خريطة المسار
حين وصلت أنا وثورندايك إلى البوابة الرئيسية لمنطقة تيمبل، وانعطف هو إلى حارة ضيقة، أدركت فجأة أني لم أُرتِّب مكانًا لمبيتي. فقد تعاقبت الأحداث بسرعة حتى استحوذ كل حدث على تفكيري؛ لدرجة أني نسيت أن أنظر فيما يمكن أن أُسمِّيه شئون معيشتي.
بادرت بالتعليق: «أظن أننا نعمَدُ إلى المسكن يا ثورندايك. أعلم أن الوقت متأخر، ولكني لم أُرتِّب ولو مكانًا لمبيتي.»
رد: «صديقي العزيز، ستَبيت في غرفة نومك؛ حيث إنها جاهزة وتنتظرك منذ غادرتها. فقد دخلها بولتون فور وصولك ونظر إن كانت بحاجة إلى شيء. وأرجو أن تعتبر نفسك في منزلك إلى أن يحين الوقت وتنضم إلى قائمة المتزوجين وتُكوِّن أُسرتك.»
قلت: «هذا كرم كبير منك. لكنك لم تذكر لي أن الوظيفة التي تعرضها عليَّ تُوفر سَكنًا لصاحبها.»
قال ثورندايك: «إنها توفر لك المسكن والطعام»؛ وحين حاولتُ الاحتجاج أنه ينبغي أن أشارك في تكاليف المعيشة، سرعان ما رفض هذا الاقتراح. ظللنا نتجادل في هذه المسألة حتى وصلنا سكننا — وسأطلق عليه سكننا من الآن — ثم تغيَّر مجرى الحديث حين أخرجتُ المصباح من جيبي، ووضعته على الطاولة.
قال صديقي: «آه، هذا مجرد تذكير. ستضع المصباح على رف الموقد، وسيأخذه بولتون، وستَسرُد لي كل ما حدث في مغامراتك في كينينجتون. إنها مسألة غريبة. وما برحتُ أتساءل: كيف انتهى الأمر؟»
سحب كرسيَّين بذراعين كي يُقربهما إلى المدفأة، ووضع المزيد من الفحم، وكذلك وضع جَرَّة التَّبغ على الطاولة في المنتصف بين الكرسيَّين، ثم جلس متطلعًا إلى أن يقضي أُمسِية ممتعة.
ملأت غليوني وبدأت أسرد القصة من حيث توقفت المرة الأخيرة، وشرعت أحكي تجاربي الأخيرة. لكنه أوقفني.
«لا توجز يا جيرفيس. فالإيجاز يعني الغموض. اذكر التفاصيل يا صديقي، التفاصيل هي رُوح الاستقراء. اسرُد لي كل الوقائع. ويمكننا فرزها فيما بعد.»
بدأت من جديد، ولكن هذه المرة ذكرت أدقَّ التفاصيل. وقد تعمدت أن أُطيل القصة بحشوِ أدقِّ التفاصيل التي يمكن أن تستخرجها الذاكرة المحتفِظة بها من الماضي شِبه المنسي. ومن ثم أجهدت عقلي في تذكُّر أحداثٍ لا علاقة لها بالموضوع. حتى إنني ذكرت أدقَّ التفاصيل التي ليست لها أهمية تُذكَر. فقد وصفت العَرَبة من الداخل والخارج بوضوح تام، ورسمت صورة كأنها حقيقية للحِصان، حتى إنني ذكرت تفاصيل اللجام، لدرجة أني فوجئتُ من أنني لاحظت هذه التفاصيل. وكذلك وصفت الأثاث في غرفة الطعام وأنسجة العنكبوت التي تتدلى من السقف، ووصفت أيضًا مُلصَق المزاد على الخِزانة ذات الأدراج، والطاولة المتهالكة والكراسي ذات المنظر الكئيب. ذكرت كذلك عدد أنفاس المريض في الدقيقة الواحدة، وقَدْر القهوة التي احتساها بالضبط، وذكرت أوصافًا دقيقة للفنجان الذي شرب منه القهوة، ولم أَغفَل عن ذكر أي تفاصيل شخصية، بدايةً من أظافر المريض وحتى البُقع الحمراء في أنف السيد فايس.
