الخاتمة
-
أولًا: لقد تعرض البحث في التمهيد لثلاث موضوعات؛ أولهما: بعنوان «بدايات المسرح
العربي»، وفيه ناقش محاولات الدارسين لإثبات وجود الفن المسرحي، سواء عند
الفراعنة، أو في البيئة الجاهلية، أو في البيئة الإسلامية. وانتهى البحث
إلى أن هذه المحاولات ما هي إلا محاولات لإثبات وجود بعض المظاهر التمثيلية
الدينية، والبعيدة كل البعد عن الفن المسرحي المعروف، وأن الفن المسرحي هو
فن جديد وافد إلينا من البيئة الغربية، وثانيهما: بعنوان «محاولات التأصيل
للمسرح العربي»، وذلك من خلال تتبع زمني لمحاولات بعض المبدعين والدارسين
والنقَّاد، لتأصيل المسرح عند العرب، وإيجاد صيغة جديدة له، من خلال
استلهام التراث العربي وتوظيفه.
والبحث انتهى في هذا الشأن إلى أن هذه المحاولات لم تأتِ بجديد، فكل ما قدَّمته من فروضٍ وتجاربَ هي فروض وتجارب معروفة من قبل، ومتأصلة في البيئة المسرحية العربية. هذا بخلاف اهتمام هذه المحاولات بالجانب التنظيري أكثر من اهتمامها بالجانب التطبيقي، ولا سيَّما في مصر. وأخيرًا أوصى البحث بضرورة دراسة التجارب المسرحية العربية منذ نشأتها، وكذلك التجارب الغربية، ثمَّ ربط ذلك بالتراث العربي من أجل توظيفه بصورة فنية. كل ذلك حتى تتمكن البيئة المسرحية العربية من إيجاد صيغة جديدة للمسرح العربي. وثالثهما: بعنوان «استلهام التراث»، وذلك من خلال أسباب اهتمام الكاتب المسرحي في مصر بالتراث العربي، وأيضًا وضع الشروط الواجب توافرها في العمل المسرحي المتأثِّر بالتراث. وأخيرًا التعرض إلى محاولات بعض الدارسين لمراحل تعامل الكاتب المسرحي مع التراث. وانتهى البحث في ذلك إلى قصور هذه الدراسات في جانبها التطبيقي، بعكس ما جاء في جانبها التنظيري.
-
ثانيًا: أمَّا الباب الأول، وهو «أثر التراث التاريخي في المسرح المصري المعاصر»،
فقد تعرَّض فيه البحث إلى عدة موضوعات من خلال فصوله الخمسة؛ ففي الفصل
الأول «توظيف التاريخ للتعبير عن الذات» تعرض إلى مسرحيتين: الأولى «طارق
الأندلس» لمحمود تيمور. وقد أبان البحث عن وجود علاقة حميمة بين شخصية طارق
بن زياد — بطل المسرحية — وبين محمود تيمور الذي وظَّف الشخصية التاريخية
بصورة فنية كي تكون تعبيرًا ذاتيًّا عنه؛ فقد جعلها معادلًا موضوعيًّا
لموقفه من رجال الثورة وقت كتابتها، والمسرحية الثانية هي «أميرة الأندلس»
لأحمد شوقي، الذي جعل من بطلها المعتمد بن عباد رمزًا له شخصيًّا، بعدما
أضاف له أفضل الصفات، ومحى عنه أي وصمةِ عارٍ لحقت به؛ كي تكون هذه الشخصية
بكل ما يحيط بها من ظروف معادلًا موضوعيًّا لأحمد شوقي أثناء نفيه إلى
إسبانيا.
وفي الفصل الثاني «التوظيف التعليمي للتاريخ»، تعرَّض البحث إلى مسرحيتين لعزيز أباظة؛ هما: «الناصر» و«غروب الأندلس»، وانتهى البحث إلى أن المسرحيتين متكاملتان؛ فالأولى تمثِّل أمراض الحكم، والثانية تمثِّل موت الدولة متأثِّرة بهذه الأمراض، وذلك من خلال توظيف التراث التاريخي للأندلس.
وفي الفصل الثالث «التوظيف الاجتماعي للتاريخ»، تعرَّض البحث إلى مسرحية «العبَّاسة» لعزيز أباظة، وانتهى إلى أن الكاتب وظَّف التاريخ فيها ليبين عن قضية اجتماعية تمثَّلت في التفرقة العنصرية بين العرب والعجم، من خلال توظيفه لنكبة البرامكة.
وفي الفصل الرابع «التوظيف النفسي للتاريخ»، تعرَّض البحث إلى مسرحية «لعبة السلطان» للدكتور فوزي فهمي أحمد، وانتهى البحث إلى أن الكاتب استطاع أن يفسِّر الفترة التاريخية لحكم هارون الرشيد بصورة نفسية، من خلال علاقته بأمه ثمَّ علاقته بأخته العبَّاسة، مستغلًّا عقدة أوديب النفسية.
وفي الفصل الخامس والأخير «التوظيف السياسي للتاريخ»، تعرَّض البحث إلى خمسة محاور؛ الأول: بعنوان «جيش الشعب رمز للقومية العربية»، وذلك من خلال ثلاثية علي أحمد باكثير: «الدودة والثعبان»، و«أحلام نابليون»، و«مأساة زينب»، وانتهى البحث إلى أن الكاتب أراد من ثلاثيته إصلاح الجيش المصري بعد هزيمته عام ١٩٦٧، من خلال توظيف فترة احتلال الحملة الفرنسية لمصر، والثاني بعنوان «التوظيف الفكري السياسي للتاريخ»، وقد جاء من خلال مسرحية «السلطان الحائر» لتوفيق الحكيم.
