مسرحية «العباسة» لعزيز أباظة
لنكبة البرامكة في التاريخ العربي شهرة واسعة، وقد حارت كتب التاريخ أمام هذه
النكبة على يد هارون الرشيد، فراحت تعدد أسبابها وتحاول تفسيرها بشتى الطرق. أمَّا
الأستاذ عزيز أباظة فقد حاول أيضًا أن يفسِّر هذه النكبة من خلال مسرحيته
«العباسة»، وقد اعتمد على كتاب «مروج الذهب ومعادن الجوهر» للمسعودي، الذي قال عنها:
قال الرشيد لجعفر بن يحيى: ويحك يا جعفر! ليس في الأرض طلعة أنا بها آنس،
ولا إليها أميل، وأنا بها أشد استمتاعًا وأنسًا مني برؤيتك، وإن للعباسة
أختي مني موقعًا ليس بدون ذلك. وقد نظرت في أمري معكما، فوجدتني لا أصبر
عنك ولا عنها، ورأيتني ناقص الحظ والسرور منك يوم أكون معها، وكذلك حُكْمي
في يوم كوني معك دونها. وقد رأيت شيئًا يجتمع لي به السرور … قد زوَّجتكما
تزويجًا تملك به مجالستها والنظر إليها والاجتماع بها في مجلس أنا معكما
فيه، فزوَّجه الرشيد … وأخذ عليه عهد الله ومواثيقه وغليظ أيمانه أن لا
يخلو بها، ولا يجلس معها، ولا يظلَّه وإياها سقفُ بيتٍ إلا وأمير المؤمنين
الرشيد ثالثهما … [وبعد فترة تعلَّقت به العباسة، ولكنه كان يصدُّها دائمًا
وفاءً لعهده مع الرشيد]، فلما استحكم اليأس عليها قصدت لأمه … فاستجابت لها
أم جعفر، ووعدتها إعمال الحيلة … فأقبلت على جعفر يومًا فقالت له: يا بني،
قد وصفت لي وصيفة في بعض القصور من تربية الملوك، قد بلغت في الأدب
والمعرفة والظرف والحلاوة مع الجمال الرائع، والقد البارع، والخصال
المحمودة ما لم يُرَ مثله، وقد عزمت على اشترائها لك … فاستقبل كلامها
بالقبول … فقالت له: أنا مُهْدِيتُها إليك ليلة كذا وكذا. وبعثت إلى
العباسة فأعلمتها بذلك، فتأهَّبت وسارت إليها تلك الليلة، وانصرف جعفر من
عند الرشيد وقد بقي في نفسه من الشراب فضلة لِمَا عزَم عليه، فدخل منزله
وسأل عن الجارية فخبر بمكانها، فأُدخِلت على فتى سكران لم يكن بصورتها
عالمًا، ولا على خلقها واقفًا، فقام إليها فواقعها، فلما قضى حاجته قالت
له: كيف رأيت حيل بنات الملوك؟ قال: وأيُّ بنات الملوك تعنين؟ … فقالت: أنا
مولاتك العباسة بنت المهدي … وانصرفتْ مُشْتَمِلة منه على حمْل، ثمَّ ولدت
غلامًا … فلما خافت ظهور الخبر وانتشاره وجهت الصبي … إلى مكة … [وذات يوم
جاءت زبيدة إلى الرشيد] فخبرته وقصت عليه قصة العباسة مع جعفر … فقال
لها: هل لك على ذلك من دليل وشاهد؟ قالت: وأي دليل أدلُّ من الولد؟ …
[فأظهر الرشيد] أنه يريد الحج … فلما صار إلى مكة وكَّل مَن يثق به بالفحص
والبحث عن أمره، فوجد الأمر صحيحًا، فلما قضى حجَّه أضمر في البرامكة على
إزالة نعمهم.