تكتيكاتي في تعمُّد الإسهاب لم تنجح البتَّة. ومحاولتي لإعياء ثورندايك من الإفراط في سرد التفاصيل تشبه محاولة ملء أفواه البَجَع بأسماك صغيرة. فقد تشرَّب كل التفاصيل بسرور هادئ، بل إنه طلب المزيد؛ وحين أحسستُ أخيرًا أني أضجرته قليلًا، فاجأني بقراءة ملاحظاته، وبدأ يُجري استجوابًا سريعًا للحصول على وقائع جديدة! ولكن ما أدهشني أكثر هو أنني حين انتهيت من القصة، خِلتُ أنني أعرف عن هذه القضية أكثر مما كنت أعرف من قبل.
وحين انتهى الاستجواب، أحسست وكأني تفاحة معصورة خرجَت للتو من تحت مكبَس هيدروليكي، وعلَّق قائلًا: «إنها مسألة لافتة للنظر كثيرًا. إنها تثير الشكوك، ولا أحسب أنها انتهت على خير. وأظن أنني لن أتفق مع ضابط الشرطة الذي ذهبتَ إليه. ولا أحسب أن أحدًا ممن أعرفهم في شرطة سكوتلاند يارد سيتفق معه.»
سألت وأنا لا أشعر بارتياح: «هل ترى أنه كان عليَّ أن أتخذ أي إجراءات أخرى؟»
«لا، لا أحسب أنك ادَّخرت جهدًا. فقد فعلت كل ما يمكن فعله في ظل الظروف حينذاك. فقد أدليتَ بما لديك من معلومات، وهذا كل ما يمكن أن يفعله أي شخص، لا سيما إذا كان ممارسًا عامًّا مضغوطًا في العمل. ولكن، الجريمة الفعلية مسألة تهم كل مواطن صالح. وأرى أنه ينبغي لنا أن نتَّخذ إجراءً ما.»
«إذن، هل تظن أنه ارتُكِبت جريمة بالفعل؟»
«وما الذي يمكن أن يفكر فيه المرء غير ذلك؟ وماذا ترى أنت؟»
«لا أحب أن أفكر في المسألة برُمَّتها. فما تزال صورة ذلك الرجل الأشبه بالجثة، المطروح في تلك الغرفة المظلمة، تطاردني منذ أن تركت المنزل. ما الذي تفترض أنه حدث؟»
ظل ثورندايك صامتًا بضع ثوانٍ. وفي النهاية قال أسِفًا:
«ما أخشاه يا جيرفيس أن الإجابة عن هذا السؤال يمكن أن تتلخص في كلمة واحدة.»
سألت وقد سَرَت في جسدي قشعريرة طفيفة: «القتل؟»
أومأ ثورندايك، ومكثنا صامِتَين للحظات.
بعد الصمت، أردف: «أرى أن احتمال بقاء السيد جريفز على قيد الحياة في هذه اللحظة ضئيل للغاية. فقد كان واضحًا أن مؤامرةً تُحاك ضده، والطريقة المتعمَّدة والمستمرة التي لوحِق بها هذا الهدف تشير إلى دافع قوي ومحدَّد للغاية. ثم إن التكتيكات التي اتُّبعت تشير إلى قدر كبير من التروِّي والعزم. فهذه التكتيكات لا يتخذها أحمق أو جاهل. ربما ننتقد العَرَبة المغلقة باعتبارها خطأً تكتيكيًّا؛ حيث إنها أثارت الشكوك، ولكن لا مَنَاص من ترجيحها حين نوازن بينها وبين الإجراء البديل.»
