الفصل الرابع والعشرون

حيَّة الدُّخان

الحُب شمسيٌّ أم قمريٌّ؟

أين بقاياه … في جرَّة … في يدَين … أم في العيون تبكي. صمُّ مطرٍ وصمُّ بقولٍ وعيونه تحلف بالمسرَّة، لا كهرباءَ ولا لالة … كان جسده يشعُّ، وأحلامه تنشط وهو يجمع الرصاص من المعسكرات لتصهره أمُّه فتعرف حسَّادها.

كتاب عن الممثلات … كرَّاسات الجنود في الحرب … وصايا الملَّا، وأساطير الصد مارد … لُقى سومر وهو يشتري التتن … شعارات الشوارع، وحوادث المرح، وسيارات السيم … الزلازل الخفيفة … والجناسي المزوَّرة، ثم رسائل منتهى الخوف إلى امرأةٍ متزوجة، ماذا يفعل بكلِّ هذا الحُب سوى أن يصرح. ينقِّب في كبده عن السِّر … أبوه مشغوف ومصفوف، وقنينة خمرة قرب كاروك؛ ابنه الحديث الولادة. في تقاطُع صلبانها، مات معتقدون كثيرون … في جلجلات بغداد، مات كثيرون … في مسخه الوحشي، وشعفته الخلاسية. يدهم هذا المهندز ليلُ بغداد، ويُطمس في الكحول … مبلَّلٌ وعتيقٌ وشبِقٌ. الْتقطَ في كفَّيه المطرَ الذي نضح من رُوح بغداد وهي تنوح … كانت تبكي.

ضربوكِ … ماذا سأفعل بيدي؟

هذا دمٌ … أم دموعٌ … أم مطر!

سوف تتحرك نحوكِ، وتخجل من هذا الفعل المُشين … مَن القادمون نسلكِ، أم جيرانكِ، أم الذين اقترضوا منكِ لوائح اﻟ «مي» كلُّهم؟ … يا إلهي!

كم ستُضربين؟ اثنين وأربعين يومًا، أم قرنًا قادمًا آخَر … لا فرقَ؛ عِظامه من شدَّة القصف صارتْ دُخانًا وتحوَّلت. في جسده عِظامُ أجداده قامتْ أيضًا وبكتْ.

انهضْ … انهضْ يا ولد من شنعار … انهضْ.

ينهضُ، ويحمل أسنانه ومِسحاته، ويلبس جرابه، ويبني بيتَ القصب، ثم يلتمع الشعر في عينَيه، ويخترع الخمر ويلتذُّ ويسخر، ثم ينطلق، ثم يدوخ في آخِر الليل ويهذي … دلالاتُ الخُضرة في بغداد … وعندما كانت القنابل تسحق كلَّ شيء، كان يخرج كلَّ يوم فتيان مضرَّجةٌ خدودُهم بالخمر مساءً من اتحاد الأدباء، حيث الدخان والليل، وكانوا يتعاتبون على القصيدة السيئة فنيًّا. سلالات الخضرة أيضًا.

الدخان يصرع الجمال … والجمال يسخر … هذه عادات الجمال دائمًا. تطفر على الدرَج وفي يدها شمعةٌ، وتفتِّش عن الشظية التي سقطتْ على السطح … يا إلهي، متى ينتهي كلُّ هذا؟

تخشى أن تصاب سلالتُها بالعُقم.

الورد الأحمر في الحديقة يطلع … الشظايا تملأ الحديقة … لا ماءَ لكي تسقي الورد … تنتظر الليل، فتتعرى قدَّام الورد فيُسقى. وفي اليوم الثاني، كان الورد على الجدران أيضًا.

تُسمكُ شمعةً، وتجوب أطرافَ الجحيم … تبحث عنه … أين ذهبتَ حبيبي أبو الخدود الحلوة … أين ذهَبَ الزين، الشمس التفاحة في رجلٍ؟ … أين ذهَبَ الغالي؟ أين ذهَبَ الذي سدَّدت الطائرات سِهامها عليه وقرونها؟ … أين ذهَبَ؟ الطائرات خنازيرُ سماوية. أين ذهب؟

ماذا سنفعل لكي نُعيده إلى الوجود؟

سقطتْ ثيرانه إلى العالَم الأسفل، ولم تستطِع كلُّ هذه النذور والصلوات أن توقظه … ماذا سنفعل إذن؟ … هل غاب حقًّا؟ ماذا سنفعل أكثرَ من كلِّ هذا البكاء والصبر!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