١٩٧٠
أول يناير
غارة إسرائيلية على مدينة «إربد» تُخلِّف ١١ قتيلًا أردنيًّا بينهم ٦ أطفال.
القيادة الأمريكية في فيتنام الجنوبية تعلن أن الولايات المتحدة خسرت العام الماضي في
معارك فيتنام ٩٢٥٠ قتيلًا و٦٩ ألف جريح و٤٧٠ طائرة و١٠٠٠ هليكوبتر.
الراقصة «ناهد صبري» لم تتمكن من الوفاء بتعهُّداتها للرقص ليلة رأس السنة. رقصت في ١٩
حفلًا من ٢٣ حفلًا تعاقدت على الرقص فيها؛ وذلك بسبب إصابتها بجرح في مشط قدمها اليسرى.
يُجري لها الدكتور «يحيى الكاتب» غرزتَين اليوم، ثم تواصل الرقص معتمدةً على قدمها
اليمنى.
ضربات عنيفة للمقاومة الفِلَسطينية في بداية العام
الجديد:
مهاجمة ٥ مستعمرات في الجليل.
خطر تجدُّد الأزمة بين السلطات اللبنانية والمقاومة
الفلسطينية.
شركة أسطوانات صوت القاهرة تقدم:
«ليلى نظمي»،
«ادلع يا عريس».
٥٨٪ ممن يهاجرون من مصر علماء
ومهندسون ٧٠٪ منهم من حمَلة الدكتوراه.
شركة «وجدي فيلبس»
للملابس المستوردة الجديدة وكالجديدة؛
كوفية صوف إنجليزي من ١٥ قرشًا إلى ٧٥ قرشًا،
بالطو إنجليزي صوف ١٠٠٪ من ٤ جنيهات إلى ٨
جنيهات.
السلطات الألمانية تصادر في هامبورج أسلحة مهربة إلى المقاومة
الفِلَسطينية.
٢ يناير
الدفاع الجوي المصري يُسقِط طائرة إسرائيلية في منطقة البلاح.
٣ يناير
فرقة مصرية خاصة تعبُر قناة السويس وتنصِب كمينًا لدورية إسرائيلية ينسفها.
لم تنَم تلك الليلة وأنتَ تتابع أخبار القوة، فقد نشطت حرب الاستنزاف
التي أردتَ بها إرهاق العدو وإلحاق أكبر قدر من الخسائر بأفراده ومعداته، ورفع الروح
المعنوية
والقدرة القتالية في الجيش المصري، بعد الهزيمة الشنعاء في سنة ٦٧ التي أوشكت أن تضع
القوات
الإسرائيلية على مشارف القاهرة. وصارت كل لحظة على التليفون مصدر قلق ودقات قلب سريعة.
كنتَ
معهم وهم يستعدون. مقرفصون في خنادقهم وسط القرية المهدمة والحقول المهجورة ينتظرون إشارة
من
زميلهم الذي يرقد على حافة القناة وقد خبَّأ تليفون الميدان تحت مِعطَفه العسكري. الصمت
مُخيِّم وأنفاس السجائر تتلاحق في عصبية. تسمع حامل التليفون يقول: الزورق الأول يعبر
الآن
مياه القناة. وبعد قليل يعلن: القارب الثاني عبَر … وتصفر قذيفة للعدو من فوق الرءوس
… هل
أصابتنا القذيفة؟ يجب ألا نردَّ كي لا نعيق العابرين … صمت كامل لا يقطعه سوى صوت الرياح
…
نصف ساعة، ساعة، أنفاسك تكاد تحتبس. ترفع عينيك إلى صورتك المفضلة بوجه ضاحك ورباط عنق
فضي.
عبور الليلة الماضية نجح تمامًا بمائة جندي اشتكَوا من برودة مياه القناة وعادت القوات
سالمةً
ما عدا ثلاثة جنود، ساعة ونصف، ساعتان، وأخيرًا تنفست الصُّعَداء. عاد الزورق الأول
والثاني
باثنَين من الجرحى. لقد أتمُّوا المهمة وزرعوا المتفجرات ونصبوا الكمين. لكن هس! جندي
استطلاع
فوق شجرة كازورينا يهتف محذرًا: دبابتان ونصف مجنزرة مُحمَّلة بأفراد العدو. وانطلقَت
على
الفور طلقات جنودنا العابرين فحصدت رجال العدو. وأعلن جندي الشجرة: الدبابتان والعربة
دُمِّرا
تمامًا. وأفرادهم ينسحبون بسرعة، وبعد قليل عادت عربتان تحمل كل منهما زورقًا ومجموعةً
من
جنودنا بملابس منقوعة بمياه القناة يكادون يقعون من الإعياء. فيُسرع إليهم زملاؤهم بالخبز
والجبن والشاي والسجائر.
غفوتَ قليلًا عند الفجر فوق فِراشك الخشبي العريض ذي المسندَين
الواطئَين، ثم تنبهتَ كالعادة في السابعة. وكالعادة، بدأ اليوم بحقنة الأنسولين، ثم الاستحمام
وحلاقة الذقن، وبقية الأدوية للضغط والقلب والشرايين، وحساسية الأنف وتمدُّد الشُّعب
الهوائية
بالرئة اليمنى. والسؤال الذي توجهه إلى نفسك كثيرًا في الآونة الأخيرة: هل يمكنك أن تعتزل؟
لا
تتخيل لنفسك سوى أحد مكانين: إما في السلطة أو قاع القبر.
تتناول إفطارك البسيط في غرفة النوم؛ كوبًا من الزبادي، وعينك على
التليفون. كنت في السابق تتناوله في مكتبك بالطابَق الأرضي ويكون مكونًا من الجبن
الإستامبولي، والفول الذي تستمتع بهرسه، وإضافة زيت الذرة والليمون له، ثم تلتهمه مع
الطماطم
والخيار والجرجير. حُرم عليك الجبن الدمياطي العتيد لما يحتويه من مِلح، وفُرض عليك الجبن
القريش الذي لا تستسيغه.
تلقي نظرة على صحف القاهرة الثلاث، ثم تبدأ في ارتداء ملابسك. تختار
بين عشر بدلات وثمانية أزواج من الأحذية، تُفضِّل اثنين منها لأنهما يريحان قدميك. تسير
بضع
خطوات إلى حجرة المكتب الملحقة بغرفة النوم حيث تجد تقارير الوزارات وبرقيات السفراء.
تبدأ في
قراءتها وأنت تحتسي القهوة وتحنُّ للسجاير المُحرَّمة عليك. تعاني من آلام الساقَين نتيجةَ
التهاب الأعصاب الذي يُحدِث آلامًا شديدة للساق ويؤدي إلى ضمور عضلات الألْية وأعلى الفخذ.
خلال ذلك يتنقل المساعدون بين مكتبك ومكتب السكرتارية المكوَّن من طابَقين على الجانب
الآخر
من الطريق، والذي يعمل طَوال الساعات الأربع والعشرين تحت قيادة مساعدك الأمين «سامي
شرف»
(الذي أودعه «السادات» السجن في انقلاب ١٥ مايو ٧١، ووضع «أشرف مروان»
مكانه).
تتناول سماعة التليفون وتتصل ﺑ «هيكل»، الصحفي القدير الذي أصبح
صديقك المخلص وأتحتَ له ما أراد من معلومات ومصادر كي يقدم للمكتبة العربية أهمَّ ما
كُتب عن
تاريخ مصر الحديث.
لقد بدأ يوم جديد.
٤ يناير
إسرائيل تشنُّ هجومًا بالمدرعات على جنوب لُبنان.
الرئيس جمال عبد الناصر وإلى جانبه السيد أنور السادات الذي حضر اجتماع مجلس الوزراء
لأول مرة بصفته نائبًا لرئيس الجمهورية.
ما زلت ترى في العيون التساؤلات. لماذا هو؟ تعرفه جيدًا أو يُخيَّل
إليك. إمكانياته المحدودة وغرامه بالفخفخة، الهمسات الضاحكة في دائرتك المقربة التي تسخر
من
غرامه بمظهره، في اجتماعات مجلس الثورة في أيامها الأولى كان يحرص على أن يأتيَه جندي
مراسلة
بملابس مكواة ليستبدل بها ملابسه بعد ساعتين من الاجتماعات التي تستمر عدة ساعات. تعرف
ماضيه
في «الحرس الحديدي» الذي شكَّله الملك «فاروق» لاغتيال أعدائه، كما تعرف أنه كان يتولى
إدارة
أعمال أمير الكويت المالية في مصر. وكنتَ تتندَّر على محاولاته الدائبة لاستنساخ شخصية
اللورد
الإنجليزي بغليونه وكلابه. كان ذلك يعطيك شعورًا بالتميُّز، وأنك غير قابل للإغراء بهذه
المتع
الصغيرة والتافهة. وتغاضيتَ عن فضائح متتالية، آخرها استيلاؤه على فيلَّا اللواء «الموجي»،
فلا بد أن يستفيد رجال الثورة بصورة ما، فربما أبقاهم هذا بمنأى عن السعي إلى السلطة.
لهذا لم
تسترِح أبدًا ﻟ «خالد محيي الدين» رغم حبك له، فليست له مطامع مادية ولا يعرف من النساء
غير
زوجته. جملتك المشهورة لرجالك: ألا تريد شيئًا لنفسك؟ اطلب، أيًّا كانت عيوب «السادات»
فهو
شديد الإخلاص لك، واستطاع أن يقنعك بأنه ليست له مطامع في السلطة؛ أي في أن يجلس مكانك.
لا
تنسَ له مبادرته التي قام بها بعد عودتك ظافرًا من مؤتمر باندونج سنة ١٩٥٥. كان زملاؤك
يخاطبونك عادةً باسمك مُجرَّدًا، وكان هو الذي بادر بمخاطبتك ﺑ «الريس». وكانت إشارة
ذكية
للباقين أن يفعلوا المثل.
تعرف أيضًا أنه على عَلاقة وثيقة ﺑ «كمال أدهم» رئيس المخابرات
السعودية، وحلقة الاتصال بينها وبين المخابرات الأمريكية. وتقبلت هذا، فالقائد الماهر
هو الذي
يحتفظ بقنوات اتصال مع العدو، لتلقِّي معلومات وإيصال معلومات تكون مغلوطة عند الحاجة
وتخدم
خططك البعيدة. وعندما حذرك «التهامي» من خُطةٍ لاغتيالك في الرباط، كان لا بد أن تحدد
فورًا
من ينوب عنك أثناء غيابك. وعلى الفور اتجه تفكيرك إلى «السادات». هو الوحيد الذي تبقَّى
من
رجال مجلس الثورة. الآخرون يحملون مرارةً طبيعية، أما هو فأحدُ القلائل الذين وقفوا إلى
جانبك
بعد محنة الهزيمة. كان منزله مأوًى نفسيًّا لك، فزوجته ماهرة في إعداد جلسات مريحة لأعصابك
المتوترة دائمًا. وكان «السادات» يطبخ لك بنفسه أحيانًا، ويسأل دائمًا عن صحتك، ويحكي
لك أحدث
نِكات مجالس الحشيش. كما أن انسحاب «زكريا محيي الدين» في مارس ٦٨، وإصراره على الانعزال،
أدى
إلى تصعيد «أنور» وفق قاعدة الأقدمية والصنم المقدس للتراتبية و«الدُّفعة» — الذي أخلصت
إليه
دائمًا — فهو أقدم من «حسين الشافعي» في مجلس الثورة. حقًّا إن الأخير جسور، نزيه الكف،
ومتدين، وناجح في قطاعات تولَّى مسئوليتها عدا «الاتحاد الاشتراكي» (أول أمين عام له
من سنة
٦٢ حتى سنة ٦٥)، لكنه يتصف بضعف ثقافته العامة وإمكانياته المحدودة.
وكانت هناك اعتبارات أخرى عديدة، منها المناورة مع السوفييت الذين
يرفضون دعم الدفاع الجوي المصري بسبب عدم الثقة في كفاءة الجيش المصري، وخوفهم من تَكرار
مهزلة ٦٧ وخوفًا أيضًا من الانزلاق إلى مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة. ومنها إرضاء
الملك
«فيصل» بحكم صلة «أنور» الوثيقة ﺑ «كمال أدهم» صِهر «فيصل» الذي تربطه عَلاقة وثيقة ﺑ
«السادات» بدأت في عشاء ببيت «فريد الأطرش»، وتمخَّضت عن راتبٍ شهري يدفعه «أدهم» للسادات.
كم
هي صعبة القيادة!
وكانت هذه الاعتبارات هي التي دفعتك لأن تغض الطرف عما حدث في سنة
٦٦. ففي مطلعه تلقَّى السادات دعوة من السفير الأمريكي لزيارة واشنطن في برنامج تُشرِف
عليه
وزارة الخارجية الأمريكية باسم «قادة المستقبل»، وكُلف بمرافقته أثناء الزيارة مسئول
من
المخابرات الأمريكية. وقضى «السادات» وزوجته عشرة أيام في الولايات المتحدة. وتبيَّن
فيما بعد
أن الزيارة كانت بتدبير من «كمال أدهم». وخلال الزيارة لواشنطن التقى بالأمير الكويتي
«المبارك الصباح»، وألمح إليه أن بدَل السفر الرسمي الذي يتقاضاه أقل مما ينبغي، فحرر
له
الأمير شيكًا بمبلغ ٣٥ ألف دولار. وحين علمتَ بالموضوع سألت «السادات» عنه، وطلبت إليه
أن
يُعيد المبلغ إلى الشيخ بنفسه (اتضح فيما بعد أن «السادات» لم يفعل).
من غيره إذَن؟ أنت ترفض رفضًا باتًّا أن تخرج من دائرة العسكر
(الأقدمية والدفعة) إلى أي واحد من المدنيين، فهؤلاء في رأيك «خرعين» غير جديرين بالقيادة
التي لا يجيدها غير العسكر، والمبنية على «السمع والطاعة». حقًّا إن هناك من برز منهم
مثل
«عزيز صدقي» أو «لبيب شقير» أو «ضياء داود»، وحتى «صدقي سليمان»، أو «هيكل». لا شك أن
الأخير
أجدرهم، وهو يكاد يكون شريكك فيما تقول وتفعل، لكن مفاتيح الجيش والأمن ليست معه أو مع
غيره.
وتعود إلى نفس الدائرة التي أصبحَت شديدة الضيق. «علي صبري»؟ لا
تشوبه غير شائبة واحدة فليست لديه أي شعبية، كما أنه غير مقبول من الأوساط اليمينية
والمحافظة، وصرت لا تستريح له أخيرًا بسبب جشعة للسلطة. وكنت تضحك من السباق الدائر بينه
وبين
«السادات» بالسيارات على من يصل قبل الآخر إلى الاجتماعات، وعلى من يكون أقرب إليك أمام
الكاميرات.
من تبقَّى إذن؟ هناك «كمال رفعت» الذي يضارعك في ثقافته وتفانيه، وهو
من الضباط الأحرار إلا أنه كان قريبًا من «عبد الحكيم عامر»، كما تزوج من راقصة سابقة.
وهناك
أيضًا «ثروت عكاشة» من الرعيل الأول، لكن تعوقه مغامراته النسائية وقربه من رئيس المخابرات
الفاسد «صلاح نصر».
وأخيرًا، فإن «أنور السادات» يكاد أن يكون الوحيد الذي لم يعارضك
قط.
في التراتبية كان «التهامي» أيضًا، لكن قصته مُشوِّقة للغاية. فهو من
أقدم «الضباط الأحرار»، وكان معك في حصار «الفالوجا» بفِلَسطين، وسبق أن اشترك مع «أنور
السادات» في حرس الملك الحديدي، وعمِل إلى جانبه في منظمة «المؤتمر الإسلامي» التي شُكِّلت
سنة ٥٧ من مصر والسعودية وباكستان.
هو غريب الأطوار ومتدين، ثم تحوَّل تديُّنه إلى دروشة شديدة، وأصبح
يعتقد أنه رجل «مكشوف عنه الحجاب». فكان يحدث أن يكون جالسًا بين زملائه ثم ينهض فجأة
ويقول
بصوت مرتفع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته! ويقول لهم إن سيدنا «الخضر» مرَّ أمام
الجالسين وألقى السلام، لكن لا يراه ولا يرد عليه السلام إلا من كُشف عنه الحجاب فقط.
وأثناء
بناء برج القاهرة — بنقود الأمريكان الذين حاولوا رشوتك بها — احتل الطابَق الأول وحوَّله
إلى
قلعة لا يدخلها غيره، وتبيَّن فيما بعد أنه كان مكلفًا منك بالتنصُّت على تليفونات أعضاء
قيادة الثورة والوزراء. وأثناء تعيينه سفيرًا في الخارج كان يقوم وقت صلاة الفجر، وفي
أوقات
أخرى من النهار والليل، ويفتح النوافذ ويرفع الأذان بصوتٍ جَهْوري يلفت نظر أفراد الأمن
الأجانب. وفيما بعد استدعيته من الخارج وعهدت إليه بالإشراف على القصر الجمهوري بعد هزيمة
٦٧؛
أي حمايتك من التنصُّت والتفجيرات والغاز المسمم والطعام المسمم وكل الوسائل التي تتفنن
في
ابتكارها المخابرات الأمريكية. وفي مايو من العام التالي، رُفع إليك من المخابرات المصرية
أن
هناك قرائن تدل على أن «حسن التهامي» يعمل لحساب المخابرات المركزية الأمريكية، وأنه
كان يسجل
مكالمات لشخصيات هامة في الدولة. لكنك استبعدت هذا التقدير في ظل ما تكشَّف من انحرافات
هذا
الجهاز، وعينته وزيرًا في آخر وزارة ترأستها (لما تميز به من أمانة وجِديَّة ونظافة وتديُّن
جعل الجميع يتباركون به). وبالفعل، فقد واصل تجلياته الروحانية (التي انتشر الإيمان بها
بين
عدد من رجالك عقب الهزيمة فتعددت زياراتهم للعرافين وقارئي المستقبل) والتي وجدَت صدًى
في
نفسك. فرغم عقلانيتك الشديدة وإيمانك الذي لا يتزعزع بالعلم، كنت متأثرًا بظروف تنشئتك.
ومِلت
إلى تصديقه عندما ذهب إلى المغرب مع مجموعة التحضير لمؤتمر «الرباط»، وأرسل إليك من هناك
ببرقية يحذرك من أن الجنرال «أوفقير» يُدبِّر مؤامرة لاغتيالك، الأمر الذي دعاك إلى اختيار
نائب لك ولم تجد أمامك غير «السادات». وكان «التهامي» قد ألمح إليك من قبل أنه رآكما
في واحدة
من رؤاه تسيران سويًّا للقاء الرسول الأكرم. وقد ثبت فيما بعد أنه لا صحة لمؤامرة «أوفقير».
وكان الاثنان — «السادات» و«التهامي» — هما اللذان لفتا انتباهك إلى كفاءة ضابط الطيران
الشاب
«حسني مبارك» — الذي صار فيما بعد من تجار السلاح الكبار ذوي العَلاقة الوثيقة بأجهزة
المخابرات الغربية — (وبعد عدة سنوات في ٢٥ فبراير سنة ٧٦ نشر الصحفي الأمريكي الشهير
الوثيق
الصلة بالمخابرات الأمريكية «بوب وودوارد» مقالًا ﺑ «الواشنطن بوست» كشف فيه عن تفاصيل
عَلاقة
«السادات» و«كمال أدهم» بالمخابرات الأمريكية، ودور «التهامي» فيها كرسول بين الأطراف
الثلاثة).
٦ يناير
قوة مصرية تعبُر قناة السويس وتشتبك مع العدو الإسرائيلي لمدة ٣ ساعات.
الدفاع الجوي يُسقِط طائرة إسرائيلية فوق القناة.
شطب الماركسية والفلسفات المعاصرة من الكتب المدرسية المصرية.
كاريكاتير «صلاح جاهين»: الطالب اللي عاوز يفهم الماركسية يبقى يروح الجامعة الأمريكية
… بيدرسوها هناك.
جريدة «الأهرام»: ما زالت بعض قوى القومية العربية تنسى إسرائيل وتُغرِق نفسها في حرب
مقدسة ضد الشيوعية.
«الديلي تلغراف» البريطانية: إسرائيل أفضل وأبقى حليف للغرب.
محاولات لإثارة الحكومة اللبنانية ضد المقاومة الفلسطينية.
٧ يناير
سلسلة غارات إسرائيلية على عمق الأراضي
المصرية.
الغارات استُخدمت فيها أحدث الطائرات
الأمريكية.
٨ يناير
إخراج العماد «إميل البستاني» من قيادة الجيش اللبناني وتعيين اللواء «جان نجم» —
المعروف بعدائه للمقاومة الفلسطينية — مكانه.
العيد العاشر للسد العالي.
أنجح الحلقات التليفزيونية.
في التعديل الوزاري الأخير بالعراق: وزير شيوعي لأول مرة منذ انتهاء عهد «عبد الكريم
قاسم» في ١٩٦٣. السيطرة التامة لحزب «البعث» على السلطتين التشريعية والتنفيذية بحصر
الأولى
في مجلس قيادة الثورة والتنفيذية في يد الرئيس «حسن البكر» أمين عام الحزب.
شاب فَرنسي يخطف طائرة أمريكية ويحولها إلى بيروت ليقدم ركابها رهائن في لُبنان مقابل
١٩ لُبنانيًّا خطفتهم قوات إسرائيل في هجومها على الجنوب.
طرح ٢٨٥ ألف بطانية مستوردة في الأسواق، البطانية البولندية بسعر ٢٧٥ قرشًا.
الخطة الجديدة لمؤسسة السينما للعام الجديد.
«مجنون ليلى» قصة «ثروت أباظة»، سيناريو «يوسف فرنسيس»، إخراج «كمال الشيخ»، «عودة
الروح» ﻟ «توفيق الحكيم»، سيناريو «علي الزرقاني»، إخراج «صلاح أبو سيف»، «الشوارع الخلفية»
ﻟ «عبد الرحمن الشرقاوي»، إخراج «كمال عطية»، «الأيام» ﻟ «طه حسين»، سيناريو «حسن فؤاد»،
إخراج «توفيق صالح»، «السراب» ﻟ «نجيب محفوظ»، إخراج «عاطف سالم»، «أنف وثلاثة عيون»
ﻟ
«إحسان عبد القدوس»، «يوم الحساب» ﻟ «نجيب محفوظ»، إخراج «يوسف شاهين»، «صوت الإسلام»
ﻟ
«علي أحمد باكثير»، «الشراع الأبيض» ﻟ «عبد المنعم الصاوي».
في السادسة مساءً استقبلتَ الصحفيين الثلاثة في مكتبك. كانوا من ثلاث
صحف لُبنانية مختلفة؛ واحدة تمولها السعودية، والثانية تمولها المخابرات الإنجليزية،
والثالثة
تمولها السفارة المصرية. وكنتَ قد أصررتَ أن يشترك في اللقاء.
قلت إنك لم تفكر أبدًا في الحرب كحلٍّ للصراع العربي الإسرائيلي. كان
تقديرك أن التفوق الحضاري هو الكفيل بحل المشكلة، كما أن إسرائيل ليست إلا ذراعًا للإمبريالية
الأمريكية التي تبغي السيطرة على مقدرات الشرق الأوسط وبتروله، فالمعركة إذن متواصلة
مع
المخططات الأمريكية. لكن إسرائيل أرادت الحرب، وحشدت قواتها على حدود سوريا وهي تعلم
أنك
ملتزم بالدفاع عنها. وتطورت الأمور بأدوارٍ مُنسَّقة جيدة، وسقطنا في الفخ الذي نُصب
ببراعة،
وأصبح علينا الآن أن نحرر أرضنا.
وقلتَ لهم: «إن الحرب قد دمرت أجزاء كبيرة من بلدنا؛ دمرت «السويس»
ودمرت «الإسماعيلية»، وهجَّرنا حوالي ٤٠٠ ألف مصري من منطقة القنال إلى داخل البلد، وأوقفنا
كل المنشآت الصناعية اللي كانت موجودة هناك … كل عيلة بنديها مرتب وبنديهم إعانة لدفع
حتى
إيجار منازلهم. راح مننا حوالي ١١٠ مليون جنيه في قنال السويس، وبعدين راح مننا البترول!
قفلنا معامل التكرير وبعدين بنستورد بترول مكرر، البترول المكرر تمنه كذا ضعف البترول
الخام،
لأن احنا عندنا ٣ مصانع تكرير لينا. وبعدين بالنسبة للسماد، مصنع السماد بيدينا سماد
… نص
سماد البلد … وبعدين بعد كده مصانع أخرى؛ مصنع ورق، ومصنع بويات، ومصنع تليفزيون، ومصنع
لمبات
كهربائية؛ كل المصانع دي اتقفلت.»
أتعبك الجلوس وأنت تتكلم، ثم الوقوف لالتقاط الصور. واستقبلتَ بعدهم
عددًا من قيادات التنظيم الطليعي ﻟ «الاتحاد الاشتراكي». وسرعان ما وجَّهوا إليك السؤال
التقليدي: متى سنحارب؟ وأجبتهم: لن نحارب باكرًا ولا بعد باكر … ولا في شهر. إذا إسرائيل
أخذت
طائرات فلن نستطيع الحرب سنة ٧٠؛ لسبب بسيط، لأن أنا عندي ٤٠٠ طائرة، لكن ليس عندي ٤٠٠
طيار …
تدريب الطيار يحتاج إلى سنة ونصف، وهم يحصلون على طيارين من أمريكا وفرنسا وجنوب أفريقيا!
مشكلتهم الحقيقة في هذا الوضع محلولة؛ لأن الفانتوم تحتاج إلى٢ طيارين، اﻟ ٥٠ فانتوم
تحتاج
١٠٠ طيار.
تحدثتَ كثيرًا، فأنت مغرم بالحديث، وكثيرًا ما كان المستمعون إليك أو
المشاركون في الاجتماعات يغلبهم الإرهاق ويصابون بالإعياء وأنت تعدد لهم الحقائق وتذكر
الأرقام والتواريخ. ففي هذا الوقت من اليوم تكون قد بلغت أقصى درجات الصفاء الذهني والتركيز.
كلما تأخر الوقت تشعر أنك في قمة انتعاشك ويتضاعف نشاطك العصبي، وخلال ذلك لا تكف عن
شرب
القهوة (التي قد تصل إلى عشرين قدَحًا في السهرة) والتدخين قبل أن تُقلع عنه نهائيًّا
بأوامر
الطبيب.
وأجبتَ على أسئلة كثيرة. قلتَ إن الاشتراكية هي تحرير الإنسان من
الاستغلال الاقتصادي والاستغلال الاجتماعي … «احنا في مرحلة انتقال من الرأسمالية إلى
الاشتراكية … مش معناها تأميم شوية مصانع وبس … لا … الاشتراكية أن نقيم مجتمع الكفاية
والعدل
… القيم القديمة ما زالت موجودة … العَلاقات القديمة الإقطاعية والرأسمالية ورواسبها
… الطبقة
اللي كانت موجودة ما زالت موجودة ولن تنقرض قبل عشرات السنين … الناس بالطبيعة محافظون
والملكية غريزة طبيعية في الإنسان، فإذا أردت أن تقوم بتغيير في أوضاع الملكية فإنك لا
تصطدم
فقط بالغريزة الطبيعية لدى الذين تمسهم إجراءاتك فحسب، وإنما تصطدم بالغريزة الطبيعية
لكثيرين
ليسوا الآن من كبار المُلاك، لكنهم يحلمون أن يصبحوا كذلك في يوم من الأيام. إن مرحلة
الانتقال من مجتمع تسيطر فيه القلة إلى مجتمع تتحقق فيه عدالة التوزيع عملية في منتهى
الصعوبة، كما أن مرحلة الانتقال هذه هي أخطر المراحل في حياة المجتمعات لأن التنظيم القديم
للمجتمع يكون قد تهاوى، وفى نفس الوقت لا يكون التنظيم الجديد لهذا المجتمع قد قام
بعد.»
ثم شرحتَ لهم نظرية «فائض القيمة» عمود الفكر الماركسي، والتي تحلل
طبيعة الاستغلال الرأسمالي. وقلتَ إنك كنت في السابق تعتقد أن الاشتراكية تتحقق بسيطرة
الشعب
على وسائل الإنتاج كما جاء في الميثاق الوطني، أما الآن فأنت ترى أنها تتحقق بملكية الشعب
لوسائل الإنتاج.
سألك أحدهم: «هل هذا يسري على جميع الوحدات الإنتاجية مهما صغر
حجمها؟»
فأكدت ذلك قائلًا: «نعم، طالما أن هذه الوحدة بها عمال ومهما قل
عددهم، ولأنه في هذه الحالة سيصبح هناك استغلال الإنسان لأخيه الإنسان.» وضربت مثلًا
بخالك
الذي يكسِب ٦٠٠ جنيه في الشهر الواحد من تشغيل ثلاثة لوريات وهو جالس في المكتب يستأجر
سائقين
ويكسب من عرقهم.
سألك آخر: «هل الميكانيكي الذي يملك ورشة صغيرة ويعمل عنده اثنان من
الصبيان تنطبق عليه نفس الحالة؟»
قلت: «في تصوري أيوة. أو يشاركوه في الأرباح بنسب
متساوية.»
تطلعت إلى وجوههم بإمعان. كنت تعرف أنك تطأ أرضًا خطرة. فقد سبق لك
أن عرضت هذه الأفكار على الزملاء القدامى: «عبد الحكيم» و«أنور» و«الشافعي» و«زكريا»
و«البغدادي» و«كمال الدين حسين» في مارس سنة ٦٤. ساعتها وجم البعض وأبدى آخرون امتعاضهم
وصاح
«كمال الدين حسين»: في المشمش. وكان قد سبق وتحدث عن ضرورة أن تكون اشتراكيتنا منبثقة
من
ديننا.
أشرقت وجوه قلة من رجال «الاتحاد الاشتراكي»، بينما علا الوجوم وعدم
الفهم وجوه الأكثرية. وتملكك شعور بالإحباط قطعه وصول النسخة الأولى من جريدة تُصدِرها
مصلحة
الاستعلامات في مائة نسخة، لك ولكبار المسئولين، تضم محتويات النشرات والصحف والإذاعات
العالمية والكتب الجديدة، فضلًا عن ملخص من عشرين صفحة لأهم كتاب جديد في
العالم.
وانتهز رجال الاتحاد الاشتراكي الفرصة ليستأذنوا في
الانصراف.
١١ يناير
الطائرات المصرية تدمر أكبر قاعدة للصواريخ الإسرائيلية
في خليج السويس.
«اليعازر وايزمان»، وزير المواصلات الإسرائيلي: أومن بالاندماج الكامل سياسيًّا
واقتصاديًّا للمناطق التي احتلتها إسرائيل في معارك يونيو.
١٣ يناير
إسرائيل تطلب من أمريكا مزيدًا من طائرات
الفانتوم.
«جولدا مائير»: لا فرصة للسلام في الشرق الوسط طالما استمر عبد
الناصر في الحكم.
الرجال قوامون
في الباخرة «إيزيس» كانت تورتة العروس ترتفع مترين، وأقبل السيد
«محمد أحمد» سكرتير الرئيس جمال عبد الناصر و«عبد المجيد فريد» و«عبد الحميد السراج»
لتهنئة العروسين. وفجأة ظهر والد العروس «فاروق عقل» العضو المنتدب لشركة التأمين الأهلية
ووكيل نادي «الترسانة»، وحاول إخفاء علبة صغيرة يحملها في يده. وحاول الجميع معرفة ما
بداخل العلبة. وقامت معركة بين والد العروس وبعض كبار المدعوين بين ضحكات الجميع. وأخيرًا
اكتشف الحاضرون أن ما بداخل العلبة سلسلة من الذهب في نهايتها الآية الكريمة «الرجال
قوامون على النساء». وصفق المدعوون بحماس واحتجَّت المدعوات بحماس
أكثر.
«رابسو» يغسل من غير مجهود
«إيديال» تُحقِّق حُلم كل أسرة بتقديم إنتاجها من المطابخ
الانسيابية بألوان جذابة.
المطبخ العادي ٣٤ جنيهًا والملون ٣٨ جنيهًا، وبالتقسيط العادي القسط الشهري ٢ جنيه
والملون القسط الشهري ٢٫٥ لمدة ١٥ شهرًا.
