خطرة في الهوى
أعيدي إلى المُضْني وإنْ بَعُدَ المدى
بُلَهْنيةَ العيشِ الذي كان أرْغدا
تَباركَ هذا الوجهُ ما أوْضَحَ السنا
وما أطيبَ المفترَّ والمتورِّدا
فقدتُكِ فِقْدانَ الصِّبا، وهلِ امرؤٌ
تولَّى صِباه اليومَ يُرجعه غدا؟
فقدتُكِ لكنّي فقدتُ ثلاثةً
سواكِ: فؤادي، والأمانيَّ، والهدى
وأبقيتِ لي غيرَ القنوطِ ثلاثةً:
هواكِ، وسقمي، والحنينَ المؤبَّدا
•••
أيا (واديَ الرمّانِ)! لا طِبْتَ واديًا
إذا هي لم تنعم بظلِّكَ سرمدا
ويا (واديَ الرمّان)! لا ساغ طعمُهُ
إذا أنا لم أمدُدْ لذاك الجَنى يدا
ويا (واديَ الرمّان)! واهًا!! وعندهم
حرامٌ على المحزون أنْ يَتنهَّدا
كأني لم أنزلْ دياركَ مَرَّةً
ولم ألقَ في أهليكَ حُبًّا ولا ندى
ولم تَسْقِني كأسَ المدامِ حبيبةٌ
وردتُ ثناياها مع الكأسِ موردا
ولم تُوحِ لي شِعرًا، ولا قمتُ مُنشِدًا،
ولم يَرْوِ شعري عندليبُكَ مُنشِدا
•••
أخي وحبيبي كنتُ أرجوكَ مُسْعِدًا
يسامحُكَ الرحمنُ لم تكُ مُسْعِدا
ألم ترني في مصرَ أطلبُ شافيًا
وراعكَ إشفائي على هوَّة الردى؟
ألم ترني في مضجعي مُتقلِّبًا
أُقلِّب في الأفلاك طَرْفًا مُسهَّدا؟
ومن عجبٍ أنا شبيهان في الهوى
بمن أنتَ تهوى، هل أطقتَ تجلُّدا؟
آب ١٩٢٩ (ونشرت في ١١ أيلول ١٩٢٩)