١
ومسرحية العبَّاسة تبدأ من قُبيل نهاية قصة المسعودي؛ أي بعد الزواج وإنجاب
الطفل، ففي المشهد الأول من الفصل الأول نجد عتابًا من عتبة،
وصيفة العباسة،
لعليَّة، أخت العباسة؛ لأن هارون الرشيد زوَّج العباسة من جعفر زواجًا ظاهريًّا لا
شرعيًّا، قائلةً لها:
هي زوجٌ بصحيح العقد والزوج كريم
فإلامَ المَنْع والحِرْمان والنهْيُ العقيم؟
٢
وتشترك العباسة في الحوار مع عتبة وعلية، ونعلم منها السبب الرئيسي لهذا المنع
بين الزوجين من خلال الحوار الآتي:
علية
:
إن هذا القول بالبُهتان والزورِ مشوب
أزواجٌ هو أم لا؟ فأصيخوا وأجيبوا
فإذا كان زواجًا فالذي يَجري عجيب
قيل زوجٌ غيرُ حِلٍّ، أهو أهلٌ أم غريب؟
العباسة
:
أعجميٌّ قال لا يرقى إلى بيت النبوة
٣
ومن الملاحظ أن قول العباسة الأخير صحيح من الناحية التاريخية؛ فالعبَّاسة هي أخت
هارون الرشيد بن محمد المهدي بن عبد الله المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن
عباس بن عبد المطلب،
٤ أمَّا زوج العباسة جعفرٌ، فهو جعفر بن يحيي بن خالد بن برمك من أسرة
البرامكة الفارسية.
٥ وبذلك استطاع عزيز أباظة أن يوظِّف هذه الحقيقة التاريخية فنِّيًّا؛ كي
يبني صراعًا بين العصبية العربية وبين العصبية الفارسية (الأجنبية). وبعبارة أخرى:
إقامة الصراع حول التفرقة العنصرية.
ومن الملاحظ أن دور زبيدة — زوجة الرشيد — كان محدودًا في القصة التراثية،
متمثِّلًا في إخبار الرشيد بقصة إنجاب الطفل، ولكن عزيز أباظة أخذ هذا الدور
المحدود وأعطاه مساحة أكبر في المسرحية، فجعل لزبيدة الزعامة في إنهاء أمر
البرامكة؛ لذلك غيَّر عزيز أسباب حِقد زبيدة على البرامكة — كما جاءت في القصة
التراثية — وجعلها أسبابًا تتعلق بحقد زبيدة على العبَّاسة؛ بسبب كره العباسة
لابنها الأمين، وتقول في ذلك عتبة:
قالت له توغره عليك، وُقِّتِ الغير
إنك تُبدين لها الصَّفو وتخفين الغدر
وإنك استعنت بالمكر عليها والخمر
وتضمرين لابنها كلَّ أذًى وكلَّ شر
٦
هذا بالإضافة إلى استقطاب زبيدة لبعض الأعوان ممن لهم مصلحة في إنهاء أمر
البرامكة، وبالأخص جعفر؛ مثل: الفضل بن الربيع؛ حاجب الرشيد، وابنته سكينة، وهرثمة
بن أعين؛ قائد الجيوش. ففي المشهد الثالث من الفصل الثاني، نجد زبيدة حاقدة على
جعفر بسبب انتظار البلاد لقدومه من الشام منتصرًا، فتصفه بالإنسان الطامح المُترف
الساعي للحصول على البلاد،
٧ وتقول لعلية: إن الرشيد يرى جعفر البرمكي كالهواء وكالشمس لا عيش إلا
به. وتؤكِّد سكينة هذا الرأي بشيءٍ من التفصيل قائلةً:
فكيف إذا بغتات الردى
ألحَّت عليه بأنيابها؟!
وكيف إذا انتقضت فارسٌ
ولاذت لدينا بأقطابها؟!
وعندما تحاول علية الدفاع عن جعفر، تقول زبيدة في حدة شديدة:
ولكنه يتحدى الرشيد
فيبني الرجال ويستصنع
وبذلك يأخذ عزيز أباظة أسباب نكبة البرامكة من كتب التاريخ، ويجعلها أسبابًا
مقنعة تستغلها زبيدة والحاقدون على جعفر، وتتمثل هذه الأسباب — بالإضافة إلى زواج
جعفر من العباسة وإنجابه للطفل — في أنه بنى دارًا أنفق عليها عشرين ألف ألف درهم،
وقيل للرشيد: «إذا أنفق على دار عشرين ألف ألف درهم، فأين نفقاتُه؟ وأين صِلَاتُه؟
وأين النوائب التي تنوبه؟»
١٠ هذا بخلاف خوف الرشيد على سلطانه، وإحساسه بأن الخلافة في حقيقتها في
يد البرامكة، وليس له منها إلا اسمها فقط.
