المقدمة
من الملاحظ أن التراث هو القيمة الثابتة عند كل الأمم التي تبني منه حاضرها ومستقبلها؛ لذلك ينهل منه المبدعون تجاربه الفيَّاضة بالقيم المبثوثة في نفوس الناس؛ ليعبِّروا من خلالها عن وجودهم ووجود حاضرهم، وليقيموا الصلة بين الماضي والحاضر.
- أولًا: تحديد «التراث» المستخدم في البحث؛ لذلك أطلقت عليه عنوان: «أثر التراث العربي في المسرح المصري المعاصر»، وكان التحديد بكلمة «عربي» راجعًا إلى كثرة مجالات ومراحل التراث المستخدمة في المسرح المصري؛ ومن هنا ابتعد البحث عن المسرحيات التي تأثَّرت بتراث التاريخ المصري القديم «الفرعوني»؛ مثل: مسرحية «إيزيس» لتوفيق الحكيم، و«قمبيز» لأحمد شوقي، وكذلك ابتعد — البحث — عن التراث الإغريقي في المسرحيات المتأثِّرة به؛ مثل: مسرحية «الملك أوديب»، و«بجماليون» لتوفيق الحكيم.
- ثانيًا: تتبع المصادر التراثية المستخدمة والموظَّفة في المسرحيات، والكشف عنها في مصادرها الأصيلة، ومقارنتها بما جاء عنها في المسرحيات؛ لنبيِّن عن مدى توظيف الكاتب المسرحي لها.
- ثالثًا: الحيرة في الاختيار أمام الكم الهائل من المسرحيات المتأثِّرة بالتراث العربي، ولكنني قمتُ بالاختيار حسب رؤيتي الخاصة لكل مسرحية؛ ظنًّا مني أنها تمثِّل المنهج عند الكاتب المسرحي لتأثُّره بالتراث العربي في المسرحية المختارة وقت كتابتها.
- رابعًا: كثرة المصادر التراثية التي يوظِّفها الكاتب المسرحي في إبداعه، ومنها: التراث التاريخي والديني والشعبي، وهي المصادر التي أعتمد عليها في البحث. ورغم ذلك فهناك مصادر أخرى ابتعد عنها البحث؛ لأنها تخرج عن نطاقه مثل التراث الأسطوري.
- خامسًا: تقسيم الأبواب والفصول؛ فقد جاء التقسيم حسب الصفة المميِّزة — من وجهة نظر البحث — لتوظيف المصدر التراثي في كل مسرحية. ويجب الإشارة هنا إلى أن هذا التقسيم من وجهة نظر البحث فقط، وكان من الممكن أن تأتي تقسيمات أخرى حسب وجهات نظر أخرى؛ فالتراث ومصادره المتعددة وكذلك دلالاته الثرية لا يستطيع أي باحثٍ أن يقف عندها أو يحصرها في بحثٍ واحد، فعلى سبيل المثال نجد مسرحية «مأساة الحلاج» لصلاح عبد الصبور وُضِعت في باب «التراث الديني»، ومن الممكن أن تُوضَع في باب «التراث التاريخي»، وكذلك مسرحية «ثأر الله» لعبد الرحمن الشرقاوي؛ لأن الشخصية الدينية هي أصلًا شخصية تاريخية، ومن هنا نجد صعوبة الفصل بين مصادر التراث المختلفة.
أمَّا منهج البحث فهو يعتمد أساسًا على النص المسرحي، ثمَّ بيان ما فيه من وجوهٍ وملامحَ وأحداثٍ تراثية، ثمَّ مقارنتها بالأصل التراثي، وأخيرًا تبرير ما أخذه الكاتب من التراث أو مخالفته له، ثمَّ الربط — قدر الإمكان — بين هذا التوافق أو الاختلاف للتراث، وبين تاريخ كتابة المسرحية؛ لنبيِّن أخيرًا عن غرض الكاتب من توظيف التراث في المسرحية، أو أثر التراث عليه فيها؛ أي إن البحث يقوم على الرصد والتفسير لملامح التراث في المسرح المصري.
