الفصل الثالث والعشرون

أنا شمعداني

أنا شمعداني.

الكلمات والنمنم عمادُ كتبي … بينما موجٌ أخضرُ وسمواتٌ مهلِكة يرعاها شُعرائي.

يلضم الكلمات بالنمنم؛ حتى ينفتح له بابُ الصبر، وينتفخ وتتكاثر مغانيطه وأوسمته … نادانا جميعًا … بالول … بالول مطهِّر الأجسام من الجِن.

مخبَّل، وقرآن بصدره، ويفتر في المقاهي … في يده التعاويذ … تلمع أسنانه المعدنية، وتلمع ذاكرته … يصادف قارعي الطبول الضِّخام، كاد يكشف السرَّ عندما قال: «صاحبكم هذا تعويذته حبَّة حنطه في الجنطة.» أمَّا عينه فعينُ قمر … عينُ كبريت … عينُ مريخ … عين رمَّان … عينُ ذهب … عينُ فحم.

في الفحم يُمضي سنواته، ويقايضها بالاحترام … الاحترام ما يعوزه … حمَّال المشاعل … حمَّال السعوط هذا.

تذكَّر مشمَّعه وكلبه.

قبعات الصيد والطيور … بحلَقَ … بحلَقَ.

ينفخ في الآلات الضمَّاء ويُدهدي الرمَّانة.

لم تنفجر إلى الآن … ضحكةٌ طويلة إلى نهاية عمره، وعبارات حماسية ذهبية … أصابع نجِسة وصفراء تمتدُّ إلى النجوم.

الرمانة تنبض.

وضع المشمَّع على كتفه وغادر … كانت الصالة تتحوَّل إلى شظايا، لم يصرخ أحدٌ من الناس؛ كلُّهم ماتوا. ضربُ الدفوف القوي … قصفُ الموج الداكن، مفاتيحُ الحزن الزئيريِّ الملموم … العناقيد الموسيقية المدلَّاة على الأرصفة، وفي رقاب الباعة، وتحت أيدي الهتَّافين … العناقيد الممرودة. كان هذا استهلالًا لعملٍ أعلى … من أين له؟ رطلان من الموسيقى يطلي بهما الوقت.

موسيقى مقيَّدٍ بالأعالي … موسيقى كاهنٍ ورسوليًّ.

السُكر بمهارةٍ وخيبة أعظمُ الأعمال. جيتام فاتنٌ لعوب … أثرُ الحدَّاد واضحٌ على هندامه. لم يستطِع عملَ أي شيء؛ فحذف إيل من اسمه، ورأى قلبه كيف يدق عضو في جمعيةٍ عاطفية … نعم؛ نحرص على حُب النساء وتمتيعهنَّ، ونحرِّض على إشاعة التوتر الحسِّي في الكتابة. أقنوم الجمعية (الخمر، الجنس، الشِّعر) نخلط الخمر بالجنس، والجنس بالشِّعر، والشِّعر بالخمر. سبعة أشهر واندلقتُ إلى هذه الدنيا، لم أشبع من الفردوس الرحم؛ ولهذا أول ما كتبتُ عن دلمون … الفردوس الذي طُردتُ منه مبكرًا. شهران فقط في بطن أمي وأكتمل، فلا أحب الرقم ٧؛ أحب الرقم ٩. أحب أورانيوس وبلوتو … شهران فلا أكون شاعرًا … شهران، لماذا حرمتَني يا إلهي منهما وجعلتَني أسدُّ النقص بالخمر والكتابة، والتجمُّل، والشبق، والظهور، وادِّعاء الكمال، وادعاء السِّريَّة وفهم كُنه العالَم؟ جواريب مطرطشة وفيها خيطٌ رفيع … يصعد بعيونه ويشوِّعها … أمامها حصان يجرُّ قتلاها، ويجرُّ شَعرها، وذراعها تتوغَّل في أحشائه؛ يحتفظ بكفوفها تلعب في أحشائه … هذه امرأة مغرية حقًّا … المرأة المغرية الثانية شاعرةٌ مسترجِلة تلبس قاطًا رصاصيًّا، وبيدها عصا، وتحت إبطها ديوان شعرٍ أسود، وقفازاتها مطليَّة بالأخضر، ورغم أنها ترفع شَعرها إلى الأعلى وتقصُّه كالرجال إلا أنَّ الهلب الأصفر الصغير في منطقة الزلوف هو الذي يثيره.

أموت عليهنَّ … المحترمات … صاحبات البكل والجنون الخاص يستدرجْنَه بغموضٍ وخفَّة، السريَّات … الملفوفات بالورد، الغاويات … المنحدرات من أصلٍ قمريٍّ.

جرح أسودُ مفغور في داخلي سبَّب غنائي … جرح فيه سماء، وإناثٌ مقتولاتٌ، وألم، وجوع، وعطش، وأسرار … جرح أسود سببُ غنائي؛ هل أستحقُّ هذا العقاب أم أمتطيه؟ … النهار المفلطَح الأشمُّ المجعَّد. الفرح يدنِّس اللذة … اللذة تتوارى في الألم … ترَّهاتي وترَّهات الأرض تتَّحد وتقف قُبالتي لأصرعها … وأنا ملولٌ … ملولٌ، ريحُ العقل والحصافة تهبُّ من الغرب.

هزَّ مستر كارنتون لُغدَه وكتفَه، ودفع كتابًا جديدًا يسخر فيه من الأمم غير الأوربية.

إسفنجة … يقول إن هذه الأمم إسفنجة.

كيف نردُّ عليه … لا بد أن نقول له: أنت فلنجهْ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