وقد أبان البحث أن الكاتب أراد من توظيف التاريخ المملوكي فيها — من خلال ثنائيته الشهيرة في الصراع، في مسرحه الفكري، بين الحقيقة والواقع — أن يوضِّح مساوئ العهد الناصري.
والثالث بعنوان «إحياء الشخصية التاريخية»، وذلك من خلال مسرحيتين: الأولى «التوراة الضائعة» لعلي أحمد باكثير، وانتهى البحث إلى أن الكاتب أراد من إحياء شخصيتي صلاح الدين الأيوبي وريتشارد قلب الأسد أن يقيم بينهما حوارًا، من الممكن أن يصبح حوارًا بين الأمة الإسلامية وبين الأمة المسيحية في وقتنا الحاضر؛ لإنقاذ الوطن من الخطر الصهيوني، والثانية مسرحية «باب الفتوح» لمحمود دياب، التي أبان البحث أن كاتبها أراد من إحياء شخصية صلاح الدين الأيوبي فيها طرح العديد من الأسئلة حول أسباب هزيمة مصر في عام ١٩٦٧.
والرابع بعنوان «التوظيف الاجتماعي السياسي للتاريخ»، من خلال مسرحية «سليمان الحلبي» لألفريد فرج. والبحث أبان عن أن توظيف التاريخ فيها كان من أجل البحث عن العدل الاجتماعي وسط ظروف مصر السياسية وقت احتلالها من قبل الحملة الفرنسية.
والخامس والأخير جاء بعنوان «توظيف التاريخ للدفاع عن الحكَّام»، وذلك من خلال مسرحيتين: الأولى «علي بك الكبير» لأحمد شوقي. والبحث رأى أن الكاتب وظَّف التاريخ فيها للدفاع عن الأسرة الملكية وقت كتابتها، والثانية «شجرة الدر» لعزيز أباظة، وانتهى البحث إلى أن كاتبها وظَّف التاريخ فيها للإشادة بالمرأة متأثِّرًا بموت زوجته.
- ثالثًا: والباب الثاني جاء بعنوان «أثر التراث الديني في المسرح المصري المعاصر»، وذلك من خلال مقدمة وفصلين، ففي المقدمة انتهى البحث إلى أن التراث الديني أقل المصادر التراثية توظيفًا في المسرح؛ لأن الكاتب يتعرض لشخصيات وأحداث دينية يصعب على الكاتب تغييرها أو توظيفها بصورة فنية مطلقة. ومن هنا لجأ بعض الكتَّاب إلى المسرح الفكري «الذهني/الرمزي»، أمثال توفيق الحكيم الذي وظَّف التراث الديني متمثِّلًا في قصة أهل الكهف من خلال هذا المسرح. وفي الفصل الأول «توظيف الشخصية الصوفية للتعبير عن الذات»، تعرَّض البحث إلى مسرحية «مأساة الحلاج» لصلاح عبد الصبور، وانتهى إلى أن كاتبها أراد من توظيف شخصية الحلاج الصوفي أن يعبِّر به عن ذاته، ويكون رمزًا له، عن طريق الإيمان بدور الكلمة عند عامة الناس عندما يموت صاحبها. أمَّا الفصل الثاني والأخير «التوظيف السياسي للشخصية الدينية»، فقد جاء من خلال مسرحية «ثأر الله» لعبد الرحمن الشرقاوي بجزأيها «الحسين ثائرًا» و«الحسين شهيدًا»، وقد أبان البحث أن عبد الرحمن الشرقاوي أراد من توظيف شخصية الحسين بن علي الدينية أن يبثَّ أفكاره الاشتراكية من خلالها، وأن يعالج قضية الحاكم الملائم للعصر من خلال مبدأ الشورى والوراثة في الحكم.
-
رابعًا: أمَّا الباب الثالث والأخير فقد جاء بعنوان «أثر التراث الشعبي في المسرح
المصري المعاصر»، وذلك من خلال ثلاثة فصول؛ الأول: بعنوان «التوظيف
الاجتماعي للتراث الشعبي»، وفيه تعرَّض البحث لمسرحية «مجنون ليلى» لأحمد
شوقي. وقد أبان البحث عن توظيف الكاتب لبعض العادات والتقاليد الشعبية
العربية بصفة عامة، وعن قضية التشبيب بصفة خاصة؛ ليخلق صراعًا بين العاطفة
والتقاليد من أجل إبراز النموذج النسائي المثالي، ليساير به دور المرأة
ونهضتها وقت كتابة المسرحية.
والفصل الثاني كان بعنوان «التوظيف السياسي للتراث الشعبي»، وذلك من خلال ثلاثية نجيب سرور: «ياسين وبهية»، و«آه يا ليل يا قمر»، و«قولوا لعين الشمس». وقد انتهى البحث إلى أن الكاتب أراد من توظيف التعابير الشعبية، مثل الأغنية والمثل والحلم والعديد «البكائيات»، أن يصوِّر الظروف السياسية التي مرَّت بها مصر وقت كتابته لهذه الثلاثية.
والفصل الثالث والأخير جاء بعنوان «نموذج تطبيقي لمحاولات التأصيل في المسرح» من خلال مسرحية «الفرافير» ليوسف إدريس، على اعتبار أنها النموذج التطبيقي المصري الوحيدة لدعوة كاتبها «نحو مسرح مصري». وقد أبان البحث أن الكاتب فشل في إقناعنا بهذا النموذج.