الفصل الثالث

وضع الربُّ البذورَ في خاتَم حوَّاء وقال لها: انثُري

شريط عينَيه تاريخُ دموعٍ ومرايا … يرى ويبكي.

ما الذي ألقى كلَّ هذه الجثث قُرب مخارج المدينة؟ سقطوا من السيارات أم ألقَت الطائرات عليهم القنابل.

تحت خارطة المدينة، أطلس تشريح؛ وتحته أدوات جراحة.

لماذا لا يضع خلاصته في قصيدةٍ قبل أن تأتيه طلقةٌ تائهة؟ لا … لا فائدةَ من الشِّعر.

العمل الحقيقي في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذا التاريخ المنتحِر المدمَّى.

أرضعتْني من صدرها المنقوشِ بالأخضر أهلَّةً ونجومًا وحكاياتٍ. ثديٌ أبيضُ يتلألأ بأقواسٍ ونقاط، ثديٌ دافئ ومرتعش. شمعتُها تصعد وتطول، شُعلتها تمسك سربَ فراشاتٍ وتمسك غيمةً وتطرحها قُرب أفخاذها.

دعني … دعني أنسج أغنيتي من الفم إلى الأذن … أغنيتي البركانية، أغنيتي الخمرانية، أغنيتي الشهوانية، ألسنة الرُّءوس الألْف تركد في قرارة المياه.

حنجرتي هذه من أصلٍ حيَوَانَبَاتي … حيَوَاخُرَافي … حيَوَامَلَاكي … حيَوَاحَجَري … حنجرةٌ خلاسيَّة من الأسف.

أسقُطُ من الفردوس الذي لفَضَني، وأركض في الشارع والرهط كلُّه يركض ورائي.

وضَعَ الربُّ البذورَ في خاتَم حوَّاء وقال لها: انثُري.

فنثرتْ.

ظَهرَت الغيوم والنجوم فوق، والبقول والخيول تحت، والدموع والضوء في العيون، وفي الأرحام ظَهرَت الأجنَّة والدموم. انثري يا حوَّاء الحبوب من خاتَمكِ على جسدي؛ أريد ما لم يظهر بعدُ في بَني الإنسان، أريد نبتًا خاصًّا بي. ولينبتْ في قلبي أو لساني أو يدي، وأعدُكِ سأصمد بالتبتُّل أمام نهبِ الكُروم. سأصمد أمام نهبِ النخيل … سأصمد أمام رشِّ الحقول بالأسلحة.

سأصمد.

تختبِئ ننماخ خلْفَ مخزن الحقائب وبيَدِها العصا، والموظفون يجرِّدون القوائم، مخلوقات إنكي الستة (المتصلِّب المفاصِل، الأعمى، المشلول، الذي لا يستطيع الاحتفاظ بمنيِّه، العاقر، الخصِي) يتجولون في الشارع بمرَحٍ، ينقلون الحقائب، يصبغون الأحذية ويدندِنون.

ننماخ الموزَّرة والمُسخمة الأذرع، تراقِبُ المشهدَ بصبر.

– أبو حدبة … تعالَ خذْ هذه البالة.

يركض أبو حدبة، ويمرُّ قُربَ ننماخ، فتمسكه من حدبته وتعضُّه: أعطيتُكَ اللقم والنستلة ولم تقبلْ … واليوم مع نركال راعي الأموات … حمَّال توابيت، امشِ.

في قلبها حسرة من هؤلاء … خرجتْ عليهم بالعصا، ترى أنهم مخلوقات مشوَّهة خلقَها إنكي في لحظةِ سُكر، وزرعتْهم الحرب في هذه الشوارع، حادتهم وركضتْ وراءَهم حتى حاصرتْهم وجعلتْهم مثلَ الدجاج ينسربون إلى مقرِّها الذي أسمتْه فوق/تحت … قُرب حفيفٍ النباتات، وشهواتٍ السمك، حيث لا أصوات السيارات ولا صُراخ المارَّة.

ننماخ الخبَّازة تعطي الآن الخُبز للناس من حقولها، والناس يتدافعون بالمناكب: آهٍ يا أولادي، حتى الخبز أصبح عليكم حسرة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