مسرحية «الفرافير» ليوسف إدريس
كتب يوسف إدريس مسرحية «الفرافير» عام ١٩٦٤ كتطبيق لما نظَّر له في مقالاته «نحو
مسرح مصري» مستلهمًا السامر الشعبي. والمسرحية تقع في قسمين رئيسيين، ومع بداية
القسم الأول منهما يبدأ يوسف إدريس في التطبيق، فنجده يقوم بكسر الإيهام المسرحي،
وتحطيم الجدار الرابع بالنسبة للجمهور:
المؤلِّف
:
سيداتي وسادتي … مساء الخير … ما تخافوش، أنا مش خطيب ولا حاجة، أنا مؤلف
الرواية … وإحنا كان ممكن نبتديها على طول، ويقعد كل واحد فيكم ويتفرج
عليها في الضلمة لواحده كأنه في سينما … عشان كده مافيش في روايتي ممثلين
ولا متفرجين. أنتم تمثلوا شوية، والممثلين يتفرجوا شوية، وليه لأ، اللي
يعرف يتفرج لازم يعرف يمثِّل …١
وبعد أن يقوم المؤلف — وهو شخصية من شخصيات المسرحية — بتقديم شخصية «فرفور» نجده
يبحث، هو وفرفور، عن الشخصية الثانية، وهي شخصية «السيد». ويأتي البحث من خلال
مفارقات عديدة، وأخيرًا يخرج «السيد» من وسط الجمهور كتطبيق عملي لتحطيم الجدار الرابع.
٢ وتستمر أحداث الجزء الأول بين فرفور والسيد من خلال السامر الشعبي، كما
تصوَّره يوسف إدريس، المتمثل في «القافية» أو «القفشات اللغوية»؛ للبحث عن اسم
لشخصية السيد.
السيد
:
أيوه … شوف لي اسم كده يليق بواحد سيد زيي.
فرفور
:
ده مش شغلي ده … أنا عليَّ استلمك متسمِّي جاهز.
السيد
:
يا وله … أنا بأمرك تلقالي اسم محترم.
فرفور
:
خلاص … نسميك الجحش.
السيد
:
إيه قلة الأدب دي يا وله … دا اسم دا يا ولد؟
فرفور
:
وأنا جايبه من عندي … ما هو كل أسامي الناس المحترمة كده … وكلهم مش ح
يعجبوك.
السيد
:
مين قال لك إنهم مش ح يعجبوني.
فرفور
:
خلاص نسميك الفار.
السيد
:
يا وله!
فرفور
:
بلاش ما تزعلش … القط … إيه رأيك … طب الحيوان؟
السيد
:
يا ولد!
فرفور
:
أنت فاكرني بألِّف … والله الأسامي عندنا كده … العبيط المغفل.٣
وأخيرًا يرضى فرفور والسيد على عدم إطلاق أي اسم على شخصية السيد، وتعود
المفارقات من جديد للبحث عن عمل للسيد. وهنا يعرض فرفور على السيد العديد من
الأعمال بصورة تهكُّمية؛ مثل: الرأسمالية الوطنية، والعمل كمثقف، أو كفنَّان، أو
كمطربٍ، أو كمؤلفٍ، أو كمحامٍ، أو كوكيل للنيابة، أو كقاضٍ، أو كطبيب، أو كمحاسبٍ،
أو كلاعب كرة، أو كمذيع، أو كعسكري مرور، أو كبواب في الهيلتون، أو كحرامي، أو
كمخبر، أو كمهندس، أو كموظف حكومة، أو كسواق تاكسي، أو ككمساري. وفي النهاية، يستقر
الرأي على عمل السيد كحفار للقبور «تُربي».
