كان يا ما كان

عندما وصل إلى البيت وفتح الباب؛ فزَّت ابنته الصغيرة مروة وهبَّت باتجاهه.

في الليل … في أعماق الليل حضن ابنته، وحكى لها حكاية كلِّ ليلة: «كان يا ما كان … في قديم الزمان … وسالف العصر والأوان … بنية حلوة اسمها إيمان … تروح للدكَّان … تروح للبستان، وتأكل خوخ ورمَّان، وكان أبوها فقيرًا. كلما يصعد بالدرَج يُنزلونه بالحيَّة … لكنَّه كان لا يملُّ، ويريد أن يصل إلى النهاية. في يومٍ من الأيام وصَلَ إلى الرقم ٩٨، وكان قد أصبح عجوزًا كبيرًا لا يستطيع الوقوف على أقدامه، ويده ترتجف من كثرة ما صَعدَ دروجًا وبلعتْه حيَّات … وكان يفكِّر ماذا أعمل الآن بالرقم ١٠٠؟ ماذا أعمل بالسعادة إذا ظهرت الآن؟ كانت مفيدةً أيامَ الشباب. وقبل أن يُدير ظهرَه ويرجع، رمى العدد بالنرد فطلع «واحد»؛ فتلقَّفتْه حيَّةٌ طويلة عِربيدة، ونزلتْ به هذه المرة إلى القبر ومات أبوها.

غدًا … غدًا عندما تكبرين ويكبر مروان وثريَّا، إياكم أن تفكروا بالوصول إلى الرقم ١٠٠؛ فهذا ليس رقمكم والوصول إليه مستحيل. وإن حَصَل ذلك؛ فعلى حساب الناس الآخرين … هذا الرقم ليس الفردوس، بل هو الجحيم … الجحيم بعينه يا أبنائي.

لا تفكروا بالكمال … فكِّروا بالأشياء الحلوة … الأشياء التي تمنحكم المتعةَ وإلا ستحترقون بسرعةٍ وتشيخون بسرعة، ودائمًا عيشوا عيشةً سعيدة، وغدًا يا مروة نحكي قصةً جديدة.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