آخِر الليل في مدار السرطان
الْتصق معناه بالرغوة … انتفضتْ طاسينه بالحروف … انخبط مُحُّه ببياض الكون … انعجن جمره بالمسرَّة، وانخبص معناه في النقطة … في القطَّة، الشمس التي طاحت على الماء. سرُّه مربوطٌ بالماء … سرَّته مربوطة في الأعالي … الشِّعر لطمٌ وخبالٌ في الأعالي … في مدار السرطان، عندما كان في الجنة؛ مسكه من ذراعه وقال له: إياك أن تترك شيئًا لا تعرفه … وانظرْ … انظرْ معي إلى شجرة المعرفة هذه نفحصها، فيها تفاحات، فيها ثمرات، فيها الكون كلُّه مشفَّرًا … انظرْ إليها … واقطعها … قشِّرها … سلِّسها وكلها … قوِّيها تقويك.
يا هذا الولد، اسمعْ … كلْ من كلِّ أشجار الجنَّة، ولكنْ هذه الشجرة بالذات كلْ منها.
فشُدهتُ، ونظرتُ إلى هذا الفردوس، وأكلتُ من كلِّ الأشجار إلا من هذه الشجرة؛ فقال: لماذا؟
قلتُ: لأنك شدَّدت عليها فخِفتُ.
فقال لي: أنت مخبَّل.
وأنزلني أيضًا إلى الأرض، ورمى بقِدوري ومواعيني خلفي، ورمى بكاروك شيت وخرق جُمانه، وعندما وصلنا الأرض قلت له: لا يجوز هذا … آكل من الشجرة تطردني، أترك الشجرة تطردني … ماذا أفعل؟ قال … امشِ … امشِ … ادخل لهذا البار الذي فيه جماعتك الحشَّاشة وتعلَّمْ منهم.
فدخلتُ … كان الدخان يغطِّي المكان، وكان العقل صرَّة أعاجيب. الأدبس واقف في الوسط وفي يده قبَّان ويزِن به أفعالَه، وضع اللغزَ أمام المرآة فطقطقَت المواعين لوحدها … ترك اللغز ومسك الأرقام وحيَّرها. أول معجزةٍ ليسوع تحويله الماء إلى خمر، لماذا لا تقرَءُون؟
ترتيبات السلَّم الموسيقيِّ.
أيضًا لا تعرفونها … حسنًا.
ما معنى دُو؟
– لا … لا، ليست بداية السلَّم الموسيقي معناها اقرأ أو ابنِ أو أُعلُ بالسومرية … القراءة تعني البنيان وتعني العلو، القرآن يبدأ ﺑ «اقرأْ».
دو … ري.
والآن قلْ لي أيها الرائع … ماذا تعرف عن أفلوطين؟
– اسم الدلع ﻟ «أفلاطون».
– وردة.
وأنت، ما هو آخِر كتاب تقرؤه الآن؟
– «النمل والنحل» عن الفِرق الدينية.
– وردة.
وأنت، ما هي عيوب «سارتر» الفكرية؟
– أنه ليس من أهل الناصرية.
– وردة.
وأنت ما هو الدواء الفعال ضد دناصير الثقافة؟
– السنافر.
– وردة.
مروحة … مروحة ضخمة جدًّا سأضعها أمام كتبنا ومكتباتنا، وأشغِّلها بأقصى طاقة؛ لتطير الأوراق في الشوارع … لتطير العقول في مداراتٍ أقلَّ من مدار الاستواء.
لا داعي للكتب ما دُمنا نقرؤها بالمقلوب.
لا داعي للزمن ما دام يعود إلى الوراء.
لا داعي للذاكرة ما دامت تستعمر الحاضر.
– اسمع … اسمع، أنت مطرود من الجنة، وتعاني من نقوصٍ خطيرة … أقلُّ ما فيها أنَّك ما زلتَ تحمل سرَّةَ ابنتك، ولا تعرف أين تدفنها.
– لا أجد مكانًا مناسبًا … أخاف على البنت تطلع على طراز المكان الذي سأدفن سرَّتها فيه.
– أدفنها هنا؟
– اسمع يا شاعر … يا كيس الصفن … يا أميَّ المزاج … يا رماديُّ. حوصلتك حمراء … يا شاعر، فيها خرز وحصو، وفيها فلوس، وفيها دحس حرام … وفيها خمور ببلاش، وفيها كاسات ذهب مزيَّف … وطاسات زلاطة.
أنت يا شاعر يا صغير … مات السيَّاب وبحسرته دينار واحد، أين أضعكَ وأنت تدهن شعركَ كلَّ يوم بالتراب وتسفِّطه باللعاب.
سأضعك في برج البقرة … سأضعك في ركن البقَّة … سأضعك في حلق الحيَّة، سأضعك تحت الصابون. سأضعك في مستشفى الولادة؛ لتولد من جديد.
سأضعك مع الحمَّال أبو حدبة، سأضعك مع المساجين، سأضعك مع المدفعيِّين، سأضعك مع أصحاب القصعة، سأضعك مع صانعي البقلاوة، سأضعك مع الدلالين.
يا شاعر … يا كيس الصفن!
كم يدخل في فمك كلَّ يوم؟ عَشْر وجبات، وبطلان عرق، وثلج وماء، ولهط ورهط، ومرق وشوربة.
لا تدخل أذنَك الموسيقى.
لا تدخل أنفَك العطور.
لا تدخل عينَك الرسوم.
حلقك فقط مفتوحٌ للطعام والكلام … لا وظيفةَ له، يدخله الطعام كثيرًا، فلماذا لا تقول الحقيقة … لماذا عندما تجترُّ الطعام لا يغزِّر فتقول الحقيقة؟ … لماذا ترندج؟ لماذا تلفلف؟
كل مِرآة تنظر فيها تتكسر فلا ترى وجهك، أتريد أن ترى وجهك خذْ … خذْ مِرآة الناس، وانظرْ … كم أنت بشِعٌ وذليل.