٤ ومن الجدير بالذكر أن يوسف إدريس طبَّق الشخصية الفرفورية كما رسمها في
السامر الشعبي
٥ على فرفور المسرحية أثناء عرضه للأعمال السابقة، فنجد المثقف — من وجهة
نظر فرفور — لا عمل له، وكذلك الفنان. أمَّا المطرب فلا عمل له سوى قول آه،
والمحامي لا يهتم إلا بأتعاب القضية، ووكيل النيابة دائمًا في عداءٍ مستمرٍّ مع
الناس، والقاضي لا عمل له سوى تأجيل القضايا، والطبيب لا يعرف أي شيء في الطب،
والمحاسب دائمًا يطمع فيما يوفِّره على العميل من أموال الضرائب، ولاعب الكرة
مؤهلاته تتمثل في اللعب في الحارة، والمذيع ثرثار في الحديث، وعسكري المرور حاقد
على أصحاب السيارات، وبواب الهيلتون ما هو إلا «شحات أفرنجي»، والحرامي ينقسم إلى
ثلاثة أنواع: حرامي كبير من خلال عمله في التصدير والاستيراد، وحرامي متوسط من خلال
عمله في الجمعيات التعاونية، وحرامي صغير من خلال سرقة المنازل وتسلق مواسيرها،
وهكذا يتهكم فرفور من هذه الأعمال من خلال إبراز سلبياتها في أسلوب شعبي
ساخر.
والبحث يرى أن يوسف إدريس أراد توظيف فن السامر في هذه المسرحية من أجل إبراز
علاقة «السيد والمسود» أو «السيد وفرفور». وهذه العلاقة الأبدية التي تتحكم في
البشر أجمعين هي الأمل المنشود في المسرحية، ويوسف إدريس أراد من إبرازها أن يقوم
بحلِّ معضلتها المتمثلة في: لماذا أصبح السيِّد سيِّدًا؟ ولماذا أصبح الفرفور
فرفورًا؟ وبعبارة أكثر وضوحًا: لماذا يتحكم السيد في الفرفور؟ ولماذا يُطيع الفرفور
السيد؟ ومن الواضح أن هذه العلاقة اهتمَّت بها المسرحية بصورة لافتة للنظر؛ فعلى
سبيل المثال نجد هذه العلاقة تظهر بين السيد وبين فرفور عندما يبدأ السيد في عمله
كحفَّار للقبور «تُربي».
السيد
:
طب آدي الفاس أهه، واشتغل أنت …
فرفور
:
أنا اللي اشتغل؟
السيد
:
الله؟ أمال مين اللي يشتغل؟
فرفور
:
أنت.
السيد
:
لا أنا سيدك وأنت اللي تشتغل لي.
فرفور
:
وعقد العمل والرذالة والرفد وكل ده؟
السيد
:
ماشي كله.
فرفور
:
عليَّ.
السيد
:
لا … علي أنا.
فرفور
:
وعليك ليه؟ مش أنا اللي ح اشتغل؟
السيد
:
ما أنا راخر ح اشتغل برضه.
فرفور
:
حا تشتغل إيه؟
السيد
:
سيدك.
فرفور
:
تعمل إيه يعني؟
السيد
:
أسيِّد عليك.
فرفور
:
تسيِّد عليَّ؟ ودي شغلة دي … لا يا عم يفتح الله … تسيد عليَّ دا إيه …
إحنا فين …٦
وهذه العلاقة تظهر أيضًا عند الاختلاف في الرأي، بغض النظر عن صاحب الرأي الصائب.
المهم أن يكون الرأي رأي السيد طالما هو السيد.
فرفور
:
واشمعنى هنا ومش هنا؟
السيد
:
لأن ما دام أنت عايز تفحر هنا وأنا عايزك تفحر هنا، فيبقى هنا بتاعتي
أحسن من هنا بتاعتك.
فرفور
:
وفي أي كتاب نزلت دي؟
السيد
:
ما دام أنا سيدك يبقى رأيي دائمًا أحسن من رأيك.
فرفور
:
حتى ولو كان رأيي صح ورأيك غلط؟
السيد
:
وهو فيه يا ولد رأي صح ورأي غلط. الرأي الصح هو رأيي، والرأي الغلط هو رأيك.٧
وتستمر هذه العلاقة في الظهور — على مدار المسرحية بأكملها
٨ — ثمَّ نعود مرة أخرى إلى التهكُّم على كل تقدُّم في العالم من خلال
سلبياته، فنجد فرفور — في القسم الثاني من المسرحية — يبيع أشياء قديمة وينادي
عليها قائلًا وساخرًا:
فرفور
(داخلًا من الباب الذي يدخل منه الجمهور إلى الصالة،
وسائرًا في الطرقة الرئيسية بين المقاعد يدفع عربة يد عليها نماذج سريالية
تمثِّل أوروبا وأمريكا وأجزاء من مدافع وطائرات ومشانق)
:
روبابيكيا، روبابيكيا. كل حاجة قديمة للبيع. مجد قديم للبيع. عظمة قديمة
للبيع. أسياد قديمة للبيع. مدافع قديمة للبيع. قنابل ذرية قديمة للبيع.