المهندس «عبد الوهاب البشري» وزير الإنتاج الحربي في زيارة مصانع شركة «النصر» لصناعة
المحولات والمنتجات الكهربائية.
سافر إلى الخارج الأستاذ «محمد عبد العزيز» مصمم الأزياء بشارع «قصر النيل» في جولة
لمتابعة أحدث تطورات الأزياء والموديلات الرجالي.
مجلة القوات المسلحة الإسرائيلية «معركوت» تقول إن مصر تلقت أسلحة من الاتحاد السوفييتي
تبلغ قيمتها ٢ مليار دولار منذ حرب يونيو ١٩٦٧.
٢٣ سفينة شحنت سرًّا أسلحة أمريكية لإسرائيل من ميناء زيبروج البلجيكي.
مطاردة الطائرات الإسرائيلية التي حاولت الإغارة على «التل الكبير».
الذكرى الثانية
للمرحوم مقدم طيار.
«لبيب فانوس».
الذكرى الأولى
للمرحوم الرائد
«فتح الله زايد».
الذكرى الثانية
للمرحوم عميد طيار «محمد أمين أيوب».
ذكرى السنة الأولى
للمرحوم الرائد «محمد موسى محمد».
١٥ يناير
عيد ميلاد عبد الناصر الثاني والخمسون.
الاحتفالات بعيد الطفولة تبدأ اليوم، وتستمر أسبوعًا.
تحاملتَ على ساقيك اللتين تعانيان آلامًا مبرحة. ولَجتَ الحمام تغتسل
ووقفتَ تتأمل وجهك في المرآة: الشيب الذي غزا شعرك من الجانبين، والعينين النفَّاذتين
بمزيجهما الغريب من الأخضر والرمادي واللتين لهما تأثير السحر على من يتطلع إليهما. تبدو
فيهما أمارات التعب والإنهاك. تفكر في الأخطار التي تواجهك، والحديث الذي سجلَته مخابراتك
بين
مسئول إسرائيلي وآخر أمريكي بالسفارة الأمريكية في القاهرة وجاء فيه بالتحديد ضرورة التخلُّص
منك بالسم أو بالمرض.
ارتديت بذلة «استيا» التي تفخر بها لأنها صناعة مصرية. ضجة الأولاد
خافتة بفضل عناية أمهم. جعلوه عيد الطفولة. نفاق؟ لا بأس! ألم تعطِ البلد ما لم يعطِه
أحد من
قبل؟ كنت صادقًا (أم لا؟) عندما صرخت فيهم يوم الاعتداء عليك في المنشية: أنا اللي علمتكم
العزة والكرامة؟
فجأة اغرورقت عيناك بالدموع كما يحدث دائمًا عندما تتذكرها. الأم …
الجرح الذي لم يندمل أبدًا. الفتاة التي تزوجها أبوك عندما عمِل بجانب كونه موظفًا في
البوستة
حمالًا لأكياس الفحم لدى تاجر معروف في منطقة «باكوس» بالإسكندرية، وتجرَّأ فتقدم — مدعومًا
بوظيفته في مكتب البريد — لزواج ابنته «فهيمة» وكنت أول أولادها. الأب يعمل صباحًا وليلًا
ويحصل على ٨ أو ٧ جنيهات مما خلق رابطة قوية بين الأم وولدها البكر فتمتعتَ بكل الحنان
والرعاية والدلع دون شريك أو منافس، إلى أن انتقلت الأسرة إلى منطقة «الخطاطبة» عندما
نُقل
الأب إلى مكتب بريدها، بينما بقيتَ في مدرستك الابتدائية بالإسكندرية. في «الخطاطبة»
تلقيتَ
أول دروسك في الوضع الطبقي، فعلى غير مبعدة توجد ضيعة «مبارك بك الجيار» وكثيرًا ما ذهبتَ
إلى
هناك بصحبة والدك وركبتَ حمارة البك. وصاحبت ابنه الذي أصبح فيما بعد من معاونيك، وفي
الوقت
نفسه رأيت تعاسة الفلاحين وسطوة الملاك.
خلال ذلك اقتصرت العَلاقة مع والدتك التي قاربَت درجة العشق على
زيارات خاطفة ورسائل بريدية حتى يوم الصدمة، وأنت في الثامنة من عمرك. فعندما أتاحت لك
الإجازة الدراسية زيارة بيت «الخطاطبة»، دخلته لتُفاجأ بسيدة تعيش فيه؛ سيدة اسمها «عنايات
الصحن» وليس «فهيمة حماد» التي تُوفيت منذ فترة وهي تضع أخاك «شوقي» دون أن يخبرك أحد
… أول
صدمة هزتك من الصدمات العديدة التي تعرضتَ لها فيما بعد.
تمسح دموعك وتغادر الحمام، تهبط على قدميك بصعوبة إلى الطابَق الأرضي
الذي انتهت عملية تأمينه من التنصُّت والمتفجرات. كانوا جميعًا في انتظارك لتذهبوا إلى
«القناطر الخيرية» القريبة من القاهرة، حيث بنَت الحكومة استراحة من ثلاثة طوابق أيام
«فاروق»
واستعملها رؤساء الوزراء عدة سنوات. أنتَ في سيارتك المجهزة كمكتب. معك أوراقك وسكرتاريتك
والتليفون الذي لم يتوقف عن الرنين. تتابع لحظة بلحظة أخبار الجبهة، هكذا مضت
الإجازة.
لكنك وجدتَ بعض الوقت في الأمسيات لتقضيه مع الأسرة. حكيتَ لهم
ضاحكًا تصرفات «القذافي» في مؤتمر «الرباط» منذ عدة أسابيع. ربما كان أول مؤتمر رسمي
يشارك
فيه، فلم تكن قد مرَّت أقل من أربعة شهور على الانقلاب العسكري واستلامه السلطة، وهو
شاب صغير
لا يعرف شيئًا عن البروتوكول وقواعد القمم الدولية، تمامًا كما كنت أنت سنة
٥٢.
قبل بَدْء أعمال القمة، جاء رئيس الديوان الملكي المغربي، يبلغ الملك
«الحسن» أن القاعة جاهزة، وأخذ يد الملك الممدودة إليه فقبَّلها، وفوجئ «القذافي» بما
رأى،
وإذا هو يصيح بأعلى صوته: «ما هذا؟ تقبيل أيادٍ؟ عدنا إلى عصر العبودية … لا … لا … هذا
شيء
مرفوض … مرفوض تمامًا.»
لم تكن اعتراضات «القذافي» على تقبيل يد الملك المغربي هي الصدام
الوحيد له في القمة مع باقي الرؤساء والملوك الحاضرين، فقد خاطب الملك بعبارة «يا حسن»،
وتشاجر مع الملك «فيصل آل سعود»، ووضع مسدسه على الطاولة، مما دفع الملك السعودي إلى
أن يغادر
محتجًّا على «لغة المسدسات»، قبل أن تتدخل أنت والملك «الحسن» الثاني، لإقناعه بعدم المغادرة.
لكن «القذافي» واصل مشاجراته بعد انتهاء الاجتماع، فعندما رأى وزير الداخلية المغربي
الجنرال
«محمد أوفقير» في القاعة بدأ يصيح: «اقبضوا على هذا الرجل، ما الذي جاء به معنا؟ هذا
قاتل (في
إشارة إلى اتهامه بقتل المُعارض المغربي «المهدي بن بركة») مكانه السجن وليس
هنا.»
واختتم «القذافي» مشاجراته في القمة، عندما أبدى الملك «فيصل» بعض
الملاحظات، فقال له القذافي: «يا فيصل …» فما كان من ملك السعودية إلا أن غادر قاعة المؤتمر
بصفة نهائية، واضطُر «الحسن الثاني» إلى رفع الجلسة لتهدئة النفوس.
لكن الخلافات التي اتضحت في الجلسات الأخيرة أدَّت إلى تغيُّب وفود
العراق وسوريا واليمن عن حضور الجلسة الختامية. فأعلنت أنت فشل المؤتمر واضطرارك إلى
مغادرة
الجلسة.
وذكرتَ لهم ما تبيَّن بعد ذلك من أن الملك «الحسن» قد أتاح ﻟ
«الموساد» الإسرائيلي قاعة خاصة مجاورة تابعوا منها مجريات المؤتمر الفاشل وسجلوا
محادثاته.
ثم رغبت في أن تروِّح عنهم، فرويتَ لهم بعضًا من النِّكات التي كان
«السادات» يُتحفك بها دائمًا. مثل قصة الرجل العاطل الذي اصطاد سمكة وجرى بها إلى منزله،
لكن
الزوجة قالت له إن المنزل ليس به زيت لقلي السمكة، فقال لها: اسلقيها إذن. فأجابت: لكن
لا
يوجد جاز للموقد. فأخذ الرجل السمكة وعاد بها إلى البحر وألقاها به، فما إن ارتطمت بالماء
حتى
رفعت رأسها وهتفت: يعيش عبد الناصر.
ثم رويتَ لهم نكتة أخرى بدا أنهم على معرفة بها. فقد هرب كلب سمين من
مصر إلى ليبيا، وهناك وجد كلابًا نحافًا سألوه: إيه اللي جابك؟ ده احنا مش لاقيين ناكل.
فقال:
أنا جاي أهوهو!
فتحَت هذه النكتة بابًا لم ينغلق. قلتَ للأولاد إن العالم كله يحاول
إخراج الشباب من السياسة، ويحاولون إلهاءهم بأنواع من الرقص الجديد ويحولون اهتمامهم
إلى
الرياضة، وفي ذلك خطر كبير.
شردتَ ثم حكيتَ عندما تقدمتَ إلى الكلية الحربية أول مرة، فكانت
الأسئلة التي وُجهَت إليك هي: أبوك موظف كبير؟ في حد من عيلتكم ضابط جيش؟ عندكم أملاك؟
فيه حد
اتكلم عشانك؟ وعندما أجبت على الأسئلة بالنفي، كان الرد هو: أمال انت عاوز تبقى ظابط
ليه؟
هكذا تعمَّق وعيك بالقضية الطبقية بكل تجلياتها.
قدموا لك الهدايا: شبشب من محل «ريفولي» وحافظة مقصات وقمصان من
«حسين جنيدي». قلتَ وأنت تتناولها: وأنا صغير لم يكن يُعمل لي عيد ميلاد.
عادت الأسرة كلها إلى القاهرة في المساء بدونك، واحتفلوا في «منشية
البكري» بعيد مولدك وأطفَئوا الشموع، بينما بقيتَ أنت في القناطر يومين آخرَين. لم تشارك
في
الحفل، ولم يعرفوا أنك لن تشترك بعد ذلك أبدًا.
أحدث إصدارات دار الكتاب الجديد الذي تصدره جريدة «الأهرام»:
«تحت رحمة الأقدار».
السادات نائب الرئيس في جامعة القاهرة: الشهور الستة القادمة ستقرر مصير
المعركة.
الأمن اللبناني يأمر أعضاء المقاومة الفلسطينية بترك مقارهم.
المدفعية الإسرائيلية تقصف «ربه بارين» في جنوب لبنان.
قصة «لطفي الخولي» الجديدة: «الرجل الذي رأى بطن قدمه اليسرى في مرآة مشروخة».
… والفقيد شقيق مدير عام بوزارة التخطيط، وخال مدير تحرير صحيفة يومية، وطالب بالليسيه،
وحرم رائد بالشرطة، وحرم مدير بهيئة القنال، وابن عمة محافظ العاصمة في العهد الملكي،
واللواء بالقوات المسلحة، والمهندس رئيس شركة الأقطان، ومدير بالبنك الأهلي، ومستشار
بمجلس
الدولة، وأخوته المخرج بالإذاعة، والمدرس بالسعودية، والمحامية بهيئة الاستعلامات.
عزاء المقدم «لبيب زكي حبيب».
«أحمد حسين» المحامي ورئيس «مصر الفتاة» السابق طار إلى لندن لاستكمال علاجه على نفقة
الدولة.
بدأتَ معه رحلتك مع السياسة … فبعد صدمة وفاة والدتك، ووجود أم أخرى
في المنزل، طلبت من أبيك أن تنتقل لتقيم مع جدك في مدينة الإسكندرية وتتخلص من صرامته
وقسوته
اللتين تغيَّرتا للعجب مع أبناء الزوجة الثانية. ودخلت بعد ذلك مدرسة «رأس التين» الثانوية،
وأُغرمت بالقراءة وخاصة عن الزعماء والشخصيات البارزة، أمثال «نابليون» و«الإسكندر الأكبر»
و«أتاتورك». وأحببت رواية «عودة الروح» ﻟ «توفيق الحكيم»، ووضعت خطًّا تحت عبارة فيها
تتحدث
عن افتقاد المصريين لقائد مخلص يلتفُّون حوله، وصرت تتخيل نفسك في صورة الزعيم الذي تنتظره
مصر والمنطقة العربية.
وفي إحدى أمسيات يوليو ١٩٣٤ — وكنت قد بلغت الخامسة عشرة أو السادسة
عشرة — كنت تتمشى في المدينة فرأيت حشدًا من الناس يتدفقون نحو ميدان «محمد علي». سرت
معهم
دون أن تعرف الأمر، وعندما وصل الجمع إلى الميدان رأيت الخطباء يلقون الكلمات، والمتظاهرون
يهتفون ضد الاحتلال الإنجليزي. وكان هناك رجال بوليس وجنود إنجليز، وأمام صيحات المتظاهرين
انطلقت عدة طلقات نارية. وهتفت ضد الإنجليز مطالبًا بالجلاء. ثم قُبض عليك مع عشرات
المتظاهرين ووُضعتم في حجز قسم «المنشية». وهناك عرفت أن المظاهرة نظمتها جماعة «مصر
الفتاة»
احتجاجًا على قمع الإنجليز لمظاهرة أخرى في مدينة المنصورة. وفي الصباح جاء شيخ الحارة
وتمكَّن من إطلاق سراحك.
خرجتَ وبحثت عن «مصر الفتاة» فتعرفت على «أحمد حسين» وزميله «فتحي
رضوان». ألهب كلامهما حماسك فانضممت إليهما. وعندما انتقلت إلى القاهرة أقمت في حي «الظاهر»،
وكان ﻟ «مصر الفتاة» مقرٌّ هناك، ولها جريدة اسمها «الصرخة» تُطبع في مطبعة «الرغائب»
خلف
سينما «رويال». كنتَ تحمل أعدادها من المطبعة إلى مقر الجماعة، ثم تساهم بما معك من قروش
لشراء طوابع البريد لإرسالها إلى المشتركين، ثم تحملها إلى «العتبة» وتُودِعها البريد.
وفي
النهاية لا يتبقى معك مِلِّيم فتُضطر للعودة إلى «الظاهر» سيرًا على الأقدام. كانت رحلة
محفوفة بالمخاطر، قُبض عليك خلالها عدة مرات.
ولم تلبث أن تباعدَت الطرق وانجذبتَ إلى الحركات السياسية الأخرى،
مثل «الإخوان المسلمين» والشيوعيين. فلم يكن «أحمد حسين» بارعًا في التنظيم، إذ كان مهيجًا
رائعًا بلا مفاهيم محددة سوى بعض الشعارات الوطنية الحماسية. ومع ذلك لعِب دَورًا رئيسيًّا
في
التحضير للثورة. وكنتم في تنظيم «الضباط الأحرار» توزعون جريدته «الاشتراكية» التي كانت
تصدر
بمانشتات حمراء تفضح فساد الملك وتدعو مباشرة للثورة. وعندما احترقت القاهرة انتقم منه
الملك،
فقُدِّم للمحاكمة بتهمة المسئولية عن حريق القاهرة وصدر الحكم بإعدامه. ولم ينقذه من
المشنقة
غير قيام الانقلاب العسكري. ومع ذلك أبقيتموه في السجن ثلاثة شهور خوفًا من شعبيته وبراعته
في
تحريك الجماهير وإثارتها. ثم استعنتَ بأبرز رفاقه؛ «فتحي رضوان»، أما هو فلم يُفرَج عنه
إلا
بعد أن أدرك أن دَوره قد انتهى وأبدى رغبته في اعتزال النشاط السياسي والتفرُّغ للكتابة.
ولم
يلبث أن أصيبَ بالشلل، ولم يمنعه ذلك من إكمال موسوعة فذة عن تاريخ مصر كتب أجزاء منها
وهو
طريح الفراش.
١٦ يناير
الدفاع الجوي المصري يُسقط ثلاث طائرات سكاي هوك في جبهة القناة.
البنك المركزي المصري يتلقى من حكومة الكويت قسط الدعم الشهري،
وقيمته ٣ ملايين جنيه وربع مليون.
١٧ يناير
مسيرة صامتة للمنظمات الفلسطينية في عمان.
الرئيس عبد الناصر أدى صباح أمس صلاة العيد بعد شفائه من نزلة البرد الحادة التي كان
قد
لزم الفراش بسببها مدة أسبوع.
الصيغة التي اقترحها «هيكل» لتغطية إصابتك الخطيرة بأزمة قلبية،
وكانت الأزمة الثانية. الأولى وقعَت في العام الماضي، وتم على إثرها تركيب مصعد كي لا
تستخدم
السلالم. ولم تكن تغادر حجرة نومك. وتقضي اليوم في المكالمات التليفونية مع قيادة الجيش
والوزراء تُلمُّ بأخبار الجبهة وتعطي توجيهاتك. وتتناول طعامك الخفيف في نفس الغرفة برفقة
زوجتك. كنت في السابق تتناوله في معظم الأحيان مع الأسرة بأكملها، في غرفة امتلأَت جدرانها
وبابها بشخبطات أقلام الألوان. أما الآن فقد أصبحتَ تقضي الأيام بين الفراش وفوتيه بجواره،
وتتطلع طويلًا إلى النافذة المطلة على الحديقة الخلفية. كنتَ تشهد منها في الماضي ابنك
«خالد»
— عندما كان تلميذًا — وهو يتظاهر بإلقاء خطاب عام مقلِّدًا طريقتك. وبعد أقل من أسبوعين
بدأتَ تستقبل الزوار في المكتب الملحق بغرفة النوم. وبعد شهر استخدمت المصعد لأول مرة
ونزلت
إلى مكتبك.
لقد بدأت رحلة المرض سنة ٥٨. بعد حرب السويس وبعد المؤامرة على
سوريا، وبعد الوحدة، وبعد ثورة العراق وسقوط حلف بغداد. هنا اكتشف الأطباء أن لديك مرض
السكر
الذي ورِثته من عائلة الأب، وقالوا إن السيطرة عليه تتطلب: ضبط الطعام، وضبط المجهود،
وضبط
الانفعالات. كان الضبط الأول ممكنًا (باستثناء الجبنة البيضاء). أما الضبطان الآخران
فهما
مستحيلان.
فسرعان ما وقعت أحداث العراق التي فشِلتَ في السيطرة عليها. أردت أن
تفرض مفهومك البائس للديمقراطية — الذي يُلغي كل القوى السياسية عداك — على شعب عريق
له نضال
سياسي طويل وأحزاب عريقة. واستغل العدو نرجسيتك فوقعتَ في الفخ. واندفعتَ كعادتك بكل
قواك في
معركة عبثية مع الشيوعيين. وتبعَتها مشكلات الوحدة مع سوريا. ومشكلاتك مع زملائك القدامى
في
مجلس «قيادة الثورة». ثم ضربة الانفصال ومواجهة آثارها في مصر وفي العالم العربي. ثم
حرب
اليمن، ثم خُطط التنمية المتلاحقة ومنجزاتها ومشاكلها. ثم هموم الانحرافات في أجهزتك
وأخيرًا
هزيمة سنة ٦٧ وانفعالات يومَي ٩ و١٠ المضنية.
خلال ذلك كله، كانت مضاعفات السكر تزداد، وحين أُجري عليك الكشف يوم
١٣ يوليو ٦٧، تبيَّن أنها قد أحدثت تأثيرًا في شريان القدم اليمنى.
ولكنك انغمست في عملية إعادة بناء القوات المسلحة وترتيب الجبهة
الداخلية والجبهة العربية كأنما تعاقِب نفسك على الهزيمة.
وفي الطائرة إلى موسكو في يوليو ٦٨، لم تكن قادرًا على الجلوس في
مقعدك من شدة الألم وفرَش لك الأطباء سريرًا في الجزء المخصص لك من مقدمة الطائرة. وكان
«ياسر
عرفات» على الطائرة ذاهبًا لموسكو، كمستشار فني باسم «أمين»، ولم يكن يعرف بوجوده في
الطائرة
أحد، ولا كان أحد في العالم قد سمع باسمه بعد، ولكنك أخذته معك إلى موسكو ليفتح للمقاومة
الفلسطينية بابًا يكون لها مصدر سلاح. وطلبته ليجلس معك. وحين جاء وجلس بجوارك، كنت قد
سيطرت
تمامًا بإرادتك القوية على آثار الألم ومظاهره على ملامحك.
وظلت سيطرتك كاملة على آلامك وأنت تمر بمحنة الوصول إلى المطار
الروسي والاستقبال الرسمي الذي تحملتَه واقفًا على قدميك، حتى وصلتَ إلى قصر الضيافة
فوق تلال
«لينين»، وأجريت اجتماعًا تمهيديًّا مع الزعماء السوفييت، وتمشيتَ معهم في حديث ودِّي
في
حديقة قصر الضيافة، و«بريجينيف» يُريك أشجار الكريز، ثم صعدت إلى غرفة نومك، وخلعتَ ملابسك
وتمددتَ على السرير. وجاء طبيبك الخاص ثم ذهبتَ إلى مستشفى «بربيخا» وأُجري لك فحص كامل،
كشف
عن وجود تصلُّب في شرايين الساق. وطلبوا منك الامتناع عن التدخين إلى
الأبد.
أطفأت آخر سيجارة، وهجرت الترف الوحيد في حياتك. لكن ربيع ٦٩ وصيفها
شهدا بداية معارك المدفعية، ثم عمليات العبور الجسورة التي تابعتَها ليلةً بليلة، متعرفًا
على
اسم كل قائد يدخل بمجموعته، مستفسرًا عن الخسائر التي لحقَت بهم. ثم أعلنتَ بَدء حرب
الاستنزاف في يوليو، واشتدت المعارك على الجبهة المصرية. وحين طُرح أمامك في تلك الظروف،
موعد
زيارتك الثانية إلى «تسخالطوبو» لكي تنتهيَ كل الآلام، أشرتَ بتأجيل الموعد إلى شهر سبتمبر
حتى تكون الظروف قد تكشفَت. وبدأَت الآلام تعود إليك حادةً مرة أخرى تكاد لا
تُحتمل.
كان الألم يستحكم إذا مشيت أكثر من عشر دقائق، وإذا جلست ثابتًا في
مكانك أكثر من ساعة. لكن العناء لم يقيد روحك المرحة وقدرتك الدائمة على رؤية الناحية
المشرقة
في كل الأشياء وكل الأحداث.
ثم جاء يوم ١٠ سبتمبر ٦٩.
كنت تشهد تدريبًا عمليًّا على طريق السويس، وإذا بأنباء ترد في
الساعة التاسعة صباحًا أن الإسرائيليين قاموا بعملية إنزال في منطقة «الزعفرانة» على
خليج
السويس. وبدأَت الأنباء الصادرة من تل أبيب وبعض العواصم الدولية تصوِّر العملية على
أنها
محاولة لغزو مصر، بل إن بعض الوكالات بعثَت برسائل صحفية تقول إنها من «مصر المحتلة»،
وأمرتَ
برفع حالة الاستعداد لدى القوات المصرية.
وعُدتَ إلى القاهرة بعد ساعتين وبدأتَ تتلقى الأنباء وتسأل عنها.
ونحو الساعة الخامسة بعد الظهر بدأ يتضح أن الهدف من العملية الإسرائيلية كان نفسيًّا
لأنهم
سحبوا قواتهم مع حلول الليل.
وكنتَ قد حددتَ موعدًا لسفرك إلى «تسخالطوبو» بعد
أيام.
وفي اليوم التالي شعرتَ بإرهاق شديد مصحوب بنوع من الدوار. واكتشف
الأطباء إصابتك بجلطة جديدة، وطلبوا منك أن تبقى في الفراش بغير حركة لمدة ثلاثة أسابيع.
ودعوت «هيكل» إلى غرفة نومك لتستشيره في الأمر، وسألته كيف يمكن أن تغطي غيابك لثلاثة
أسابيع
كي لا تقلق البلد، فاقترح قصة الأنفلونزا.
ليلتها كانت هناك أزمة بين حكومة الأردن والمقاومة، وبعث الملك
«حسين» برئيس وزرائه «بهجت التلهوني» إلى القاهرة، برسالة منه إليك. وجاء «بهجت التلهوني»
يطلب مقابلتك لأن الموقف خطير، وقيل له إن الرئيس تعرَّض لنوبة أنفلونزا وهو راقد في
فراشه.
وكأنما أراد التلهوني أن يتأكد من وجودك على قيد الحياة فقال إنه إذا عاد بغير مقابلة
معك،
فسوف يقدم استقالة وزارته. وتم الوصول إلى حل وسَط: يصعد «التلهوني» إليك في غرفة النوم،
يراك
ولكن لا يبحث معك شيئًا، بحيث يستطيع أن يقول للملك إنه اجتمع بك، بينما يبحث ما يريد
مع
النائب أنور السادات.
ولم يعرف أحد بما جرى تلك الليلة، حتى قرينتك لم تساورها الشكوك إلا
عندما وجدت العمل يجري في تركيب مصعد.
وطارت رسالة سرية عاجلة إلى موسكو، وجاء الدكتور «شازوف» وزير الصحة
في الاتحاد السوفييتي، وهو نفسه من أكبر خبراء القلب.
أجرى الكشف، وكانت النتيجة نفس النتيجة.
قلت له: كان مقررًا أن أجيء إلى «تسخالطوبو» لأستكمل علاج التهاب
الشرايين.
قال «شازوف»: سيدي، لم يعد هذا ممكنًا لأن القلب لا يحتمل العلاج
بالماء الطبيعي، إلا بعد مرور خمس سنوات على الأقل.
وراودتك مرة أخرى فكرة الاعتزال، ليس من أجل نفسك ولكن من أجل
«البلد». فكرتَ بأن ذلك قد يفسر بأنك يائس من نتيجة المعركة، وسوف يؤثر تأثيرًا كبيرًا
على
القوات المسلحة وعلى جماهير الأمة العربية.
وفكرتَ: هل يمكن عمل تنظيم جديد للعمل يخفف عنك بعض ما تتحمل؟ ورأيت
أن الواقع لا يسمح بذلك. كل وفد يجيء يريد أن يتحدث معك. كل مناسبة عامة لا بد أن تظهر
فيها.
كل أمر متعلق بالمعركة لا بد أن تبت فيه بنفسك. صميم المسألة كما يلي: طالما أنك موجود
فلا بد
أن تباشر. وإذا توقفت عن المباشرة فلا يمكن أن تكون موجودًا.
أو هكذا أقنعت نفسك!
وتلاحقت الحوادث، وأنت وسطها تقودها وتقودك. مؤتمر القمة في الرباط،
وزيارتك الأولى لليبيا، يوم وقفت في «بني غازي» أربع ساعات كاملة على سيارة جيب تخوض
بحرًا من
البشر. وعدت إلى مصر بأنفلونزا حادة — حقيقية هذه المرة — وضرورة أن تستريح بعض
الوقت.
إسقاط ٣ طائرات سكاي هوك إسرائيلية فوق خليج السويس،
ساعات رائعة لقوات الدفاع الجوي المصري.
ابتداءً من الثانية ظهرًا وأنت تنتظر الأخبار. قلبك يدق بقوة. أسقطنا
أول طائرة في الثانية والثلث. تتوقع تصاعد الغارات الإسرائيلية داخل مصر حتى تصل إلى
٤٢ غارة
في اليوم. وحتى الآن كان النجاح المصري محدودًا في تعزيز نظام الدفاع الجوي عن الجبهة،
لكن
العدو يملك آخر المخترعات الإلكترونية الأمريكية بحيث يستطيع رصد تحركات الجانب المصري
وكشفها
بسرعة البرق، وكان لا بد من محاولة ثالثة لتعزيز الدفاع الجوي بصواريخ سوفييتية جديدة.
وتحدَّد يوم معين لبَدء تنفيذها. وكنتَ تستعرض في مخك بضع وقائع معينة طرأت أخيرًا، وشكوك
خطرت لك. وقبل ساعة الصفر دفعك شعور غامض إلى إصدار قرار بتأجيل التنفيذ. والغريب أن
الجبهة
تعرضت في تلك الليلة بالذات لموجة لم يسبق لها مثيل من الغارات كأنهم كانوا يعرفون. إذن
كنت
على حق: هناك من يُسرِّب أسرارنا. من يكون؟ استعرضت الأفراد الذين قد يكونون علموا بالأمر.
أنت تشك من مدة، وقد فشلت الأجهزة الأمنية المتعددة في اكتشاف العدو الداخلي. هل تشكل
جهازًا
أمنيًّا جديدًا؟
١٨ يناير
عودة الملك «فيصل» إلى الرياض بعد ثلاثة أسابيع من الفحوص الطبية في فرنسا تلتها أربعة
أيام في سويسرا.
ثورية قبل التنمية أم تنمية ثم ثورية؟
الخطة الثالثة للتنمية تستهدف الصناعات الإنتاجية الثقيلة والوسيطة بدلًا من الصناعات
الخفيفة والاستهلاكية.
١٩ يناير
القوات المصرية تبيد مجموعة من الضفادع البشرية الإسرائيلية حاولت عبور القناة.
«البرافدا»: مئات الآلاف من العرب في الأراضي المحتلة أُخرجوا عَنوة من ديارهم ودمر
الإسرائيليون ٧ آلاف منزل.
الوزير اللبناني «بيار الجميل» يطالب بإعادة توزيع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان على
الدول العربية.
افتتاح المؤتمر السادس والثلاثين للمجمع اللغوي المصري برئاسة د. «طه حسين».
في المستشفيات المصرية: ١٥ قرشًا لطعام المريض طول اليوم.
المأساة تبدأ من لحظة التوريد وما يجري فيها من عجائب مرورًا بمطابخ ما زالت تعمل بطريقة
بُدائية، وانتهاءً بموقف لا يعثر فيه أحيانًا على صينية لتقديم الطعام. في أغلب
المستشفيات العامة والمركزية اﻟ ١٧٩ والمجموعات الصحية اﻟ ٥٧٨ يتولى توريد الأغذية متعهد
خاص. بعض هؤلاء يُسند التنفيذ لمقاولين من الباطن. وفي مقدور هؤلاء المتعهدين انتزاع
عمليات التوريد من شركات القطاع العام بطُرقٍ لا حصر لها. بعضهم مثلًا يقدم كميات كبيرة
من مأكولات معينة لا تطابق المواصفات، وإذا اعترضت لجنة الاستلام يطلب توقيع الغرامة
التافهة المقررة لتشتري المستشفى ما تحتاجه من السوق وهو يعرف أنه منتصر في
النهاية.
٢١ يناير
قوات المقاومة تقصف للمرة الثانية مصانع البوتاس الإسرائيلية، مما أدى إلى
توقفها.
تصاعُد عمليات المقاومة في غزة ووادي الأردن.
«أبا إيبان»: عبد الناصر العدو الأول لإسرائيل.
إعدام ٢٢ عراقيًّا بتهمة التآمر على نظام الحكم، بينهم ١٨ عسكريًّا، فبلغ بذلك عدد
المعدومين بهذه التهمة ٤٠ عراقيًّا.
إنتاج قلعة الصناعات الحربية والمدنية في «حلوان» (٢٠ ألف عامل ماهر) يرتفع إلى ٥
ملايين جنيه في نهاية العام.
٢٢ يناير
زيارة سرية للرئيس عبد الناصر إلى الاتحاد السوفييتي استمرت أربعة أيام.
طلبت منهم سلاحًا يستطيع أن يواجه الطيران الإسرائيلي المنخفض، وهو
طلب صعب لأن هذا السلاح (صواريخ سام ٣) لم يسبق أن خرج من أرض الاتحاد السوفييتي نفسه.
وبعد
مباحثات وافقوا على إمداد مصر بالسلاح الجديد خلال ٢٠ يومًا. لكن ذلك لم يكن كل شيء،
فالقوات
المصرية لن تتمكن من استيعاب السلاح الجديد إلا بعد ستة شهور؛ لهذا طلبت أيضًا أن يقوم
الخبراء السوفييت بالمساعدة في تشغيله إلى أن يتم استيعاب القوات المصرية
له.