«وما ذلك البديل؟»
«حسنًا، لنفكر في الملابسات. هَب فايس استدعاك بالطريقة المعتادة. حينئذٍ ستكتشف استخدام السُّم. ولكنك حينئذٍ ستكون قد تعرَّفت المكان وأجريت استفسارات عنه في المنطقة. وربما أبلغت الشرطة؛ ومن ثم لا بد أنها ستتخذ بعض الإجراءات؛ حيث ستتوفَّر لديها الوسائل التي تحدد بها أطراف القضية. وعاقبة ذلك ستؤدي بفايس إلى الموت. صحيح أن العربة المغلقة أثارت الشكوك، ولكنها كانت إجراءً وقائيًّا عظيمًا. وفي النهاية، لا يمكن القول إن الاحتياطات التي اتخذها فايس غير منطقية. إنه رجل حذِر، ولكنه داهية ومُثابر. ويمكن أن يكون جريئًا في بعض الأحيان. فاستخدام العربة المعتمة إجراء جريء بلا ريب. ولا يسعني إلا أن أعده مُقامِرًا من النوع المتحفِّظ الشجاع الواسع الحيلة.»
«كل ما ذكرته يشير إلى احتمال أنه ما فتئ يسعى لتحقيق مخططه حتى نجح.»
«وهذا ما أخشاه. ولكن … هل معك الملاحظات التي دوَّنتها بشأن اتجاهات البوصلة؟»
«الدفتر في جيب مِعطَفي مع اللوحة. سأُحضرهما.»
دخلت إلى المكتب، حيث علقنا معطفينا، وأحضرت الدفتر واللوح؛ إذ لا يزال مُرفقًا به بشريط مطاطي. أخذهما ثورندايك مني، وفتح الدفتر ومرر عينيه على الصفحات سريعًا صفحة تلو الأخرى. وفجأة، نظر إلى الساعة.
قال: «تأخرنا في البدء نوعًا ما، ولكن هذه الملاحظات تثير اهتمامي كثيرًا. وأنا أميل إلى رسم خريطة لها على الفور. وبالنظر إليها، فإني أرى أنها ستُمكِّننا من تحديد موقع المنزل من دون عناءٍ كبير. ولكن لا تأتِ معي إن كنتَ مُتعَبًا. فيمكنني أن أُنجز المهمة بمفردي.»
اعترضت عليه: «لن أتركك تفعلها بمفردك. فأنا حريص على رسم الخريطة إلى المنزل مثلك تمامًا، كما أنني أريد أن أرى كيف تُرسَم. وأرى أنها مهارة مفيدة.»
قال ثورندايك: «إنها مفيدة. ففي عملنا غالبًا ما تكون القدرةُ على تخطيط رسمٍ تقريبي يمكن الاعتماد عليه؛ مهارةً ذات قيمةٍ كبيرة. هل اطَّلعت على هذه الملاحظات من قبل؟»
«لا. فقد أبعدتُ الدفتر عن يدي منذ أن وصلت ولم أنظر فيه منذ ذلك الحين.»
«إنه مستنَد عجيب. يبدو أن هذه الأنحاء مليئة بجسور السكك الحديدية، وبالتأكيد لم يكن الطريق مباشرًا البتة، كما لاحظتَ حينذاك. ولكن سنرسم الخريطة ونرى ملامح الطريق بالضبط وإلى أي مكان يأخذنا.»
حين جلس على الطاولة ووضع اللوح أمامه، قال: «والآن، نأتي إلى الطريقة. بدأتَ من موقع معلوم ووصلت إلى مكانٍ موقعه مجهول في الوقت الحالي. وسنحدد موقع ذلك المكان بتطبيق عاملَين؛ وهما: المسافة التي قطعتها والاتجاهات التي سِرت فيها. أما الاتجاهات، فقد حدَّدَتها البوصلة، وبما أن الحِصان ظل محتفظًا بسرعة واحدة إلى حد كبير على ما يبدو، فيمكننا اعتبار أن المدة تُعبِّر عن المسافة. يبدو أنه سِير بك بسرعة ثمانية أميال في الساعة، وهذا يساوي تقريبًا سُبع ميلٍ في الدقيقة. وبناءً على خريطتنا، إذا اعتبرنا أن البوصة تُعبِّر عن دقيقة، فسنرسم الخريطة بمقياس يساوي، تقريبًا، سبع بوصات في الميل.»
