الفصل السادس والعشرون

درَج الخمر والغناء

مرةً هيَّج امرأةً في التليفون … عرَّاها وخطَّط المندل على جسدها وحمَّر الطماطمات وطيَّب الثنيات … ألقى كلماته في كلِّ حرث وفي كلِّ وردة.

لا هو ولا هي إلى اليوم ينسيان تلك اللذَّة الخارقة.

ملابس مهلهَلة يعبُر بها ليلَ بغداد، ملابسُ مهلهَلة تُخفي تحتها الأسماكَ والكنوزَ والمصائرَ والمنافساتِ، ملابسُ مهلهَلة سترتْ شهواته الجنونية.

أصابعها المحمَّرة، المشمَّسة، الغافية في الطلع، الخارجة من البخار وعليها الزهرة السقيمة لتحييها … في يدها تبجيلُ الخمرة.

يا بطَّتي يا بطوطة … أين تسبيحكِ؟ في نهر العسلِ … أمْ في نهر الورد! في الماء الخابط … أم تحت المطر! ما أحلى حجلكِ وساقكِ ملطَّخٌ بالطين! … ما أحلى ثوبكِ ملتصقًا يفضح خريطةَ جسمكِ!

الفمُ خطَّاف القُبل … الفمُ بِلَّورُ الرُّوح … دمغةُ حياتي ترتوي هناك، في سرَّة الشمس.

أساطيرُ خاليةٌ من الفردوس … الماءُ فيها قليلٌ أيضًا … تسيطر عليها الغيوم «أسلوحي»، وتنتشر بين أخاديدها القواقع.

اهتفني في عمائها فسوف يخرج لك بالعطر الذي اسمه «تعال- تعال».

اهتفني في مسائها؛ فسوف يخرج لك بالأسوار التي اسمها «انتظر»، المرأة تقتفي خطواته في الشارع وتسجِّل حشائشه وصنوبراته.

الخمر يطرد خطواته، ويبعثرها بين أوهامه وأبقاره.

ماذا يحمل هذا المهندز؟

شَعره مثل العُرف، طائرٌ في الهواء؛ وخدوده مصابيحُ … سَنْطور يدِه يعزف للنعسان ألحانًا تفلفل … تجعل الحصانَ يتمطرح على ظهره.

اشربي … اشربي.

تشربُ، ثم تتطاوس برهافة، طولها وصدرها المرتِفع كأنه أغانٍ. تطاووسوسوس برها فافافافة.

أمَّا هو فجثَّته تتفطَّر.

القمرُ ينتعل الشمس في الليل، والشمس تنتعل القمر في النهار. هذه دورةٌ صاعدةٌ ونازلةٌ … دورة الحيَّة والدرَج.

الآن هو نازلٌ وهي صاعدة؛ هل يكفيكَ هذا المرهم … هل تكفيكَ هذه الأعشاب؟ الآن اسمها السماء المسموعة … سماء بنت آوى … لا أحد يجيب على هذه الظلمات.

الخمر من علاماتِ الخفاء … أتحدَّث عن تربُّص الأفعى بي كأبي آدم المقتول في البريَّة … أو تربُّص السمندل الذي سيبلع الأرض.

أنت … اسمعْ، أنت الذي تتورَّد في منابع المياه، وتتورَّد في الأفلام. عندما تظهر بدور الحرامي والشرطي. يشرِّفك. أليست السيناريوهات التي عشتَها أكثر من السيناريوهات التي مثَّلتها؟

أعرفك … عرقٌ … عرقٌ … لماذا يقطِّر جبينُك؟

أعرفك … أيها الكذَّاب الوردة. أعرفك، ستطقُّ مثانتُك ذاتَ يوم. صلصلة البار توجِع … صلصلة الخمر والثلج، شرائح الليمون … شرائح الغناء … شرائح مرصَّعة بالنُّور.

كلُّ واحدٍ تدثَّر بعينه وينتظر.

يحكي كأنَّ حوله خلقٌ كثير … محفوفٌ بالنار، مرذوذٌ بالعطر، منممٌ ودائخٌ وجسمه مدندشٌ، مسَودَن يلعب بالوغف.

تتحدَّر المرأة ذاتُ الشَّعر الأحمر — علامة الشبق — من الجبال وتضعه في الزنبيل، ثم تصل وتضعه بين إخوته المحاربين.

هناك … سلَّمونا كلَّ واحد بندقيةً، وقالوا الذي يضرب أخاه هو الرابح … فإذا بنا بعد رُبع ساعة نسبح في بحيرةٍ من دم. أمَّا أنا فضربتُ فخذي.

لماذا؟ أماكن الصيد كانت واضحةً، ولكنهم رموا بالفلوس تحت أقدامنا وحدَّدوا جائزةً كبيرة … فاشتغل الرَّقع. قلتُ: ما دام الأمر كذلك؛ فلماذا لا أسلخ حنجرتي وأستبدلها ببوق؟ فسلختُها … وسلختُ البوقَ من الصِّياح … جوائزُ كثيرة!

ندبٌ وقروح على جدار العصر … البكتِريات تتكاثر … وزجاجةٌ تعفن، ظهر صاحبُ الوصلة البيضاء … وحكَّ … بالزجاجة ألفَ سنة؛ فاسودَّت الوصلة ولم تتغيَّر الزجاجة.

قلتُ: كيف تتنظَّف الزجاجة؟

قال: قِفوا كلُّكم بالدور، وكل واحد يُحضر وصلته وصلته، ربما تتنظَّف على يدِ أحدكم! ربما!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