كان هذا الطلب أكثر صعوبة، فهذه أول مرة يقوم فيها السوفييت بتجربة
من هذا النوع. فكما قال لك «كوسيجين» في البداية: هذا العمل يمكن أن يؤديَ إلى صدام بيننا
وبين الولايات المتحدة. ثم أضاف «بريجنيف»: قواعد الصواريخ تحتاج لحماية جوية، فإذا فكَّرنا
في إرسال صواريخ، فمعنى ذلك أن نفكر في إرسال قوات جوية في نفس الوقت لحماية
الصواريخ.
أعلنت موافقتك على أن يرسل الاتحاد السوفييتي قوات جوية لحماية
صواريخ سام ٣، لكن «بريجنيف» عاد يقول: إن هذا يعتبر تحديًا من جانبنا للولايات المتحدة
عسكريًّا.
ثم طلبوا مهلة للتشاور حتى الغد.
«الجارديان البريطانية»:
الإسرائيليون يعيشون على أمل حدوث تغيير في حكم مصر.
مخابرات إسرائيل وراء تفجيرات لبنان.
راديو بغداد يقطع إذاعته ويعلن إحباط مؤامرة لإسقاط الحكومة بالتعاون مع دوائر أجنبية.
قرأ البيان «محمد سعيد الصحاف» المدير العام للإذاعة والتليفزيون. وقال البيان: إن «مجموعة
خائنة» حاولت النَّيل من ثورة السابع عشر من تموز الخالدة … الثورة التي أقضَّت بجماهيريتها
وتقدميتها وعمقها الثوري مضاجع الاستعمار والرجعية والصهيونية والتبعية.
اقتراح في مجلس الأمة بإعادة تسعير اللحوم بحيث لا يزيد سعر الكيلو عن ٥٥ قرشًا.
القوات الجوية الليبية تتسلم قاعدة «ناجوراه» أهم مركز للمخابرات العسكرية الأمريكية
وحلقة الاتصالات اللاسلكية بقواعد حلف الأطلنطي في غرب أوروبا وغرب آسيا. وتمت بذلك المرحلة
الثانية من تسليم قاعدة «هويلس» الأمريكية الجوية الضخمة للسلطة الليبية الجديدة.
الذكرى الثانية
للفقيد الملازم أول «راشد حسان».
إعدام ١٢ عراقيًّا بتهمة التآمر.
تم بعد ظهر أمس إعدام ١٢ عراقيًّا بعد محاكمتهم أمام محكمة عسكرية خاصة بتهمة التآمر
لإسقاط حكومة العراق بالتعاون مع دوائر أجنبية. وقد بدأت المحكمة الخاصة عملها في الساعة
الثانية بعد الظهر بعد حوالي ساعة ونصف ساعة من البيان الذي أصدره مجلس قيادة الثورة.
وأصدرت المحكمة الخاصة بيانًا بتنفيذ حكم الإعدام في المجموعة الأولى من المتهمين، وتضم
٥
عسكريين في الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر. ثم أعلنت إعدام مجموعة ثانية من ٦ عسكريين
ومدني واحد. وقال البيان إن المتآمرين أرادوا الرجوع بالعراق إلى ما قبل ثورة ١٧ تموز
«إلى
عهد الإقطاع والرجعية والاستغلال، ومنعه من تحقيق رسالته الخالدة بتحرير فلسطين.»
السعودية تسدد نصيبها لمصر من قسط الدعم المخصص للمعركة مع العدو، وقدره ١٠ ملايين جنيه
وربع المليون.
أحد المكاسب التي حصلت عليها من مؤتمر الخرطوم سنة ٦٧ الذي انعقد بعد
شهرين من الهزيمة. لو لم تحصل على الدعم المالي الذي قرره المؤتمر كانت البلاد ستعاني
بشدة
على نهاية العام. ومنذ اللحظة الأولى كنت حاضر البديهة، فقد وصلت طائرتك إلى مطار الخرطوم
في
نفس الوقت مع طائرة الملك فيصل، وعندما سألك مدير المراسم إن لم يكن لديك مانع في أن
تخرج مع
الملك «فيصل» في سيارة واحدة كانت إجابتك على الفور بالنفي سريعة وقاطعة. وصح تقديرك،
فما إن
ظهرت في سيارتك خارج المطار حتى انطلق مئات الألوف من السودانيين الذين انتظروك ساعات
في الحر
الشديد والرطوبة الخانقة يهتفون بملء حناجرهم: ناصر ناصر.
وكان «فيصل» سيشاركك هذا الاستقبال الذي تمنيته فحرمته منه. وبقدر ما
أنعشتك هُتافات الحشود في العاصمة السودانية، بقدر ما شعرت من مهانة وأنت تواجه «فيصل»
مبتسمًا ومُرحبًا.
وفي جلسات المؤتمر الذي ضم قادة العالم العربي كان الملك «فيصل»
يخاطبك بلازمة متكررة: طال عمرك. توشك أن تبتسم في مرارة لأنك تعرف تمامًا أنه يتمنى
لك
العكس. تاريخه معك ينطق بذلك. فعندما كان وليًّا للعهد ذهب إلى واشنطن في سنة ٦٢ يتوسل
الدعم
في مواجهة التهديد الذي صرت تمثله للأنظمة الرجعية في المنطقة. فأرسلت إليه الولايات
المتحدة
مظلة طائرات. ثم جمع أُلوفًا من المرتزقة الأوربيين بالإضافة إلى آلاف من ملكيي اليمن
المؤيدين للإمام المخلوع «البدر». واشترك في هذه العملية المخابرات المركزية والمخابرات
البريطانية والملك «حسين» و«هيلاسيلاسي» إمبراطور إثيوبيا ومخابرات شاه إيران والمخابرات
الباكستانية والموساد. وكان المنسق العام لهذه العملية «روبرت كومر» مسئول الشرق الأوسط
في
مجلس الأمن القومي الأمريكي حينها. وقام «فيصل» بتمويل وتسليح تنظيم إخواني بواسطة إخوان
السعودية وعبر إخوان السودان («حسن الترابي» و«صادق عبد الماجد»)، وبالتنسيق مع «سعيد
رمضان»
(وغيره ممن يتعامل معهم من أجهزة مخابرات غربية)، وبغرض إسقاط نظامك بالاغتيالات
والتفجيرات.
وبالرغم من ذلك قمت بعدة محاولات لإيقاف حرب اليمن، عبر التوصل إلى
حل سياسي بالاتفاق مع آل «سعود». آخرها في أغسطس ٦٥.
لكن عام ٦٥ كان عام القرار الأمريكي بتصفيتك أنت ونظامك. تجليات قرار
التصفية كانت عديدة؛ شملت تكليف «فيصل» بتأسيس «الحلف الإسلامي» ليصبح القطب المعاكس
لتيار
القومية العربية، تحت شعار أيديولوجي جذاب. شملت كذلك وقف معونات القمح لإيصال الضغط
الاقتصادي على مصر إلى مداه الأقصى.
ومع دخول عام ٦٧ كانت رءوس أغلب زعماء حركات التحرر العالمية وعدم
الانحياز قد أينعت وقُطفت مثال «سوكارنو» و«نكروما» و«بن بللا» و«بن بركة» و«باباندريو».
وكان
«فيصل» قد اكتشف بفضل رئيس مخابراته وصهره «كمال أدهم» تنظيمًا عسكريًّا سريًّا يقوده
العقيد
طيار «داود الطويل» كان يتأهب للقيام بانقلاب يطيح بآل «سعود» في يونيو ٦٩. وقبل إعدام
الانقلابيين بإلقائهم من الطائرات فوق الربع الخالي، اعترف بعضهم تحت التعذيب الوحشي
بصلته مع
معاونك «سامي شرف». وتصور «فيصل» في ٦٧ أن أمرك قد انتهى. لكنك نهضت من كبوتك
بمعجزة.
فماذا يدبر الآن؟
٢٣ يناير
في صباح ذلك اليوم جرى الاجتماع الحاسم بالقيادة السوفييتية. وكنتَ
قد شعرتَ بفطنتك النابعة من تجاربك الذاتية بوجود صراع خفي بين أفراد القيادة الثلاثة،
وتبينتَ أن الصراع العربي الإسرائيلي يُمثِّل أحد محاور هذا الصراع، كما حزرتَ من التصرفات
والإيماءات وإيحاءات الجسد أن «بريجنيف» هو الذي سيفوز في هذا الصراع. وقال «بودجورني»
رئيس
الدولة: ما تطلبه معناه أن نجد أنفسنا مشتركين في الحرب، وهذا وضع شديد الخطورة. وسايره
«كوسيجين» رئيس الوزراء، ثم «بريجنيف» سكرتير الحزب. وهنا قامرتَ من جديد.
قلتَ: «طب ولما تعطي الولايات المتحدة نفسها حق التصرف بدون خوف من
أحد في مساعدة إسرائيل، في حين أنكم تترددون باستمرار قبل الإقدام على خطوة واحدة؟ كل
الأصدقاء هنا يعلمون أنني في يوم ٩ يونيو ٦٧ أعلنتُ التنحي عن السلطة في مصر، ثم اضطررت
للعدول عن هذا القرار تحت ضغط شعبي مصري وعربي ودولي لحد ما. وأتصور أني أستطيع أن أتحمل
المسئولية حتى إزالة آثار العدوان. وبالمنطق الذي سمعته منكم ونتائجه على جبهة القتال
فإن هدف
إزالة آثار العدوان لم يتحقق، وبالتالي فمن واجبي أن أعود إلى الشعب في مصر والأمة العربية
واضعًا الحقيقة أمامهم وأصارحهم بأن الدنيا فيها قوة واحدة قادرة هي الولايات المتحدة،
وعليهم
أن يقبلوا ذلك حتى ولو اضطُروا للاستسلام. وبما أني لن أكون الرجل الذي يقبل بالاستسلام،
بل
ولا يُقبل منه ذلك، فإني سوف أترك مكاني لشخصٍ آخَر يستطيع ذلك ويُقبل منه، مثل زكريا
محيي
الدين فهو الذي يستطيع التفاهم معهم».
تكهرب جو القاعة فجأةً وتداخلت الأصوات إلى أن قال «بريجنيف»: «أنت
بهذا الشكل تضعنا في مأزق». ثم قال: «صديقنا ناصر، من فضلك أعطِنا فرصة.»
وغادرتَ قاعة المكتب السياسي مع الوفد المصري، وانتظرت وقلبك يدق،
فمصيرك الشخصي ومصير مصر والأمة العربية يتعلق بالدقائق أو الساعات القليلة
القادمة.
وفي الساعة الخامسة دعيت أنت ومعاونوك للعودة إلى قاعة الاجتماعات،
وبادرك «بريجنيف» قائلًا على لسان المترجم: «أيها السيد الرئيس جمال عبد الناصر، إني
أعلن لكم
أن القيادة السوفييتية بمؤسساتها توافق بالإجماع على تنفيذ مطالبكم كاملة» أي على إمدادك
بصواريخ سام ٣ وطائرات ميج ٢٤ بأطقم سوفييتية وطيارين سوفييت؛ لأن تدريب المصريين على
هذه
الطائرات سيستغرق وقتًا طويلًا.
هكذا انتصرت.
معركة ضارية بين القوات المصرية والإسرائيلية في جزيرة «شدوان» بالبحر الأحمر.
كتيبة مظلات إسرائيلية معززة بغطاء من الطيران اقتحمت الجزيرة المصرية الواقعة في خليج
السويس، واستمرت المعركة ٣٦ ساعة انتهت بانسحاب العدو، وسقط من القوات المصرية ٧٠ فردًا
بين
قتيل وجريح.
كشف مؤامرة لقلب حكومة اليمن الجنوبية.
عدن تتهم المخابرات الأمريكية بالتعاون مع الإخوان المسلمين.
ارتفاع عدد المعدومين في العراق إلى ٤٠ بينهم «رشيد مصلح» وزير الداخلية السابق الذي
شارك في الإطاحة بحكم «عبد الكريم قاسم» عام ١٩٦٣.
استمرار المحاكمات في العراق لخمسين آخرين.
جربت صراع السلطة كثيرًا منذ اليوم الأول: «محمد نجيب» و«رشاد مهنا»
والإخوان المسلمين والشيوعيين والأخوَين «صلاح» و«جمال سالم» و«البغدادي» والضباط الآخرين
الطامحين وصولًا إلى «شمس بدران» و«عبد الحكيم عامر» نفسه. وكانت كفَّتك دائمًا هي الراجحة،
فتخلصت منهم جميعًا واحدًا بعد الآخر. لكنك لم تُرِق دماءً مثل العراقيين. هل هي اختلاف
طبائع
الشعوب؟
كنتَ قد قرأتَ كتاب «سامي الجندي» أحد مؤسسي حزب «البعث» العراقي،
بعنوان «البعث». تناولتَه وقلبتَ صفحاته. قرأتَ: الجذور الفكرية للعنف لدى حزب البعث
تجدها في
قول مؤسسه «ميشيل عفلق»: «… العمل القومي القابل للنجاح هو الذي يدفع إلى الكره الشديد
حتى
الموت نحو الأشخاص الذين تتمثل فيهم الفكرة المعاكسة … يجب أن يبادوا حتى تبيد هي
أيضًا.»
وروى «الجندي» مأساة العميد الركن «مصطفى نصرت»، أحد قادة حزب
«البعث» الذي لم يكن على وفاق مع «صالح مهدي عماش»، فقد اقتحمت مجموعة من جنود جهاز خاص
في
الحزب، يشرف عليه السفاح «صدام حسين»، حجرة نومه وذبحوه كما تُذبح الشاة، ثم مدَّدوا
جثته على
الفراش وأغلقوا الباب وانصرفوا في هدوء. بينما أجبرت مجموعة أخرى خادم القتيل على ركوب
سيارة
القتيل واصطحبوه حتى كربلاء. وهناك أطلقوا سراحه حتى إذا ابتعد أمتارًا عادوا فألقَوا
القبض
عليه، واستدعَوا الشرطة لتُوجِّه إليه الاتهام بقتل «مصطفي نصرت» وسرقة سيارته. وتحت
التعذيب
المتواصل كانت المساومات تتم؛ إنقاذ رقبته نظير الاعتراف بأنه قتل العميد لأسباب أخلاقية.
وفوجئ شعب العراق بشاشة التليفزيون تعرض صورة الخادم وهو يدلي باعترافاته.
وللحق أنك كنت دائمًا تنفر من سفك الدماء. وقفت ضد إعدام الملك،
بينما كان أعضاء مجلس قيادة الثورة يميلون إلى ذلك. قلت لهم إن الدماء تؤدي إلى المزيد
من
الدماء. ونجحت في إقناعهم، لكنك فشلت في حادث العاملين «خميس» و«البقري».
وعندما أعدمت ستة من أعضاء الإخوان المسلمين في سنة ٥٤، ثم سبعة سنة
٦٥، كان ذلك ردًّا على لجوئهم للعنف ومحاولة اغتيالك شخصيًّا، لكن لم يكن لديك عذر عندما
قُتل
«شهدي عطية» تحت التعذيب في سنة ٦٠ (وقبلها ستة من رفاقه في حوادث تعذيب متفرقة). فلم
يستخدم
الشيوعيون المصريون السلاح قط، على العكس منك شخصيًّا في محاولة اغتيال «حسين سري عامر»
قائد
الجيش الملكي قبل الثورة بأيام.
جاء حادث «شهدي» في أوج صدامك مع الشيوعيين في سوريا والعراق، وكنتَ
غاضبًا من محاولتهم إحباط حُلمك في إقامة دولة عربية كبرى — تنفرد بالسلطة فيها — وإصرارهم
على الاحتفاظ بأدوارهم في الوحدة الموعودة. وكنت تتعامى عما يرِدك من أنباء حول جرائم
التعذيب
التي يمارسها أنصارك ومعاونوك، كما حدث عندما جعل الصاغ «أبو نار» وزميله «حمزة البسيوني»
من
نفخ البطون عرضًا يوميًّا في السجن الحربي، ومارس اللواء «إسماعيل همت» ساديَّته في معتقل
«أبو زعبل» بحفلات تعذيب يعقبها اللهو الفاضح مع الجنود الشبان، واستمتع «حمزة البسيوني»
بالجلد على «العروسة» في معتقل «الفيوم»، وتنوَّعت أشكال التعذيب من عد الحشائش في الفناء
إلى
القيام بعرض «عجين الفلاحة» إلى أسياخ الشواء المحمية أمام ضيوف من المباحث والمخابرات
وغيرهم، وأذاب «عبد الحميد السراج» جثة «فرج الله الحلو» سكرتير الحزب الشيوعي اللبناني
في
الأحماض. لم تكن ضد فكرة التعذيب الخفيف، وتعتبره نوعًا من الرياضة العسكرية
العنيفة!
السادات في بنها: لنستعد ليومٍ تتصاعد فيه المعركة مع العدو إلى مواجهة حاسمة.
حضر اللقاء الجماهيري «عبد المحسن أبو النور» و«لبيب شقير» و«ضياء الدين داود» أعضاء
اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي و«شعراوي جمعة» أمين التنظيم.
«بابكر عوض الله» عضو مجلس الثورة السوداني:
الشعب العربي يؤمن بعبد الناصر.
مراسل «شيكاغو نيوز» الأمريكية الذي رافق القوة الإسرائيلية عند
هجومها على جزيرة «شدوان»: رغم أن الطائرات الإسرائيلية قصفت الجزيرة بشدة لعدة ساعات
قبل
محاولة إنزال قواتها فقد واجهت مقاومة شرسة من جانب القوات المصرية. وعندما تمكَّن
الإسرائيليون من النزول على الطرَف الشمالي الشرقي للجزيرة بدءوا في إذاعة نداءات مكررة
بالميكروفون تدعو القوات المصرية للتسليم، لكنها قوبلت بقذائف المدافع. ولم يكن أيُّ
موقع
مصري يتوقَّف عن الضرب إلا عندما تنتهي ذخيرته. وعندما انتهت ذخيرة أحد المواقع وكان
به
جنديان، أسرهما الإسرائيليون ثم طلبوا من أحدهما الذَّهاب إلى مبنى صغير قرب فنار الجزيرة
ليقنع من فيه بالتسليم. وعاد الجندي ليقول إنه وجد المبنى خاليًا. وعلى الفور توجَّه
إلى
المبنى ضابط إسرائيلي ومعه عدد من الجنود لاحتلال المبنى، وما كادوا يدخلونه حتى فوجئوا
بالنيران تنهال عليهم من مدفع رشاش يحمله ضابط مصري، فقتل الضابط الإسرائيلي وبعض الجنود
الذين كانوا معه، كما أصيب الضابط المصري بعد أن تكاثر عليه جنود العدو. وفي موقع آخر
خرج
جنديان مصريان متظاهرَين بالتسليم فتقدمت قوة إسرائيلية للقبض عليهما، وفوجئت بجندي ثالث
يبرز
فجأة من الموقع، ويصب على القوة المهاجمة رَصاص مدفعه الرشاش، فقتل ٥ وأصاب عددًا
آخر.
٢٥ يناير
الطائرات المصرية تشن ٥ هجمات ضد العدو خلال ٢٤ ساعة.
السادات: بسالة جنودنا مثَل رائع للتفاني في أداء الواجب.
جنازة شعبية وعسكرية لشهداء «شدوان».
إعدام ٣ آخرين في مؤامرة العراق.
تنعى الأسرة شهيد الواجب والوطن
مقدم بحري «حسني محمد حماد».
قاد زورق الطوربيد الذي نقل تعزيزات إلى القوة المرابطة في جزيرة «شدوان»، وعندما اقترب
من الجزيرة هاجمته الطائرات الإسرائيلية، فأطلق ستارة من الدخان وأخذ يسير في خطوات
مُتعرِّجة، واستمر في محاولات الهروب من هجمات الطائرات، واستطاع بذلك إنقاذ أكثر من
٨٠
بالمائة من رجاله قبل أن يصاب الزورق ويصاب هو بشظية أدت إلى استشهاده. حصل على رتبة
الملازم ثانٍ عام ١٩٥٣ وألحق بلنشات الطوربيد حيث التقى ﺑ «جلال دسوقي» الذي استشهد في
معارك العدوان الثلاثي سنة ١٩٥٦.
وحدة كوماندوز مصرية تدمر محطة رادار للعدو
في منطقة «أبو سمارة» بسيناء.
مصرع وإصابة ٥٠ إسرائيليًّا في انفجار ﺑ «إيلات».
الانفجار وقع في سيارة مليئة بالمتفجرات في الميناء الحربي.
SEX SEX SEX
في ملهى المقطم العالمي
احجز مائدتك مقدمًا.
ثالث انفجار في بيروت خلال أسبوع.
٢٦ يناير
نصف مليون يشيعون جثمان «حسني حماد» بالإسكندرية.
القبض في عدن على عناصر أخرى من الإخوان المسلمين.
يوم لا يُنسى في تاريخ مصر الحديث عندما احترقت القاهرة إيذانًا
بزوال النظام الملكي، الحريق البشع الذي دبَّره الملك بالتعاون مع الإنجليز وشاركت فيه
— فيما
يبدو — عناصر من بعض المجموعات السرية التي امتلأ بها الجيش تكوَّنت قبل مجموعتك (مجموعة
«عزيز المصري»، ومجموعة «جمال منصور»، ومجموعة «الجمعية العسكرية لضباط البوليس والجيش»،
ومجموعة الحرس الحديدي التي كوَّنها «يوسف رشاد» من «مصطفى كمال صدقي» و«أنور السادات»،
ومجموعة «عبد اللطيف البغدادي» و«وجيه أباظة») وكان تنظيم «الضباط الأحرار» على اتصال
ببعضهم،
وربما ظنوا أن الحريق يؤدي إلى سقوط النظام الملكي، وهو ما جعلك تُغلق باب التحقيق في
الأمر
إلى الأبد. تلك كانت مرحلة عدم الوضوح والتخبُّط، ثم الانتقال من الاغتيالات الفردية
والأعمال
الإرهابية إلى الانقلاب العسكري والثورة الكاملة.
٢٧ يناير
تُقلُّك السيارة من المطار في الموكب المعهود، وتنطلق في شوارع الفجر
المهجورة. تدخل السيارة من البوابة إلى فناء صغير يحيط به الحرس الجمهوري. إلى اليسار
ملعب
التنس الذي تحول إلى قاعة للسينما، إلى اليمين مبنى المكتبة الذي أقمتَه ليتلقَّى يوميًّا
أحدث الإصدارات في أنحاء العالم. تتوقَّف سيارتك أمام مدخل الفيلَّا الصغيرة: ثلاثمائة
أصيص
من النباتات المزهرة في ثلاث صفوف على ارتفاعات مختلفة، ستة أعمدة من الخرسانة فوق كلٍّ
منها
ضوء للزينة يستمر مضاء حتى الثالثة أو الرابعة صباحًا.
تردد في صوت خافت أغنية «نجاة»: «ما أحلى الرجوع إليه!» إنه
البيت.
تتحامل على نفسك وتترجل. ترنو ببصرك إلى طرف الحديقة الخلفية. في ركن
بعيد منها شجرة كبيرة تحتها عدة مقاعد ومنضدة وقاعدة من الحجر، حيث كنت تعمل في أيام
الصيف
المعتدلة وإلى جانبك جهاز تليفون.
باب تغطيه زخرفة حديدية بموتيف يتألف من زهرة اللوتس، وقد أُضيفَ
إليها عنصر قبطي، على جانبيه طفايتا حريق ألمانيتان من عام ٦٤. تمر إلى صالون طوله وعرضه
عشرون قدمًا، وفي جانب من الحجرة مدفأة من الطوب الأحمر والرخام الأسود على رفها ثماني
صور
موقعة من أصحابها في براويز فضية للرئيس السوري السابق «شكري القوتلي» و«سوكارنو» رئيس
إندونيسيا و«نهرو» رئيس وزراء الهند و«هيلا سيلاسي» إمبراطور إثيوبيا و«تيتو» و«شواين
لاي»
ورئيس فنزويلا. إلى اليمين فوق رخامة صورة «نكروما»، وعلى الحائط فوق المدفأة صورة زيتية
كبيرة لطفلين من الفلاحين مهداة من الحكومة الإسبانية، وعلى الحائط المقابل رسم تقليدي
لسرب
من الطيور. الأثاث مرتب بطريقة هندسية، فأمام المدفأة كرسيان كبيران مزخرفان في مواجهة
بعضهما، بينهما منضدة صغيرة للقهوة. هنا تُستقبل كبار الشخصيات الأجنبية. في الجانب المقابل
من الحجرة طقم من الأثاث المذهب تقليد للطراز المعروف بلويس الرابع عشر، يتكون من أريكة
ونصف
دستة من الكراسي المغطاة بقماش البروكار الثقيل المُطرَّز بالورد وثلاث ترابيزات صغيرة.
ويتدلى من سقف الصالون نجفة كبيرة من الكريستال. أرض الحجرة مغطاة بسَجَّادتَين شرقيَّتَين
كبيرتَين وسَجَّادة صلاة ذات لون أزرق وأحمر أمام المدفأة. الأثاث كله عهدة حكومية أضفت
لها
كثيرًا من القطع. أما الجدران فلونها رمادي فاتح، والسقف أبيض، والشبابيك مغطاة بالستائر،
والمنزل كله مجهز بتكييف مركزي من شركة «كولدير» المصرية، إحدى شركات القطاع
العام.
يُطلُّ شباكان من الصالون على غرفة أرضها مُغطَّاة بالحجر بها طاولة
بنج بونج، وكان يغطيها في إحدى المراحل قطار كهربائي من ألعاب الأطفال. الشباكان مزودان
بالسلك لمكافحة الناموس. السقف يدور به تجويف للأنوار الكهربائية.
مكتبك في الطرَف الآخر من الصالة المقابل للصالون. حائطه البعيد من
الطوب الزجاجي وأمامه مكتب طوله سبعة أقدام عليه أكوام من التقارير والصحف، خلفه مقعد
جلدي
حديث متحرك ذو مسندٍ عالٍ. أمامه صوان خشبي يضم جهاز بيك أب وتليفزيون وراديو طراز جروندينج.
هذه منطقة يحظر دخولها على الخدم والضيوف وأفراد العائلة أو حتى الأصدقاء المقربين، بل
وحظرت
دخولها أخيرًا على زوج ابنتك «أشرف مروان» عندما اكتشفت سلوكه في لندن. تخرج من المكتب
إلى
صالة تُفتح عليها غرفة الطعام. على جدرانها سجَّل الأولاد أسماءهم وعدة شخبطات بأقلام
الألوان، ولا زال بوسعك أن تقرأ:
Daddy:
khaled.
إلى جوار قاعة الطعام ردهة تؤدي إلى حمام كُسيَت جدرانه بقيشاني لبني
اللون. ثم غرفة استقبال تؤدي إلى غرفة اجتماعات ثم قاعة السينما.
تتجه إلى المصعد. في السابق كنت تصعد السُّلَّم الخشبي بنشاط، وتدور
معه وأنت مستغرق في حديث جانبي مع واحد من السكرتارية أو من الأولاد الذين يُهرعون إليك
بمجرد
أن يلمحوك في أي وقت خارج مكتبك. بينما تنتظرك هي في أعلى السُّلَّم. رفيقة السنوات العاصفة،
الصخرة الصُّلبة التي لم تخذلك أبدًا. هل لأنها لم تكن تدرك في معظم الأحيان المخاطر
التي
تواجهك؟ أم لأنها كانت مشغولة دومًا برعاية الأطفال وأعمال التطريز في أوقات الفراغ التي
تملؤها أحيانًا زوجة «هيكل»؟ تنتظرك بابتسامة أصبحت أخيرًا تنمُّ عن شيء من القلق. لكن
ابتسامتها تفعل بك الأعاجيب … تسترخي توتراتك. غريبة … كيف تُحدث فيك هذا الأثر بهذه
السهولة؟
فتحوا لك باب المصعد الذي تم تركيبه بعد الجلطة الأولى. ارتقيته
وخرجت منه إلى صالة المعيشة الخاصة بالأسرة والمزودة بجهاز تليفزيون كبير الحجم طراز
فيليبس.
دخلت الجناح الخاص بك: حجرة مكتب أخرى تؤدي إلى غرفة نومك التي تواجه
غرفة نوم زوجتك. في مدخلها ثلاجة طراز «وستنجهاوس». على المكتب أكوام من الأوراق مرصوصة
بنظام
دقيق بفضل «هدى» ابنتك الكبرى، التي أصبحت بعد تخرجها من الجامعة المصرية سكرتيرتك الجديدة
القديرة. خلف المكتب مكتبة مُكدَّسة بالكتب والمراجع. فوق أحد أركان المكتب كومة من المفكرات
تسجل فيها انطباعاتك عن الأحداث والناس. إلى جانب المكتب لوحة تحويل تليفون بها أحد عشر
زِرًّا تصلك — عندما تدور نصف استدارة بكرسيك وتضغط أحدها — بعامل التليفون أو أهم عشرة
رجال
في الدولة في مكاتبهم أو منازلهم، وهم يتغيرون دائما! على الناحية المقابلة من الغرفة
أريكة
طولها سبعة أقدام، أمامها منضدة عليها أقوى جهاز استقبال راديو في مصر. وفوق المكتب ساعة
سويسرية تبيِّن الوقت في أي مكان في العالم، وصورة لك مصنوعة من الصدف.
عندما تجلس لتُباشر عملك تتحرك أصابعك بحثًا عن سيجارة «كنت» التي
كنت تدخنها بشراهة. تتطلع إلى الساعة. الصحف البيروتية تصل مع طائرة «مصر للطيران» في
السابعة
والنصف. تستقر نظراتك على المكتب، وتبحث بين أكوام الأوراق والملفات عن مظروف خاص تنتظره
دائمًا يحمل إشارة حمراء، تمنع أحدًا غيرك من فتحه.
التقطتَ المظروف وفتحتَه واستخرجتَ الصور الفوتوغرافية به. كانت لأحد
الصحفيين اللبنانيين الذي تُتابِع عموده اليومي، وكان من أنصارك المخلصين، وكان أيضًا
مغرمًا
بالرجال. وفي أثناء زيارة له للقاهرة وضعت مخابراتك في طريقه شابًّا ثم صورتهما معًا.
نوع من
الضمان للسيطرة التامة عليه. وهو ما كانت المخابرات تقوم به طول الوقت مستغلةً شخصيات
مختلفة
تضم ألمع الفنانات المصريات. تترك الصور تتساقط من يدك وأنت تتعجب من ضعف البشر. كنتَ
تفخر
دائمًا بصلابتك النفسية وبأنك بلا مثالب أخلاقية، وأن الآخرين يعتمدون عليك ويستمدون
القوة من
صلابتك. وكنتَ تشعر بنشوة خاصة عندما تطَّلع على أسرارهم وتتعرف على نقاط ضعفهم وسرقاتهم
وخياناتهم ومغامراتهم النسائية أو الرجالية وتفاهة طموحاتهم.
سابع انفجار في أسبوع ببيروت.
السادات في لقاء أعضاء مجالس النقابات المهنية: رفضنا المشروع الأمريكي لحل أزمة الشرق
الأوسط لأنه طالب بضرورة وضع ترتيبات المرور في خليج العقبة وقناة السويس بالاتفاق بين
مصر
وإسرائيل، وأن تكون سيناء منزوعة السلاح.
السيارة فيات ١٢٥
تقرر أن يبدأ إنتاجها في ديسمبر القادم حيث تقدم المصانع البولندية أجزاء السيارة
مُفكَّكة ليتم تجميعها وتصنيعها بشركة «النصر» المصرية بعد إضافة الموتور ١٥٠٠ المنتج
محليًّا إليها. ويبدأ الإنتاج ﺑ ٣٠٠٠ سيارة، ويزيد تدريجيًّا حتى يصل إلى ١٠ آلاف سيارة
عام
١٩٧٥. وفي نفس الوقت يقوم الجانب المصري بإنتاج أجزاء أخرى من السيارة بحيث يُلغى
استيرادها.
٢٨ يناير
وحدات كوماندوز مصرية تخترق خطوط العدو إلى عمق ١٩٥ كيلومترًا
شرقي القناة وتضرب مركز قيادته بالصواريخ.