بيكيا … حدِّش عنده أيدروجينية، مجلات، كتب، فلسفة، جرايد قديمة للبيع،
روايات مسارح، مؤلِّفين قدام للبيع. بيكيا.٩
والتهكُّم على التقدم العلمي كان بغرض إبراز سلبياته في دمار البشرية، وتفشِّي
العداء بين الشعوب، فنجد السيد ينجب ذرية قد أورثهم مهنة «الدفن»، فأصبحوا قتلة
متطورين حسب التطور العلمي لإبادة البشر بصورة جماعية من خلال أسلحة الدمار.
السيد
:
البركة في الأولاد بأقول لك.
فرفور
:
هم ورثوا الصنعة برضه؟
السيد
:
ورثوها ونبغوا فيها قوي قوي.
فرفور
:
نبغوا إزاي.
السيد
:
شوف أنا وأنت كنَّا بنحتار في دفن واحد إزاي، هم الواحد منهم يا بني باسم
الله ما شاء الله كان يدفن له في اليوم عشرة عشرين ألف ولا يتعبش. عندك
ابني الإسكندر، دا دفن لوحده ييجي ميت ألف، تحتمس اللي كان أكبر منه شوية
ده دفن لوحده عدد شعر راسه.
فرفور
:
تحتمس والإسكندر! ومال أساميهم كده؟
السيد
:
أصلي مسمِّيهم على أسامي أبطال التاريخ، كل واحد باسمه، عندك نابليون
مثلًا دفن ييجي ثلاثة مليون!
فرفور
:
أنهي نابليون؟ بتاعك ولا بتاع التاريخ؟
السيد
:
ابني يا أخي، ابني. كلهم أولادي.
فرفور
:
وكلهم كدة تُربيَّة من مليون وطالع؟
السيد
:
أيوة.
فرفور
:
لا، عفارم عليهم؛ ولاد حلال صحيح.
السيد
:
تعرف ابني موسوليني؟
فرفور
:
كام مليون؟
السيد
:
لا … دا أصله ماكنش يطلع الشغل إلا لما يطلع أخوه الكبير معاه علشان
يجمِّد قلبه.
فرفور
:
أخوه مين؟
السيد
:
هتلر … وخد عندك بقَى، دول مرة في موسم من المواسم طلعوا لهم بييجي
ثمانية مليون مدفون.١٠
وتعود المسرحية مرة أخرى إلى علاقة «السيد والمسود»، بعد أن طرأ عليها بعد
التطور، فنجد فرفورًا يتمرَّد على السيد ويرفض العمل معه باعتباره فرفورًا وتابعًا
للسيد، ويطلب من السيد أن يصبح فرفورًا هو الآخر. وأمام هذا الإصرار يرضخ السيد
لرأي فرفور؛ لأن السيد لا يصبح سيِّدًا إلا إذا أصبح الفرفور فرفورًا. وبمرور الوقت
يفشل هذا الحل؛ لأن الفرافير لا بُدَّ لهم من أسياد، والأسياد لا بُدَّ لهم من
فرافير. ويبدأ البحث من جديد عن حلٍّ آخر، وهو أن يصبح السيد فرفورًا والفرفور يصبح
سيِّدًا، وأيضًا يفشل هذا الحل. وأخيرًا يتوصلان إلى آخر الحلول بأن يصبحا سيِّدين،
وأيضًا يفشل هذا الحل. ومن الواضح أن يوسف إدريس أراد من وضع هذه الحلول العديدة أن
يجرِّب جميع احتمالات العلاقة بين «السيد والفرفور»؛ ليقنعنا بأن هذه العلاقة علاقة
أبدية ولا مفرَّ منها، ويجب أن تسير الحياة على اعتبار أن الناس — جميعًا — إمَّا
أسياد أو فرافير، وأن الأسياد كي يصبحوا أسيادًا لا بُدَّ لهم من فرافير ترضى
بالعمل معهم على أساس هذا العلاقة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الفرافير. ولكن
المسرحية — أو شخصية فرفور — تصرُّ على أن تجد الحل المناسب لهذه العلاقة، ولكن وقت
المسرحية يكاد ينتهي، وهنا يتدخل عامل الستار ويعرض حلًّا نهائيًّا متمثِّلًا في
انتحار السيد وفرفور؛ لأن الموت يجعل الأسياد والفرافير في تساوٍ تامٍّ. وبالفعل
ينتحر كل من السيد وفرفور، ولكن الانتحار لم يقدِّم لهما الحل المناسب؛ لأنهما
أصبحا مادتين أوليتين من مواد تكوين الكون، فالسيد أصبح بروتونًا حسب تكوين الذرة؛
لأنه أثقل وزنًا، كما أصبح فرفور إلكترونًا حسب تكوين الذرة أيضًا؛ لأنه أخفُّ
وزنًا، لذلك يدور الفرفور حول السيد كما يدور الإلكترون حول البروتون؛ أي إن
العلاقة مستمرة بين السيد وفرفور سواء في الحياة أو في الموت، وتنتهي المسرحية
بدوران فرفور حول السيد بعد أن أصبحا نظامًا من أنظمة الكون، فيقول فرفور:
يا عالم يا فرافير الحقوا أخوكم … أنا صوتي ابتدى يتحاش. شوفوا لنا حل.
