أكباد متفسِّخة اسمها نصوص
كاميرا تتجوَّل في هذه الشوارع … يبيعون كلَّ شيء من التراب إلى الإنسان … والخُردة تملأ البلاد.
كاميرا تنفتح داخل أجسادهم … الجهاز الهضمي رطب، الجهاز التنفُّسي جافٌّ … الجهاز العقلي تلف.
غدَّته الدرقية تتصل بالنجوم وتنتظم … اكتشف بأنَّ المخَّ غدَّةٌ تفرز الأحلام أثناء الليل وتفرز الكلامَ أثناء النهار.
الأحلام والكلام أشياءُ غير ملموسة … المخُّ غدَّة فريدة من نوعها، قلَّب بعصاه عن بُعد، وهو يخترق السوق، أكبادًا متفسِّخة اسمُها نصوص … ومضى سادًّا أنفه … رائحتها مقزِّزة، هذه المرة، أكثرَ من أيِّ عصر.
مرَّ حامِلو تابوت بشَّار … قتلوه ليلةَ أمس، أتباعه يرشُّون خلفَ جنازته الماءَ ويده خارج التابوت تتهدَّل بزهرة. منظر يحنِّن الطيور ويجعل الناس يحبُّون الشعراء أكثرَ، شاعرٌ خارجَ البلاط مدمَّى … ربما أشاعوا عنه أنه اشتغَلَ بالكيمياء أيضًا.
ذهَبَ بشَرٌ كثيرون من أجل هذا، وتعذَّب آخرون. نصوص الخمر والشمس تشتعل في الشوارع، والناس يشيلون أكياس الخضروات، ويركضون وراء السيارات. ماذا دهى الناس أولاد المَلَق؟ … أولاد الفَلَق. ملامِحه اليومية لا تنقطع، نِصفها مدفون في أقدامه ونِصفها في عيونِ الأعمى.
أوراق شاردةٌ في الشوارع … أوراقُ الكتب والمحاضرات … ما هي القصة بالضبط؟ ما هي قصة القيثارة التي سقطتْ من سومر في الماء؟ … ما هي قصةُ الصليب الذي ضاع منها وظهَرَ في أورشليم؟ جلجَلَ خردته في جيب بنطلونه.
ليست هناك فراديسُ، بل أقبية وقببٌ متقلِّبة … الأب هو البحر — برج العذراء — والنجوم المولَّدة في القوس الذي تنتصف هامتُه تحتَه.
براميلُ تقع من اللُّوري وترتطم بالأرض وتتكسَّر … يسيل منها الخمر.
أشعَلَ عودَ ثِقابٍ، وبحَثَ عن خاتَمه في المكتبة.
هلا بالجنجور … هلا بالعصفور.
هلا بالمرمور … هلا بالثرثور.
بعد أن تكثَّف بخار الحمَّام على المِرآة، كتَبَ: «أحلام ١٩٧٢.» انطفأ عودُ الثِّقاب … إله الريح يجلس نشيطًا على شباك المكتبة ويده على خده … ينفخ.
هلال يطلُّ على الشارع … قوس كفَلِها يشبه الهلال.
قالت له: تمارس الحُب معي بقوةٍ وصبر كأنَّك في مارثون!
قال: نعم … سرى صوت الذَّهب في عِظامه، وقام يغسل يده بالخمر … ويضع الحمامة الحمراء على كتفه، ويذهب إليها لمضَ طحاله، وارتجَّ جردل العسل تحت ثوبها الشفَّاف.
في الكلية … سطوة الفنون السِّرية، ورائحة النساء المختلطة برائحة العِظام واليود … تتداخل في أنفه، وإيروس يتلوَّى وفي يده مِظلَّة.
مراتب الظهيرة تعلو … البُخار الملتوي.
جاء إليَّ في عزِّ الحرِّ وقال يريدونك، الصخل ابن الصخل لا يمكن أن ينعدل … لا تنفعه الكتب ولا الخمور، أذهب معه إلى مكانٍ قُرب مصيري، جامات الغضب تتطاير.
البرق يُسرِّع نضوجَ البقول.
يرشُّ النجومَ على جثث الموتى … يا بُعد أهلي … لماذا ذهبتم مبكِّرين؟
لماذا لم تشاهدوا آخِر المهزلة؟
في يده اللسان الذابح … الليل مرفوف، والورد يطوف.
خرجنا إلى الشارع لنلمح الفرَج … اليرقات تتطاير في الشوارع، هو يدفن أبوه وابنه يدفنه، والجارُ يدفن الجارَ، والليلُ يدفن النهارَ، والحاضرُ يدفن الماضي، وكرامر ضد كرامر، وهاملت بلا هاملت. ما هذه الفوضى؟ … الحبوب سكَبَها أمامي، سكَبَ الحبوب … سكب.
لنُعيد الكرَّة ونرى الشوارعَ بعد الحرب … غيمة تشير له … يتمشَّى ومعه صمُّ أزهارٍ ذابلة، وتجري خلفه الخِراف، شفيع البلدة … يدُ الشمسِ ترعى طقوسَ ذبحِ السومريين، يد الشمس تشوبهم … يدُ الشمسِ تدفنهم، ديكٌ ودجاجةٌ ملتصقان من الذَّنَب … رائحة الخمور تفوح من أفواه القِحاب.
يا خرابي، يا ريحان الليل!
الياسمين تاب، وأنت المحترم.
خذْ مخلوقاتك وانهزم، لامَسْ حبَّة الفؤاد … لامسْ حبَّتي، في يدي الخبصة.
المرتِّلون بدلًا من أنصاف الشعراء … هكذا أقرر أن يطلق على مَن حوله، فرقَعَ أصابعه وتثاءب.
ماؤك … ماؤك في البنطلون، وزورقك في السماء.
القرص التعاويذي في يده وهو مستعد الآن لدخول صالة الكروم يفحص صناعة اللذات ويقومها.
زغبُ إبطها أصفر، ورغباتها تثرثر وتغلي.
والاكتناز الرخيم … الكبد المتضخِّم للثور أصفر ومسرسح البكلة … القحوف المحطَّمة في الأهوار، هرمس المسَور تحت تعاويذنا وشهواتنا.
يُمسك العصا ويقوم … يا الله … ذهب ليهشَّ الذِّبان عن الشِّعر … يتريث قليلًا هو وغسان ويدخلان بارًا … لا يصدِّق أنه يحمل أول نسخ سفر سومر … بيرة باردة … يتصفح الكتاب ويتأمل خياطة النصوص … لقد مَنْتَج كلَّ أساطير سومر وأشعارها، يعتقد أنه هوميروس عراقي وهمٌّ عظيم يساعده على التقدم.