السيارة «رمسيس» (ثمنها ٨٢٠ جنيهًا) تُباع بالتقسيط
على أربع سنوات لأول مرة.
كنتَ قد سافرتَ إلى أسوان لموعد مع الرئيس «تيتو»، وقررتَ أن تبقى
بعد سفره بضعة أيام في المدينة السمراء. وسافر «تيتو»، لكن عمك «خليل عبد الناصر» تُوفي
في
اليوم التالي من الإجازة المرتقبة، وركبتَ قطارًا من أسوان إلى الإسكندرية لتشييع الجِنازة
(وكنتَ من قبل قد أمرتَ بالقبض عليه عندما تناهى إليك أنه توسَّط لسيدة فَرنسية في قضية
ما.
وكنت حاسمًا في منع أقاربك من استغلال عَلاقتهم بك فأبعدت شقيقك «الليثي» عن موقعه ﺑ
«الاتحاد
الاشتراكي» في الإسكندرية عندما تعددت الشكاوى من استغلاله لنفوذه) وعدت بعد ذلك إلى
القاهرة،
فوجدت تركيز إسرائيل قد بدأ على الجبهة المصرية بعنف حقود.
٢٩ يناير
نيكسون يُعلن موافقته على إمداد تل أبيب بخمسين طائرة فانتوم.
طائرات ميج سورية تحلق فوق حيفا دون أن تعترضها القوات الإسرائيلية.
أوقفوا الميني جيب!
تلقَّى عميد كلية الفنون الجميلة بالزمالك تهديدًا من مجهول
يقول: «إذا لم تمتنع الطالبات عن ارتداء الميني جيب فسنقوم بإحراق
الكلية.»
لم يكن لديك موقف محدد بشأن الملابس التي يرتديها الناس. كنتَ تعتبر
أن المجتمع في حركته الدائبة يتوافق على نوع الملابس التي يرتديها أفراده، وكنت ترفض
أن تفرض
على الناس نوعًا منها، ووقفتَ ضد الحجاب الذي طالب «الإخوان المسلمون» بفرضه، وندَّدت
به في
كلمتك الشهيرة التي وصفت فيها دعوة «الإخوان» بأنها دعوة لفرض «الطُرح»، مستخدما التعبير
الشعبي الذي يعني الإهانة والإذلال. فقد عارضت دائمًا محاولات التشدد الديني الذي يجعل
من
المرأة، عملها وسلوكها وملابسها، هدفًا أساسيًّا له.
٣١ يناير
سرية مشاة مصرية تعبر قناة السويس إلى الضفة الشرقية وتدمر طابورًا من سيارات العدو بمن
فيها.
أول فبراير
الرئيس «كيم إيل سونج» الزعيم العظيم للثورة الكورية.
(إعلان مدفوع الأجر)
٢ فبراير
ممثل أمريكا يُبلِّغ مصر أن إسرائيل تشعر بالأسف لضحايا الغارات الإسرائيلية في العمق
المصري، وينصح بأن تعلن مصر قَبولها في الحال لوقف إطلاق النار وإلا فإن الغارات ستستمر
وتزداد.
البقاء لله.
فقيد القانون والعالم الإسلامي
الدكتور «محمد عبد الله العربي»،
والد الدكتور «نبيل العربي» السكرتير الأول بوزارة الخارجية، ونسيب حرم السيد «أنور
السادات» والأستاذ «محمود أبو وافية».
٣ فبراير
عبد الناصر في المؤتمر البرلماني الدولي: أمريكا تتحمل مسئولية ما يجري وما سوف
يجري.
كوماندوز مصري تعبر قناة السويس في منطقة الطور وتضرب منشآت العدو العسكرية
بالصواريخ.
مجلس الوزراء المصري يقرر السماح بهجرة ما يزيد على حاجة البلاد من بعض
التخصصات.
«أم كلثوم» بعد غد،
ستُغنِّي أغنيتَين جديدتَين في حفلها الشهري
المذاع من سينما «قصر النيل».
كم انتظرتَ هذه الأمسيات بلهفة في الماضي! تصعد في العادة إلى حجرة
نومك وذراعك محملة بالجرائد والمجلات الأجنبية. سريرك على يسار الباب وبجواره مجموعة
كبيرة من
الأوراق منظمة بعناية. إلى يسار السرير جهاز التليفزيون وجهاز راديو صغير، وفي الجانب
المواجه
لباب الدخول حائط من البلاكارت، في وسطها مرآة تحتها شوفينيرة. تجلس لحظات فوق كرسي هزاز
ثم
تخلع ملابسك وتدير جهاز الراديو المجاور على سريرك وتقضي الساعة أو الساعتَين التاليتَين
في
القراءة مستمتعًا، فأنت تعشق صور المجلات الفَرنسية والإعلانات الأمريكية في مجلتَي لايف
وتايم والقصص المصورة والإعلانات. لكن هذا النظام كان ينكسر يوم الخميس الأول كل شهر
عندما
تغني «أم كلثوم» التي صاحبتك أغانيها منذ أيام عذابات الحب الأول، «سعاد» التي يصعب عليك
الآن
استعادة ملامح وجهها. كل ذلك كان قبل كارثة ٦٧. أما الآن فأنت ترقد فوق الفراش وسماعة
التليفون فوق أذنك، تنتظر الأنباء.
٥ فبراير
اجتماع عبد الناصر و«حسين» اليوم تمهيدًا لمؤتمر دول المواجهة.
جريدة «إزفستيا» السوفييتية: إسرائيل تُعِدُّ لحربٍ شاملة.
هجرة الأطباء
تضاعف عدد الأطباء التابعين لوزارة الصحة الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة وكندا
وأستراليا والبرازيل في العام الماضي، فوصل إلى ٥٠٠ طبيب.
٦ فبراير
الضفادع البشرية المصرية تُفجِّر قطعتَين من الأسطول الإسرائيلي في ميناء «إيلات»
مُحمَّلتَين بالدبابات والجنود.
الجنرال «حاييم بارليف» رئيس أركان حرب الجيش الإسرائيلي يعترف بأن العملية كانت ناجحة
تمامًا ونُفذت بإحكام.
القاذفات المقاتلة المصرية تضرب تجمُّعات العدو في «الشط» و«عيون موسى»، والعدو يقوم
بعملية انتقامية بالإغارة على المناطق المدنية في أسيوط والغردقة وسفاجة.
«كوسيجين» يحذر: الأزمة لم تعُدْ خاصةً بالشرق الأوسط بل أصبحت تهدد السلام
العالمي.
الاتحاد السوفييتي يضع تحت تصرُّف العرب كل ما هو ضروري لطرد العدو.
في الأسواق الطبعة الثالثة من أسطوانات «الطير المسافر» و«الطشت قاللي».
سينما «مترو» تقدم:
«روك هدسون» في مهمة خطرة.
تحدٍّ مثير بين أكبر قوتين في العالم.
أنباء من واشنطن بموافقة نيكسون على إمداد إسرائيل ﺑ ١٠٥ طائرات.
٧ فبراير
استقبل الرئيس عبد الناصر الرئيس السوداني اللواء «جعفر نميري»، والسوري الدكتور «نور
الدين الأتاسي»، عند وصولهما إلى مطار القاهرة وصحبهما إلى القصر الجمهوري في القبة.
وقد
انضم إليهما الملك «حسين»، والفريق «صالح مهدي عماش» رئيس الوفد العراقي.
١٠ فبراير
معركة جوية كبرى بين ٤٢ طائرة مصرية
وإسرائيلية.
إسقاط طائرتَين للعدو إحداهما في بحيرة
المنزلة.
المعركة استمرت ساعة، عادت بعدها جميع طائراتنا
سالمة.
المعركة بدأت عقب غارة جوية ناجحة قامت بها طائراتنا المقاتلة في
الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر، وضربت فيها مواقع العدو شرقي قناة السويس. وبعد أن
أتمت
مهمتها بنجاح وأثناء عودتها إلى قواعدها تتبَّعتها مجموعة من طائرات العدو تُقدَّر
باثنتَي عشرة طائرة من طراز «ميراج». ولحظتها كانت هناك مظلة جوية مصرية تنتظر عودة
طائراتنا، فتصدَّت لطائرات العدو التي حاولت تعقُّب طائراتنا. واضطُرَّ العدو إلى تعزيز
طائراته، وبعد دقائق كان في سماء المعركة ٢٢ طائرة إسرائيلية في مواجهة عشرين مصرية من
طراز ميج ٢١.
واستمرت المعركة ساعة كاملة.
قرارات مفاجئة لمجلس الوزراء الأردني تُحرِّم حمل السلاح إلا لفصائل المقاومة التابعة
للحكومة، كما تُحرِّم إصدار المجلات والنشرات وعقد الندوات إلا بعد استئذان السلطات.
الرئيس عبد الناصر يستقبل «ياسر عرفات» قبل سفر رئيس منظمة التحرير الفِلَسطينية إلى
موسكو.
محكمة عسكرية ليبية للمتهمين الثلاثين في قضية التآمر بتهمة «التدبير لقلب نظام الحكم
الثوري». بين المتهمين وزيرا الداخلية والدفاع السابقان.
١٢ فبراير
سرية مشاة مصرية تعبر القناة وتدمر مواقع العدو في الصباح المبكر، وعند الظهر أغارت
طائراتنا المقاتلة على مواقع العدو ﺑ «البلاح» و«الدفرسوار».
وفي المساء أسقطت دفاعاتنا المضادة للطائرات طائرة إسرائيلية شرق «بورفؤاد».
طائرات الفانتوم الإسرائيلية تُغير على مصنع «أبي زعبل» لحديد التسليح بالصواريخ
والنابالم.
المصنع تكلف خمسة ملايين جنيه ويعمل به ٢٠٠٠ عامل يعولون ٢٦٠٠ أسرة. عدد الضحايا ٨٠
قتيلًا و٦٠ جريحًا.
أمريكا غاضبة بسبب العمليات العسكرية المصرية ضد إسرائيل.
اشتباكات بين قوات المقاومة الفلسطينية والسلطات الأردنية قُتل فيها ٨
فلسطينيين.
الفدائيون الفلسطينيون يواصلون تَجوالهم بالأسلحة في شوارع العاصمة الأردنية، رغم
القرار الذي يحظر عليهم ذلك، وأقاموا المتاريس والخنادق حول أماكن تجمعاتهم ومكاتبهم
بينما
قُطعت الاتصالات التليفونية عن معظم هذه التجمعات واستعانت قيادة الفدائيين باللاسلكي
في
اتصالاتها.
«فاتن حمامة» في زيارة للقاهرة
بعد خمس سنوات غياب عن مصر تعود سيدة الشاشة العربية في زيارة
لمدة أسبوعين بدعوة من مؤسسة السينما.
١٣ فبراير
«تيتو»: حانت الساعة لاتخاذ إجراء فعَّال ضد إسرائيل.
«برافدا» تقول إن القوات المسلحة المصرية بدأت مرحلة جديدة من الدفاع الإيجابي ضد
إسرائيل.
القاذفات المقاتلة المصرية تُغير مرتَين على مواقع العدو في القناة.
عبد الناصر و«القذافي» يعقدان اجتماعًا لمدة ساعتَين، بدأ في الثامنة والربع مساء. وحضر
الاجتماع مع الرئيس عبد الناصر السادة «حسين الشافعي» و«عبد المحسن أبو النور» والدكتور
«لبيب شقير»؛ أعضاء اللجنة التنفيذية العليا، والوزير «فتحي الديب».
اشتباكات دامية في عمان
أثناء المحادثات التي جرت بين الملك «حسين» وممثلي منظمات
المقاومة العشر.
مقتل ١٩ من رجال المقاومة وقوات البادية الحكومية.
«بليغ حمدي» يلحن لأخيه «مرسي سعد الدين»
يُعِدُّ الموسيقار «بليغ حمدي» ألحان أربع أغانٍ ستشدو بها «شادية» في فيلم كتَب روايته
أخوه «مرسي سعد الدين»، وتمثله مع زوجها «صلاح ذو الفقار» وكتب له السيناريو «يوسف فرنسيس»
والحوار «عبد الرحمن الأبنودي». وكان «بليغ» قد انتهى من إعداد ٢٢ لحنًا لأغانٍ قصيرة
جدًّا
لفيلم «أضواء المدينة» الذي ستمثله وتغني فيه «شادية» مع «أحمد مظهر» و«عبد المنعم إبراهيم»
و«عادل إمام» و«حسن مصطفى» و«الثلاثي المرح».
فراخ العيد
تعرِض المجمعات الاستهلاكية في القاهرة والإسكندرية، بمناسبة عيد الأضحى المبارك كميةً
من الفراخ الدنماركية الفاخرة بنفس سعر الفراخ المحلية وهي مذبوحة بسكين حاد حسب شريعة
القرآن الكريم.
حضرتَ اجتماعًا لمجلس الوزراء الذي ترأسه وتناولتَ شنطة بجانبك
وضعتها على مائدة الاجتماع ثم فتحتها وأخرجتَ منها عدَّة أرغفة من الخبز والتفتَّ إلى
دكتور
«كمال رمزي إستينو» وزير التموين وسألته مستنكرًا: تقدر تاكل الرغيف ده يا دكتور
«كمال»؟
أجاب: لا يا ريس.
قلت: ما هو ده اللي بتطلعه مخابزك، أنا كلفت من يجمعها من مناطق
متفرقة بالقاهرة. إذا كنت لا تقبل أكله فكيف تقبل أن يأكله الناس؟ البني آدم العادي بيشتري
عشرة أرغفة يوميًّا في المتوسط. هل هذا رغيف يؤكل؟ يا دكتور «كمال»، أمامك ٤٨ ساعة لتصحيح
الوضع.
١٤ فبراير
الملك «حسين» يقول: الإجراءات الداخلية التي أدت إلى الأزمة مع منظمات المقاومة لم تكن
تستهدفها بأي حال.
١٦ فبراير
٤٠٠ طائرة أمريكية تهاجم أراضي لاوس.
١٧ فبراير
إطلاق صَفَّارات الإنذار بعد الظهر في القاهرة لاختراق طائرات معادية المجال الجوي
المصري.
١٩ فبراير
١٩٢ مليون جنيه سلع مستوردة لمصر خلال ٦ شهور.
٢٠ فبراير
الطائرات المصرية تفاجئ العدو مرتين، وتصيب تجمعاته في منطقة البحيرات
و«القنطرة».
الجيش الأردني يحاصر عمان، والمقاومة الفِلَسطينية تعلن الطوارئ من جديد.
٢١ فبراير
الاتحاد السوفييتي يرفض الاقتراح الأمريكي بوقف إطلاق النار لأنه لا يتضمن الانسحاب
الكامل للقوات الإسرائيلية.
إسقاط طائرة إسرائيلية ثانية خلال ٢٤ ساعة.
انفجار طائرة سويسرية عقب إقلاعها من مطار زيوريخ متجهة إلى تل أبيب، وقتل جميع ركابها
وعددهم ٤٧ راكبًا.
٢٥ فبراير
بَدْء مباحثات الأردن مع المقاومة.
استقالة «رسول الكيلاني» وزير داخلية الأردن.
الكويت تدين سياسة أمريكا في الشرق الأوسط.
استيراد السيارات الجديدة بدون تحويل عملة.
العدد الجديد من مجلة «الهلال».
مائة سنة على مولد «لينين».
اقرأ فيه لهؤلاء
يوسف السباعي – جمال كامل – حسن فؤاد – كمال الملاخ – أمينة
السعيد – أحمد الحضري – بيكار – صلاح طاهر – مصطفى درويش – عبد الرحمن صدقي – صالح جودت
–
كمال النجمي – صلاح حافظ – ضياء بيبرس – ثروت أباظة – لويس عوض – إبراهيم الورداني –
يوسف
فرنسيس – لطيفة صالح – نجيب محفوظ – حلمي التوني – أنيس منصور – نادية لطفي – يوسف
جوهر.
٢٦ فبراير
معركة جوية على الساحل الشمالي للدلتا اشتركت فيها ١٦ طائرة مصرية وإسرائيلية سقطت فيها
ثلاث طائرات إسرائيلية «فانتوم» و«ميراج».
٢٨ فبراير
إعدامات جديدة في العراق
عدد الأطفال غير الشرعيين الذين خلَّفهم الجنود الأمريكيون في فيتنام الجنوبية بلغ ٢٠
ألف طفل. وزير فيتنامي يقول إن هذه الظاهرة خير وبركة. وإن إدخال دم جديد في مجتمع ما
يؤدي
إلى تحسين سلالته.
٣ مارس
هجوم جريء للمقاومة في غزة
حكومة ألمانيا الغربية تعلن استعدادها لدفع تعويضات جديدة ﻟ ١٨٠
ألف يهودي.
أحدث خطوط الموضة الجديدة لموسم الربيع والصيف تعرضها شركة «النصر» للغزل والنسيج
والتريكو.
ميني بيكيني «الشوربجي» المطبوع على ساقَي «رجاء الجداوي».
٥ مارس
«ديان» يعترف باستخدام النابالم في الغارات الجوية.
مارس شهر حافل في مسيرتك. ففيه، سنة ٥٤، واجهتَ أول أزمة كبرى وكدت
تفقد كل شيء إلى أن برزَت موهبتك في المناورة والقيادة.
كنت قد درستَ جيدًا شخصية كل واحد من رفاقك في «الهيئة التأسيسية
للضباط الأحرار» التي تحولت إلى «مجلس قيادة الثورة». كانوا جِدَّ متنوعين. فبينهم مثلًا
الأخَوان «صلاح» و«جمال سالم» غريبا الأطوار و«عبد المنعم أمين» وثيق الصلة هو وزوجته
بالسفارة الأمريكية فضلًا عن «عبد المنعم رءوف» عضو «الإخوان المسلمين» و«خالد محيي الدين»
عضو الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني (حدتو) الشيوعية و«عبد اللطيف البغدادي» ذي الشخصية
القوية والصامت في أغلب الأحيان.
وبعد قيام الثورة بعشرين يومًا فقط أضرب عمال «كفر الدوار» مطالبين
بحقهم في تأسيس نقابة مستقلة بعيدة عن أصحاب الأعمال، وبصرف أجور غلاء المعيشة التي كانت
حكومة «النحاس» قد أقرتها، وبصرف العلاوات الدورية ووجبة غذائية كاملة سبق أن أقرتها
حكومة
«الوفد»، ووقف الفصل التعسُّفي. وأخذ العمال يهتفون بسقوط مدير المصنع ومدير الشركة،
فحضر
مأمور البوليس، وأمر بإغلاق أبواب المصنع ثم أطلق رصاصتَين من مسدسه، وقبض على عدد من
العمال.
أعلن العمال مقتل اثنين من زملائهم وطلبوا عربة إسعاف، وعندما لم
تحضر شرعوا يقذفون الطوب. وظُهر اليوم التالي اتجهت مظاهرتان من العمال وأهاليهم حاملين
العصي
وفروع الأشجار إلى المصنع من جهتين لتخليص من قُبض عليه من العمال. وقبل أن يجتازوا كوبري
«الكيلو خمسة» تصدَّت لهم قوة من الجيش يقودها الصاغ «محمد ناجي»، وألقت القبض على العامل
الشاب «مصطفى خميس» الذي كان يقود المظاهرة، وأطلقت عليهم النار فقتل خمسة وجُرح ٢٢.
وأثناء
ذلك اشتعلت النيران في أحد مباني الشركة.
وأصدرت قيادة القوات المسلحة في المساء بيانًا بتوقيع اللواء «محمد
نجيب»، وصف فيه العمال بأنهم «خونة من ذوي الأغراض التي ترمي إلى إثارة العقبات في وجه
الإصلاح الاجتماعي الذي يسعى إليه الجيش. واضطُرَّ الجيش إلى التدخل، وقد وافق رئيس الوزراء
«علي ماهر» باشا على تشكيل مجلس عسكري عالٍ لمحاكمة المسئولين …»
وسارعت جماعة «الإخوان المسلمين» إلى إدانة إضرابات عمَّال «كفر
الدوار»، مستعينة بفتاوى من «سيد قطب». بينما نشط أعضاء «حدتو» في محاولة تهدئة العمال
والحيلولة دون الصدام بالسلطة الجديدة، اعتقادًا منهم بوطنيتها، وهو اعتقاد جلب لهم تخوين
بقية المنظمات الشيوعية في مصر والعالم.
وتشكل المجلس العسكري برئاسة البكباشي (العقيد) «عبد المنعم أمين»
عضو مجلس قيادة الثورة، انعقد في قلب المصنع في اليوم التالي مباشرة للأحداث. وفي تمثيلية
هزلية تطوَّع «موسى صبري» الصحفي في «أخبار اليوم» للدفاع عن المتهم «مصطفى خميس». وصدر
الحكم
بعد يومين. وأُعلن الحكم في ساحة ملعب الشركة — حيث حشد العسكر آلاف العمال في جو من
الرعب —
بالإعدام شنقًا.
ثم بدأت محاكمة ثانية لستة وعشرين عاملًا أمام نفس المجلس، واقتبس
المدعي العام العسكري في مرافعته التراث فقال إنه «يرى رءوسًا قد أينعَت وحان قطافها.»
وصدر
الحكم بإعدام المتهم الأول «محمد البقري» شنقًا وبالأشغال الشاقة لباقي
المتهمين.
وأثناء مناقشة الأحكام في مجلس قيادة الثورة للتصديق عليها، اتهم
الصاغ (رائد) «عبد الحليم عبد المتعال» من «الضباط الأحرار»، «حافظ عفيفي» باشا رئيس
الديوان
الملكي وأحد كبار المساهمين في شركة «مصر للغزل والنسج الرفيع» بأنه من دبَّر أحداث القتل
والتخريب التي صاحبَت مظاهرات العمال السلمية.
لكن أغلبية المجلس مالت إلى التصديق على الأحكام. فحذرتهم من جديد من
أن الدماء تلد الدماء. وأعلنت معارضتك للأحكام، لكنك شعرت في داخلك أنها قد تكون مفيدة
في ردع
تلك القوة الضخمة الغامضة وقتها بالنسبة إليك — العمال — والتي يحاول الشيوعيون السيطرة
عليها.
وكانت الخلافات محتدمة بين أعضاء المجلس وصفوف الضباط الأحرار عمومًا
بعد طرد الملك والطموحات منتعشة. هل تعود الحياة النيابية وتسلم البلاد لحكومة «الوفد»
ويعود
الضباط إلى ثكناتهم، أم يستمرون في الحكم؟ وفي هذه الحالة لمن تكون القيادة العليا؟ وفي
اجتماع حاسم لاتخاذ قرار كنتَ تتوقع إجاباتهم، فقلتَ إنك شخصيًّا ترى أن تسلم البلاد
للأحزاب
ويعودوا إلى الثكنات بدلًا من إقامة حكم دكتاتوري. لكن الأغلبية رأت — كما توقعت — عكس
كلامك،
وانتصر رأي الغالبية فألغيتم الأحزاب وأخذتم لأنفسكم السلطتَين التنفيذية والتشريعية
إلى إن
يوضع دستور جديد بعد ثلاث سنوات. لكن سرعان ما اكتسح تيار المطالبة بالديمقراطية في سنة
٥٤
بزعامة «محمد نجيب» (الذي داعبته أحلام الانفراد بالسلطة) و«خالد محيي الدين»، فوافقت
على
انسحاب الجيش إلى الثكنات بينما كنت ترتب سرًّا مع «طعيمة» و«الطحاوي» و«بلطية» المظاهرات
التي هتفت بسقوط الديمقراطية، وتكللت بإضراب عمال الترام الذي لم يكلف غير أربعة آلاف
جنيه
دفعتها لرئيس نقابتهم «صاو صاو» (الاسم الذي اشتهر به بعد ذلك). وقمتَ بتدبير عدة انفجارات
في
القاهرة، في الجامعة و«حانوت جروبي». وانتهى الأمر بعودتك منتصرًا رئيسًا للبلاد وإزاحة
«خالد
محيي الدين» من مجلس القيادة ثم إبعاده خارج البلاد واعتقال «محمد نجيب» وتحديد إقامته
في
فيلَّا «زينب الوكيل» زوجة «النحاس» ثم إزالة اسمه نهائيًّا من كتب التاريخ ليبدأ تاريخ
الجمهورية بك وحدك!
٦ مارس
السفير الأمريكي يبلغ الرئيس اللبناني «شارل حلو» أن إسرائيل إذا نفذت تهديدها
بالانتقام من لبنان بسبب عمليات المقاومة فإن ذلك سيتم في نطاق ضيق وليس بعملية عسكرية
كبيرة.
هجوم جوي إسرائيلي على الأردن.
«الحب الكبير»
أضخم فيلم غنائي كوميدي ﻟ «فريد الأطرش».
٧ مارس
معارك جوية فوق الجبهة يخسر فيها العدو ٣ طائرات.
القوات الإسرائيلية تهاجم قرية على الحدود اللبنانية.
أسبوع الفدائية الفِلَسطينية
… «فاطمة برنادي» التي حُكم عليها بالسجن مدى الحياة بعد القبض عليها في حادثة نسف صالة
سينما في القدس، و«شادية أبو غزالة» التي قامت بعدة عمليات عسكرية ثم انفجرت فيها عبوة
ناسفة، و«رشيدة عبد الرحيم» التي نسفت السوق الكبرى بالقدس، و«مريم شخشير» من نابلس التي
اتهمت بنسف الجامعة العبرية ولا يعرف مصيرها إلى الآن، و«نبيلة الوزير» الطالبة من غزة
التي
اتهمت بتكوين شبكة من الطالبات لمقاومة الاحتلال وحُكم عليها بالمؤبد، و«سامية علي» من
مدينة «البيرة» التي تعيش الآن في سجن «المسكوبية».
مهما تأخروا،
فإنهم يأتون
من درب رام الله أو من جبل الزيتون.
لكنهم يأتون،
لكنهم يأتون.
«نزار قباني»
في مجلة الهلال من ٧٥ سنة
أحيا جناب الخديوي ليلة راقصة يوم السبت الموافق ٢٢ فبراير
الماضي بسراي «عابدين» العامرة. وكانت من أبهى الليالي وأجملها لما حوته من وسائل الزينة.
حضر الاحتفال الأمراء والوزراء والوجهاء والقناصل، وكان سُمُوُّه يستقبل كلًّا منهم بما
عُهِد فيه من البشاشة والأنس، ولا زالت أيام سموه أفراحًا ومجالسه زينة وأعماله تذكارًا
حسنًا.
قمت بإحدى جولاتك الميدانية منفردًا دون تدبير مسبق في سيارة عادية
من النوع الصغير. وكنتَ تفعل ذلك في المناسبات مثل شم النسيم أو خلال شهر رمضان أو مع
بَدْء
العام الدراسي. وتتابع خلالها سلوكيات الناس وتلاحظ أنواع ملابسهم وتعبيرات وجوههم والعَلاقة
بين الجماهير وأجهزة الشرطة. ربما تيمُّنًا بالعُمَرَين — «ابن الخطاب» و«ابن عبد العزيز»
—
اللذين كان يتعسسان ليلًا لاستكشاف حال الرعية. ولاحظت هذه المرة أن البنات ترتدي فساتين
ذات
ألوان زاهية على عكس السنة الماضية، وتساءلت عما إذا كان هذا يعني شيئًا، وهل هناك تحسُّن
في
معنوية الجماهير؟
٩ مارس
الذكرى الأولى لاستشهاد «عبد المنعم رياض»
موقع استشهاده على القناة مباشرة على بعد ١٥٠ مترًا من العدو.
ضربة أخرى تلقيتها بعد أن اطمأن قلبك لتوليه رئاسة أركان الجيش، والعمل مع «فوزي» وزير
الحربية لاستعادة الكفاءة القتالية.
١١ مارس
المقاومة تنسف مكاتب العمل والبريد الإسرائيلية في غزة.
١٢ مارس
بيان من مجلس قيادة الثورة العراقي تلاه الرئيس «أحمد حسن البكر» عن الحل السلمي
والديمقراطي للقضية الكردية والتوصل إلى اتفاق على الاعتراف بالحقوق القومية للأكراد
وتمكينهم من حكم الأقاليم الكردية وتعيين نائب لرئيس الجمهورية منهم والاعتراف بحقوقهم
الثقافية واللغوية واعتبار عيد النيروز عيدًا قوميًّا.
١٣ مارس
الدفاع الجوي المصري يرد الطائرات الإسرائيلية التي أغارت على قرية «سرسق» القريبة من
«المنصورة».
١٦ مارس
موجات متتابعة من الطائرات الإسرائيلية تُغِير على القطاع الشمالي للقناة بين «بورسعيد»
و«الإسماعيلية» استمرت خمس ساعات أسقط الدفاع الجوي المصري واحدة منها من طراز سكاي
هوك.
١٧ مارس
«عزرا وايزمان» قبل ساعات من سفره إلى الولايات المتحدة: «فيما يتعلق بمشروعات السلام
التي اقترحها هؤلاء وأولئك فإني لا أعرف من جانبي سوى واحد منها هو مشروع «تيودور هرتزيل»،
وهو المشروع الوحيد الذي يمكن أن يؤديَ إلى السلام. وهو المشروع الذي يستهدف إنشاء دولة
من
نهر الفرات إلى نهر النيل شاملة لنصف العراق وسوريا ولبنان والأردن وسيناء والدلتا والقاهرة
والصحراء المصرية حتى قنا.
١٨ مارس
الطيران المصري يتصدى لثلاث غارات للطيران الإسرائيلي على المواقع المصرية.
٢٠ مارس
وصول صواريخ سام-٣ السوفييتية إلى مصر مع أطقم تشغيلها.
الصواريخ المتقدمة تتعامل مع الطائرات التي تطير على ارتفاعات منخفضة.
٢١ مارس
نيكسون: ستتخذ الولايات المتحدة إجراءات عاجلة لضمان سلامة إسرائيل إذا تبيَّن أن شحنات
الأسلحة السوفييتية لمصر قد غيَّرت الميزان العسكري في الشرق الأوسط.
١٥ ألف عربي في سجون إسرائيل.
«ثروت عكاشة» وزير الثقافة يجتمع بمجلس هيئة المسرح، ويقرر تكوين لجان يرأسها «عبد
العزيز الأهواني»، «لويس عوض»، «رشدي صالح»، «لطفي الخولي».
كوماندز مصريون ينسفون حفار البترول الذي كانت إسرائيل تنوي استخدامه في خليج السويس.
العملية الجريئة تمت في ميناء «أبيدجان» عاصمة جمهورية ساحل العاج غرب أفريقيا.
٢٣ مارس
مظاهرات في بيروت احتجاجًا على ما تعرَّض له رجال المقاومة في «بنت جبيل» بجنوب لبنان
خلال صدام بينهم وبين دورية لبنانية في أعقاب عملية لهم ضد مواقع إسرائيل في «الجليل
الأعلى».
للكبار فقط بسينما «كايرو»
«جاكلين بيسيه» في فيلم «رغبات خفية».
«فيصل» يفتتح مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية لمتابعة قرارات مؤتمر الرباط بشأن
العمل على تحرير القدس واستعادة الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني.
مسرحية «فريد شوقي» الجديدة «البكاشين».
الرئيس عبد الناصر يستقبل «محمد علي هيثم» عضو مجلس الرئاسة ورئيس وزراء اليمن الجنوبية
الشعبية.
مقاتلاتنا تطرد طائرات للعدو أغارت على «بلطيم» و«القنطرة».
٢٤ مارس
اشتباكات عنيفة بين المقاومة الفلسطينية وميليشيا حزب «الكتائب» اللبناني.
٢٥ مارس
تصريحات «روجرز» عداء سافر للعرب.
ترقية رئيس أركان الجيش المصري «أحمد صادق» إلى رتبة الفريق.
مصرع ٣ وإصابة ١٤ في عدوان من مجهولين على رجال المقاومة بضواحي بيروت. قائد جيش
التحرير الفِلَسطيني يقول إن السفارة الأمريكية أنفقت مليون دولار للتحريض ضد
المقاومة.
شردتَ تفكر في قضية النظام ككل. فرغم نجاح خطة التنمية الذي تمثَّل
في نسبة نمو بين سنتي ٥٧ و٦٧ تقدر ﺑ ٦ونصف بالمائة دون الاعتماد على مساعدات خارجية،
ورغم أن
الخريطة الطبقية قد تغيرت، إلا أنك كنت تدرك أن النظام الذي أرسيت قواعده يعاني أزمة
حقيقية.