حاجَجْته: «يخيَّل إليَّ أن هذا المقياس لا يُعبِّر عن المسافة تعبيرًا دقيقًا.»
«هذا صحيح. ولكن هذه النقطة ليست ذات أهمية كبيرة. فلدينا معالمُ محددة، مثل جسور السكك الحديدية التي لاحظتها، وبها يمكن تسوية مسألة المسافة بعد رسم الطريق. والأفضل أن تقرأ القيود بصوت عالٍ، وقبالة كل قيد اكتب رقمًا مرجعيًّا حتى لا نطمس معالم الخريطة بكتابة التفاصيل عليها. سأبدأ الرسم من مكان قريب من منتصف اللوح؛ حيث إنه يبدو أنه لا أنت ولا أنا لدينا أدنى فكرة عن الاتجاهات العامة التي سِيرَ بك فيها.»
فتحت الدفتر أمامي وقرأت القيد الأول بصوت عالٍ:
«الساعة الثامنة و٥٨ دقيقة. الاتجاه غربًا ثم جنوبًا. البداية من المنزل. ١٣ خطوة من ساقَي الحصان الأماميتَين.»
قال ثورندايك: «أفهم أنك استدرت للاتجاه المعاكس من فَورِك؛ ولذا لن نرسم خطًّا في ذلك الاتجاه. القيد الثاني هو …؟»
«الساعة الثامنة و٥٨ دقيقة و٣٠ ثانية، الاتجاه شرقًا ثم شمالًا، والقيد التالي هو الساعة الثامنة و٥٩ دقيقة، الشمال الشرقي.»
«إذن، سِرت جهة الشرق ثم إلى الشمال بمسافة نصف ميل تقريبًا، وسنُعبر عنه بنصف بوصة على الخريطة. ثم انعطفت جهة الشمال الشرقي. كم المدة التي استغرقها هذا الاتجاه؟»
«دقيقة بالضبط. القيد التالي هو الساعة التاسعة. الاتجاه غربًا ثم الشمال الغربي.»
«إذن، سِرت حوالي سُبع ميل جهة الشمال الشرقي، وبذلك نرسم خطًّا بطول بوصة وبزاوية ٤٥ درجة جهة اليمين من خط تمثيل الشمال والجنوب. ومن نهاية هذا الخط، نرسم خطًّا بزاوية ٥٦ درجة وربع جهة اليسار من خط تمثيل الشمال والجنوب، وهكذا. ترى أن الطريقة بسيطة للغاية.»
«إنها بسيطة كثيرًا، وأحسبُني أفهمها الآن.»
رجعت إلى كُرسيِّي لقراءة القيود من الدفتر، وأخذ ثورندايك يرسم خطوط الاتجاهات باستخدام المِنْقلة، ويُدوِّن المسافات باستخدام الفرجار، حسب مقياس رسمٍ ذي أجزاءٍ متساوية على ظهر الأداة. وبين الفَينة والأخرى، ومع التقدُّم في الرسم، كنت أرى ابتسامةً تعبِّر عن ابتهاجٍ هادئ ترتسم على وجه زميلي الحريص والمنتبِه، وعند كل إشارةٍ جديدةٍ لجسر سكك حديدية، يُخفي ضحكة هادئة.
ضحك وأنا أسجل عبور الجسر الخامس أو السادس، وقال: «ماذا، جسر آخر؟! كأنها لعبة كروكيه. استمر. ما التالي؟»
استمررتُ في قراءة الملاحظات حتى وصلت القيدَ الأخير:
«التاسعة و٢٤ دقيقة. الجنوب الشرقي. الدخول في طريق مسقوف. توقفت العَرَبة. أُغلقت بوابة خشبية.»
رسم ثورندايك الخط الأخير، وعلَّق: «إذن، يقع الطريق المسقوف في الجانب الجنوبي من شارع يتجه نحو الشمال الشرقي. وبذلك تكتمل الخريطة. انظر إلى طريقك يا جيرفيس.»