١١ هذا بخلاف ميل الناس إلى البرامكة بما أغدقوا عليهم من الجود والكرم،
فإذا جلس الرشيد «في مكة للعطاء جلس معه يحيى فأعطى مثل عطائه، وإذا جلس الأمين جلس
معه الفضل فأعطى مثل عطائه، وإذا جلس المأمون جلس معه جعفر فأعطى مثل عطائه، ثمَّ
استرسلوا هم وأولادهم من بعدُ في سعة الهبات حتى ذهبت أعطياتهم مثلًا بين الناس،
فانصرفوا عن مديح الخليفة إلى صوغ الشعر في مدحهم بالكرم.»
١٢ ولقد أخذ عزيز أباظة هذه الأسباب ووضعها في أماكن متفرقة في المسرحية.
١٣
ومن الملاحظ أن اهتمام الكاتب بشخصية العباسة كان أكبر من اهتمامه بشخصية زبيدة،
فقد أخذ ملامح وصفات زبيدة التاريخية والتراثية وأضفاها على شخصية العباسة،
فالتاريخ يقول عن زبيدة إنها كثيرة العطف على الأدباء والشعراء والفقراء والمساكين،
وهي من ذوات العقل والرأي والفصاحة والبلاغة. وكان لها مائة جارية يحفظن القرآن.
هذا بخلاف الآثار الجليلة التي خلفتها وانتفع بها العالم؛ كتمهيدها لطريق الحج بين
بغداد ومكة، وتوفير الماء العذب لأهل مكة مجَّانًا. وكانت أنفذ نساء العبَّاسيين
كلمة في الدولة؛ لذلك مكَّنها الرشيد من بيوت المال. وهي التي تشفعت عند الرشيد كي
يعفو عن يحيى بن جعفر وهو في سجنه.
١٤ ومعظم هذه الصفات نجدها عند العباسة في المسرحية؛ فعلى سبيل المثال،
وفي المشهد الرابع من الفصل الأول، نجد مصر وقد ثارت على واليها إسحاق بن سليمان بن
علي، وأمام هذه الثورة نجد الرشيد وجعفرًا البرمكي يتبادلان الرأي في الحرب،
فتستأذن العباسة لتقول رأيها، فيقول لها الرشيد في حفاوة:
… … قولي فعندك يُرتجى
سنا الهدى في سودِ الخطوب الجلائل
١٥
وبعد أن تتحدث بخطَّتها الماهرة، يمتدحها الرشيد وجعفر قائلين:
الرشيد
:
أصبتِ فهذا الرأي لا أرى مثله
جعفر
:
وبالرأي يؤتى النصر لا بالجحافل
جعفر
:
… … … … قد وعيته
ولست إذا أزورُّ عنه بعاقل
الرشيد
(وهو يتهيَّأ للقيام، في تدليل للعباسة)
:
أحكمت فنَّ الحرب والسياسة
في نهيةٍ تزينها الكياسة
لو قد خُلِقت رجلًا عباسة
لكنتِ أَوْلى البيت بالرياسة
وكنتِ من أدهَى دُهاة الساسة
١٦
وفي المشهد السادس من الفصل الأول، نجد يحيى بن خالد البرمكي يضع أمام العبَّاسة
أسباب أزمة قد تفشَّت بين جعفر وأخيه الفضل، ويريد منها أن تقوم بحلِّ هذا النزاع
بينهما، فتقول له:
عرفت، أبي، كلَّ ما سُقته
وقد أنزِع الداء من منبته
فدعْ لي الوزيرين أجمعهما
على رفرف الودِّ في نضرته
١٧
وفي المشهد الرابع من الفصل الثالث، نتعرف على مكانة العبَّاسة الحقيقية من خلال
حوار بينها وبين جعفر حول حقد وكره زبيدة لها:
العباسة
:
والله ما أدري علام تُذيقني
هذا الخصام زبيدة ابنة جعفر!
