة … تشمل مئات الأفدنة … ولكن الأفيون كانت تتم زراعته في الداخل فقط … أمَّا على حواف المزرعة … فقد كانت هناك مزروعات تقليدية تُخفي عمن ينظر من البحر حقيقة ما يجري في الجزيرة.
عاد «أحمد» و«بو عمير» قرب الظهر وقد هالهما ما رأيا … عصابة قوية منظمة … في مكان بعيد عن العمران لا يمكن اكتشافه … نمور مدربة على الحراسة … رجال مسلحون، ثم هناك القتل بالسُّم الذي يمكن أن يتم في ثوانٍ قليلة.
جلسا في حديقة القصر يتحدثان، ومن بعيد كان الحراس المسلحون يمرون أمامهم … والنمور المدربة مع مدربيها تتحرك بحرية حول القصرين …
وقال «أحمد»: إنها مملكة كاملة!
بو عمير: ماذا سنفعل؟
أحمد: سنرى أولًا متى نتسلم البضاعة، ومتى نرحل … إننا بالطبع سنعود.
بو عمير: يبدو لي هذا مستحيلًا!
أحمد: هناك مطار صغير خلف المزارع!
بو عمير: لاحظت ذلك من صوت طائرة هبطت هذا الصباح.
أحمد: إن هذا هو طريقنا الوحيد!
بو عمير: علينا إذن أن نتسلل ليلًا إلى المطار لندرسه عن قُرب ونرى نوع الطائرات التي به.
أحمد: سنفعل هذا … رغم المخاطر الرهيبة.
•••
قضيا بقية اليوم دون أن يتصل بهما أحد، وفي المساء حضر أحد الرجال وأخبرهما أن البضاعة جاهزة، ولكن خطة تهريبها من المطار إلى الخارج تستدعي بعض الوقت.
أحمد: ولماذا لا نعود إلى «مادراس»؟
الرجل: إن الزعيم سيتحدث إليكما مرة أخرى.
أحمد: متى؟
الرجل: إن الزعيم وحده الذي يحدد الموعد المناسب.
وتركهما الرجل وانصرف … وهبط الظلام … ثم حان موعد العشاء … وبعده حانت ساعة النوم.
تظاهر «بو عمير» و«أحمد» أنهما أويا إلى فراشهما … فقام «أحمد» بإطفاء الأنوار … ثم تمدَّد كلٌّ منهما في فراشه متيقظًا … يستمع إلى الأصوات الغريبة القادمة من الغابة في الليل …
كان كل منهما ينظر إلى ساعته المُضاءة بين لحظة وأخرى … وعندما أشارت العقارب إلى منتصف الليل أشار كل منهما للآخر.
قام «أحمد» في خِفَّة وهدوء إلى الباب … وضع أُذنه على ثقب المفتاح وأخذ يستمع … ثم مد يده في هدوء ليفتح الباب … وكانت المفاجأة أن الباب مُغلق من الخارج … كان لذلك معنًى واحد هو أن الزعيم «رام» لا يثق في قصتهم رغم الخطاب.
وتذكَّر «أحمد» في هذه اللحظة أن الدبوس الماس ليس معه … أين تركه؟ هل سقط منه؟ إنه لا يتذكر شيئًا!
ذهب «أحمد» إلى النافذة، ووجد أن من الممكن فتحها، ولكنه كان متأكدًا أن حارسًا أو أكثر في انتظاره …
مضى إلى المطبخ … كان ثمة باب صغير يؤدي إلى ممر في الحديقة، وحاول فتح الباب فوجده مغلقًا أيضًا … ولكنه قرَّر فتحه، أخرج مجموعة أدواته الدقيقة التي لا تفارقه، وأخرج بعض الأدوات، وسرعان ما كان يفتح الباب بهدوء … وأطلق صيحة البومة … وسرعان ما كان «بو عمير» بجواره.
أطل «أحمد» على الحديقة … كانت أضواء النجوم البعيدة تكشف بعض أجزاء الممر المُعتم … تسلَّل في هدوء شديد متلصصًا بجوار المطبخ وتوقف لحظات ينظر حوله … كان كل شيء هادئًا؛ فأسرع بالوثوب إلى الخارج حيث التصق بشجرة ضخمة … وتبعه «بو عمير»، ثم أسرعا بخفة يجتازان الممر إلى الغابة المظلمة …
وخُيل إليهما أنهما استمعا إلى صوت زمجرة النمور المخيفة.