الفساد استشرى والناس تضيق بالقيود المفروضة على حرياتهم نتيجة الصراع الدائر مع الدول
الاستعمارية والرجعية، وتضيق بسيطرة أجهزة المخابرات وبالتنصُّت والمتابعة (كان زملاؤك
في
مجلس قيادة الثورة إذا أراد أحدهم الاختلاء بزوجته يغادر منزله على نحو مفاجئ ويستأجر
غرفة في
أحد الفنادق هو وزوجته)، كما تضيق بحرب اليمن.
وكنت تدرك أن طبقة جديدة ظهرت، كانت في البداية مكونة من بعض ضباط
الجيش السابقين وحتى بعض «الضباط الأحرار» الذين أبعدتهم عن الجيش وعهدت إليهم بوظائف
مدنية.
فتولى بعضهم المسئولية في مؤسسة الدواجن أو فرع «عمر أفندي» بشارع «عبد العزيز» أو مكتب
الاستقبال في فندق هيلتون. لكنهم سرعان ما تحولوا إلى رجال أعمال واتصل معظمهم بوكلاء
مشايخ
البترول وأعوانهم وبالعناصر الرجعية، وانتشر الأقارب في مجالس إدارات الشركات وهيئة القناة
والجيش والقضاء.
وفي صفوفك، وبالذات من «زكريا محيي الدين» و«عبد المنعم القيسوني»،
بدأت دعوة للانكماش وهي نصيحة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وسمعت قول «زكريا» إن
الفلاح
عاش طول عمره بجلباب واحد، وتعوَّد الآن على أن يعيش بجلبابَين فلن يضيره أن يعود إلى
الجلباب
الواحد بعض الوقت بضرورات التنمية. وصاحَب ذلك ارتفاع ثمن كيلو اللبن من ستة قروش إلى
ثمانية.
ثم كانت هناك قصص الثلاجات وأجهزة التكييف والتليفزيونات التي يحضرها بعض أعوان المشير
«عامر»
من اليمن ليبيعوها في السوق السوداء، والمتاجرة بتراخيص سيارات «نصر»، ثم قصة زواج المشير
من
ممثلة قدَّمها إليه رئيس المخابرات «صلاح نصر»، وقصص فساد الأخير.
وقبل الهزيمة العسكرية بأسابيع كنت قد أيقنت أن الأزمة لم تعُدْ أزمة
أشخاص، إنما هي أزمة نظام وبكلماتك: «إن النظام على النحو القائم الآن يترك مصير البلد
لرجل
واحد، وإن الحزب الواحد في هذه الظروف وهذا العصر أصبح لعبة خطرة.» إن هذا الوضع يمكن
أن يدفع
بالجماهير إلى السلبية، وبالتالي تترك أهم القرارات للبيروقراطيين أو التكنوقراطيين …
«ولا بد
إذن أن تتسع عملية إعادة التنظيم لقوى معارضة، تكون لها صحفها لكي تستطيع أن تعرض أفكارها
على
الناس، ولكي تكون رقيبًا على تصرفات الدولة.» لكن المعارضة التي تصورتها كانت معارضة
محسوبة
تحت السيطرة.
٢٧ مارس
معركة جوية في خليج السويس اشتركَت فيها ٤٠ طائرة إسرائيلية ومصرية، أصيبت فيها ٣
طائرات إسرائيلية.
٢٨ مارس
جلاء آخر جندي بريطاني من الأراضي الليبية وتصفية القواعد البريطانية بها.
محنة أخرى تعرَّضت لها منذ سنتين، فلأول مرة منذ سنة ٥٤ تقوم مظاهرات
ضدك في أعقاب محاكمة قادة الطيران عن مسئوليتهم في الهزيمة. كان الناس يتوقعون إعدامات
فإذا
بهم يفاجَئون بأحكام هزيلة. وخرج عمال المصانع الحربية التي أنشأتها في «حلوان»، وفشل
رجال
«الاتحاد الاشتراكي» في السيطرة عليهم (كان المسئول عن تنظيمه المحلي هو «عبد اللطيف
بلطية»
أحد فرسان «هيئة التحرير» المأسوف عليها)، فتصدى لهم رجال الشرطة وأطلقوا الأعيرة النارية
فقُتل اثنان وأُصيبَ تسعة أشخاص. واعتصم طلبة كلية الهندسة بجامعة القاهرة، التي التحق
بها
ابنك «خالد»، مطالبين بحرية الرأي والصحافة وحل «الاتحاد الاشتراكي» وإبعاد المخابرات
والمباحث عن الجامعات. ورددت هُتافاتهم: «تسقط دولة المخابرات»، «تسقط دولة العسكر»،
«تسقط
صحافة هيكل الكاذبة»، «يا جمال الشعب هو هوه، اضرب الخونة بقوة»، «يا شعراوي يا جبان،
راحوا
فين عمال حلوان؟» وانتهز بقايا اليمين الفرصة، فأصدر نادي القضاة الذي سيطرت عليه مجموعة
بزعامة المستشار الوفدي «ممتاز نصار» بيانًا ينتقد النظام ويطالب باستقلال القضاء
وبالديمقراطية. هنا فقدتَ أعصابك وقلتَ: «إن لم نتمكن من القيادة فسوف نحكم». وكنتَ قد
قررتَ
إحداث تغييرات جذرية في الأشخاص والأداء، فأصدرت بيان ٣٠ مارس، وشكلتَ وزارة جديدة برئاستك
ضممت لها وجوهًا جديدة. وبدا كما لو أن الأمور ستأخذ منحًى مختلفًا، لكن «ريما» ما لبثت
أن
عادت إلى عادتها القديمة.
فبين الوزراء الجدد الذين استعنت بهم كان الدكتور «حلمي مراد» صِهر
«أحمد حسين» ومن الاشتراكيين القدامى، وكان رئيسًا لجامعة «عين شمس» وعضوًا نشِطًا في
التنظيم
الطليعي وله موقف ممتاز أثناء مظاهرات الطلبة، إذ استطاع أن يعالج الموقف بأسلوب ديمقراطي
بعيدًا عن الأساليب الأمنية. عيَّنتَه وزيرًا للتربية والتعليم وهي الوزارة التي أهملتها
كثيرًا وأسندتها إلى عناصر متخلفة أو رجعية مثل صِهرك أنت «السيد يوسف» و«كمال الدين
حسين».
كما شارك في وضع البرنامج التنفيذي لبيان ٣٠ مارس وكتب خطابين إليك؛ أولهما يتعلق بالخلاف
الذي نشب بين وزير العدل «أبو نصير» ونادي القضاة والذي انتهى فيما بعد بما عُرف بمذبحة
القضاء، ينصح فيه بتسوية الأمر قبل أن يستفحل. وكان الخطاب الثاني يتضمن احتجاجًا على
منع نشر
حديث أدلى به إلى مجلة «روز اليوسف» حول تنفيذ برنامج ٣٠ مارس. لكنك في اجتماع مجلس الوزراء
أعربت عن استياءك من الخطابَين، وغادرت الجلسة غاضبًا بعد أن أعلنتَ أن التعاون مع «حلمي
مراد» صار مستحيلًا. وامتنع «مراد» بعد ذلك عن الذَّهاب إلى مكتبه في الوزارة، وفي ١٠
يوليو
٦٩ تم إعفاؤه من منصبه.
وتجلت الحقيقة في وضَح النهار، كنت تضيق بأي معارضة ولو كانت من أخلص
المقربين. في سنة ٦٢ وأثناء انعقاد المؤتمر الوطني للقوى الشعبية (إحدى الوسائل التي
كنت تلجأ
إليها في أعقاب كل أزمة تتعرض لها، وكانت هذه المرة هي صدمة انفصال سوريا) وقف «أنور
سلامة» —
الذي تبنَّاه النظام وجعله رئيسًا للاتحاد العام لنقابات العمال — ليتحدث باسم الاتحاد
مقدمًا
بعض المطالب، فثرت مؤكدًا أن أحدًا لم يُجبرك على تقديم ما قدمته للطبقة العاملة، وأنك
لا
تقبل الطلبات.
٣١ مارس
ربع مليون متظاهر في الخرطوم يشيعون ضحايا فتنة يوم الأحد التي أثارتها مجموعة من
«الأنصار» (حزب الأمة وأسرة «المهدي») مسلحة بالسيوف والحراب.
الجبهة الوطنية الاشتراكية تتهم جهات أجنبية.
٧٠ عضوًا في اللجنة العامة للجان المعركة. «حافظ بدوي» وزير الشئون الاجتماعية رئيسًا.
بين الأعضاء «محمد عبد السلام الزيات» الأمين العام لمجلس الأمة وعضو اللجنة المركزية،
«فتحي غانم» رئيس إدارة دار التحرير، «عبد اللطيف بلطية» رئيس اتحاد العمال، «فؤاد مرسي
الحداد» عضو مجلس الأمة وقائد أحد التنظيمَين الشيوعيَّين المحلولَين)، «كمال الحناوي»،
أبو
سيف يوسف (من قادة التنظيم الشيوعي المشار إليه سابقًا)، «أحمد بهاء الدين» رئيس إدارة
دار
الهلال، «أحمد فؤاد» رئيس بنك مصر، «ممدوح سالم» محافظ أسيوط.
أول أبريل
تصفية الفتنة في السودان تجري وسط تأييد شعبي للثورة. ١٨٠ قتيلًا وجريحًا في جزيرة
«آبا».
أرسلتَ «السادات» الذي صحب معه الضابط طيار «حسني مبارك» لمساعدة
«النميري» على مواجهة تمرد «المهدية» في جزيرة «آبا». وأراد «السادات» قصفهم بالطائرات
المصرية المتمركزة هناك لكنك اعترضتَ. وتم اغتيال زعيم المتمردين «الهادي المهدي» بشِحنة
متفجرات جاءته في سلة مانجو، وأشارت بعض الملابسات إلى أن «حسني مبارك» قد يكون هو من
أرسل
سلة المانجو.
حالة طوارئ في الجيش الليبي.
استشهاد ١٢ وإصابة ٣٥ في غارة إسرائيلية على شمال الدلتا.
مبعوث «يوثانت» يجتمع مع ممثلي ١٣ هيئة بالبحرين لبحث مستقبل الإمارة بعد انسحاب القوات
البريطانية في نهاية العام.
تقرر عدم السماح بالهجرة هذا العام لأكثر من ٨٥ طبيبًا بعد أن هاجر العام الماضي ٤٠٠
طبيب من وزارة الصحة إلى أمريكا وكندا وأستراليا والبرازيل.
٣ أبريل
إسرائيل تضرب المواقع السورية والمعارك البرية والجوية تستمر طَوال اليوم.
الغموض يحيط بسقوط الطائرة المغربية في «الدار البيضاء» الذي أسفر عن مصرع ٦١
شخصًا.
اجتماع لتحقيق الوحدة بين منظمات المقاومة الفلسطينية.
«ومرت الأيام»: التسجيل الكامل لحفلة «أم كلثوم» على أسطوانتَين ٣٣ لفة، الثمن ٣
جنيهات.
«بلمونت كنج سايز» السيجارة العربية المفضلة
«روماني»
الكينا الحديدية.
٤ أبريل
معركة جوية وسط الدلتا تشترك فيها ٣٠ طائرة مصرية وإسرائيلية.
مقتل «فيصل الشعبي» رئيس الوزراء السابق في اليمن الجنوبية أثناء محاولته الفرار من
معتقله.
«الصادق المهدي» رئيس وزراء السودان الأسبق يلجأ للقاهرة للإقامة.
٥ أبريل
لأول مرة في مصر، تليفزيون ٢٠ بوصة (تليمصر) ﺑ ١٢٥ جنيهًا للجهاز.
٦ أبريل
الفريق «حافظ الأسد» وزير الدفاع السوري يزور الجبهة السورية.
أفلام «صوت الفن» تقدم «عبد الحليم حافظ» و«نادية لطفي» في «أبي فوق الشجرة».
٧ أبريل
وحدة مصرية تتوغل ٦٠ كيلو في خطوط العدو، وتضرب بالصواريخ تجمُّعًا لقواته.
سكرتير الحزب الشيوعي السوداني المنحل «عبد الخالق محجوب» يصل القاهرة بعد أن أبعدَته
الحكومة السودانية، ووافقت الحكومة المصرية على إقامته بها.
وضعتَه تحت رقابتك بفضل مرافق دائم هو «أحمد حمروش» أحد «الضباط الأحرار» الذي كان
عضوًا في تنظيم «حدتو»، واحتفظ بصلاته به فأصبح عينك على هذا التنظيم وقناة اتصال
معه.
في «الأهرام» من ٧٥ سنة
الحاجة السويسية تحيي مولد الأحمدي
هذه المطربة الشهيرة قادمة إلى طنطا مع تختها لإحياء ليالي المولد الأحمدي الصغير في
قهوة ولوكاندة الخواجا باولو المشهورة بعظم موقعها وجودة مشروباتها ولذة مأكولاتها ونظافة
مفروشاتها وحسن خدمتها، فضلًا عما أُعِدَّ فيها من أسباب السرور ودواعي الحبور، وصاحبها
الخواجا باولو يدعو محبي الطرب ومريدي الراحة أن يشرفوا قهوته ولوكاندته ليرَوا ما يَسرُّهم
ويرضيهم.
٨ أبريل
مذبحة إسرائيلية لمدرسة «بحر البقر»
أغارت خمس طائرات فانتوم إسرائيلية على مدرسة ابتدائية تابعة
لمركز «الحسينية» بمحافظة «الشرقية» صباح اليوم، وقصفتها بخمس قنابل تزن ألف رطل
وصاروخَين؛ مما أدى إلى تدمير المدرسة بالكامل واستشهاد ٣٠ طفلًا وإصابة
٥٠.
«أحمد سليمان» وزير الاقتصاد السوداني وأحد قادة الحزب الشيوعي السوداني الموالين ﻟ
«نميري» يعلن أن اللواء «جعفر نميري» رئيس «مجلس الثورة» سيعلن قريبًا قرارات تستهدف
تحرير
الاقتصاد من السيطرة الأجنبية.
ملك الأردن يهدي وسام الاستقلال إلى «عبد الحليم حافظ» بعد أن غنَّى في فرح زواج شقيقته
الأميرة «بسمة».
الذكرى الثالثة للشهيد البطل الملازم «عادل إبراهيم قنصوة».
مدرسة في العجوزة تفصل تلميذة في الثانوية العامة لإصرارها على ارتداء الميني
جيب.
٩ أبريل
مجموعات من الطائرات الإسرائيلية من طراز فانتوم تُغير على مواقع القوات المصرية في
القطاع الأوسط للقناة، وتصيب أربعة من العسكريين.
١٠ أبريل
السودان يُبعد الملحق التجاري الأمريكي بدعوة من أسرة مجلة «الطليعة» (التي تصدرها
جريدة «الأهرام») يُلقي اثنان من كبار المفكرين السوفييت محاضرتَين بدار «الأهرام» عن
موقف
«لينين» من حركة التحرُّر الوطني ومن المسألة اليهودية.
١٢ أبريل
قوات المقاومة تقتحم منطقة المصانع الإسرائيلية قُرب مدينة «سدوم» وتهاجم مصانع
البوتاس.
١٣ أبريل
٨٧٨ قتيلًا وجريحًا لإسرائيل خلال سنة في جبهة القناة وحدها.
طابع بريد عن «لينين» تُصدره القاهرة يوم ٢١ أبريل في ذكرى مرور مائة سنة على
مولده.
اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي تحتفل بالذكرى، بحضور أنور السادات نائب رئيس
الجمهورية، والسفير السوفييتي والدكتور «محمود فوزي»، والدكتور «لبيب شقير»، و«شعراوي
جمعة»
أمين شئون التنظيم ووزير الداخلية.
التوازنات مرة أخرى! أردتَ أن تُرضي السوفييت المغرمين بالمظاهر
الشكلية، وفي نفس الوقت هدفتَ لاستنفار قوى اليمين لتعرب عن غضبها وتستغل ذلك للتخلص
من بعض
اليساريين الذين أبرزَتهم الظروف، دون أن تفقد مكانتك لدى السوفييت. وكنتَ قد أرغمت هؤلاء
على
ابتلاع ما حققتَه من نجاح في تصفية الحركة الشيوعية في مصر، وهو ما فشِل فيه كثيرون
قبلك.
فقد أطلقت ضدهم في سنة ٥٩ أعنف حملة استخدمتَ فيها كل الوسائل، بما
في ذلك الأكاذيب عندما اتهمتَهم بالعمالة لروسيا تارة وبلغاريا تارة أخرى، بينما كنتَ
تعلم
يقينًا من احتكاكك الشخصي بهم استقلالهم في الرأي عن السوفييت، بل ومعارضتهم لهم أحيانًا.
ولم
تجد دليلًا واحدًا على تلقيهم أيَّ عون مالي أو غيره منهم. وبلغتَ قمة الدهاء عندما اتهمتهم
أمام الجموع البسيطة بالعمل على إقامة «دكتاتورية البروليتاريا» مستخدمًا التعبير الأجنبي
بدلًا من «الطبقة العاملة». وفي مطلع سنة ٥٩ وضعتَ المئات منهم في السجون والمعتقلات
(رغم أن
قسمًا منهم هو «حدتو» كان يؤيدك على طول الخط) وقدمتَ قياداتهم إلى محاكمات عسكرية (كان
قاضيها اللواء هلال عبد الله هلال أول من فروا من مواقعهم في سيناء سنة ٦٧ أمام الدبابات
الإسرائيلية). وفي المعتقلات والسجون عرضتهم لألوان من «الرياضة العسكرية»
العنيفة.
وعندما أحدث مقتل «شهدي عطية» — أحد زعمائهم والقائد السياسي ﻟ
«حدتو» بالتحديد — تحت التعذيب سنة ٦٠ ضجةً عالمية أوقفتَ هذه الرياضة، وانتقلتَ إلى
المرحلة
الثانية الأصعب، والتي استمرت حتى سنة ٦٤، وهي اختراقهم واستمالتهم بتخفيف قيود السجون
(التغاضي عن تهريب الكتب والصحف وإسماعهم «أم كلثوم») والتلويح بالإفراج في حالة التعهد
بعدم
ممارسة العمل السياسي، ثم التلميح بإمكانية الإفراج عمومًا عن كل المعتقلين. لكن العامل
الأساسي في نجاح خُطَّتك هو ما حدث لك شخصيًّا من تطوُّر فكري نتيجةَ القراءة المستمرة
والبحث
عن وسائل تحقيق حُلمك في العدالة الاجتماعية والرفاهية للشعب، وما قمت به من إجراءات
تجاوزت
ما كانوا يطالبون به، وفاقت في أحيان كثيرة أقصى أحلامهم، بل ولم تكن قد خطرت لهم ببال،
من
أول تأميم الشركات الكبرى وإشراك العمال في إدارتها إلى تخفيض إيجارات المساكن ومنع الفصل
التعسفي للعمال، فضلًا عن تصديك بصلابة للأطماع الاستعمارية والمخططات الرجعية، مما دعم
اتجاه
بعضهم («حدتو» بالتحديد) إلى اعتبارك من الوافدين الجدد إلى معسكر الاشتراكية
المتنامي.
وكانت لك مع هذا التنظيم الشيوعي قصة.
كان زميلك الشاب «خالد محيي الدين» قبل الثورة عضوًا فيها، وخلال
محاولتك التعرف على التنظيمات السياسية المختلفة، قبلت أن يرتب لك اجتماعًا مع أحد قادتها
وهو
القاضي «أحمد فؤاد»، فالتقيتما في منزل «خالد». وأعجبت بحديث «أحمد فؤاد». وتلا ذلك أن
عرضت
«حدتو» انضمام ضباطها إلى تنظيم «الضباط الأحرار»، فاشترطت أن ينضم أعضاء «حدتو» كأفراد،
وقبلت «حدتو» الشرط. وفي يومٍ ذهبت و«خالد» لزيارة «أحمد فؤاد» في بيته، ووجدتما عنده
شخصًا
قدَّمه «أحمد فؤاد» على أنه الرفيق «بدر». وتحدث الرفيق «بدر» عن الأوضاع السياسية وفسرها
بطريقة أبهرتك. وعندما غادرتَ المنزل مع «خالد» سألتَه عن هذا الشخص الغامض ذي الثقافة
العميقة والأفق الواسع، فقال إنه السكرتير العام «لحدتو». فعدت تسأل: بيشتغل إيه؟ فأجاب
«خالد»: السكرتير العام، فسألت بحدة: يعني كان بيشتغل إيه قبل ما يبقى سكرتير عام؟ قال
«خالد»: ميكانيكي. وصِحتَ: يعني أنت ممكن تبقى عضو في الحزب ده وتتلقى الأوامر من
ميكانيكي؟
وظلت مسألة الميكانيكي هذه عالقةً بذهنك — وخاصة عندما علمت أنه كان
ميكانيكيًّا في سلاح الطيران — ترددها أحيانًا في تهكُّم وأحيانًا في استنكار. وحتى بعد
الانقلاب وفي اجتماعات «مجلس قيادة الثورة» عندما اشتدت حدة الخلاف بين أعضائه قلتَ مرة
مشيرًا إلى «خالد»: ده زعيمه ميكانيكي. وهو ما جعلك تنفر من هذا التنظيم
بالذات.
وفيما بعد، في سنة ٦٤ عندما شعرت أن سياسة الترهيب والترغيب قد أوشكت
أن تؤتيَ أُكلها وأن غالبية الشيوعيين تفكر في الاعتراف بقيادتك وبإمكانية العمل مع «الاتحاد
الاشتراكي»، انتقلتَ إلى مرحلة جديدة من مراحل تصفيتهم.
كنتَ قد كوَّنتَ التنظيم الطليعي (السري!) في منتصف ٦٣ بمنطلقات
فكرية لا تختلف كثيرًا عن منطلقاتهم. وحرصتَ على أن تصلهم أخبار ذلك في السجون، وكيف
أنهم
مدعوون للانضمام إليه! بل إن بعضهم — ممن لم يتعرضوا للاعتقال ومن القدامى الذين هجروا
النشاط
العملي — قد انضموا إليه فعلًا، بشرط قطع عَلاقاتهم التنظيمية السابقة؛ فأبواب الاتحاد
الاشتراكي وتنظيماته العلنية والسرية مفتوحة للشيوعيين بشرط الخروج من
«الحزب».
وكان المقرر أن يزور «خروشوف» مصر ليشترك في مناسبة تحويل مجرى
«النيل» التي اقتضاها بناء السد العظيم، وأعرب عن الحرج الذي يواجهه أمام رفاقه عندما
يزور
بلدًا تمتلئ سجونه بالشيوعيين. وفي نفس الوقت أيضًا كانت البلاد تكاد تختنق من الضغط
البوليسي، وتتطلع إلى نوع من الانفراج. هكذا رأيتَ أن الوقت قد حان لإطلاق سراح من أنهكتهم
الأسوار وتطورات الأحداث.
وتم الإفراج على دفعات. وبدا كأن التردد انتابك أو أن قوةً ما تعارض
هذا الإفراج، إذ تم اصطناع حادث دموي في سجن الواحات راح أحد السجناء الشيوعيين ضحيته.
وجرت
عدة محاولات لتعطيل الإفراج وتأجيله، حتى إن آخر دفعة من المفرج عنهم أُطلقت في الشوارع
عشية
يوم مقدم «خروشوف» بدلًا من الإجراءات المألوفة لمغادرة السجن التي تستغرق عدة
أيام.
وخلال ذلك لم تكفَّ عن إطلاق الرسائل بأنك ترحب بوحدة كل القوى
الاشتراكية، وأنك لن تقبل في الوقت نفسه عملًا سياسيًّا «تحت الأرض» قد يضطرك للعودة
للصدام.
وفي ديسمبر ٦٤ تشكلت الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي، وضمت في
صفوفها «خالد محيي الدين» وعددًا من الرموز اليسارية. وتولى «خالد محيي الدين» أمانة
الصحافة
و«إبراهيم سعد الدين» أمانة المعهد الاشتراكي. ثم صدر عفو شامل عن جميع القضايا الشيوعية،
وأسقطت العقوبات التبعية. وشكلت لجنة خاصة برئاسة مدير مكتب «زكريا محيي الدين» تتولى
توظيف
الشيوعيين المُفرَج عنهم، وإيجاد وظائف ملائمة لهم، تلكأت في عملها بالنسبة للعمال من
المفرج
عنهم.
وترعرعت فكرة الوحدة بين «حدتو» و«التنظيم الطليعي»، ونوقشت في
اجتماعات حظيَت برعايتك، حضرها «أحمد حمروش» وعدد من قياداتهم (على رأسهم «كمال عبد الحليم»
المسئول السياسي لهم، والذي يعاني نوعًا من الاضطراب العصبي بسبب التعذيب الذي تعرَّض
له في
السجن الحربي سنة ٥٣). وانتهت هذه الاجتماعات بأن وافقت «حدتو» على الانضمام إلى التنظيم
الطليعي، وأعدت لذلك خريطة كاملة بأعضاء «حدتو» وبتسكينهم مع أعضاء التنظيم الطليعي.
وحمل
«أحمد فؤاد» هذه الخريطة إليك فانزعجتَ من سرعة التنفيذ، وما لبثتَ أن تراجعتَ واشترطتَ
أن
ينضموا كأفراد بدلًا من أن تتم الوحدة بين تنظيمات.
انسحب رفاق «حدتو» يلعقون جراحهم، وتعرضوا لألوان من الضغط (شملت
التهديد بالاغتيال في إحدى الحالات) وتم في صفوفهم تداول فكرة حل التنظيم والانضمام فرادى
إلى
«الاتحاد الاشتراكي». وفي اجتماع حاسم ترددوا في اتخاذ قرار، فاقترح عليهم «كمال عبد
الحليم»
أن يتم تجسيد التنظيم في شخصه. وعندما وافقوا أعلن حل الحزب. وأسرع «كمال عبد الحليم»
إلى
مكتب بريد ميدان «التحرير» ليرسل برقية تهنئة لك بهذا القرار.
ودارت مسرحية مماثلة مع الحزب الآخر الذي كان يتقاسم النشاط الشيوعي
مع «حدتو»، ويختلف عنها في أنه اتهمك في البداية بالفاشية العسكرية، ثم خفف للاتهام إلى
الرأسمالية الكبيرة إلى أن رأى النور أخيرًا. وكان هذا الحزب ينفرد بوجود عدد من أبناء
الباشَوات والإقطاعيين — الذين تمردوا على أسرهم — في قيادته. وكانت حلقة الاتصال معه
هي
«هيكل»، المغرم بالاقتراب من الملوك والرؤساء والطبقات العليا (والتشبه بأسلوب حياتهم
من
تدخين السيجار إلى لعب الجولف). وأعلن هذا الحزب حل نفسه بعد قرار «حدتو»
بشهر.
هكذا تمت التصفية كاملة، وصرتَ ممثل الاشتراكية
الوحيد.
٣ ينتحرون في يوم واحد.
ملتحٍ يرتدي قفطانًا أبيضَ وجلبابًا، عمره ٤٥ سنة يلقي بنفسه من فوق كوبري أبو العلا.
وأمام كوبري فونتانا الجديد ألقى شاب عمره ١٧ سنة بنفسه في النيل. وبجوار قصر محمد علي
بشبرا ألقى شاب بنفسه في النيل، وقد عُثر في جثته على بطاقة شخصية باسم نبيل جاك حنا
٢٣
سنة.
«شخصية مصر»
دراسة في عبقرية المكان ﻟ «جمال حمدان».
١٥ أبريل
اغتيال أحد ضباط المقاومة في عمان.
من ٧٥ سنة في مصر
دليل الحائرين في الأمراض الزهرية. أهديت إلينا نسخة من كتاب «النفحة الزهرية في
الأمراض الزهرية» تأليف حضرة الطبيب البارع الدكتور محمد أفندي أمين بدر حكيمباشي مستشفى
المجاذيب، وهو مؤلَّف كبير الحجم يتضمن كل الملاحظات الطبية في هذه الأمراض الخبيثة
وكيفيتها وطرق معالجتها.
السلطات الأردنية تحبط محاولة لضرب ميناء إيلات الإسرائيلي بالصواريخ.
إحراق المركز الثقافي الأمريكي في عمان.
١٨ أبريل
جرت آخر محاولة إسرائيلية للنفاذ إلى العمق المصري صباح هذا اليوم، عندما دخلت طائرتان
من طراز فانتوم في اتجاه الفيوم، فصعدت إلى الجو ثماني طائرات مصرية من طراز ميج ٢١،
وتردد
على موجات الاتصال اللاسلكي بين قيادة التوجيه الإسرائيلي وطائرتيها صوت ضابط التوجيه:
حذارِ، هناك كمين في انتظاركم. عودوا بأقصى سرعة.
متوسط طلعات العدو بالطيران فوق المواقع المصرية في الشهور الأربعة الأولى من هذه
السنة: ١٨٠ طلعة في المتوسط كل أسبوع.
من ٧٥ سنة في مصر
أصدرت المحكمة القنصلية الفَرنسية بالقاهرة حكمًا باعتبار شركة
بوغاز السويس شركة فرنسوية محضة لا شركة مختلطة.
«بابا للإيجار» فيلم جديد كتب قصته وحواره «سعد الدين وهبة» وكيل وزارة
الثقافة.
جائزة «لينين» للسلام تُمنح ﻟ «خالد محيي الدين» الأمين العام لمجلس السلام المصري
و«الشفيع أحمد الشيخ» الأمين العام لاتحاد العمال السوداني.
١٩ أبريل
«كريم مروة» أحد زعماء الحزب الشيوعي اللبناني في الملتقى الفكري في الخرطوم:
الاشتراكية العلمية أخذت تشكل الإطار العام للفكر الثوري العربي.
المظاهرات ترغم «سيسكو» على مغادرة بيروت بعد ٤ ساعات.
مهاجمة السفارة الأمريكية في بيروت وإحراق علمها.
هجوم واسع للطيران المصري على مواقع العدو من أقصى الجنوب إلى الشمال.
«حسن الإمام» يخرج رواية تولستوي «البعث» في فيلم يقوم بتمصيره الكاتب الكبير «نجيب
محفوظ».
٢٠ أبريل
للمرة الثانية خلال ٢٤ ساعة: الطائرات المصرية تهاجم مواقع العدو على خليج
السويس.
كشف التحقيق أن تاجرًا كان يمتلك ٧ دُور للسينما في القاهرة، من بينها سينما «رمسيس»،
وبعد تأميمها اشتغل في تجارة الآثار المزيفة ثم التحف المهربة.
اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي تحتفل بالذكرى المئوية لميلاد «لينين»، بحضور السيد
أنور السادات نائب رئيس الجمهورية وأعضاء اللجنة التنفيذية العليا. وتنظم منظمة الشباب
مؤتمرًا بهذه المناسبة يحضره السيد «ضياء الدين داود» عضو اللجنة التنفيذية العليا،
و«شعراوي جمعة» أمين التنظيم، والدكتور «مفيد شهاب» أمين الشباب.
مسرحية البكاشين.
كان التنظيم السياسي مشكلتك الأزلية. فمنذ البداية كنت ضد الحزبية.
