إيروس يقفز بين الناس
إيروس … يا إيروس! فانوس يا مطموس في اللحم، وفي العِظام. في الورد، وفي التمام!
تتعطر بماء الينابيع، ثم تخرج للناس لتضربهم بعيونها … بأضلاعها، بدفوفها … بطلعها … برمَّانها … بغيِّها … والناس يتحاشون الضرب، ويخفون رءوسهم تحت أذرُعهم … ثم يختفي فيض التنفس، وتبدأ البثور بالظهور على الأغشية … تتقلَّص حركات الفم والأرجُل. بقعٌ حمراء تحت الحنجرة … بقعٌ حمراء تحت الأظافر … يجفُّ الشعر ويسقط. انتفاخات في الغدد، وصلواتٌ في الأعماق. رنينُ التاريخ في العِظام، وجذور الأسنان تذبل … أشبه بالنسيان، ثم الانتفاخ، فالوفاة … البرق يسرِّع نضوجَ البقول.
جزماتُ الجنود الثقيلة تملأ الممرَّات، وتدكُّ الأفق بالأشباح والغبار. رائحة الشمس أمْ رائحة الرجال المتحمِّسين الذاهبين إلى المسلخ. ليليث أنجبتْ أولاد الليل … ليليث أخذتْهم إلى الملاهي والبارات، وتركتهم حتى الفجر، ثم عادت ومعها عربةٌ وحصان، ووضعتْهم فيها مثل الجثث، وساقت؛ وحين وصلت جسر الجمهورية، طارتْ … تريد أن تصنع منهم كواكب ونجوم، كانت تلتفت بين حينٍ وآخَر لهذه اللغة من الرجال الإيروسيين وتفرح.
اللاهوت والموسيقى أعلى ما في هذه الأقبية … والمدينة ما زالت مشغولةً بالأحجية التي رمتْها الأقبية … من كل عقلِ الناس؛ إنها ستحُل. هلالٌ يطلُّ على الشارع … قوسُ كفَلها يشبه الهلال.
المرأة تسند ظهرها على شجرة التفاح؛ فتملأ أثداؤها عيونَ الناظرين، تخلب الألباب، المرأة تزداد نشوةً وتدفع بشَعرها إلى حدود الكفَل … المارَّة يسقطون فتنةً.
المرأة ترتفع أعضاؤها بالنور وتقطر … الناظرون لا تعود لهم عيون … المرأة تزداد نشوةً وتتمدَّد … الناظرون يمحقون، إيروس يقفز في الشوارع.
«يا حوت البحر، يا حوت … يا شبَّاك أيامي … يا مرشوش بالحنَّة، يا متراس صدري … يا شمس كاسي … يا حوت البحر، يا حوت، يا سبَّاح روحي، وفأسي فاسك … يا عنَّاب … يا قلَّاب أحوالي … يا مفتاح، يا تفاح، يا لسع البرد … يا لمعة عيوني … يا تمَّن ماعوني … يا مِحراب، يا شهاب، يا خلَّاب، يا روح الندى، يا رفَّة متوني.»
ما هذا … كل يوم تودِّعيني، وتستقبليني بهذا الكلام … سأقبِّل صبيان الشمس، وأُلاعبهم بالعصا … أنتِ ماكرة أمْ أنثوية إلى هذا الحدِّ؟ … مسيرةٌ ظافرة إلى الخلق تبدأ.
رتلُ الأشكال الممدَّدة في الشوارع … أين زاهر الجيزاني؟ أين سلام كاظم؟ ما هذا الذي فعلناه … ابتكرنا آلاف الأشكال وضجرنا من تكرارها.
دافِعُ كتابته للشعر خوفُه من بعض الحشرات … هذا دافِعٌ ريَّان، يحتفظ به في أبعد أدراجه. الْتماعات حواء في الحية تظهر وتختفي … ما مصدر كلِّ هذا الشقاء والعقاب؟ فراشة الفخذَين تطلع … فراشة الفخذَين لمَّاعة. ثقوب الناي التي في يدك تتحرَّك، فمتى نسمع؟ مشى هناك بعيدًا … لا أحد … عربة مفكَّكة، وحواء ملطَّخة بالطين بعدما نزلتْ، وفي يدها جفجير تطبخ التمَّن وتبكي … روائح غريبة، وهي وحدها تمسح الدموع بأردانها وتنشج. يمرُّ خلسةً قُربها: كيف حالكِ يا حوَّاء؟
تبكي … ضاع منها الفردوس، وبالعمل ستقضي عمْرَها … قُربها الحيَّة.
– أُمداكِ، أنتِ السبب!
قامت تجلب البقرةَ، والكلاب حولها تنبح … شدَّت الحبل المدلَّى، وصرخ الحرس، فهبَّ صِغار كثار … أنوش وقابيل ومرهوش وحشوش وشيث وغبران ومصران … تعطيهم الطعام حارًّا: «خُذوا … سمٌّ وزقُّوم … متى أرتاح؟»
نزلتْ روائح كثيرة، وسمعنا لغطا كثيرا وعراكا.
وهناك على التلة تضحك ليليث … صاحبة آدم، لها الصافي، راعية مساقط الأجنة … ليليث، الوردة السوداء في صدر الشاعر … مضادَّة الإنجاب من حواء … المحرِّضة على الإجهاض … لم تنجِب وهي فوق الآن، ستُنجب شياطين يملئُون الأرض … وستجرُّ آدم الخائب كلَّ ليلة من بيته … تجعله يركض وراءها ثم تنام معه، ليليث عندها ألف رحِم … كلَّ مرة، ألف ولد مشيطَن … مشخلعة، ومبربعة، ومغسولة بالحنة والذهب … تاهت على آدم القصة.
رثَّةٌ، ونعالها تطقُّ … في يدها السطلُ والمكنسة … تعبُر الشارعَ والثوب يلزق على أفخاذها الحلوات … هذه هي القادمة من الفردوس.