رفع اللوح وعلى شفتيه ابتسامة ساخرة، وحدقت مُنذهِلًا في الخريطة. تعرَّج الخط الفردي الذي يمثل مسار العربة تعرُّجًا مُذهلًا؛ حيث تكرر أن انعطَف واستدار وقطع نفسه أكثر من مرة، ومن الواضح أنه مر على الطرق نفسها أكثر من مرة، وانتهى بعد مسافةٍ قصيرةٍ نسبيًّا من نقطة البداية.
تعجَّبت: «غريب! لا بد أن الوغد عاش في مكان قريب من منزل ستيلبري!»
استخدم ثورندايك الفرجار كي يقيس المسافة بين نقطتَي البداية والنهاية للطريق، ويحدد المسافة حسب المقياس.
قال: «المسافة تقريبًا خمسة أثمان ميل. وربما كنت قطعتها في أقل من ١٠ دقائق. والآن، لنُخرجْ خريطة هيئة المساحة، ونرَ ما إذا كان بإمكاننا أن نطابق كل خطٍّ من هذه الخطوط الكثيرة التعرُّج، مع المناطق المحلية وأسمائها.»
بسط الخريطة على الطاولة ووضع الخريطة التي رسمناها بجانبها.
قال: «أظن أنك بدأت من شارع لووار كينينجتون لين؟»
أجبته: «أجل، من هذه النقطة»، وأشرت إلى البقعة بقلم رصاص.
قال ثورندايك: «إذن، إذا لففنا خريطتنا بمقدار ٢٠ درجة لتصحيح انحراف البوصلة، فسنتمكن من مطابقتها مع خريطة هيئة المساحة.»
بدأ بوضع المِنْقلة بزاوية ٢٠ درجة من خط تمثيل الشمال والجنوب وأدار الخريطة بهذا المقدار. بعد دراسة خريطة هيئة المساحة والخريطة المرسومة عن كَثَب ومطابقة إحداهما بالأخرى، قال:
«بمجرد النظر، يبدو أننا لن نجد صعوبة في تحديد الطرق التي تتطابق مع الخطوط على الخريطة. خذ الجزء القريب من وجهتك. في الساعة التاسعة و٢١ دقيقة، عَبَرت من تحت جسر مُتَّجهًا نحو الغرب. يبدو أن هذا الاتجاه هو شارع جلاسهاوس. ثم انعطفت جهة الجنوب، والظاهر أن هذا جهة ألبرت إمبانكمينت، حيث سمعتَ صافرة زورق القطر. ثم من جهة يسارك، سمعتَ قطار ركاب يبدأ في التحرك، ويُخيَّل إليَّ أنها محطة فوكسهول. بعد ذلك، استدرتَ جهة الشرق ومررت من تحت جسر كبير للسكك الحديدية، وأحسبه الجسر الذي يؤدي إلى المحطة من فوق شارع أَبَر كينينجتون لين. وإذا صح هذا الوصف، فلا بد أن المنزل يقع في الطرف الجنوبي من شارع أَبَر كينينجتون لين، على مسافة ٣٠٠ ياردة تقريبًا من الجسر. لكن يُمكننا اختبار استنتاجنا بقياس أو اثنين.»
«وكيف تفعل ذلك إذا كنت لا تعرف المقياس الحقيقي للخريطة المرسومة؟»
قال ثورندايك: «سأُريك. سنحدِّد المقياس الصحيح، وهذا سيشكِّل جزءًا من الدليل.»
سرعان ما أنشأ رسمًا تخطيطيًّا تقريبيًّا على الجزء الفارغ من الورقة، وقد اشتمل الرسم على خطَّين يقطعهما خطٌّ واحد.
شرح: «هذا الخط الطويل هو المسافة من منزل ستيلبري إلى جسر السكك الحديدية في فوكسهول، كما يبدو في الخريطة المرسومة، وخط التقاطع الأقصر هو المسافة نفسها المأخوذة من خريطة هيئة المساحة. وإذا صح استنتاجنا ورُسمت الخريطة بدقَّةٍ مقبولة، ستُبيِّن كل المسافات الأخرى نِسَبًا مماثلة. لنجرب مسافة منها. خذ المسافة من جسر فوكسهول إلى الجسر في شارع جلاسهاوس.»