فقد شاهدت وعركت كيف كانت أكبر هذه الأحزاب بقيادة كبار الإقطاعيين والرأسماليين في خدمة
السرايا والإنجليز، عدا بالطبع أحزاب وطنية صغيرة وهزيلة (مثل الحزب الوطني الجديد بزعامة
«فتحي رضوان» والحزب الاشتراكي بزعامة «أحمد حسين» والتنظيمات الشيوعية السرية التي صار
أغلبها يعتبر حركة الجيش فاشية أو دكتاتورية عسكرية على النسق الذي كانت أمريكا تزرعه
في
أمريكا اللاتينية وغيرها). وعندما رفضت الأحزاب الكبرى دعوتك إلى تحديد الملكية الزراعية
—
المطلب العتيق للشعب المصري — أطحت بهم وبفكرة الحزبية عموما، مبقيًا على تنظيم الإخوان
المسلمين، متصورًا إمكانية استغلال شعبيتهم لحسابك، وهو التصور الذي حطمته محاولتهم السيطرة
عليك، فاصطدمتَ بهم وقمتَ بحل تنظيماتهم. وتصورتَ أنك يمكن أن تجمع الجماهير كلها بطبقاتها
المختلفة في تنظيم واحد هو «هيئة التحرير» بهدف واحد هو إجلاء الإنجليز. وعندما تحقق
هذا
الهدف بدأت تسأل نفسك: وماذا بعد؟
كنت الأكثر وعيًا وثقافة بين زملائك، وأكثرهم قدرة على تطوير فكرك،
وأكثرهم إحساسًا بأوضاع الطبقات الفقيرة وطموحاتها. وهالَك ما تكشَّف لديك من سيطرة الشركات
والمصارف الإنجليزية والفَرنسية والبلجيكية على الشركات المصرية الكبرى. وتكشَّف أيضًا
أن
ثروة البلاد في أيدي أفراد قلة من الأجانب وبعض عائلات إقطاعية تملك الأراضي الشاسعة
— التي
لم تبذل جهدًا في الحصول عليها، وإنما تلقَّتها منحًا من «محمد علي» وأبنائه — بخلاف
ما تملكه
من مبالغ ضخمة بالشركات. وتبلورت لديك ملامح مرحلة جديدة لثورة اجتماعية شاملة. لم يعُدْ
تحطيم الملكية الإقطاعية وتوزيع الأرض على فقراء الفلاحين وزيادة أجور عمال الزراعة كافيًا،
ولا إلغاء ألقاب «بك» و«باشا». وأدركت أهمية التصنيع، وبالتالي كهربة البلاد ومشروع السد
العالي. وعندما سحب البنك الدولي تمويله بادرت بجسارة فائقة بتأميم شركة قناة السويس،
وتمصير
الاقتصاد المصري الذي كان يسيطر الأجانب على بنوكه وشركاته، وأمَّمتَ بنك مصر الذي كان
يسيطر
على ٢٢٧ شركة، ثم أمَّمتَ الشركات الكبرى، وأسست القطاع العام ليتحكم في الثروة القومية،
وبذلك تضمن تجميع الموارد لخطة التنمية الكبرى التي قدمت للشعب المصري خدمات لم تحدث
من قبل
في الصحة والتعليم والتموين والنقل والإسكان.
إلا أنك لم تلبث أن تبينتَ صعوبة تنفيذ كل هذا بسبب طبيعة الجهاز
الإداري الذي تسيطر عليه عناصر الطبقات العليا واليمين المحافظ، وأدركتَ الحاجة إلى تنظيم
جماهيري يواجهها.
وكنت قد تبينتَ أيضًا هشاشة «هيئة التحرير» التي تغلَّب عليها
الانتهازيون والمنافقون وممثلو الإقطاعيين وكبار المُلاك، فقمتَ بحلها وإنشاء «الاتحاد
القومي» لكي يقيم المجتمع «الديمقراطي التعاوني» الذي تخيلتَه. وسرعان ما تجلى لك مع
تطور
وعيك، هلامية أطروحاتك وتَكرار نفس العيوب في التنظيم الجديد. وتوصلت بالتدريج إلى أنه
لا مفر
من العمل من أجل ثورة اشتراكية حقًّا تقوم على أُسس علمية، أي تستند في حقيقة الأمر إلى
الأفكار الماركسية دون التطرق إلى الجوانب الفلسفية منها، إنما بالاقتصار على الجوانب
الاجتماعية والاقتصادية. وكان لا بد من صيغة تنظيمية لهذا الوضع هي «الاتحاد
الاشتراكي».
وراقبتَ عمل هذا التنظيم الذي حل محل «الاتحاد القومي» وكيف تغلبَت
عليه العصبيات العائلية وعوامل النفوذ التقليدية، وراح يفرض صيغة لأطروحاتك ترضي العناصر
المحافظة والرجعية مثل الحديث عن «اشتراكية إسلامية» حينًا و«اشتراكية عربية» حينًا آخر،
أو
بطرح نقاشات عبثية مثل «ثورية قبل التنمية أو بعدها» وغيرها. والأهم أن هذا التنظيم الذي
أردته جماهيريًّا أبدى عجزه عن حشد الجماهير بالطريقة التي تستطيعها أنت شخصيًّا
بمفردك.
وكنتَ تتأمل بإعجاب وغيظ نجاح الشيوعيين في تنظيم أنفسهم والعمل وسط
الجماهير، ولمستَ ذلك مرات عديدة، وخاصة أثناء العدوان الثلاثي، وما قاموا به من دَور
فعَّال
في المقاومة الشعبية داخل المدن المحتلة من المعتدين، وبعد ذلك في سنة ٥٧ عندما أجريت
انتخابات حرة لمجلس الأمة ورأيت كيف أوشكوا أن يدفعوا بأحدهم إلى المجلس ولم ينجحوا بسبب
انشقاقهم ونجاحك في استغلال هذا الانشقاق. وعلى كل حال فقد أعقبتَ هذا «العرس الديمقراطي»
كما
سُمي، بمحاكمة عسكرية عاجلة لهم.
جربتَ تنشيط العمل داخل «الاتحاد الاشتراكي» من خلال تجمُّعات داخله،
تقودها عناصر واعية تثق فيها شخصيًّا، فولدت «منظمة الشباب» بإشراف «زكريا محيي الدين»
وزير
الداخلية، كما ولد «تنظيم الدعاة» الذي رأَسه بجدارة «كمال رفعت» من «الضباط الأحرار»
وأحد
أبطال المقاومة الشعبية في منطقة القناة أثناء عدوان ٥٦ ومن رجالك المخلصين (إلى أن تبيَّن
فيما بعد أنه أشد إخلاصًا ﻟ «عبد الحكيم عامر»). لكن «علي صبري» — الذي أصبح رئيسًا للاتحاد
الاشتراكي في سنة ٦٦ — ضاق بهذا التنظيم واعتبره محاولة لمنافسة «منظمة الشباب» التي
يرأسها
طبيب أطفاله «حسين كامل بهاء الدين». وانتهى الأمر كله بحملة بوليسية ضخمة قام بها «شعراوي
جمعة» في أكتوبر ٦٦، هدفها تطهير «الاتحاد الاشتراكي» من اليساريين. ودار التحقيق مع
المعتقلين تحت التعذيب الذي يبدأ من التعليق في مشجب حديدي عدة ساعات، والضرب بالعصي
من أجل
اعترافات تدين «كمال رفعت» وآخرين. وفي هذه الأثناء كان تنظيم «طليعة الاشتراكيين» السري
قد
اكتمل بناؤه برئاستك، وإشراف «شعراوي جمعة» وزير الداخلية أيضًا.
بدأتَ تشكيل هذا التنظيم الذي أردته سريًّا ويتألف من اشتراكيين
مخلصين — يُشترط فيهم ألا يتملكوا أراضي أو مشروعات رأسمالية — ويستبعد منهم الشيوعيون
الذين
كانوا في السجون — على أي حال — بدأته باجتماع سري(!) في منزلك في ١٣ سبتمبر ٦٣ ضم كلًّا
من
«علي صبري» و«هيكل» (صديقك المقرب والذي تجاهلتَ ملكيته لأحدث مزرعة دواجن آلية مثل زميلك
«زكريا محيي الدين») و«عباس رضوان» (الذي اشترك فيما بعد في تمرد «عبد الحكيم عامر»)
و«أحمد
فؤاد» رئيس «بنك مصر» (والشيوعي السابق). وقررتم أن يتولى كل واحد منهم تجنيد عشرة مخلصين
بالشروط المتعلقة بالملكية، ثم يجند كل واحد من العشرة عشرة آخرين وهكذا. وبالفعل قام
كل واحد
منهم بتجنيد خلصائه ومرءوسيه. وتم التنازل تدريجيًّا عن الشروط إياها. وانتهى الأمر إلى
تنظيمٍ طليعي حقًّا — وسري أيضًا! — يضم أغلب المسئولين عن العمل الإداري أو التنفيذي،
وعلى
رأسهم شيخ الأزهر ورئيس الوزراء ووزير الداخلية.
هكذا توصلتَ بعد الهزيمة النكراء في ٦٧ إلى أهمية وضرورة ما حاولتَ
دائمًا تجنُّبه، وهو «التعددية السياسية» ووجود معارضة علنية. لكن أقصى ما تصورته أن
يكون
هناك حزب بقيادة «عبد اللطيف البغدادي» و«كمال الدين حسين» اللذين يعارضانك — من منطلق
يميني
— ولكن بنص كلماتك في اجتماع قيادة الاتحاد الاشتراكي بعد الهزيمة بشهرين: «… كلاهما
أصلًا
منا وسبق أن وافقوا على الميثاق، ونسمح لهما بتكوين حزب معارض وجريدة تعبر عن رأيه»؛
أي تغيير
في نفس الدائرة المغلقة.
٢٢ أبريل
الطيران المصري يضرب معسكرًا للعدو على ساحل البحر الأبيض المتوسط.
إسرائيل تحاول الاستيلاء على مصادر المياه في الأردن.
سهرة الربيع الكبرى بسينما «ريفولي» تحت رعاية «محمد البلتاجي» محافظ الجيزة.
تشغيل التوربين العاشر في محطة كهرباء السد العالي لترتفع الطاقة الكهربائية التي تحصل
عليها البلاد من المحطة نصف مليون كيلو وات يوميًّا.
أحدث مبتكرات صيف ٧٠ تقدمها شركة بيوت الأزياء الراقية: إنسامبل مبتكر من قطعتَين،
فستان ميكرو، وبالطو ماكسي من الكريب موس شكولا أوليه مطرز على الصدر.
٢٣ أبريل
مطاردة مثيرة في شوارع القاهرة بين الشرطة وسارقي سيارة تاكسي.
شاب فلسطيني يروي قصة تخديره واستئصال عضوه التناسلي بواسطة طبيب إسرائيلي بعد أن رفض
التعاون مع الموساد.
ابتداء من الإثنين بسينما «كايرو»،
«حفنة أشرار».
٢٥ أبريل
١٦٠٠ بريطاني يخدمون في الجيش الإسرائيلي.
إسحاق رابين سفير إسرائيل في واشنطن: طائرات الفانتوم وسكاي هوك الأمريكية ستُسلَّم إلى
إسرائيل سرًّا.
تحت الطبع كتاب
«الإيمان بالمسيح»
للأب «متى المسكين».
فرص الربح في السوق المصرية: حلاق السيدات، تأجير سيارات النقل، تجارة وصناعة الذهب،
سيارات التاكسي، تجارة الحلويات.
٢٦ أبريل
وحدات مصرية تعبر القناة ٣ مرات في أقل من ٢١ ساعة.
العدو يخسر ٣٥ بين قتيل وجريح.
جنازة عسكرية لثلاثة شهداء من القوات الجوية.
مظاهرة وطنية رائعة. شقيقة الشهيد «محمد سعد الله» ترفض التصوير صائحة: صوروا الأبطال
…
لن نبكي ولن نصرخ حتى نشاركهم.
«أغدًا ألقاك» أغنية جديدة لأم كلثوم، شعر السوداني «الهادي آدم»، وتلحين «محمد عبد
الوهاب».
٤ وزراء جدد في الحكومة المصرية: «محمد فايق» وزير دولة للخارجية، «محمد التهامي» وزير
دولة، «سعد زايد» محافظ القاهرة وزير دولة، «سامي شرف» مدير مكتب رئيس الجمهورية للمعلومات
وزير دولة، «محمد حسنين هيكل» وزيرًا للإرشاد القومي بدلًا من «محمد فايق» الذي يشغل
هذا
المنصب منذ ١٩٦٦.
تعيين «حافظ إسماعيل» رئيسًا للمخابرات العامة الطبيبة المصرية لأول مرة ملازم أول في
الجيش.
٢٩ أبريل
إسقاط طائرة للعدو فوق «فايد».
البيت الأبيض يعلن استجابته لطلب السلاح من إسرائيل.
قصة الكوبري التي استمرت عشر سنوات بدأت سنة ١٩٦٠ بمناقصة رست على مقاول قدَّم أقل
عطاء. وفي العام التالي اكتشفت الدولة مخالفته لشروط العقد، فألغت المناقصة وأعيد طرحها
ففاز بها نفس المقاول، لكنه تأخر في التنفيذ، فأعطته الوزارة مهلة سنة لم يستغلها، فسحبت
منه العملية، وكلفت بها الورش الأميرية. لكنها لم تتمكن من تنفيذ المهمة، فأجرت الوزارة
مناقصة عامة أوائل عام ١٩٦٧ استقرت على شركة قطاع عام، لكنها عجزت عن الإنجاز بسبب فرض
الحراسة على مهمات الكوبري، فطلبت من محافظ الدقهلية إصدار قرار بالاستيلاء على مهمات
الكوبري؛ حيث إنها ملك الحكومة فطلب المحافظ حل الأمر وديًّا وإعطاء المقاول فرصة أخيرة.
وتم التصالح بين الوزارة والمقاول وأسند إليه العمل من جديد في نوفمبر ١٩٦٩، وعندما لم
يُنجز شيئًا طيلة خمسة شهور تم سحبه منه بصفة نهائية، وأعيد إسناده للقطاع العام، فثارت
مشكلة الحراسة المفروضة على مهمات الكوبري، وعاد الأمر من جديد للمحافظ ثم المقاول.
عهد وشكر وقسم،
شعب ومحافظة القليوبية،
أمين وأعضاء الاتحاد الاشتراكي،
مجلس المحافظة وجميع الأجهزة التنفيذية،
العاملون بشركات ومصانع «شبرا الخيمة» و«أبو زعبل» و«الخانكة».
٣٠ أبريل
كتيبة مشاة مصرية كاملة تعبر قناة السويس بجميع معداتها أثناء الليل، وتقتحم الأسلاك
الشائكة وحقول الألغام التي أقامها العدو حول مواقعه ثم تعود إلى الضفة الغربية بعد ٣
ساعات
ونصف بعد أن استشهد منها ثلاثة وأصيب سبعة.
أول مايو
خطاب خطير لعبد الناصر في ٢٠ ألف عامل بشبرا الخيمة بمناسبة عيد العمال العالمي: بدون
دعم وبدون السلاح الروسي كان موشي ديان يمكن قاعد هنا في القاهرة.
الصناعات الإلكترونية حققت الاكتفاء الذاتي واتجهت إلى التصدير.
توسعات ضخمة في صناعة الكابلات الكهربائية لمواجهة مشروعات الإنارة القائمة على محطة
السد العالي.
من ٧٥ سنة في مصر
عزم صاحب الدولة البرنس محمد علي باشا شقيق الجناب العالي وولي
عهد الخديوية المصرية على السفر إلى أوروبا لقضاء أشهر الحر فيها، وسيبرح دولته الثغر
في
يوم السبت أو الأحد المقبل مع الباخرة الفرنسوية القادمة من الصين، رافقته عين العناية
في
الذَّهاب والإياب.
٢ مايو
تعثر الهجوم الأمريكي على كمبوديا.
الملك حسين في برقية إلى عبد الناصر: لن أتردد في اتخاذ الموقف الذي تُمليه المصلحة
العربية العليا.
صدام مسلح بين المقاومة والقوات الأردنية في منطقة «الشونة».
٤ مايو
هجوم مصري بالبحر عبر خليج السويس ضد مواقع العدو ﺑ «الطور».
علاوات كاملة لجميع الموظفين هذا الشهر رغم ظروف المعركة بتكلفة ١٦ مليون جنيه.
محافظ القاهرة الجديد «وجيه أباظة» يدعو للتركيز على نظافتها.
٥ مايو
سائق تاكسي (٥٨ سنة) يوقفه على كوبري «قصر النيل»،
ويلقي بنفسه في النهر.
تجدد الأزمة بين السلطات الأردنية والمقاومة الفلسطينية.
من ٧٥ سنة في مصر
تبادل حضرة اللورد كرومر وسعادة بطرس باشا غالي الزيارة الرسمية
في عيد جلالة الملكة فكتوريا، وستطلق القلعة ٢١ مدفعًا ظهر ذلك اليوم.
«القذافي» يفتتح الندوة الفكرية في ليبيا.
الذكرى السنوية
لفقيد الوطن
ملازم أول طيار «وجيه مجلي جورجي».
مشروع قرار سوفييتي إلى الأمم المتحدة بسحب القوات الأجنبية من الأرض المحتلة، وإيقاف
محاولات القضاء على حركات التحرر الوطني.
٣٠٠٠ سيارة نصر ١٢٥ سنويًّا وتغيير نصر ١١٠٠ إلى ١٢٨.
لجنة الفكر الثوري برئاسة العقيد «معمر القذافي» تنتهي من مناقشة تحديد قوى الشعب
العاملة صاحبة المصلحة في الثورة، بعد مناقشات استمرت يومين في طرابلس.
٧ مايو
مناورة كبرى بالذخيرة الحية بمشاركة الطائرات تجريها مصر في موقع ما بالجمهورية
ويتابعها عبد الناصر طَوال اليوم.
٩ مايو
هجوم إسرائيلي على جنوب لبنان.
الآلاف يحتشدون حول البيت الأبيض ضد غزو كمبوديا.
نيكسون يقول: غزو كمبوديا قد يكون خطأ، لكني أنا المسئول عنه.
١٠ مايو
«منظمة سيناء» تدمر خطوط مواصلات العدو وتستولي على مقطورة إسرائيلية تزن ٤ أطنان، ثم
تسحبها وتعبر بها القناة.
طائرات إسرائيل تقصف جنوب لبنان.
اللجنة الرئيسية للاتحاد الاشتراكي برئاسة أنور السادات تجتمع لبحث تحرك التنظيم في
الداخل والخارج.
«موشيه ديان» يناشد سكان المستوطنات في «الجليل» عدم الرحيل عنها بسبب هجمات
المقاومة.
«صوفيا لورين» و«مارسيلو ماستريوني» في فيلم «أمس واليوم وغدًا» إخراج «فيتوريو دي
سيكا».
جمعية «تلا» برئاسة «جيهان أنور السادات» تقدم الفطير المشلتت والمش في فندق الشيراتون.
وقد أهدتها الشاعرة «سعاد الصباح» قرينة الشيخ «عبد الله المبارك الصباح» ٥٠٠ جنيه وخروفين
مشويَّين على الطريقة الكويتية.
١٣ مايو
الجبهة الشرقية تشتعل بعد هجوم إسرائيلي.
الطيران السوري يدخل المعركة.
دورية مصرية تدمر قوة مدرعة للعدو في عملية عبور لقناة السويس تمت في الساعات الأولى
من
الصباح.
عبد الناصر لصحيفة أمريكية: سنظل بحاجة إلى وجود الفنيين الروس ما دامت الحرب قائمة.
وقد مرت فترة كنت أكتب فيها لبريجنيف كل أسبوع. كنا بحاجة مُلحَّة إلى معونتهم، وإلى
أسلحتهم، وإلى الفنيين من رجالهم.
قبل ١٩٦٧ كان تَعداد جيشنا ١٠٠ ألف رجل. أما الآن فتعداده ٦٠٠ ألف رجل. وكانت ميزانية
دفاعنا تصل إلى ١٦٠ مليون جنيه مصري وقد وصلت الآن إلى ٥٥٠ مليون جنيه.
تعلمنا في ١٩٦٧ ألا نكون مغرورين، وألا نظن أننا نعرف كل شيء.
تجدد الاضطرابات العنصرية الدامية في ولاية جورجيا الأمريكية، ومصرع ستة من السود برصاص
البوليس.
دار «الكاتب العربي» تقدم:
«المرشد في إجراءات الهجرة».
١٤ مايو
معركة جوية مع الطائرات الإسرائيلية فوق بحيرة «البردويل».
فصائل المقاومة تجبر قوات إسرائيل على الانسحاب من جنوب لبنان.
اشتباكات عنيفة مع العدو في الجبهة الأردنية.
بطل القرن العشرين: «كيم إيل سونج».
أخيرًا الكتاب الذي انتظرتموه طويلًا.
قصة حياة البطل الذي أنجبته كوريا وتاريخه الرائع المليء بالصراعات والإنجازات الثورية،
وقيادته البارزة وفضائله السامية. ملحمة مؤثرة وعظيمة عن البطل الجنرال الذي قاد كفاح
التحرير الوطني إلى النصر والذي لا مثيل له في تاريخ العالم.
(إعلان مدفوع الأجر)
١٦ مايو
هذا هو اليوم من مايو ١٩٦٧ الذي ارتكبتَ فيه أول خطأ في حساباتك
عندما طلبت سحب قوات الطوارئ الدولية من مواقعها على الحدود في سيناء وفي شرم الشيخ ومضيق
تيران. واستعدت حق السيادة على خليج العقبة التي فقدته مصر في عدوان ٥٦.
حركت القوات المصرية مكان قوات الطوارئ، وفعلت ذلك لتتمكن من نجدة
سوريا إذا وقع عليها عدوان إسرائيلي، وهو خطر بالَغ الأعداء في تصويره بالاستعانة بأعوانهم
داخل القيادة السورية نفسها، وهو ما كان يجب أن تحسب حسابه وتتوقعه ولم تفعل، رغم التحذيرات
التي تلقيتَها بأن الأمريكان قد تحركوا لاصطيادك. وأعطيتَ إسرائيل الفرصة التي كانت تتمناها،
فنقلَت قواتها بسرعة من الجبهتين السورية والأردنية إلى الجبهة المصرية.
ارتفع متوسط طلعات العدو بالطيران فوق المواقع المصرية إلى ٥٢٦ طلعة في الأسبوع الثاني
من مايو.
زورق صواريخ مصري يُغرق سفينة إسرائيلية.
ضرب مستعمرات العدو في الأردن بصواريخ المقاومة.
«لوموند»: مصر تسلمت طائرات ميج ٢١ السوفييتية.
٢٩ نشالًا يقتحمون قطار الإسكندرية ويسرقون ركابه.
٢٢ عامًا على تأسيس إسرائيل.
هجوم جريء للضفادع البشرية المصرية في ميناء إيلات.
«عرفات»: معركة «العرقوب» أثبتت كفاءة المقاومة الفلسطينية.
٤ هجمات للطيران المصري في يوم مليء بالعمليات الجوية.
١٧ مايو
غارة إسرائيلية تصيب مدمرة مصرية راسية في ميناء «برنيس» بالبحر، الأحمر والطائرات
المصرية تسقط ٣ طائرات للعدو.
أعلن أمس السيد «حافظ بدوي» أمين اللجنة العامة «للمواطنين من أجل المعركة» خطة عمل
اللجنة التي تقرر طرحها على الجماهير لتلقي آرائها ومقترحاتها.
وزير الدفاع الأمريكي: نأمل أن تساعد الأسلحة التي بعناها لإسرائيل على أن تمارس ضبط
النفس في عملياتها ضد الدول العربية إلى جانب ما توفره لها من القدرة العسكرية.
«بن جوريون»: ستشعر إسرائيل بالسلام عندما يتبدد حلم عبد الناصر في الوحدة العربية وهو
أمر سوف يستغرق ما بين ثماني وعشر سنوات.
١٨ مايو
غرق المدمرة المصرية التي اشتبكت مع العدو بعد إنقاذ طاقمها.
العدو يخسر خمس طائرات في ٢٤ ساعة.
الطيران الإسرائيلي يهاجم مواقع أردنية.
٢٠ ألف فدان من الأراضي الجديدة توزع على المنتفعين في يوليو القادم.
اتفاق غريب بين ٣١ من أمناء المخازن وسكرتيري جمعيات الإصلاح الزراعي على اختلاس الوقود
وقطع الغيار.
٢٠ مايو
قوة مصرية من ٩٠ جنديًّا تعبر القناة وتدمر طابورًا مدرعًا للعدو.
مجلة أمريكية: الاتحاد السوفييتي زود مصر في الأسابيع الأخيرة ﺑ ١٦ طائرة مقاتلة من
طراز سوخوي ٧.
الشيخ «محمد صقر القاسمي» حاكم إمارة «رأس الخيمة» ينفي تليفونيًّا ما ذكرَته صحيفة
كويتية من أنه باع جزيرتَين في الخليج العربي إلى إيران مقابل مبلغ كبير من المال و٢٠
سيارة
فاخرة.
إسرائيل تنسف ٧٠ منزلًا في نابلس.
٢٢ مايو
أمريكا تعطي ١٣٠ هليكوبتر حربية لإسرائيل.
قنصل العراق في بومباي يعترف بأنه قتل صديقه السفير العراقي السابق في أفغانستان بسبع
رصاصات لأنه دسَّ له مخدرًا في طعامه أثناء تناول العشاء ثم اعتدى على شرفه بالاشتراك
مع
أربعة من المدعوين الهنود.
المقاومة تدبر كمينًا لأتوبيس إسرائيلي في «الجليل».
مجلة أمريكية: أمريكا تاجر السلاح رقم ١ في العالم.
عبد الناصر (بقميص نصف كم ونظارة سوداء) في السويس والإسماعيلية أثناء غارات العدو
عليهما، ويُطل على الإسرائيليين على مبعدة مائة كيلومتر.
اليوم الذي أعلنتَ فيه سنة ٦٧ إغلاق خليج العقبة أمام السفن الإسرائيلية الذي اعتبر
بمثابة إعلان حرب.
٢٥ مايو
الاحتفال بمرور عام على انتصار ثورة الضباط الأحرار في السودان
بقيادة اللواء «جعفر نميري».
من محاضرات دورة الإعداد القومي والاجتماعي للمبعوثين: تجربة التنظيم السياسي في «ج.
ع.
م» بقلم «شعراوي جمعة».
وجهت الصين الشعبية الإنذار رقم ٤٧٤ إلى الولايات المتحدة بشأن انتهاك المجال الجوي
والبحري للصين.
٢٧ مايو
لبنان يطلب قوات عربية لمساعدة جيشه على مواجهة الهجمات الإسرائيلية.
عبد الناصر والقذافي في الخرطوم للاحتفال بالعيد الأول للثورة السودانية.
الرئيس نميري يعلن تأميم عدد من الشركات الأجنبية من بريطانية وأمريكية وهندية ولبنانية
وأردنية.
٢٨ مايو
اجتماعات مستمرة لعبد الناصر والقذافي والنميري في الخرطوم.
إسقاط طائرة سكاي هوك إسرائيلية.
المقاومة الفلسطينية تضرب مستوطنات إسرائيلية.
اجتماع سري لإسحاق رابين في الخارجية الأمريكية.
لا تنسَ عند زيارتك لسوق القاهرة الدولي
زبيب رمضان، زيت زيتون «جانا كليس»، كينا «أبو سمبل»، ومنتجات شركة الكروم والتقطير
المصرية.
آخر أسرة أمريكية تغادر اليوم قاعدة «هويليس» في ليبيا، أكبر القواعد الأمريكية خارج
أمريكا.
يُقلع كلَّ يوم من القاعدة (التي بلغت تكاليفها ١٠٠ مليون دولار) عدد كبير من الطائرات
تحمل عدة مئات من المدنيين وأفراد أسر العسكريين الذين بلغ عددهم ٦٠٠٠ فرد.
«شريفة ماهر» و«أحمد غانم».
شركة المشروعات الصناعية والهندسية.
مشروعات في مجال البترول ومحطات المياه والمجاري والسد العالي.
السيجارة المصرية التي تُرضي جميع الأذواق،
إنتاج شركة «النصر» للدخان والسجاير في سوق القاهرة الدولية للصناعة.
السيد الدكتور «عزيز صدقي» وزير الصناعة والبترول
في جناح شركة «المدابغ».
الشركة العقارية المصرية، العربية المتحدة للملاحة البحرية، المصرية للمعدات الكهربائية
(شاهر)، المصرية العامة للغزل والنسيج وشركاتها، النصر للأجهزة الكهربائية والإلكترونية
(فيليبس).
إلغاء امتحان المواد العربية العام القادم،
والتمهيد لإلغاء الامتحانات وتقييم الطلاب وفقًا لأعمال السنة.
عرض تصدير ٤٠٠ أتوبيس جديد للعراق وسوريا والكويت.
إدارة إعلام قطر تعلن عن حاجتها لعازفين للفرقة الموسيقية للإذاعة والتليفزيون.
سحب جوائز مسابقة صابون التواليت «كرنفال».
إنتاج شركة «طنطا» للزيوت والصابون.
شركة «النصر» للاستيراد والتصدير تعلن عن توفُّر المعدات الروسية.
عازف الكمان الأول «أحمد الحفناوي» يطير غدًا مع «فريد الأطرش» إلى الكويت لتسجيل
ألحان.
تتوسل نظارة المعارف بالمالية لتحصل من صندوق الدين على سُلفة مقدارها ١٢ ألف جنيه،
بفائدة ٣ ونصف في المائة،
فندق «النيل هيلتون» يعلن عن افتتاح ملهى «تروبيكانا» الليلي.
مصنع «الطحان» للحدايد والمعادن.
مدارس «الخليفة المأمون» الخاصة بمنشية البكري.
ذكرى الأربعين
للملازم أول مهندس «عزت صبحي إسكندر»
للملازم أول «مختار يوسف الراضي».
أول جامع للسيدات من ٣ طوابق
تبرع «عبد الغني محمود» مراقب التعليم بالجيزة وشقيق د. «عبد الحليم محمود» أمين عام
مجمع البحوث الإسلامية لبناء مسجد يخصص للسيدات من ٣ طوابق على قطعة أرض مساحتها ألف
متر
سيتكلف ٥٠ ألف جنيه. سيضع حجر الأساس د. «عبد العزيز كامل» وزير الأوقاف.
جنازة السنة الأولى
للفقيد نقيب
«جورج لبيب طوسة».
مهندس مصري (٢٧ سنة) يدرس في معهد الهندسة الكهربية ﺑ «لينينجراد» يخترع جهازًا
إلكترونيًّا لقياس الإشعاعات المنبعثة من المولدات.
تشكيل أول وزارة في قطر بعد إعلان استقلالها برئاسة الشيخ «خليفة بن حمد آل ثاني» نائب
الحاكم. وتضم الوزارة ٦ أفراد من الأسرة الحاكمة و٣ من المواطنين، بينما تتولى بريطانيا
وزارتَي الدفاع والخارجية.
مشروع «القذافي» لجعل المعركة قومية.
صحيفة إسرائيلية تقول إن الاتحاد السوفييتي يزود مصر بكميات هائلة من معدات الإنزال
والمركبات البرمائية والأسلحة.
من ٧٥ سنة في مصر
قررت الحكومة منح حضرات الخواجات سوارس وشركاتهم امتيازًا لإنشاء شركة ماء في طنطا،
ونحن أعلم الناس بنزاهة حضرات أصحاب الامتياز، ومع ذلك فلسنا نرى بدًّا من استلفات نظر
الحكومة على أمر قد حان لها أن تحله التبصرة، وهي ألا تعطي احتكارًا في أمر من الأمور
يشبه
احتكار شركتَي الماء في الإسكندرية والقاهرة، وسوى ذلك مما عاد بالضرر على السكان
عامة.
احتفل أمس بعيد ارتقاء ملكة الإنكليز سرير المملكة فتبادل الزيارة سعادة ناظر الخارجية
بطرس باشا غالي وحضرة اللورد كرومر.
لا زلتَ تذكر جنود الإنجليز في القاهرة أثناء الحرب العالمية الثانية
وقد خلعوا قمصانهم ووقفوا بصدورهم العارية خلف النوافذ العالية في قشلاق «قصر النيل»
الضخم
الذي كان يُطل على نهر «النيل» ويحتل مكان الجامعة العربية وفندق «الهيلتون» الآن. وكان
كوبري
«قصر النيل» الذي يوصل إلى تمثال «سعد زغلول» يسمى كوبري «الإنجليز» كما كان الكوبري
التالي
وهو كوبري «الجلاء» يسمى كوبري «بديعة» نسبة إلى كازينو الراقصة «بديعة مصابني». كانت
المنطقة
كلها إنجليزية ترتفع فيها أعلام بريطانيا العظمى. السفارة والقشلاق والكنيسة الإنجيليكية
تحتل
مساحة هائلة. ونادي الجزيرة الذي ضم أفراد القوات الإنجليزية وعائلاتهم، إلى جانب صفوة
الأرستقراطية المصرية. والمباني كلها في المربع كله إنجليزية الطراز حمراء اللون تحيطها
أشجار
أوروبية عالية، ولها أسقف مائلة رغم أن جو مصر لم يكن مطيرًا. وفي شوارع «جاردن سيتي»
قصور
ضخمة تبدو من ثغرات في أسوارها الحديدية سيارات «رولز رويس» سوداء لامعة بمصابيح فضية
ضخمة.