وإلامَ تمنحني الجفاء وبيننا
صِهرٌ، ومعشرها الخضارم معشري؟!
في حجرها استشرفت آمال الصِّبا
وخطرتُ في حُللِ الشباب المُعصرِ
أصفيتها الودَّ النديَّ فساقطت
وُدًّا كأنقاض الجمال المُدبرِ
جعفر
:
أرأيت إن حقدت عليك زبيدة
فالحِقد مستندٌ إلى أسبابه
طاولتها في كلِّ ما تُمضي له
وزحمتها في كلِّ ما تُعنى به
وسبقتها للمجد تبتدرينه
فصدرته وصددت عن أذنابه
وفضلتِها عند الرشيد مكانةً
ولمعت زينة ملكه ورحابه
وحكمت في أمرائه، وأمرت في
وزرائه، ونهيت في حُجَّابه
وشأوت قادته بحزم مُحصدٍ
وبرعت ساسته برأي نابِه
وأناف قصرك تلجأ الدنيا له
وتُطيف آملةً على أبوابه
١٨
وبالإضافة إلى ما سبق، نجد العباسة في المسرحية امرأةً وفيةً ومُحبَّةً لزوجها،
١٩ وهي الناصح الأمين ليحيى بن خالد،
٢٠ وهي الأم الحنون،
٢١ وهي الرافضة لظلم أخيها الرشيد عندما أمر بأن يكون الزواج شكليًّا لا فعليًّا.
٢٢ ورغم ذلك يُعاب على العبَّاسة في المسرحية سلبيتها أمام مكائد ومؤامرات
زبيدة وأعوانها؛ فمن غير المعقول أن تكون للعبَّاسة هذه المكانة في القصر والدولة
وتقف مكتوفة الأيدي أمام مصير زوجها ووالد طفلها، مكتفيةً باستعطاف الرشيد للعفو
عنه في آخر المسرحية.
٢٣ ومن هنا نجد أن الكاتب لم ينجح في رسمه لشخصية العباسة بقدر نجاحه في
رسم شخصية زبيدة وأعوانها، من حيث الإيجابية في تحقيق الأغراض؛ فمثلًا جعل الكاتب
زبيدة تعتقد بأن جعفرًا البرمكي إذا استطاع أن يسمو في الدولة، فمن الممكن أن يؤثر
هذا السمو على غرضها في تولية الخلافة لابنها الأمين. وقد جاء هذا في المسرحية
بصورة مقنعة، وينطبق هذا المعنى بالنسبة لأعوان زبيدة أيضًا؛ فالفضل بن الربيع
يتمنَّى تقلُّد الوزارة بعد جعفر، وقد تحقَّق له ذلك بعد موت جعفر — تاريخيًّا —
وكذلك هرثمة بن أعين — قائد الجيوش — الذي يتمنَّى قتْلَ جعفر كي يظهر في ساحة
البطولة والشجاعة، وكذلك ابن الهادي المؤمن بأن شهرة وسلطان البرامكة ستعود إلى بني
هاشم بعد زوالها منهم؛ لذلك جعل عزيز أباظة زبيدة امرأة هادئة في تدبيرها، بعيدة
النظر، فلا تظهر عداوتها بصورة صريحة، ولكن بصورة خفية من وراء الكلمات
المنمَّقة.
ومن المخالفات التاريخية في المسرحية — بخلاف ما سبق — أن زبيدة استقطبت الفضل بن
الربيع كي ينضم إليها ضدَّ البرامكة، ولكن التاريخ ينفي هذا التعاون بينهما، ويثبت
أن الفضل كان يوغر صدر الرشيد ضدَّ البرامكة من تلقاء نفسه؛ آملًا في تحقيق أغراضه الشخصية،
٢٤ وهذه المخالفة التاريخية استطاع الكاتب أن يوظِّفها توظيفًا فنيًّا
مقبولًا؛ لأنها تخدم شخصية زبيدة في قدرتها على التحكم في أعوانها، وكذلك التحكُّم
في تدبير المؤامرات. وأيضًا جاء في المسرحية أن البرامكة كانوا يفرضون الضرائب
الباهظة على عامة الشعب بقوة السلاح والظلم.
