حطِّين
نظمها يوم عزم أمير الشعراء المرحوم أحمد شوقي بك على زيارة فلسطين، وأخذ الأدباء يعدون العدة؛ لإقامة مهرجان له، ولكن الزيارة لم تتم، وقد رمى إبراهيم من وراء هذه القصيدة إلى إثارة أمير الشعراء؛ لينظم شعرًا في فلسطين، وفي قضيتها.
أهلًا بربِّ المهرجانِ
أهلًا بنابغةِ البيانِ
مَلِكِ القلوبِ المستقلِّ
بعرشها، والصوْلجان
ومُتوَّجٍ حالتْ أشعْـ
ـعَةُ تاجه دون العِيان
أهلًا «بشوقي» شاعرِ الْـ
ـفُصحى ومعجزةِ البيان
يا فرقدَ الشعراءِ كم
من فرقدٍ لعُلاكَ رانْ
عَلَما الخلودِ مُنشَّرا
نِ، على سريركَ يَخْفُقان
جبريلُ ينفخُ في فُؤا
دِكَ ما يفيضُ على اللسان
وأمدَّ بالنّفحات رُو
حَكَ، حين طوَّف بالجِنان
فإذا بأبكار الجنا
نِ لديكَ أبكارُ المعاني
يا باكيَ الفيحاءِ حِيـ
ـنَ أبَتْ تقيمُ على الهوان
أيامَ كانت وردةً
بدم البواسلِ كالدِّهان
أرسلتَ عن (بردى) سَلا
مَكَ في لظى الحرب العَوان
وذرفتَ «دمعًا لا يُكفْـ
ـكَفُ» هيّجتْه الغُوطتان
البيتُ ممّا قُلتَهُ
فيه تَخايَلُ جنّتان
أبدًا رثاؤكَ فيهما
عينانِ دمعًا تجريان
هذا وإنَّ جَناهما
لَلصَّعبُ فاعجبْ وَهْو دان
•••
عَرِّجْ على حِطِّينَ واخْـ
ـشَعْ يُشْجِ قلبَكَ ما شجاني
وانظرْ هنالِكَ هل ترى
آثارَ (يوسفَ) في المكان
أيقظْ (صلاحَ الدينِ) رَبَّ
التاجِ والسيفِ اليماني
ومُثيرَها شعواءَ أَيْـ
ـيُوبيّةَ الخيلِ الهِجان
بالعاديات لديه ضَبْـ
ـحًا والأسنّةُ في اللَّبان
ترمي بمارجِها وما
غيرُ العجاجةِ من دخان
في كلِّ خطَّارٍ على الْـ
أخطارِ صبَّارِ الجَنان
حلقاتُ أدْرعِهم قُيو
دُ الموتِ في دَرَك الطعان
وسيوفُهم ماءُ الحَمِيـ
ـمِ، على مَضاربهنَّ آنِ
والخيلُ طَوْعُ كُماتِها
في النّقعِ مُرخاةُ العِنانِ
لا تنثني أو تُحرزَ الْـ
ـقَصَباتِ في يوم الرّهان
حطّينُ يومُكِ ليس يُنْـ
ـكِرُ شاهدِيه الخافقان
تتطايرُ الأرواحُ فِيـ
ـهِ، من السِّنان إلى السِّنان
وترى السّهامَ مُقوَّما
تٍ، فوق أجسامٍ حَوان
فإذا أديمُ الأرضِ أَحْـ
ـمَرُ، من دم الإفرنج قان
يُسقَوْن من كأس الرَّدى
ومليكُهم ظمآنُ عان
حتى انجلى رَهْجُ الوغى
والنَّصرُ مرموقُ العَنان
ومشى صلاحُ الدينِ تَحْـ
ـتَ لوائِه في مهرجان
وعلا الأذانُ ورَجَّعتْ
تكبيرَهُ شُرَفُ الأذان
•••
أمُقوِّضَ الدَّولاتِ مَنْ
لي من صُروفِكَ بالأمان؟
دُكَّتْ صُروحٌ ما بنى
أمثالَها في المجد بان
جلَّ المصابُ «أبا عَلِيٍّ»
فابْكِ هاتيكَ المغاني
ذهبَ الذين عهدتَهم
لا يصبرون على الهوان
في مصرَ يطمعُ أشْعبٌ
وهنا تنادى أشْعبانِ
وهنا التخاذلُ في الشَّدا
ئِد، والتشاؤمُ والتواني
والنفسُ يقتُلُ عزمَها
طولُ التعلُّلِ بالأماني
•••
خُذها إليكَ وأنتَ عَنْـ
ـها يا أميرَ الشعرِ غان
حسناءَ فيها للصِّبا
نَزَقٌ على خَفَر الحِسان
نفحاتُها من «كَرْمةٍ»
تُعزى إلى الحَسَن بن هاني
هيهات تبلغُ شأوكَ
الشعراءُ يومًا أو تُداني
نشرت في تشرين الأول ١٩٢٨