اليوم في الإذاعة أغنية: «أشرب كازوزة أنا» للمطربة «ليلى نظمي»
أغنية: «الطشت قاللي … قومي استحمي».
٢٩ مايو
عبد الناصر في الخرطوم: إننا نرى أمة تعود إليها الروح وتولد ميلادًا
جديدًا … طلبنا بعد هزيمة ٦٧ مستشارين وخبراء من الاتحاد السوفييتي؛ حتى نتعلم منهم كيف
نستعمل الأسلحة الإلكترونية المعقدة. وحصلنا من الاتحاد السوفييتي على ما طلبناه. ويوجد
عندنا
الآن خبراء ومستشارون سوفييت في الوحدات المصرية … وهم موجودون مع قواتنا في كل مكان
… وفي
أوائل هذا العام طورت إسرائيل استراتيجيتها وبدأت تضرب في العمق … تضرب ضواحي القاهرة.
تضرب
المدارس وتقتل الأطفال … تضرب المصانع وتقتل العمال … واستطعنا أن نحصل من الاتحاد السوفييتي
على أسلحة حديثة تمنع توغل العدو الإسرائيلي الذي ساندته الولايات المتحدة بطائرات الفانتوم
وسكاي هوك … أمريكا قامت في ٦٧ بالدَّور الذي قامت به فرنسا وبريطانيا في
٥٦.
المبيد الفعال للصراصير: «ديكسان».
فوز ساحق لزعيمة الائتلاف اليساري في سريلانكا في الانتخابات البرلمانية … ضربة قاضية
للوجود الإسرائيلي والاستعماري في جنوب آسيا.
السيد أنور السادات نائب رئيس الجمهورية يستقبل الرئيس عبد الناصر بالعناق في مطار
القاهرة عند وصوله من الخرطوم.
سينما «مترو» تقدم: «سباق مع الموت»
«رجل لكل العصور» تمثيل «بول سكوفيلد» بسينما «أوبرا».
الرجل الذي فقد ظله في «نورماندي» الصيفي
فيلم الموسم وكل موسم.
اختفاء اسم «لطفي الخولي» كرئيس للتحرير من صدر مجلة الطليعة اليسارية التي يحتضنها
«هيكل».
كنتَ قد استمعتَ إلى حديث سجلته المخابرات وجرى في منزل «لطفي
الخولي» أثناء استقباله ﻟ «نوال المحلاوي» سكرتيرة «هيكل» وزوجها، الذي كان في السابق
ضابطًا
في مكتب «عبد الحكيم عامر». وتطرق حديثهم إلى السياسة فوصفتك زوجة «لطفي» بالدكتاتور.
وقال
«لطفي» إن الطريق الوحيد لتغيير الأمور هو عبر تنظيم يفرضه. انتابك الغضب لأن «لطفي الخولي»
نفسه هو من أطلق عليك لقب «المناضل المعلم». فأمرتَ بالقبض على الأربعة. وقاطعت «هيكل»
بعض
الوقت ثم هدأ غضبك وأخذت في الاعتبار صراع القوى الدائر في دهاليز النظام وكراهية أطراف
كثيرة، وعلى رأسها الاتحاد الاشتراكي و«علي صبري» وأجهزة المخابرات و«عبد الحكيم عامر»
لعلاقتك الوثيقة ﺑ «هيكل»، والتي بلغَت حد الاعتداء عليه برَصاصتين عند خروجه من مبنى
«الأهرام». أفرجتَ عن الجميع بعد شهرين عدا «لطفي»، الذي ظل معتقَلًا حتى
وفاتك.
في السوق الحرة: ساعة «زودياك» التي تملأ نفسها تلقائيًّا.
الافتتاح الكبير لمحلات «صيدناوي».
الشركة المصرية لتجارة الأدوية تحتفل بذكرى مولد الرسول الكريم.
شركة النصر للأصواف والمنسوجات الممتازة «ستيا».
الشركة العامة لصناعة الورق «راكتا».
سيجارة «كليوباترا» كنج سايز.
شركة أسطوانات صوت القاهرة تقدم «نور عيوني» ﻟ «ليلى مراد»، «أمه نعيمة» ﻟ «ليلى نظمي»،
الناي والأرغول ﻟ «محمد قنديل».
ربع مليون شاب يتطوعون لخدمة ١١٢٥ قرية خلال فصل الصيف.
الأمانة العامة للجان المواطنين من أجل المعركة برئاسة «حافظ بدوي»:
الخطة العامة تُعلَن خلال أسبوع.
عرض متواصل لمسرحية «البكاشين».
للبيع عمارة بالدقي ٤٢٧م طابَقان، ٤ شقق، ﺑ ٧٠٠٠ جنيه، قسط ألفين.
عمارة جديدة بشبرا خمسة أدوار، إيراد سنوي ٨١٠ جنيهات،
ثمنها ١٢٥٠٠ جنيه.
الساعة الكرونوجراف التي لا غنى عنها في رحلات الفضاء،
في محلات «هانو».
شركة أسمنت «بورتلاند طرة» المصرية تعلن عن حاجتها لشغل وظائف.
للبيع سيارة نصر ١١٠٠ بدون نمر نهائي ١٤٧٥ جنيهًا.
حتى القمح والأرز لهما آذان، وليست الجدران وحدها.
وزيرا الصناعة المصري والليبي يشاهدان إنتاج شركة النصر لصناعة المواسير الصلب
ولوازمها.
الذكرى السنوية
لشهيد الواجب محمد محمود عزت.
ذكرى الأربعين للمرحوم الرائد فوزي طه قنديل.
المخرج «نجيب سرور» يحصل على منحة تفرغ لمدة سنة من وزارة الثقافة للكتابة
للمسرح.
محافظ القاهرة «وجيه أباظة» و«عادل جزارين» رئيس «النصر» لصناعة السيارات في برنامج
إذاعي مشترك.
الليلة في التليفزيون مسرحية «أنيس منصور»: «جمعية كل واشكر».
٣٠ مايو
بيان سوفييتي يدعو لإجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي المحتلة.
١١ عملية للمقاومة بوادي الأردن أثناء الليل.
منظمات المقاومة كلها (يمثلها ١١٢ عضوًا) تحضر اجتماع المجلس الفلسطيني اليوم في
القاهرة.
في الأسواق الحرة: الساعة الكرونومتر الجديدة فيكتوري بالصلب الذي لا يصدأ.
خصم كبير على أجهزة التليفزيون من مختلف المقاسات.
تليفزيون ٢٣ بوصة من ١٤٠ جنيهًا إلى ١٣٤ جنيهًا.
اتهام نيكسون بالعزم على شن حرب شاملة في كمبوديا بالنيابة.
استمرار الصدامات العنيفة بين البوليس الفَرنسي ومئات الشبان اليساريين في الحي
اللاتيني بباريس.
«حاجة تلخبط» بطولة «نجوى سالم».
«الهوسابير»
ثلاثي أضواء المسرح.
كازينو «شهرزاد» «شكوكو»، «ليلى جمال»، «سعاد مكاوي».
كازينو «جرانادا» فرقة «صفية حلمي».
كازينو «الأريزونا» «سهير زكي»، «ليلى جمال».
«ميوزيكهول بيروكيه» «فاتن فريد».
زوروا في سوق القاهرة الدولي
أجنحة شركة الكابلات الكهربائية المصرية، المؤسسة المصرية العامة للصناعة الكهربائية
والإلكترونية، الشركة العامة لمنتجات الخزف والصيني.
«بنها» للصناعات الإلكترونية تقدم إنتاجها من محطات الإذاعة الداخلية.
«كولدير» يقدم جهاز تكييف اقتصادي جديد.
إنتاج الشركة العامة للبطاريات يضارع أرقى المنتجات العالمية.
إنتاج ٢٥ ألف سيارة شعبية سنويًّا «سيات» بالاتفاق مع شركة «سيات» الإسبانية و«فيات»
الإيطالية و«رينو» الفرنسية.
ربط الأجر بكفاءة إنتاج العمل في القطاع العام.
شركة الأزياء الحديثة (بنزايون، عدس، ريفولي) تقدم الثلاجة إيديال ٦ أقدام، بخصم ٥
جنيهات على سعر النقد، و٤ جنيهات على سعر التقسيط.
شركة الطوب الرملي بالقاهرة تقدم الطوب الملون.
حفل استقبال تقيمه جمعية النور والأمل، لسيدات السلك السياسي العربي والأجنبي.
«حبيبة» (جلاديس أبو جودة) ستمثل مع «فريد شوقي» و«عادل أدهم» في فيلم يُخرجه حسام
الدين مصطفى.
عودة الراقصة «زيزي مصطفى» و«شكوكو» من أفريقيا.
«فؤاد المهندس» وزوجته «شويكار» تعاقدا مع هيئة المسرح لتقديم مسرحية يُخرجها «السيد
بدير».
في نفس اليوم سنة ١٩٦٧ — وفي حركة مسرحية أقرب إلى المسرحيات الهزلية
— قاد الملك حسين طائرته الخاصة إلى القاهرة ليعلن لعبد الناصر أن التزامه القومي هو
الذي
دفعه لنسيان الماضي وإعلان تضامنه التام مع القاهرة ورغبته في تشكيل قيادة مشتركة على
الجبهة
الأردنية يقودها قائد مصري والفريق «عبد المنعم رياض» بالتحديد. كنتَ تعرف أنه يتقاضى
مليون
دولار راتبًا شهريًّا من المخابرات الأمريكية، ومع ذلك سايرته وفعلًا تركتَ «عبد المنعم
رياض»
يصحبه في رحلة العودة إلى الأردن. وبعد يومين التقى رئيس أركان الجيش الأردني الفريق
«خماش»
سرًّا بالسفير الأمريكي بالأردن، وطلب منه سرعة نقل ٢٥ طائرة نفاثة أمريكية سبق أن أرسلتها
أمريكا للأردن خارج البلاد حتى تنتهيَ الأزمة الحالية بين الدول العربية
وإسرائيل.
٣١ مايو
وحدات مصرية عبرت القناة مرتين، ودمرت ٦ مدرعات للعدو.
معركة تستمر ٧ ساعات بعد أن عبرت وحدة مصرية رأس العش ودمرت قوة مدرعة للعدو.
أثناء المعركة عبرت وحدة مصرية أخرى قبل التينة، ودمرت طابورًا مدرعًا للعدو كان في
طريقه لنجدة القوة الأولى.
وبالليل شنت طائرات العدو ٤٠٠ طلعة طيران استمرت عشر ساعات ألقت خلالها ألفَي طن من
القنابل.
ياسر عرفات يقدم تقريرًا باسم فتح للمجلس الوطني الفلسطيني يطلب فيه إنشاء قيادة
موحدة.
سكان القدس العربية يرفضون دفع الضرائب لإسرائيل.
ثوار فيتنام يحتلون مدينة هامة على بعد ١٣٠ كم شمال سايجون.
سينما راديو تقدم:
جبابرة الثوار.
لماذا يعود بعض المهاجرين بخفَّي حنين؟ … عندما يغفلون إعداد
أنفسهم للمجهول.
الفرقة القومية للفنون الشعبية على مسرح البالون.
التسعيرة الجبرية للخَضراوات هذا الأسبوع.
تقسيم المهجرين من مدن القناة إلى ٣ فئات، وتجميع أفراد أسرهم.
في الأسواق الحرة،
العطر الشاعري من نينا ريتشي.
شركة النصر لصناعة المراجل البخارية.
أقراص لينديول لمنع الحمل، إنتاج شركة النيل للأدوية.
الشركة العامة للأبحاث والمياه الجوفية.
من ٧٥ سنة في مصر
اهتمت الجرائد الفرنساوية بذكر العريضة المرفوعة إلى مجلس نواب
فرنسا من حضرة الوطني الأديب مصطفى أفندي كامل بالنيابة عن جمهور عديد من المصريين أو
بالأحرى عن المصريين وسكان مصر عامة إلا الخونة المارقين منهم، وهم أفراد يُعَدُّون على
الأصابع ولا يُعتَدُّ بهم.
يباع في مزاد علني في فرساي آخر قميص ارتداه نابليون في منفاه
بسانت هيلانة مع خصلة من شعره ومسمار من نعشه.
أول يونيو
إسرائيل تعترف بفداحة خسائرها.
«فتح» تدفع تعويضات للمتضررين من الاعتداءات الإسرائيلية على جنوب لبنان.
بورقيبة يعود إلى تونس بعد ٦ شهور علاج في فرنسا.
أضخم تفجير نووي فرنسي في المحيط الهادي.
١٧٠٠٠ عجز في عمال النظافة بالقاهرة والجيزة والإسكندرية.
افتتاح موسم الاصطياف في رأس البر.
مع الباعة عدد يونيو من مجلة الطليعة.
للبيع فيلَّا بمصر الجديدة تصلح لسكن عظيم.
الذكرى الحزينة الثانية
للعميد محمد فتحي الخولي.
٨ آلاف زوج أحذية يتم تصديرها للاتحاد السوفييتي الشهر القادم.
مسرح العرائس يُعِدُّ برنامج «نص نص» ﻟ «يوسف إدريس».
٢ يونيو
المقاومة تضرب بيسان بالصواريخ.
إسرائيل تقصف مدينة إربد شمال الضفة الشرقية للأردن.
حاكم إمارة أم القيوين — إحدى الإمارات الصغيرة على الخليج — يمنع شركة أوكسيدنتال
الأمريكية للبترول من التنقيب في منطقة بالخليج العربي تتنازع عليها إمارتا أم القيوين
والشارقة. وكانت إمارة الشارقة قد أعطت امتياز التنقيب لشركة أمريكية أخرى لجأت إلى
بريطانيا بصفتها المسئولة عن السياسة الخارجية للإمارتين لمنع الشركة الأولى من التنقيب.
المنطقة المتنازع عليها قريبة من جزيرة أبو موسى التي تشرف عليها الشارقة وتطالب بها
إيران.
المؤسسة المصرية العامة للمصانع الحربية.
مصنع ٧٢ يعلن عن مسابقة لشغل وظائف ومهن.
انخفاض سعر الإسترليني إلى ٢٫٣٩ دولار.
٣ يونيو
العدو يفقد طائرة سكاي هوك عندما أغار على مواقعنا في قناة السويس الساعة الخامسة بعد
ظهر أمس، وتصدَّت له طائراتنا ووسائل دفاعنا الجوي. استشهاد ثلاثة من رجالنا وإصابة خمسة
بجراح.
بريطانيا تزود إسرائيل بمعدات عسكرية.
زلزال عنيف في بيرو يقضي على مدن كاملة ويترك ٣٣ ألف قتيل.
الولايات المتحدة رشَّت مواد سامة فوق المناطق السكنية في فيتنام٤٠ مرة.
شيراتون القاهرة يفتتح ملهى «علاء الدين» بالراقصة «نجوى فؤاد».
طرح ٨ آلاف طن حديد تسليح للقطاع الخاص.
مطلوب فراش بمرتب ٦ جنيهات، وسكرتيرة حسنة المظهر بمرتب ٨ جنيهات.
مطلوب شقة لوكس ٦ غرف بالزمالك، ومستعدون لشراء الديكور والعفش.
ذكرى الأربعين
للشهيد البطل رائد طيار
محمد عبد الجواد.
ذكرى الأربعين
للشهيد البطل نقيب
محمد سعد عبد الله.
أول عرض مسرحي في قهوة بميدان العتبة.
مسرحية «ناجي جورج» إخراج «محمد فاضل».
٤ يونيو
إسقاط ٣ طائرات للعدو في معركة فوق القناة.
عمليات للمقاومة في القدس والأرض المحتلة.
ثلاثة من كل مائة طفل مصري قلوبهم مهددة بالخطر.
اتفاقية تصنيع جديدة مع الاتحاد السوفييتي.
من ٧٥ سنة في مصر
حضر أمس من العاصمة حضرة اللورد كرومر، وحظي بعد الظهر بمقابلة سمو الخديوي المعظم
مستأذنًا في السفر إلى أوروبا بالإجازة الصيفية العامية وبعد ظهر اليوم عاد حضرته إلى
القاهرة، وسيسافر منها إلى بورسعيد ليركب الباخرة كورومنديل في يوم الثلاثاء المقبل.
علي حسين يشكر المواسين في فقيده العزيز الملازم حسين علي.
الذكرى السنوية للفقيد
نقيب طيار
أحمد رضوان.
الذكرى السنوية للفقيد
نقيب عصام الدين عباس.
الذكرى الثالثة للنقيب
بليغ حسين سعيد.
مجمع الحديد والصلب بحلوان صورة حية للتعاون العربي السوفييتي.
فرصة نادرة بمحلات عمر أفندي.
منتجات أجنبية تباع بالعملة المحلية.
سجائر فيلادلفيا، صوف هلد أردني سعر المتر ٤٢٥ قرشًا.
٥ يونيو
النار على جميع الجبهات مع العدو.
صلاة الغائب على شهداء معارك يونيو.
الرئيس يؤدي الصلاة في مسجد السيدة «زينب».
المجلس الوطني الفلسطيني يقرر تشكيل قيادة عسكرية للمقاومة.
منتجات شركة الكروم والتقطير المصرية.
نيكسون يعترف: ١٠٤ آلاف جندي دخلوا أراضي كمبوديا.
إسرائيل تعلن: عدد طلعاتها الجوية فوق المواقع المصرية من أول يناير ١٩٧٠ بلغ ٢٣٠٠ طلعة
ألقت خلالها ٨ آلاف طن متفجرات يقدر ثمنها بعشرة ملايين جنيه إسترليني.
«القذافي» يتنقل بين بغداد وعمان ودمشق وبيروت متسائلًا: لماذا لم تقم الجبهة الشرقية
ضد إسرائيل حتى الآن؟
قاضٍ أمريكي: «مكارثي» و«ترومان» و«جونسون» دفعوا بنا إلى المرض والرغبة في قمع دول
العالم … جامعاتنا تعكس مصالح المؤسسة الحاكمة وأموال المخابرات أخمدت الفكر
المعارض.
محرقة المخدرات بالإسكندرية أعدمت ما قيمته ٣ ملايين جنيه.
الأمير الكويتي «فواز الصباح» يشتري شبلًا من حديقة حيوانات الجيزة بمائة جنيه
إسترليني.
سيارة «فولكس فاجن» موديل ١٩٦٥ نهائي ١٥٥٠ جنيهًا.
في محلات «النصر»
فرصة لا تعوض.
بيجامة رجالي تريكولين ١٦٠ قرشًا، بيجامة أولاد تريكولين ٧٥ قرشًا،
قميص رجالي لينوه البيضا ١٧٥ قرشًا،
جاكت رجالي كردونيه ١٦٠ قرشًا.
عمارة ﺑ ١٦٠٠٠ جنيه إيراد ١١٠٠ جنيه.
الذكرى الأولى لفقيد الشباب
الملازم أول «هشام سلامة».
الذكرى السنوية الثالثة
للشهيد النقيب «محمود عبد الرحمن الخضراوي».
الذكرى السنوية الثالثة
للشهيد المقدم «محمد عزت عبد الحميد»،
للملازم أول «وليد العبادلة»،
للنقيب «فاروق فارس»،
للنقيب «محمد عبد الرحمن جمعة»،
للعقيد «سيد خليفة قنديل»،
للنقيب «فرج عبد الغني همام».
كم تمنيتَ لو لم يأتِ هذا اليوم أبدًا! الساعات الرهيبة التي توالت
فيها الأنباء، البحث بلا جدوى عن «عبد الحكيم» الذي كان حائرًا في الجو، الأكاذيب التي
انهالت
من راديو القاهرة، لهجة التشفي في إذاعات الغرب، لعبة الشِّطْرنج التي خرجَت عن السيطرة.
الفخ
كان مُعَدًّا بمهارة، بل وله اسم هو «عملية اصطياد الديك الرومي»، وانزلقتَ إليه ببلاهة.
الشماتة التي تعرضتَ لها في كل مكان؛ في صحف بيروت، بل هنا في مصر عندما رفع اليمين رأسه
وقال
«الشيخ الشعراوي» إنه صلى لله ركعتين شكرًا على الهزيمة!
استغرق الأمر ثلاث ساعات ونصف. ففي الساعة الثامنة بالضبط من صباح
اليوم قامت موجة أولى من الطائرات الإسرائيلية عددها ١٧٤ طائرة بغارات متزامنة على كل
قواعد
العمق المصري في وادي النيل، ابتداءً من قاعدة «أبو صوير» على الضفة الغربية لقناة السويس
وحتى مطار «الأقصر». ثم لحِقَتها موجة ثانية من ١٦١ طائرة ركزت على المطارات المتقدمة
في
سيناء، وتبعَتها موجة ثالثة من ١٥٧ طائرة تكتسح ما تبقَّى من حطام المطارات والقواعد
المصرية.
وفقدت القيادة العسكرية المصرية أعصابها وأصبح الجيش المصري في
صَحْراء مكشوفة بلا غطاء. ففي صباح ذلك اليوم كان «عبد الحكيم عامر» قد قرَّر أن يذهب
إلى
الجبهة، فصدرت الأوامر بتقييد نيران المدافع المضادة للطيران (رغم تحذيراتك لهم بموعد
الهجوم
الإسرائيلي) وكان كل رؤساء أركان الحرب وقادة الأسلحة موجودين معه في الطائرة (وبعضهم
ممن
خدموا في الحرس الملكي قبل الثورة مثل «صدقي محمود» قائد الطيران، وبعضهم شارك في معركة
سنة
٥٦، وأصر عامر على الاحتفاظ بهم في مواقعهم الرفيعة). ثم إن قادة قوات الجبهة على الطريقة
المصرية التقليدية، كانوا قد أبلغوا بمجيء القائد العام، فذهب معظمهم أو كلهم بمن فيهم
القائد
العام للجبهة وقائد المنطقة الشرقية لاستقبال المشير الموجود في مطار «تمادا» ليقود المعركة
من هناك. ووصل سيادة المشير الساعة ثمانية وثلث، وأقلع بعدها بخمس دقائق، وعند الاقتراب
من
قاعدة «أبو صوير» شاهد انفجارات على الممر الرئيسي والفرعي، وسمع نداءات على اللاسلكي
تُفيد
ضرب مطار «المليز» و«كبريت»، كما سمعتَ طائرة أخرى مقاتلة في الجو تنادي بأنها ضُربَت
أثناء
الإقلاع، وتبحث عن مكان مناسب للنزول وبكلماتك: كل ده حصل وهم بيعبروا فوق قناة السويس
وبيتقدموا نحو قاعدة «تمادا». كان الفريق «صدقي محمود» قائد الطيران، راح للمشير وطلب
منه
والطائرة كانت لسة لا تزال تتقدم مقتربة من قاعدة «تمادا»، والقائد العام والقواد ليست
لديهم
معلومات كافية عما كان يجري، لكن عبد الحكيم عامر وهو في الطائرة أصدر قرارًا وأنا باعتقد
أنه
كان قرارًا مهمًّا جدًّا وهو … قرار مهم وخطر، وهو تنفيذ الخطة «فهد»، وهو لا يزال في
الطائرة، الخطة «فهد» تقتضي بأن تقوم مجموعات من الطائرات من مطارات مختلفة لكي تضرب
عددًا من
المطارات في جنوب إسرائيل …»
وبكلماتك: «عبد الحكيم عامر وصل مطار القاهرة الدولي حيث لم يكن
يتوقعه أحد والمطار كان مضروبًا وأيضًا في حالة فوضى، وطلع القائد العام ومعه عدد من
القوات
مافيش قوات مستنياه. أخذ سيارة تاكسي ذهب بها إلى مركز قيادة العباسية، وطلب من الفريق
«محمد
صدقي محمود» أن يتوجه إلى مقر قيادة، وكان رايح إلى مقر قيادته في «جبل الجيوشي»؛ لأنه
هناك
قيادة الدفاع الجوي، وراح صدقي محمود وراح عبد الحكيم عامر إلى مركز قيادته ودخل لكي
يُطلُّ
على الصورة وأنا باعتقد أنه عندما أطل على الصورة أظن أنه حصل، أنه لقي نفسه في موقف
شديد
الصعوبة، هو رأى أن القوات الجوية أخذت هذه الضربة الكبرى، وأدرك أن الصورة سيئة جدًّا،
ولكن
من ناحية ثانية لقي أن الموقف على القوات البرية الموجودة في سيناء لسه مافيش حاجة، خطر
بباله
أن ضربة الطيران قد تكون هي كل شيء، وبدأ يتصل بقيادات القوات البرية وقيادات القوات
البرية
كلها بتقول له إنه في مناوشات، ولكن حتى هذه اللحظة ليس هناك شيء جدي، لكن هذا كان ظاهر
الأمور أما حقيقتها فهي حاجة ثانية.»
في هذا الوقت كنتَ في مكتبك ببيتك تتابع ما يجري وتتصور أن القوات
جاهزة، فقد سبق أن أبلغتَهم بتقديرك وهو أن إسرائيل ستقوم بهجوم جوي في هذا التوقيت.
وعرفتَ
بعد ذلك أنه بمجرد خروجك من الاجتماع بهم قال عبد الحكيم عامر في استخفاف: «هو عرف إزاي
ولا
بقى من أولياء الله الصالحين؟»
في الساعة التاسعة والنصف بدأتَ تشعر أن المسائل أكبر كثيرًا مما كنت
تتصور. التقارير التي تصلك مشوشة ومتضاربة. وعلى الساعة ١٢ ونصف الظهر، لم تستطع الانتظار
فتوجهتَ إلى القيادة القريبة في العباسية، وهناك وجدت حسين الشافعي وعبد اللطيف بغدادي
وحسن
إبراهيم وكمال الدين حسين وعددًا من أعضاء مجلس قيادة الثورة القدامى جاءوا للاطمئنان
على
الأحوال. وشعرتَ على الفور بما يسود من ارتباك وفوضى فطلبتَ أن ترى عبد الحكيم لوحده.
سألته
عن الوضع، وفي البداية تجنب عبد الحكيم أن تلتقيَ عيناه بعينيك. بدأ يحاول إخفاء ما لا
يمكن
إخفاؤه لأنه قال إننا ضُربنا ولكننا أيضًا ضربنا، ثم قال إن القوات البرية تقاوم وحتى
بدون
غطاء، وواقع الأمر أن العمليات لم تكن قد بدأَت بعد على القوات البرية. لم تقتنع بهذا
الكلام
وأخذتَ تلح على عبد الحكيم طالبًا الصورة الحقيقية بالنسبة للطائرات، وحجم الخسائر. بدأ
عبد
الحكيم يقول إن حجم الضربة الجوية أكثر مما تتحمله طاقة إسرائيل، هناك طرف
آخر.
اتصلتَ بشعراوي وزير الداخلية تسأل عن صحة ما تردَّد من سقوط طائرات
إسرائيلية، فأيد النبأ (تبيَّن بعد ذلك أن الذي كان يسقط هو خزانات وقود إضافية كانت
الطائرات
الإسرائيلية تتخلص منها بعد استعمالها).
وفي الساعة الواحدة والنصف دخل «شمس بدران» مكتب المشير وناوله ورقة
مطبوعة على الآلة الكاتبة نظر إليها ثم ناولها لك. وعندما قرأتها أحسست بهول الكارثة
وبمأساة
القوات البرية المكشوفة في سيناء دون غطاء جوي. انفعلتَ وسألتَ عبد الحكيم: من هو الطرف
الآخر؟ فأجاب: الأمريكان. غادرت مكتب عامر وأنت تفكر في إعفائه من منصبه وتعيين قائد
عام جديد
مكانه، ثم تراجعت عن الفكرة عندما تدبرت أثرها على معنويات الجنود؛ نفس ما حدث من قبل
في سنتي
٥٦ و٦١.
الواقع أن عديدًا من الشواهد على العناصر الخارجية في الموقف كانت
موجودة. ففي ٣ يونيو سعى الملك فيصل لاحتلال جزيرتي «تيران» و«صنافير» عند مدخل خليج
العقبة
الموجودتين تحت السيطرة المصرية. وطَوال اليومَين التاليَين كانت الحركة دائبة في قاعدة
«هويلس» بليبيا، والقواعد البريطانية في قبرص، وفي مساء ٤ يونيو أصدرت قيادة الأسطول
البريطاني في مالطا أمرًا لسفنها في البحر الأبيض بأن تلتحق بقيادة الأسطول الأمريكي
السادس
وتتلقى منها الأوامر. كما كانت تصرفات «رالف بانش» المساعد الأمريكي للأمين العام للأمم
المتحدة — الذي كان على عَلاقة وثيقة بالمخابرات الأمريكية — جِدَّ مريبة. ثم هناك المعلومات
الدقيقة التي توفرت لدى إسرائيل عن القوات المصرية وإمكانياتها أكثر مما توفره وسائل
الاستطلاع التقليدية (كانت لدينا طائرات بصواريخ وأخرى بدونها وكانت الطائرات الإسرائيلية
تعرف الأولى واحدة واحدة).
٦ يونيو
الوزير بيار الجميل رئيس حزب الكتائب اللبنانية يطلب من مجلس الوزراء اللبناني عدم
السماح للفدائيين الفِلَسطينيين بحرية العمل في الأراضي اللبنانية.
وزيرة خارجية ثوار فيتنام تترك مفاوضات باريس مع الأمريكان وتعود للنضال.
تسعيرة موحدة للبطيخ والعنب.
خبراء اتحاد الإذاعات العربية يبحثون إدخال التليفزيون الملون.
الذكرى السنوية للمرحوم
رائد محمد فتحي.
الذكرى السنوية للمرحوم
رائد مدحت المليجي.
الذكرى السنوية للمرحوم
رائد طيار محمد فتحي سليم.
الذكرى السنوية للمرحوم
العميد نجم الدين حسن.
الذكرى السنوية للمرحوم
العميد حسين أحمد رشاد.
الذكرى السنوية للمرحوم
العقيد وديع زكي إسخيرون.
الذكرى السنوية للمرحوم
الملازم أول جلال أنور بهناوي.
الذكرى السنوية للمرحوم
ملازم أول محمد عدلي عبد الله.
الذكرى السنوية
الشقيقان نقيب محمد وجيه مرعي
والملازم أول محمد صفوت مرعي.
في فجر هذا اليوم سنة ٦٧ أصدر عبد الحكيم عامر قرارًا بالانسحاب،
وبطريقة تنفيذه العشوائية بلغ عدد الشهداء مساء ٨ يونيو ٦٨١١ شهيدًا.
وفي الصباح دعا عبد الحكيم السفير السوفييتي، واتهمه بوجود تواطؤ
أمريكي سوفييتي. وقال السفير إن هناك قرارًا مطروحًا أمام مجلس الأمن بوقف القتال فورًا،
لكن
الأمريكان مصرون ألا يتضمن القرار العودة إلى المواقع التي كانت عند بَدْء القتال. لكن
عبد
الحكيم أكد أن المهم هو وقف القتال فورًا.
دعوتَ أنت السفير السوفييتي في نفس اليوم، وقلتَ له إن وقف إطلاق
النار بالشروط الأمريكية سيكون انتصارًا لإسرائيل، وإنك في حاجة إلى طائرات جديدة فورًا
لأن
معظم الطائرات ضربت على الأرض. وبعد ساعات رد السفير بأن بلاده موافقة على إمداد مصر
بأعداد
كبيرة من الطائرات، لكنها تفضل أن تبعثها في صناديق إلى الجزائر ومن هناك تُشحن أو تطير
إلى
مصر، وذلك تجنبًا لاستفزاز الولايات المتحدة.