٢٥ والتاريخ يقول لنا إن البرامكة صار يُضرب بهم المثل في الكرم والعطاء،
٢٦ هذا بخلاف ما قيل من أشعار في رثاء البرامكة وكرمهم.
٢٧ وهذه المخالفة أيضًا تُحسب للكاتب؛ لأنه وظَّفها لخدمة صراعه بين
الأصول العربية والفارسية، أو التفرقة العنصرية، التي قال عنها ابن خلدون مكذِّبًا
قصة زواج العباسة من جعفر:
وهيهات ذلك من منصب العبَّاسة في دينها وأبويها وجلالها، وأنها بنت
عبد الله بن عبَّاس؛ ليس بينها وبينه إلا أربعة رجال هم أشراف الدين وعظماء
الملة من بعده. والعبَّاسة بنت محمد المهدي بن عبد الله أبي جعفر المنصور
بن محمد السجَّاد بن علي … بن العبَّاس عم النبي … ابنة خليفة، أخت خليفة،
محفوفة بالملك العزيز، والخلافة النبوية، وصحبة الرسول وعمومته، وإقامة
الملة، ونور الوحي، ومهبط الملائكة من سائر جهاتها، قريبة عهد ببداوة
العروبية، وسذاجة الدين البعيدة عن عوائد الترف ومراتع الفواحش، فأين يطلب
الصون والعفاف إذا ذهب عنها؟ أو أين توجد الطهارة والذكاء إذا فُقِدوا من
بيتها؟ أو كيف تُلحم نسبها بجعفر بن يحيى، وتُدنِّس شرفها العربي بمولًى من
موالي العجم … من الفرس … وكيف يسوغ من الرشيد أن يصهر إلى موالي الأعاجم …
ولو نظر المتأمل في ذلك نظر المنصف، وقاس العبَّاسة بابنة ملك من عظماء
ملوك زمانه؛ لاستنكف لها مثله مع مولًى من موالي دولتها، وفي سلطان قومها،
واستنكره ولجَّ في تكذيبه.
٢٨
ومن الملاحظ أن عزيز أباظة — في المسرحية — يقرُّ برأي ابن خلدون، ولكن بصورة
فنية خفيةٍ أكثر من إقراره بصورة مباشرة، بدليل اهتمامه بقضية التسلُّط الأجنبي على
الخلافة الإسلامية العربية المتمثِّلة في السيطرة على شئون الخلافة من قبل
البرامكة، وحرمان أبناء البلاد الأصليين منها؛ لذلك صوَّر الكاتب هارون الرشيد
بالخليفة المتحكِّم في عواطفه، والمحتكم إلى عقله في كل شيء، والذي يؤثر النواحي
السياسية والعائلية والاجتماعية، من حيث الأصل العربي والعصبية العربية، على
النواحي العاطفية؛ لذلك نجده لم يتأثر باستعطاف ودموع العبَّاسة من أجل العفو عن
جعفر، فالخلافة الإسلامية والعنصر العربي من الأشياء الأساسية والهامة في حياته،
ومن الممكن أن يسمح للبرامكة بتقلُّد الوزارات المختلفة، ولكنه لا يسمح باختلاط
عنصرهم الأجنبي بالعنصر العربي الأصيل؛ لذلك جُعِل الزواج بين العبَّاسة العربية
الأصيلة وبين جعفر الفارسي الأجنبي زواجًا شكليًّا.
ولعل المسرحية بهذا التفسير — في رأينا — تُعدُّ معادلًا موضوعيًّا لصورة الحكم
في مصر وقت كتابتها؛ أي إن عزيز أباظة رمَز للأسرة الملكية «الحاكمة» في مصر عام
١٩٤٥ بأسرة البرامكة؛ لما بينهما من تشابُه يتمثل في عدم انحدارهم من أصول عربية.
ومن الملاحظ أن المسرحية فُهِمت على عكس ذلك وقت تمثيلها.
٢٩
ورغم هذا الملمح السياسي في المسرحية، فقد نجح الكاتب «عزيز أباظة» في توظيف
التراث التاريخي بصورة اجتماعية تمثَّلت في إظهار العصبية العربية من خلال التفرقة
العنصرية بين العرب والعجم.