مَعِين الجمال
أسْعديني بزَوْرَةٍ أو عِديني
طال عهدي بلوعتي وحنيني
أدَّعي الهجرَ كاذبًا، وغرامي
في قرارٍ من الفؤاد مَكينِ
غِيض دمعي وكان رِيًّا لروحي
من غليل الأسى فمنْ يرويني
يا مَعينَ الجمالِ أذبلتِ قلبي
أنعشيني بنهلةٍ أنعشيني
يا معينَ الجمالِ، قطرةَ ماءٍ
أو أفيضي ابتسامةً تُحييني
•••
ضجعتي في الرياضِ بين الرياحيـ
ـنِ قريبًا من ماء عَيْنٍ مَعينِ
فتناولتُ أُقْحوانًا نديًّا
ونداهُ كاللؤلؤ المكنونِ
ونزعتُ الأوراقَ عنها تِباعًا
أتحرَّى شكِّي بها ويقيني
فإذا وافقتْ مُنايَ تَفاءَلْـ
ـتُ، وإلا كذَّبتُ فيها ظنوني
ذاك لهوٌ فيه العزاءُ لنفسي
فاضحكي من تعلُّلي وجنوني
طُفتُ بين الأزهار، والنَّشْرُ من نَشْـ
ـرِكِ فيها ودقّةُ التكوين
قطراتُ الندى عليها دموعي
أنتِ أدرى منِّي بما يُبكيني
أنتقي طاقةً وذوقُكِ يَهْدِيـ
ـني إلى الرائعاتِ في التّلوينِ
يا حياةَ القلوبِ ويْلي عليها
ذَبُلَتْ من بقائها في يميني
فخُذيها عسى تُرَدُّ إليها الرُّوح
إنّي أخاف مرأى المنون
•••
ما أشدَّ الهوى، وما أطولَ اللَّيْـ
ـلَ، وما أبعدَ الكرى عن جفوني
رُبَّ ذكرى — وما هجعتُ — استحالتْ
لخيالٍ سرى فأذكى شجوني
ضمّني، ثم رَدَّني وتلاشى
في الدّياجي كما تلاشى أنيني
راعني أمرُه فنبَّهتُ مَنْ حَوْ
لِي ذُعْرًا بصرخةٍ في السُّكون
سألوني فلم أُجبْ، بل تَناومْـ
ـتُ، فناموا وللأسى خَلَّفوني
•••
مرحبًا بالحياة عادَ صداها
وانجلى الليلُ عن صباحٍ مُبين
سُفراءُ الصباحِ نورٌ وطيرٌ
تتغنَّى في مائساتِ الغصون
ونسيمٌ يداعبُ الدَّوْحَ، والبَحْـ
ـرُ شجيُّ الغناءِ عذبُ المجون
وجلالُ الوِدْيانِ مِلْءُ الحنايا
وجمالُ الجبالِ مِلْءُ العيونِ
في اخضرارٍ كأنه أمَلي فِيـ
ـكِ، وثلجٍ نقاؤهُ كالجبين
•••
إنّما هذه الطبيعةُ أُنْسي
ومُعيني إن لم أجد من مُعين
أتَقرَّى جمالَ ذاتكِ في ما
أبدَعَتْهُ يمينُها من فنونِ
في الغدير الصَّافي، وأُنشودة الطّيْـ
ـرِ وطيبِ الورود والياسَمينِ
غيرَ أني ما ازدَدْتُ إلَّا حنينًا
أسْعِديني بزَوْرَةٍ أو عِديني
نظمت في ١٩٢٧ (ونشرت سنة ١٩٢٨)