حل يا ناس، حل يا هوه لأفضل كده … لازم فيه حل، لا بُدَّ فيه حل، النجدة …
أخوكم خلاص فرفر. أنا في عرضكم حل. مش عشاني أنا. عشانكم أنتم. دانا
بامَثِّل بس وانتوا اللي بتلفُّوا.
١١
وبتأمُّل المسرحية نلاحظ أنها عالجت أكثر من موضوع، فمثلًا حاولت أن تكون تطبيقًا
عمليًّا لتنظير يوسف إدريس «نحو مسرح مصري» على أساس السامر الشعبي، وأيضًا عالجت
بعض الأوضاع السلبية في حياتنا المعاصرة، من خلال تهكُّمات فرفور على بعض المهن
والأعمال — كما مرَّ بنا — وأيضًا حاولت المسرحية معالجة العلاقة الأبدية بين
«السيد والمسود»، متمثِّلة في صورة مشكلة الحرية الإنسانية بصفة عامة. وللبحث رأي
في هذه المعالجات:
- أولًا: لقد حاول يوسف إدريس أن يجعل «الفرافير» تطبيقًا عمليًّا
لمقالاته الثلاث: «نحو مسرح مصري»، على أساس السامر الشعبي
متمثِّلًا في شخصية فرفور، ولكن أين هذا السامر؟ وأين توظيف التراث
الشعبي في المسرحية؟ وأين شخصية فرفور؟ تلك الشخصية المصرية
النابعة من التراث الشعبي المصري كما قال عنها إدريس، فالسامر عند
يوسف إدريس يُقام في المناسبات الخاصة، سواء أكانت أفراحًا أم موالدَ،١٢ والمسرحية أُقيمت في مسرح عام من مسارح الدولة هو
«مسرح الجمهورية». أمَّا من حيث توظيف التراث الشعبي في المسرحية،
فلم نجد أي ملمح من ملامح التراث الشعبي في المسرحية، إلا إذا
اعتبرنا التهكُّمات على سلبيات الحياة العملية وعلى التطورات
العلمية — بما لها من تأثير ضار على إبادة البشرية — من الملامح
التراثية الشعبية. أمَّا التطبيق الشعبي — والوحيد — في المسرحية
فتمثَّل في تحطيم الجدار الرابع، وكسر الإيهام المسرحي. ومن الغريب
أن التطبيق جاء بعكس ما هو معروف عن التنظير في مثل هذه الأمور؛
فمثلًا هل يكفي أن يخرج الممثل عن الدور المرسوم في بعض الأوقات كي
يذكِّر المتفرج أنه يشاهد مسرحية تمثيلية؛ كي يصبح ذلك كسرًا
للإيهام المسرحي؟ وهل تحطيم الجدار الرابع يحدث عندما يجلس
الممثلون وسط الجمهور، وينتقلون بين الصفوف والطرقات؟ إن الأشكال
التطبيقية لنظرية يوسف إدريس لم تخلق له ولا لنا مسرحًا مصريًّا أو
عربيًّا صميمًا؛ فالأشكال المسرحية سواء النظرية أو التطبيقية لا
تختلف كثيرًا عن الأشكال العالمية.
