الفصل الثاني عشر

حيَّة ننكاسي

حذاؤه يلمع وهو ذاهب إلى العالَم الأسفل … سكران طينة، شاوَرَ الريحَ وجُعَلَها، يصيد الثعابين … ابن المخمل … ابن الأقاصي، أبعد من الشكل الآدمي، أبعد ممَّا يُخطَّط له بالضبط. نظَرَ في لغزٍ عقلي؛ فزاغ السراط … زاغ بدنه … لغزٌ أولي مهلِك … الكتابة في المغاوِر أكثرُ جدوى … الحنين في الرَّحِم أكثرُ سعادة … كان غطيطُه يشبه الغِناء. رشُّوا العنبات بالماء حتى يولد، رشُّوها.

مَن سيشقُّ الكيس؟ مَن؟

مَن سيطوي صليبِي؟ مَن؟

مَن سينير نوري؟ مَن؟

مَن سيسلط المحراث على النجوم والسماءَ؟ مَن؟

مَن سيشقُّ مَزارعِي؟ مَن؟

مَن يجلب الثور لي؟ مَن؟

مَن يجلب المرأة التي فوق الثور؟ مَن؟

مَن يجلب التاج الذي فوق رأس المرأة؟ مَن؟

قماش الذهب في يدي، ونريد أن يسقط من الرَّحم — ولا يسقط — بخور لجذب الأجنَّة … يزداد البخور، والصراخ يسقط من الرحم.

حذاؤه يلمع … يتخطَّانا، وينزل إلى العالم الأسفل في مهمة كونية … مَن تراه يكون؟ … نزل وعمره دقيقةٌ واحدة.

مَن تراه؟

كان الثلج ينزل … ترك نصف كأس الجن قربَ المسجِّل … جرس، عسكر … غياب.

ذهبت كلُّ جهودك مع الريح … تمزقتْ عقائدك، كانت الأمور تحتاج لمثل هذه القشَّة؛ حتى تنفصم. الرسن، الرسن دائمًا في يدي أو رقبتي أو على فمي … متى أستطيع أن أفعل ما أريد؟

بدأنا نأكل الحشيش بسبب الأوهام.

ظهرَت الشمس والْتمعتْ خواتمه، وغف الصابون في كاسةٍ، يزيد ويلمع وهو يحلق لحيته بهدوء، ويفكِّر في كتابه القادم.

ننكاسي تعطيه كأسًا؛ فيشرب، لكنَّ كمانه معطَّل … ألف قنبلة تنفجر؛ فيخرج الجنُّ كلُّهم. ماذا دهى الأساطير؟ خرجتْ من خرزها، ولفَّت بغداد … انزل … انزل.

يا عصفور انزل … انزل يا طيَّار، وكفى ضربًا.

كنا نطيِّر طياراتِ الورق، أُمَّات الذيلِ الطويل … ينتهي خيط البكرة؛ فنعقد خيطًا آخر، ونبعث رسالةً للطيَّار. كان الخيال يفور في الحرِّ وطيارات الورق تملأ القوسَ الذي فوق السطوح … والأولاد ينامون وفي أيديهم البَكَرات.

ننكاسي تُعطيه دنًّا كاملًا؛ فيشرب، ويخرج في زيِّ التخفِّي.

دخل إلى البارات، ورأى الشعراء على حقيقتهم: كانوا يُخفون تحت ملابسهم الأسلحة، والمسجِّلات، وكلمات الأغاني الرائجة الرديئة. في زيِّ الحراسة دخَلَ إلى صالات القمار، ورأى أصدقاءه كلَّهم يلعبون بكُتُبهم. في زيِّ الطيور دخَلَ إلى بيوت الشعراء، فرأى مَداجنَ دافئةً يبيض بها الشعراء الدِّيَكة الذين نعرفهم دون حواجز. في زيِّ العَضاءة دخَلَ إلى الاستوديو السريِّ للسمفونيِّ المتطرِّف، ورآه يسمع مسعود العمارتلي بجنون. في زيِّ الإخلاص دخَلَ إلى بيتِ امرأةٍ لا تعرف إلا الإخلاص، فرأى ألف يدٍ تمتدُّ إليها فلا تملُّ.

ماذا يفعل بكلِّ هؤلاء؟ يهجم عليهم، ويعضُّهم واحدًا بعد الآخَر … يعضُّهم من الزردوم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