والبحث يتكون من تمهيد وثلاثة أبواب وخاتمة. وفي التمهيد تحدَّثت عن ثلاثة موضوعات؛ الأول: بعنوان «بدايات المسرح العربي»، وذلك من خلال تتبع زمني للآراء القائلة بوجود مسرح عربي قديم، سواء أكان فرعونيًّا أم جاهليًّا (قبل الإسلام) أم إسلاميًّا، والثاني: بعنوان «محاولات التأصيل للمسرح العربي»، وذلك من خلال تتبع زمني — أيضًا — لدعوات بعض المبدعين والنقاد لإيجاد صيغة لمسرح عربي جديد يعتمد على التراث العربي، ويبتعد في نفس الوقت عن مقوِّمات المسرح الغربي، والثالث: بعنوان «استلهام التراث»، وفيه تعرَّض البحث إلى أسباب اهتمام الكاتب المسرحي بتوظيف التراث العربي في إبداعه المسرحي، ثمَّ تعرَّض إلى الشروط الواجب توافرها في العمل المسرحي المتأثِّر بالتراث، وأخيرًا ناقش الأعمال النقدية التي اهتمت بمراحل تعامل الكاتب المسرحي مع التراث.
أمَّا الباب الأول فهو بعنوان «أثر التراث التاريخي في المسرح المصري المعاصر»، وينقسم هذا الباب إلى خمسة فصول: الأول بعنوان «توظيف التاريخ للتعبير عن الذات»، وذلك من خلال مسرحيتين؛ هما: «طارق الأندلس» لمحمود تيمور، و«أميرة الأندلس» لأحمد شوقي، والثاني بعنوان «التوظيف التعليمي للتاريخ»، وقد جاء هذا الفصل من خلال مسرحيتين أيضًا؛ هما: «الناصر» و«غروب الأندلس» لعزيز أباظة، والثالث بعنوان «التوظيف الاجتماعي للتاريخ»، وذلك من خلال مسرحية «العباسة» لعزيز أباظة، والرابع بعنوان «التوظيف النفسي للتاريخ»، وقد جاء من خلال مسرحية «لعبة السلطان» للدكتور فوزي فهمي أحمد، والخامس بعنوان «التوظيف السياسي للتاريخ»، وقد جاء هذا التوظيف من خلال جيش الشعب كرمزٍ للقومية العربية، وذلك في ثلاثية علي أحمد باكثير: «الدودة والثعبان»، و«أحلام نابليون»، و«مأساة زينب»، والتوظيف الفكري السياسي للتاريخ، وذلك في مسرحية «السلطان الحائر» لتوفيق الحكيم، وإحياء الشخصية التاريخية، وذلك في مسرحية «التوراة الضائعة» لعلي أحمد باكثير، و«باب الفتوح» لمحمود دياب، والتوظيف الاجتماعي السياسي للتاريخ، وذلك في مسرحية «سليمان الحلبي» لألفريد فرج، وأخيرًا توظيف التاريخ للدفاع عن الحكَّام، وذلك في مسرحية «علي بك الكبير» لأحمد شوقي، و«شجرة الدر» لعزيز أباظة.
والباب الثاني جاء بعنوان «أثر التراث الديني في المسرح المصري المعاصر»، وينقسم هذا الباب إلى فصلين: أولهما بعنوان «توظيف الشخصية الصوفية للتعبير عن الذات»، وقد جاء هذا الفصل من خلال تحليل مسرحية «مأساة الحلاج» لصلاح عبد الصبور، والآخر بعنوان «التوظيف السياسي للشخصية الدينية»، وذلك من خلال مسرحية «ثأر الله» لعبد الرحمن الشرقاوي بقسميها «الحسين ثائرًا» و«الحسين شهيدًا».
والباب الثالث جاء بعنوان «أثر التراث الشعبي في المسرح المصري المعاصر»، وينقسم هذا الباب إلى ثلاثة فصول: الأول بعنوان «التوظيف الاجتماعي للتراث الشعبي»، وذلك من خلال توظيف أحمد شوقي للعادات والتقاليد الشعبية العربية في مسرحيته «مجنون ليلى»، والثاني بعنوان «التوظيف السياسي للتراث الشعبي»، وذلك من خلال ثلاثية نجيب سرور: «ياسين وبهية»، و«آه يا ليل يا قمر»، و«قولوا لعين الشمس»، والثالث بعنوان «نموذج تطبيقي لمحاولات التأصيل في المسرح»، وذلك من خلال مسرحية «الفرافير» ليوسف إدريس، على اعتبار أنها النموذج المصري الوحيد لدعوة كاتبها «نحو مسرح مصري»، وأيضًا لأنها تعتمد على الشخصية الشعبية النمطية «الفرفور» من خلال توظيف التراث الشعبي.
أمَّا الخاتمة فقد جاءت بها بعض النتائج المستخلصة من دراسة أثر التراث العربي في كُتَّاب المسرح المصري المعاصر، وما صاحب ذلك من كيفية التوظيف عندهم حسب المصادر التراثية المستخدمة في إبداعهم المسرحي.