أمَّا من حيث شخصية فرفور، فنجدها شخصية قد بناها يوسف إدريس على
حساب باقي الشخصيات. وبعبارة أكثر وضوحًا: إن شخصية فرفور خلقها
المؤلف بصورة رمزية، ومن أجل تجسيد وإبراز هذا الرمز جعل باقي
الشخصيات، وكذلك الأدوار والأحداث مجرد وسائل لإبراز ملامح هذه
الشخصية أو هذا الرمز. ويعتبر هذا مزلقًا من مزالق المسرحية؛ لأنها
أصبحت مسرحية من مسرحيات الشخصية الواحدة، والسبب في ذلك — من وجهة
نظر البحث — أن يوسف إدريس أجبر التطبيق كي يتوافق مع التنظير،
ويقول صلاح عبد الصبور عن شخصية فرفور:
إن شخصية «الفرفور» أو الخادم التي ينسبها يوسف إدريس
إلى السامر الشعبي لا تحمل من المصرية إلا اسمها، فهي
شخصية عالمية، سواء بأبعادها الأولى كخادم ذكي، خفيف الظل،
مرير السخرية، طالما رأيناه في الكوميديا المرتجلة، أو عند
موليير وبومارشيه، أو بأبعادها الفكرية حين نناقش مشاكل
السيادة والعبودية؛ فتلك أيضًا مشكلة عالمية لا ندَّعي
أننا ننفرد بها.
١٣
- ثانيًا: أمَّا من حيث نقد واقعنا المعاصر من خلال بعض السلبيات لبعض
الأعمال، فنجد يوسف إدريس قد نجح في إبراز هذه السلبيات من خلال
النكت والقفشات اللغوية في صورة كوميدية فكاهية. وكان النجاح
الأكبر متمثِّلًا في اختيار مهنة حفَّار القبور «التُرَبي» لكلٍّ
من السيد وفرفور، وكأنهما رمزٌ على القدر الذي يحفر القبور للأجيال
القادمة.
- ثالثًا: أمَّا من حيث معالجة المسرحية للعلاقة بين «السيد والمسود»، أو
بين «السيد والفرفور»، فنجد أن يوسف إدريس يستعرض هذه العلاقة على
جميع الأوجه، فمرة يجعل الفرفور سيِّدًا والسيد فرفورًا، ومرة أخرى
يجعلهما فرفورين، وأخيرًا يجعلهما سيِّدين. ورغم ذلك تصبح العلاقة
بينهما ثابتة، فالفرفور فرفور، والسيد سيد، ويقول عن هذه العلاقة
رجاء النقَّاش:
لقد عثر يوسف إدريس على موضوع مسرحي ممتاز، وهو موضوع
يشغل وجدانه وعقله، هو موضوع «فرفور والسيد»، أو بعبارة
أخرى محاولة فرفور أن يتخلَّص من النظام الذي يفرض عليه أن
يكون تابعًا لسيد آمر مطاع. وقد شاهدت هذه المسرحية أكثر
من مرة، وفي كل مرة كان ذهني دائمًا ينصرف إلى
«البيروقراطية» المصرية، ذلك المرض الخطير الذي ورثناه منذ
آلاف السنين، والذي نحاربه اليوم في عصرنا الثوري حربًا
عنيفةً، فنغلبه تارة، ويغلبنا تارة أخرى. إن البيروقراطية
أو تحكم الموظفين الكبار في الموظفين الصغار وتحكم الجميع
في المواطن العادي … هذا المرض الخطير هو — ولا شك — مرضٌ
راسخٌ في المجتمع المصري … من هنا يمكننا أن نقول إن الهدف
الذي يوجَّه إليه الفنانُ في مسرحية الفرافير كل جهوده؛
للتغلب عليه وهزيمته؛ وهو القضاء على نظام الفرفور والسيد،
قد استمدَّ إيحاءه الأكبر من الواقع العملي في مصر، والذي
ما زال يعاني من بعض الآثار البيروقراطية العنيفة حتى الآن.
١٤
ومن الممكن أن نعتبر المسرحية — رغم عدم تقديمها للحل الأمثل لمشكلة السيادة
والعبودية — دعوة إلى التفكير للبحث عن الحل؛ أي إنها تدعو إلى استخدام العقل
الإنساني بكل ما لديه من إمكانيات للتفكير.