أجرى القياسَين بعناية، وحين نزل سن الفرجار في المكان الصحيح على الرسم التوضيحي بدقة، نظر إليَّ.
«بالنظر إلى الطريقة التقريبية التي رُسمَت بها الخريطة، أعتقد أن النتيجة تكاد تكون محسومة، على الرغم من أنه إذا نظرت إلى الجسور المختلفة التي مررت من تحتها، ورأيت إلى أي مدًى تتسق مع موقع خط السكك الحديدية الجنوبي الغربي، فلا أحسب أنك تحتاج إلى دليل آخر. ولكن سآخذ المزيد من القياسات التقريبية بهدف إثبات الحالة بالطرق العِلمية، قبل أن نشرع في التحقُّق من النتائج عن طريق زيارة المكان.»
بناءً على ذلك، حسب مسافة أو مسافتين أُخرَيين، وعندما طابقَهما مع المسافات النِّسبية على خريطة هيئة المساحة، يجد أنها صحيحة بالمقدار المتوقَّع.
قال ثورندايك وهو يضع الفرجار: «أجل، أعتقد أننا ضيَّقنا مساحة البقعة التي يقع فيها منزل السيد فايس إلى بضع ياردات في شارع معلوم. وما سيُساعدنا أكثر هو ملاحظة «الساعة التاسعة و٣٢ دقيقة»؛ حيث إنها تسجل طُرقة من الحَصْباء الممدودة حديثًا حتى المنزل.»
حاججته: «ربما صارت الحصباء ناعمة الآن.»
رد ثورندايك: «لن تكون ناعمة تمامًا. فلم يمر سوى شهر وبضعة أيام، ولم تُمطر كثيرًا في هذه المدة. ربما صارت ناعمة، ولكن سيَسهُل تمييزها عن القديمة.»
«هل أفهم من ذلك أنك تقترح الذهاب إلى المنطقة واستكشافها؟»
«بلا شكٍّ أقترح ذلك. وهذا يعني أنني أنوي تحديد العنوان الدقيق للمنزل، بدلًا من مجرد اسم المنطقة، وأرى أن المسألة باتَت أسهل بكثيرٍ الآن، ما لم يكن حظُّنا سيئًا، ونعثر على أكثر من طريقٍ مُغطًّى بالحصباء. لكن حتى في هذه الحالة، لن نواجه صعوبة كبيرة.»
«ومتى تنوي التحقق من المكان الذي يعيش فيه السيد فايس؟ وماذا بعد ذلك؟»
«هذا سيعتمد على الظروف. وأظن أنه ربما نتصل بشرطة سكوتلاند يارد، ونتحدث قليلًا مع صديقنا السيد الحكمدار ميلر، هذا إذا لم يطرأ أي سبب يجعل من الأفضل أن نبحث في القضية بأنفسنا.»
«متى سنبدأ هذه الرحلة الاستكشافية؟»
فكَّر ثورندايك في السؤال وأخرج دفترًا من جيبه ونظر في جدول المواعيد.
قال: «أرى أن أعمال الغد قليلة. ويمكننا أن نذهب في الصباح من دون أن نُغفِل الأعمال الأخرى. والرأي عندي أن ننطلق من بعد الإفطار مباشرةً. إلى أي مدًى يناسب هذا صديقي المتعلِّم؟»
رددت: «وقتي مِلكٌ لك، وإذا أردت أن تُنفِقه في أمور لا تعنيك، فأنت وما تريد.»
«إذن، لنتَّفق على أن ننطلق في صباح الغد، أو بالأحرى صباح اليوم، حيث إن الساعة تجاوزت الثانية عشرة الآن.»
عند هذا الحد، جمع ثورندايك الخريطة والأدوات وذهب كلٌّ منا إلى مخدعه.