حيَّة العِظام
ثلاثون مرةً قلتَ لي: أين المزمار؟ … ثلاثون مرةً قلتُ لك: أعطيتُه لحبيبي … ثلاثون مرةً قلتَ لي: أين الأسرار؟ ثلاثون مرةً قلتُ لك: أعطيتُها لحبيبي … ثلاثون مرةً قلتَ لي: أين الأنهار؟ ثلاثون مرةً قلتُ لك: أعطيتُها لحبيبي.
يا إلهي … هل أعطيتُ كلَّ حياتي دون أن أدري.
حقيبتها مملوءة بالأعاجيب، حِبال سرَّاتنا تتَّصل بدرناتِ الماء … حِبال سرَّاتنا تتَّصل بالنقطة، والنقطة هي الكاف … وأنت تريد أن تعبُر الجحيمَ دون حِبال … حسنًا غُص إذنْ في طبقات الخطيئة، ولن تَتِيه … غُص ستدلُّك الحِبال إلينا، تمشي على نهر الجحيم … تخوض في الزبَد لحدِّ رُكبتَيها … لسانُها أحمرُ يلهث، وعيونها من شدَّة الشبَق تلمع.
جثَّة إنكي على نهر دجلةَ … مَن قتله؟
الطائر أبي، له وجهٌ مثل البُوم، وتلزمني صرَّةُ فلوسٍ؛ لكي أحيا وأقلِّده، في يدي إسدال الشعر على الفلسفة، ولكنِّي لا أفعل … أنتظر قيامةَ الموسيقى، مسحوقُ أيامي الخائر القوي أصبح مثل الجثَّة.
ملطَّخٌ بالحبر كما تراني … رجلٌ نِصفه بخار، ونِصفه كلام رائحته نبيذ … وردةٌ حمراء تطفو على نعاسة، ووليمته تفوح بالأسرار.
النهر رخوٌ وحلوٌ.
بلبشارع … بلبسوق … بلبساحة … خروف للبيَّاع … أمشي وتمشي معي مروة، تُشير إلى كلِّ شيء، ولا أستطيع أن أمدَّ يدي إلى شيء … ظهر كلبٌ من فرع الشارع وتقدَّم يُشمشِم هنا وهناك، ضاعت كنوزٌ قديمة في الماضي وسقطتْ في الحاضر … يبحث عنها هذا الكلب الخارج من ظلمات العصور، طبطَبَ أبي على كتفي، وقال لي: حتى لو ذهبتَ إلى الجحيم عُد.
لم تحلم «شغب» الجارية أن يسمعها رجلٌ بعد ألفِ سنةٍ من موتها، ذهَبَ إلى مقابر العباسيين خلفَ كلية العلوم، ووجَدَ قبرها وأخرج عِظامها … يا إلهي!
في مشرح الكلية، كان يتأمَّل عِظام الكتف والعضد والساعد والكفِّ، وكان يريد معرفةَ العِظام الصغيرة جدًّا … اقتنى جمجمةَ كلبٍ، وحفظ عن ظَهْر قلبٍ الأجزاءَ الصغيرة لأكثرَ من مائتَي عَظْمة.
سبماكزلري فوسا، ستنتكلم تالي، رنكولا سبلنكَوالز … لم تصدق ليليث عندما سمعتْه يتلفَّظ بها … أسمتْ قطَّتها: كرنكول. الغرين الحارُّ … الأرواح تسقط مثل الوفر … أرواح القواقع والنباتات أرواح القمر والحمام والحوت … أرواح الضعفاء.
يأخذ عيِّنة من الثلج إلى المختبر، اكتحلتْ عيني بالدمع، وضاق صدري، البرتقالة في مخِّي ذبلتْ … أذني كبرتْ، وفمي اتَّسع، ومناخيري مثل ثقوبِ الرصاص … أُضغط وأُوضع في مبنًى صغير، ويُضغط المبنى ويُوضع في جهاز البثِّ … أظهر مرةً كلَّ سنة واحدة … أضحك ونضحك … لا توجد مشاكل. ماذا دهى بابل؟ كانت مليئةً بالمشاكل الجميلة … وكان تليفزيونها بشاشةٍ أكبر، وليس بالضرورة أن يظهر فيها كلُّ مَن يضحك … أمام بابل أدمع وأحكُّ ذاكرتي بالمُوسى … أمام بابل أمدُّ يدي فلا تلتقط سوى العِظام، أمام بابل يقع الورد الذي في يدي … تذبل أوراق التينة … تذبل زهرات النار … تذبل أشواق الماء.
إلهةٌ ليبية رمَت التمثال في البحر؛ فابيضَّ ماؤه لوهلةٍ ثم عاد أزرق، مزامير تموز عند الرعاة الراقصين … طبلة البكو عند سيد القبيلة، رمتْ كرومها الحقول في البحر فاحمرَّ … دم ديموزي.
عين أفريقيا تلتقط أسماء الوثن … وعين آسيا تبكي؛ لأنها فقدتْه، روائح مختلطة في الممرِّ … الأثداء … الآباط، الملابس … رائحة المصافحة غامضة … مفاتيح الأندلس ما زالت في جيبه … يتحسَّسها ويسكر، ابتسامته تعلو وهو يردد: الشنشلة أحلى … والنار أحلى من الشنشلة عندما تلعلع … ما هذا الهراء؟
ماذا يفعل برئاته الضخمة هذه؟ يطير بها أم يجمع كلَّ روائح الشواء والأرض المرشوشة بالماء، والأشعار الفطيرة والخمور والرارنج؟
– لماذا وسَّع رئاته هكذا؟
– لكي يجمع بها رائحة الفردوس.
غسل الجثة بالليمون، وحوافر الخيل تكاثرتْ … مَواكِبه وصلتْ إلى التُّخوم … كيسٌ أبيضُ مملوءٌ بالنفايات … جثته التي مزقتْها الشهوات. المرأة أنبتتْني في رحِمها … المرأة أخرجتْني من رحِمها … المرأة زرعتْني في شجرة … المرأة نفختْ في الطلع … المرأة قطعتْ فاكهتي … المرأة أخرجَت البذرة منها … المرأة زرعتْني في ضلعها. عربات نقل الموتى تتهدج، وعشتار تطشُّ البذور على السواحل؛ فينبت الناس مثل الحشيش.
هو قُرب جسر الجمهورية يحاول الانتحار.
الإفراط في الخمرة … القلق الفمِّي يولِّد نهمًا في الرؤية والألوان، القلق الأنفي يولِّد نهمًا في شمِّ الروائح والنساء.
القلق الأذني يولِّد زيادةً في حاسة التلصُّص وشبقًا في موسيقى الشوارع، ازداد قلقُ حواسه … فذهب إلى جسر الجمهورية لكي ينتحر، رمى بنفسه.
وعندما أوشك على الغرق اتَّحدَت الطيور وانتشلتْه.