كان الطريق قد أصبح مفتوحًا أمام القوات الإسرائيلية إلى القاهرة،
لكن هذه القوات اتجهت بدلًا من ذلك إلى احتلال الضفة الغربية والقدس. وفي المساء صدر
قرار وقف
إطلاق النار، لكن القوات الإسرائيلية واصلت عملياتها في الضفة الغربية والقدس. وعندما
لم تجد
مقاومة تُذكر على الجبهة السورية احتلت مرتفعات الجولان في مساء ٨ يونيو. وفي نفس المساء
غصبتَ نفسك على رسالة إلى الملك فيصل تدعو فيها إلى التضامن العربي ضد العدوان، وتطرح
فكرة
عقد مؤتمر قمة عربي. وفي نفس المساء أيضًا أعلن عبد الحكيم عامر لمجموعة من قواده عزمه
على
الانتحار، وحمل مسدسه إلى الحمام الملحق بمكتبه فتكالب عليه عدد من رجاله وانتزعوا المسدس
من
يده. واستنجد بك شمس بدران تليفونيًّا، فأسرعتَ إليه في مركز القيادة العليا ورجوتَه
بصوت
مجروح ألا يضيف الفضيحة إلى المصيبة. وأضفتَ أنك مقتنع بأن النظام كله قد انتهى. فانطلق
عامر
في هياج قائلًا: إن كل شيء لم يضِع بعد. فقلت في أسًى: ماذا تبقَّى لم يضِع؟ وردَّ عبد
الحكيم: المقاومة الشعبية. وانضم إليه شمس بدران الذي لازمه طول الوقت — بل بات معه في
سرير
واحد بغرفة النوم الملحقة بمكتبه — في الدعوة إلى المقاومة الشعبية. وهنا دخل «زكريا»
ووقف
يستمع مذهولًا. التفتَّ أنت إلى عامر وطلبتَ إليه أن يصحبك إلى الغرفة الملحقة
بمكتبه.
في الغرفة الداخلية بادرتَه قائلًا إنك مقتنع بضرورة اعتزالك للحياة
العامة، واقترحتَ أن تتقدم باستقالتك للأمة وأن يكون شمس بدران رئيسًا مؤقتًا للجمهورية.
وبدا
عبد الحكيم موافقًا، ثم انضم إليكما زكريا وأنور السادات وشمس بدران.
٧ يونيو
بيان للمقاومة في الأردن مساء أمس عن أحداث في مدينة الزرقا على بعد ٢٤ كم شمال
عمان.
انقطاع الاتصال بين عمان والعالم الخارجي وتبادل إطلاق النار في شوارع العاصمة.
هجوم للمقاومة على مستوطنات الجليل.
نسف خطوط الكهرباء الإسرائيلية جنوبي البحر الميت.
أمريكا تقدم ٢٠٠ مليون دولار لحكومة تايلاند لتجنيد عشرة آلاف جندي للاشتراك في حرب
فيتنام.
٤٠٠ ألف طالب وطالبة بدءوا امتحان الإعدادية المصرية.
محاكمة المتهمين بالإهمال في حادث انقلاب قطار الركاب الذي أدَّى إلى مقتل ٨ وإصابة
٩.
الذكرى السنوية الثالثة
للعقيد مصطفى توفيق،
للنقيب عصام الدين شاكر،
للنقيب دكتور جراح علي حسن سلامة،
للنقيب سمير عباس محمد.
٨ يونيو
صدام خطير في الأردن بين المقاومة والجيش.
اشتباك مسلح بين دورية مقاومة وقوات الجيش الأردني في منطقة الزرقا.
«فتح» تحذر من مخطط لجر العمل الفدائي إلى معارك جانبية.
هجوم إسرائيلي بالهليكوبتر على مضارب البدو في الأردن.
غارتان إسرائيليتان على جنوب لبنان.
أكبر ميزانية حرب في تاريخ مصر ٥٥٣ مليون جنيه. سنة ٦٧ كانت ميزانية الجيش ١٦٠ مليون
جنيه.
المدفعية المصرية تُسقِط طائرة سكاي هوك إسرائيلية شرقي بور توفيق.
وزير خارجية أمريكا روجرز يعلن أن نيكسون قرر إعطاء إسرائيل صفقة جديدة من طائرات
الفانتوم وسكاي هوك.
البرازيل تهزم إنجلترا في بطولة كأس العالم لكرة القدم.
قيادة القوات الأمريكية في فيتنام تعلن عن فقد ٣ هليكوبتر أسقطتها مدفعية
الثوار.
إتمام مشروع مجمع الصلب قبل موعده بسنة.
تعيين ٢٠٠٠ عامل وزيادتهم إلى ١٢٠ ألف في عامين.
وقف إنتاج السيارة رمسيس وتحويل مصانعها لسيارات الميكروباص.
٨٦ تاجرًا بالإسكندرية يفتعلون أزمة الكبريت.
شركة النيل العامة للخرسانة المسلحة تساهم في إقامة مجمع الحديد والصلب.
الذكرى السنوية لفقيد الوطن
الملازم طيار زهير شلبي.
الذكرى السنوية للشهيد
ملازم طيار وفيق أحمد طولان.
ادفع قرشًا لتجلس على المقعد الذي كان يجلس عليه المارشال «رومل» خلال معارك شمال
أفريقيا. المقعد عثر عليه صاحب مقهى يوناني عند انسحاب رومل من مرسى مطروح سنة ١٩٤٢.
٩ يونيو
محاولات حصر الأزمة بين المقاومة والجيش الأردني.
الاشتباكات أوقعت ١٠٤ قتلى وجرحى.
قوات المقاومة اعتقلت ٤٠ جنديًّا من أفراد القوات الخاصة الأردنية التي اشتركت في
الأحداث.
أجهزة الدفاع المصرية تتصدى ﻟ ٢٤ طائرة فانتوم إسرائيلية حاولت الإغارة لمدة ٣ ساعات
على المواقع المصرية.
انتخاب عرفات قائدًا عامًّا لمنظمات المقاومة.
بدأ موسم عودة ١٠ آلاف مدرس مصري يعملون في البلاد العربية.
العائدون يحملون سَجَّادًا صوفيًّا وعملات أجنبية.
كانت الأيام الخمسة من ٥ يونيو إلى ٩ يونيو سنة ٦٧ أسوأ الأيام في
حياتك، وبعض ساعاتها مثل الكوابيس. قضيتَ تلك الأيام الكئيبة معظم الوقت في الفراش مهدودًا
ومهزومًا. الجماهير في الخارج. الوزراء وكبار رجال الدولة يزحمون البيت، ويجلس بعضهم
على
السُّلَّم، وتسمع أصوات بكائهم. واشتدت عليك آلام الساقَين، ولم تُفلح المنومات ومضادات
الاكتئاب في جلب السكينة أو بضع ساعات من النوم العميق. ما إن تُغمض عينَيك حتى يتراءى
لك
آلاف الجنود المصريين المتدافعين في صَحْراء مكشوفة وجحافل الطائرات الإسرائيلية تطاردهم
وتتصيدهم واحدًا واحدًا. أخرجت مسدسك ووضعته بجوارك. راودتك فكرة الانتحار لكنك لم تشأ
أن تتم
مقارنتك بهتلر أو رومل. كنت تؤمن دائمًا بأنك أقوى وأقدر.
يوم ٩ يونيو في السابعة صباحًا وصل «هيكل» ومعه خطاب التنحي. مغامرة
أخرى محسوبة، نوع من الاستفتاء لكن بغير ضمان للنتيجة. هل سيتمسك بك الشعب أم يتخلى عنك
تمامًا؟
كنتَ في غرفة مكتبك منذ الفجر. بدوتَ مرهقًا وقد طعنتَ في السن فجأة.
إذا كان عامر قد ضيع الجيش بإهماله فإنك أنت المسئول الأول. أنت الذي أبقيتَ عليه إلى
جوارك
رغم قصوره وعجزه. فمنذ البداية سكن إليك كأخ وصديق بل وأب، وتعمَّقَت عَلاقتكما خلال
حصار
الفالوجا، وانجذبتَ أنت إلى رقته، وربما إلى كونه ينتمي إلى الطبقة
الإقطاعية.
فكرتَ أن ترك رئاسة الجمهورية لشمس بدران قد يمتص تأثير استقالتك على
الجيش والشعب، لكنك كنتَ تقشعر من هذه الفكرة: أن تسلم البلد لمجموعة عامر المتخاذلة
الفاسدة.
وأيدك هيكل في أن الأمر سيبدو كمكافأة للقادة المهزومين مما سيُعجِّل بصدامٍ أفدح، ولقي
هذا
التعليق ترحيبًا منك على الفور. وكان البديل هو زكريا محيي الدين، أحد مؤسسي تنظيم الضباط
الأحرار ومؤسس جهاز المخابرات العامة المصرية. وهو في رأيك رجل عاقل ومتزن، ثم إنه قادر
على
التفاوض مع الأمريكان بسبب ميوله اليمينية وعدائه للاتحاد السوفيتي. هكذا كان شعورك في
تلك
اللحظات؛ أن كل شيء قد ضاع ولا بد من الانصياع.
وتدحرجَت ساعات ذلك الصباح يوم ٩ يونيو ببطء والأنباء تتوارد عن
القادة العسكريين الذين هربوا من اللحظة الأولى، وعدد الطائرات المصرية التي دُمرَت تمامًا
وبلغ ١٧٠ طائرة، وأعداد الشهداء الذين بلغوا ١١ ألفًا، والأسرى الذين تبيَّن أن عددهم
وصل إلى
٥٠٠ ضابط و٥٠٠ جندي، وعن ١٦ ألف جندي وضابط لا يُعرف مصيرهم في سيناء، وبعضهم قد بدأ
يجد
طريقه إلى مراكز التجمع المصرية غرب القناة في ظروف مرهِقة ومؤلمة، ومنهم جرحى يتحدثون
عن
رفاق لهم تركوهم على الرمال ودماؤهم تنزف. وتحاول أن تهرب من صورهم المؤلمة فتتأمل بمرارة
نجاح خطة اصطيادك وفشلك في مواجهتها. وتشعر أنك وحيد تمامًا بصورة لم تعهدها من قبل،
ثم تعود
إلى قرارك بالتنحي واختيار زكريا محيي الدين ليحل مكانك. لم تتصور في يوم من الأيام أن
يكون
زكريا هو من سيخلفك، بل كان عبد الحكيم عامر هو أول من يقفز إلى ذهنك على
الفور.
واستأذنك هيكل كي يذهب إلى مكتب سامي شرف ليعكف على تعديل صيغة خطاب
التنحي ويستبدل شمس بدران بزكريا محيي الدين. وانطلق على قدمَيه إلى المبنى المقابل،
فوجد
سامي شرف في حالة عصبية شديدة ارتفعت إلى درجة الصراخ عندما قرأ الخطاب الذي تعلن فيه
تنحيك
وأنك «كلفتُ زميلي وصديقي وأخي زكريا محيي الدين بأن يتولى منصب رئيس الجمهورية». وعاد
هيكل
بعد ثلث ساعة بنسخة كاملة من الخطاب، وطلبتَ منه أن يقرأ عليك نص الخطاب بصوت مسموع حتى
يتعود
عليه فقرأه هيكل، وحاولتَ أن تقيس الفترة اللازمة لإلقائه وقدَّرتَها بثلث ساعة، وقلتَ
إنها
فترة طويلة مؤلمة عليك وعلى الناس.
ثم خطر لك أن عبد الحكيم عامر سيفاجأ عندما يسمع باسم زكريا بدلًا من
شمس بدران، وسيعتقد أنك خدعته بواحدة من المناورات التقليدية المعروفة عنك، وأنك كنت
تُضمر
طول الوقت اختيار زكريا وإنما ذكرت اسم شمس بدران لتخديره.
وفي الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر تركك هيكل لتستريح قليلًا قبل
موعد إلقاء خطابك، لكنك طلبتَ منه أن يبقى معك إن لم يكن لديه شيء عاجل. وعند الساعة
الخامسة
نظرتَ في ساعتك وسألته إذا كان يود أن يذهب معك إلى قصر القبة ليحضر إلقاء الخطاب. فاعتذر
هيكل بعدم قدرته على تحمُّل الموقف. فاضت مشاعرك وقلتَ إنه كان معك أكثر من أخ، وأضفت
أنك لا
تعلم ماذا سيحدث غدًا وإذا كانا سيلتقيان مرة أخرى.
ثم تحدثتَ بطريقة حميمية عن الصداقة التي جمعَت بينكما، وقطعتَ كلامك
فجأة لتقول إنك بعد عودتك من إلقاء خطابك ستدخل غرفتك وتعزل نفسك تمامًا عن الناس والعالم.
وطلبتَ منه أن يكون مسئولًا عن كل ما يذاع أو يقال باسمك إلى أن يتمكن زكريا في الغد
من حلف
اليمين أمام مجلس الأمة ويتسلم مسئوليته.
وتصافحتما ولم تتمكن من منع دمعة تأثُّر في عينيك.
وفي السابعة أقلتك السيارة إلى قصر القبة القريب. وبعد نصف ساعة كنت
تستمع إلى مارشات عسكرية في التليفزيون ثم وقفت أمام الميكروفون ورحتَ تقرأ … ثم
انتهيت.
وعدت إلى البيت منهكًا مسلوب القوة. وفي الطريق لاحظتَ هرجًا غير
عادي في الشوارع المؤدية إليه من قصر القبة إلى منشية البكري، والتي تكون عادة خالية
تمامًا
من البشر في الأمسيات.
وترجلت من السيارة وولَجت البيت. كانت هناك مناحة حولك، وكل من قابلك
من الحراس والمعاونين يبكي.
صعدت إلى غرفتك وجلست على مقعدك الفوتي المفضل تسترجع ما حدث. وحاولت
أن تتصور المستقبل بعد التنحي، هل ستُضطر إلى الانتقال من هذا المنزل الذي لم تعرف مكانًا
غيره منذ بدأ الأمر كله؟ أم سيتركونه لك كمكافأة نهاية الخدمة؟ وكيف ستكون صورة حياتك
وأنت لم
تعرف غير ما كنت تقوم به حتى الآن؟ هل تشارك «هيكل» أو «زكريا» في تربية الدواجن؟ ومن
أين
تأتي برأس المال وأنت لا تملك غير بضع مئات من الجنيهات وليس لديك أرض أو أي عقارات؟
وكيف
ستكون عَلاقتك بالاتحاد الاشتراكي؟ هل ستصبح عضوًا في لجنة يرأسها واحد من مرءوسيك الحاليين؟
وربما ميكانيكي مثل الرفيق «بدر»؟
سمعتَ فجأة صَفَّارات الإنذار مُؤذِنة بغارة جوية. لم تتحرك ولم
تتناول سماعة التليفون لتستطلع الأمر. ظللتَ تتطلع إليها في صمت ولا
مبالاة.
لم تكن قادرًا على الكلام ولا مع زوجتك التي بدا عليها قلق مريع،
ونبهتك إلى جموع غير عادية حول المنزل. وقرب منتصف الليل تحاملت على نفسك ورفعت سماعة
التليفون وطلبتَ هيكل وسألته بصوت مثقل: ما الذي حدث؟
قال لك إن الدولة كلها قد انتقلت إلى مكتب سامي شرف في المنزل
المقابل، وإن الجماهير تحيط بذلك المنزل من كل جانب، وإن هناك خشية لدى شعراوي جمعة وغيره
من
كبار المسئولين أن يحدث شيء فادح غير متوقع لأن الجماهير تبدو بلا أي
سيطرة.
سألته: عايزين إيه؟ أجاب أنه لا يعرف، وهم لا يطلبون شيئًا إنما
يرددون الهُتاف باسمك طول الوقت.
انتابك القلق وخفَق قلبك وتطلعت إلى مسدسك. وفجأة شعرت بضجة غير
عادية بالقرب منك وأصوات تدافع وصيحات غضب. وفي أقل من ثانية مرَّت بذهنك صورة «عبد الحكيم
عامر» الغاضب ثم صورة «ماري أنطوانيت» عندما دخلوا عليها هي وأولادها واقتادوهم إلى المقصلة،
ثم صورة قيصر روسيا وعائلته عندما حدث معهم نفس الشيء. «لومومبا» و«سوكارنو» … هل حان
وقتك؟
ثم اقتحم الغرفةَ عدد من الرجال رغم محاولات منعهم. كانوا من كبار معاونيك وفي أشد حالات
الانفعال وهم يضعون أمامك صورة الموقف. التقطت أنفاسك وهدأتهم ثم نزلت إلى مكتبك ولحقوا
بك،
فطلبت منهم أن يتركوك لتُقدِّر الموقف بنفسك.
رحتَ تطالع بعض التقارير وبرقيات وكالات الأنباء. كان أول ما قرأته
برقية من وكالة يونايتد برس عن مشاعر الصدمة التي أصابت وفود دول آسيا وأفريقيا في الأمم
المتحدة والتي دفعت بعضهم إلى البكاء علانية. ثم قرأتَ تصريح الجنرال ديجول الذي كان
رئيسًا
لفرنسا قبل أن يستقيل منذ سنتين عقب استفتاء شعبي (ومات بعدك بشهرين) الذي قال فيه: «إنه
يتمنى أن يتمكن الرئيس جمال عبد الناصر بشجاعته ووطنيته من الاستجابة لمشاعر أمته التي
تطالبه
بالبقاء في موقعه.» ثم كان هناك فيض من برقيات وكالات الأنباء عن الجماهير الصارخة الباكية
في
كل مدن وقرى العالم العربي. وكانت هناك برقية تصف انفجار الرئيس اللبناني شارل حلو في
البكاء.
وقيل لك إن الرئيس العراقي عبد الرحمن عارف على التليفون من بغداد، فتناولت السماعة وإذا
بعارف يقول لك وهو يبكي: «أناشدك باسم الشعب العراقي وباسم العروبة أن تبقى.» وتبعه إسماعيل
الأزهري رئيس السودان قائلًا إن الخرطوم ستحترق إذا لم يَعدِل عن قراره.
ثم بدأت التقارير ترِد من كافة أنحاء مصر بأن جماهير لا تُعد ولا
تُحصى أوقفت قطارات السكة الحديدية واستولت على عدد كبير منها وعلى كل سيارة عثرَت عليها،
وأن
زحف هذا كله متجه إلى القاهرة.
وكانت الأخبار من جبهة القتال مماثلة: فقد غلب الأسى على مشاعر
الجنود والضباط، وخرج أغلبهم إلى الشوارع في الإسماعيلية وبورسعيد والسويس يبكون ويهتفون
باسمك.
اتصلتَ بهيكل تليفونيًّا ووجهتَ إليه السؤال الذي ما برِح يلحُّ
عليك: ليه؟ كنتَ مدهوشًا مما يجري. وقال لك إن مجلس الأمة منعقد، وقرَّر أن يواصل الاعتصام
رافضًا قرار التنحي. والسادات — رئيسه — يلحُّ في أن تذهب إلى هناك.
سألتَه عن رأيه؟ فقال إن الرأي لك الآن. فقلتَ إنك لا تستطيع أن تعود
عن قرارك.
غادرتَ مكتبك وارتقيتَ السُّلَّم إلى الطابَق الثاني. كنت تسير
كالمنوَّم دون أن تعبأ بمن تلقاه في طريقك. دخلت غرفة نومك واستبدلت ملابسك بصورة آلية.
وتمددت على الفراش.
في الساعة الثانية عشرة والنصف اتصلتَ بهيكل وقلتَ له إنك تشعر بتعبٍ
شديد، وبحاجة مُلحَّة للنوم. فنصحك بابتلاع قرص منوم، وفعلتَ، لكنك لم تتمكن من النوم،
فقد
أصابك بأعراض النوم بينما ظل ذهنك يقظًا.
وفي الساعة الخامسة والربع صباحًا يئستَ من محاولة النوم، فاتصلت
بهيكل من جديد ووجدته يقظان. سألته عما إذا كان بوسعه المجيء الآن إليك.
نزل هيكل من منزله عند كوبري الجلاء ووجد الطرق مزدحمة بالبشر رغم
الساعة المبكرة، وتكاد تكون مسدودة. اتجه إلى مكتبه في جريدة الأهرام، واتصل بك ليخبرك
بصعوبة
الحركة فأجبته في استغراب: هذا شعب غريب، فقد تصورتُ أنه سينصب لي مشنقة في ميدان «التحرير»
وإذا به يتصرف عكس ذلك تمامًا. وقلتَ إنه قد يكون من الأفضل أن يبقى هيكل في مكتبه لتستطيع
الاتصال به في أي وقت.
غادرتَ غرفة نومك دون أن تستبدل ملابسك. هبطت الدَّرَج في بطء ومشيتَ
إلى مكتبك. لم يبدُ على الحراس والمعاونين أنهم فوجئوا برؤيتك في البيجامة. كان أغلبهم
بعيون
حمراء من أثر البكاء أو عدم النوم. تناهت إليك أصوات من غرفة الطعام فولَجتها. وجدت زوجتك
وبعض الأولاد مُتحلِّقين حول المائدة يتناولون إفطارهم. ساد صمت مريع بينما اتجهتَ إلى
كرسيك
المعهود على رأس المائدة. قال أحدهم في وجل: صباح الخير يا دادي. لم ترُدَّ. تناولتَ
كوبًا من
الشاي صبَّته لك زوجتك. قالت شيئًا لم تتبيَّنه؛ إذ طغَت على صوتها ضجة غريبة في الخارج.
هُتافات لم تميز كلماتها. غادر «خالد» الغرفة فجأة ودار حديث متقطع وماسخ بين الجلوس
لم تشارك
فيه.
عاد «خالد» مندفعًا وخاطبك في انفعال: بابا، الناس
عاوزاك.
رددتَ عليه في حدة: مالكش دعوة.
قالت زوجتك: إحنا معاك عالحلوة والمرة.
لم تُعلِّق ولم يفُه أحد بكلمة.
نهضتَ وغادرتَ الغرفة. اتجهتَ إلى غرفة مكتبك وولَجتها. اقتربتَ من
المكتب وتطلعتَ إلى سطحه في جمود. كانت هناك كومة من الأوراق التي وُضعَت حديثًا. تأملتَها
ثم
قلبتَ بينها في غير مبالاة. استلْفَت انتباهك رسالة من يوثانت، الأمين العام للأمم المتحدة
يقول فيها: «إن السكرتير العام يخشى أن تكونوا قد اتخذتم قراركم بدافع الكبرياء وحده
… وهو
يريد أن تتذكروا حكمة بوذية تقول «إن العظمة الحقيقية هي في المقدرة على احتمال المكاره»
وهو
يرجوكم أن تُعيدوا النظر في قراركم، وإلا فإنكم بذلك تكونون قد لعبتم دون قصد لُعبة
الآخرين.»
ووجدت رسالة جديدة من ديجول يقول فيها: «… إن النصر والهزيمة في
المعارك عوارض عابرة في تاريخ الأمم، وما يهم هو الإرادة. وفرنسا في وقت من الأوقات كما
تذكر
كان نصفها تحت الاحتلال المباشر للنازي، ونصفها الآخر خاضعًا لحكومة عميلة. لكن فرنسا
لم تفقد
إرادتها وظلت طول الوقت تسير واثقة وراء قيادتها المعبرة عن إرادتها. إن الشجاعة الحقيقية
هي
في مواجهة المحن، وأما الأوقات السعيدة فإنها لا تستدعي هذه الشجاعة. إن سلام العالم
العربي
يقتضي جهودك، وأنا أول من يتفق معك على أن الأمر الواقع الذي قام عندكم الآن لا يعطي
أساسًا
صحيحًا للسلام.»
وكانت هناك رسالة أخطر من الثلاثي السوفييتي يعارضون تنحيك، ويؤكدون
استعدادهم لحل جميع المشاكل الاقتصادية والعسكرية المصرية في أي وقت.
تحاملتَ على نفسك وصعدتَ إلى غرفة نومك. تمددت على الفراش وحاولت
عبثًا أن تنام. قضيت بقية ساعات اليوم راقدًا عازفًا عن الكلام أو الطعام.
وفي الساعة الثامنة مساء اتصلت بهيكل وقلت له إنك لأول مرة في حياتك
تجد نفسك عاجزًا عن اتخاذ قرار، وإنك تستعد للذهاب إلى مجلس الأمة، وإنه حتى إذا تمكنت
من
الوصول إلى مجلس الأمة رغم الكتل البشرية فإنك لا تعرف ماذا تقول.
أغلقت التليفون ورفضت أن ترفعه من جديد ورقدت ساهمًا. فكرتَ في
الجموع المحتشدة في الخارج. هل هو رد فعل هستيري للصدمة الهائلة؟ هل هو غضب عارم منك؟
أو هو
إلى جانب كل هذا قد يكون الرسالة التي عبر عنها فيما بعد عبد الحليم حافظ في أغنيته الغرامية:
«اللي شبكنا يخلصنا». نعم، إنها رسالة لك أن تنهض وتُخرجنا من الورطة التي صنعتها بغرورك
وحماقتك.
وعندما قاربت الساعة العاشرة كنت قد وصلت إلى
قرار.
رفعتَ سماعة التليفون وعلمتَ أن القاهرة في حالة غليان وأن الطرق إلى
مجلس الأمة كلها مغلقة بالبشر ولا سيطرة عليها لأحد. وفي اتصال مع هيكل اقترح عليك أن
تُوجِّه
خطابًا إلى مجلس الأمة بدلًا من الذَّهاب إليه، ووافقتَ على الفور. وتناقشتما في مضمون
الخطاب، وطلب ربع ساعة لكتابة صيغته، ثم عاودتما الاتصال وناقشتما ما كتبه.
وكان الخطاب كالتالي:
السيد رئيس مجلس الأمة
لقد كنتُ أتمنى لو ساعدتني الأمة على تنفيذ القرار الذي اتخذتُه
بأن أتنحى … إن أحدًا لا يستطيع ولا يقدِر أن يتصور مشاعري في هذه الظروف إزاء الموقف
المذهل الذي اتخذَته جماهير شعبنا وشعوب الأمة العربية العظيمة كلها بإصرارها على رفض
قراري بالتنحي …
… وأرجوكم تبليغ مجلس الأمة الموقر أنني مقتنع بالأسباب التي
بنيتُ عليها قراري، وفي نفس الوقت فإن صوت جماهير شعبنا بالنسبة لي أمر لا يُرَد؛ ولذلك
فقد استقر رأيي على أن أبقى في مكاني … حتى تنتهيَ الفترة التي نتمكن فيها جميعًا من
أن
نُزيل آثار العدوان …
وانتهت مرحلة من مراحل ملحمتك.
شركة القاهرة للحاصلات الغذائية والعطرية.
شركة النيل العامة لأتوبيس شرق الدلتا.
شركة كيما بأسوان.
٢٢٠ ألف عامل بالمؤسسة المصرية العامة للغزل والنسيج يشيدون
بذكرى انتفاضة الشعب في ٩ و١٠ يونيو.
توصيل المياه للمباني المخالفة.
تفويض مديري التربية بالمحافظات في مد فترة إعارة المعلمين للعمل بالمدارس الخاصة أكثر
من عامين.
الذكرى السنوية الثالثة
للشهيد الملازم أول كمال الدين الدسوقي.
الذكرى السنوية الثالثة
للنقيب طيار سمير الأجهوري.
الذكرى السنوية الثالثة
للنقيب عصمت أحمد طلعت.
الذكرى السنوية الثالثة
للنقيب سمير عباس محمد.
الذكرى السنوية الأولى للنقيب حسين لطفي.
وداعًا للعطور المستوردة،
ومرحبًا بارفان فافوري،
إنتاج الشبراويشي.
١٠ يونيو
انفجار الأزمة مرة أخرى في عمان، والقتال يمتد من الضواحي إلى كل العاصمة.
انقطاع اتصال عمان بالعالم الخارجي.
راديو عمان: الرصاص أُطلق على موكب الملك أثناء توجهه إلى فيلته الصيفية على بعد ١٤
كيلو شمال عمان.
ياسر عرفات طار من القاهرة ووصل عمان فجر أمس وسط القتال.
القتال بدأ الساعة ٢ صباحًا عندما هاجمَت وحدات أردنية أحد مقار المقاومة.
وحوالي التاسعة صباحًا هاجمت قوات أردنية مبنى قيادة الكفاح الفلسطيني المسلح وتساقط
القتلى والجرحى، وأقام رجال المقاومة المتاريس في الشوارع وتحصَّنوا في منزلٍ مُطلٍّ
على
المركز التجاري.
٧٠ طائرة إسرائيلية تحاول الإغارة على المواقع المصرية أمس من الساعة الواحدة والربع
بعد الظهر إلى التاسعة والنصف مساء.
شركة الإسكندرية للحلويات رويال ونادلر.
اجتمع اليوم في شمال العراق الملا مصطفى البرزاني، زعيم الحزب الكردستاني الديمقراطي،
ومسئولون عراقيون برئاسة صدام حسين التكريتي، نائب رئيس مجلس قيادة الثورة، وحردان
التكريتي، نائب رئيس الجمهورية.
الشركة المصرية للأغذية بسكو مصر.
الشركة القومية لإنتاج الأسمنت.
الشركة المصرية لصناعة الأخشاب.
الذكرى السنوية الأولى
للمقدم كمال الديدي.
الذكرى السنوية الأولى
للملازم خالد إسماعيل.
الذكرى السنوية الأولى
للرائد مصطفى فودة.
١١ يونيو
قوات مدرعة للجيش الأردني هاجمت ظهر أمس مخيم الوحدات للاجئين الفلسطينيين.
وفي السادسة و٤٥ دقيقة قصفت مدفعية الجيش جميع مناطق الفلسطينيين في العاصمة.
بيان للمقاومة يعلن أن عناصر في السلطة الأردنية تدفع إلى نقطة الصدام الكامل، واتهمت
بالتحديد اللواء الشريف ناصر خال الملك والقائد العام للجيش واللواء رسول الكيلاني والعميد
الشريف بن شاكر.
بدأ القتال بعد ساعات من إعلان الاتفاق بين الملك حسين ومنظمات المقاومة على وسائل حل
الأزمة.
ضحايا اليوم ٦٠٠ قتيل وجريح.
استمرار انقطاع الكهرباء بعد قصف محطة الكهرباء الرئيسة في عمان التي عاشت في ظلام تام
لليوم الثاني.
عبد الناصر والقذافي يبحثان تطورات الموقف.
إنتاج السيارة رمسيس هذا العام يرتفع إلى ٩٠٠ سيارة، ويصل بعد عامين إلى ٣٠٠٠
سيارة.
وقف استيراد الصلب اكتفاء بالإنتاج المحلي منه.
١٢ يونيو
ضحايا القتال بين القوات الأردنية وقوات المقاومة خلال يومين ٦٥٠ قتيلًا
وجريحًا.
القذافي في مجلس الأمة المصري:
في تصوري نتيجة حتمية لشطط اليسار العربي الذي يصل إلى درجة الهوس والعمالة شرقًا،
ولمواقف اليمين العربي لدرجة الخيانة والعمالة غربًا. من أجل هذا رفعَت ثورة الفاتح من
سبتمبر شعار: لا يسار ولا يمين … وأقول … إن ياسر عرفات وفتح بريئان من إشعال نار الحرب
الأهلية بالأردن، وإن الملك حسين بريء من إشعالها أيضًا.
عبد الناصر في مجلس الأمة المصري:
إن المقاومة الفلسطينية ومنظمة فتح بالذات تعتبر من أهم الظواهر الصحية في نضالنا …
وإننا لا نتغافل عن بعض الأخطاء التي يمكن أن تكون صدرت عن بعض منظمات المقاومة … ولا
نستطيع أن نتفرج على ما يجري في الأردن ساكتين … ونعرف أنه جرت محاولات لوقف إطلاق النار
قام بها الملك حسين وقام بها الأخ ياسر عرفات.
رد عرفات على عبد الناصر والقذافي
لقد وصلنا إلى أكثر من اتفاق مع بعض الأخوة في السلطة، هدفها جميعًا وقف إطلاق النار
والقضاء على الفتنة. ولكن العناصر العميلة … ما زالت تدفع في الأتون كل ما من شأنه أن
يؤزم
الأوضاع إلى درجة إعطاء الأوامر لمدفعية الدبابات وغيرها لدك أحياء برمتها في عمان والزرقاء
… تجاه هؤلاء المدنيين العُزَّل من السكان من أهلنا الأبرياء، حتى أصبحت عمان مسرحًا
لعمليات كنا نود أن نراها على أرض المعركة في اتجاه العدو … إني باسم إخواني أتجه إليكم
في
هذا الظرف العصيب أن تضعوا كامل ثقلكم لإيقاف حمامات الدم التي يرتكبها العملاء في حق
شعبنا
وأمتنا …
العلم الليبي يرتفع فوق قاعدة عقبة بن نافع (هويلس).
الشخصيات المريبة وراء أحداث الأردن: اللواء ناصر بن جميل قائد الجيش، واللواء زيد بن
شاكر قائد الفرقة الثالثة المدرعة، ومحمد رسول الكيلاني الرجل الغائب الموجود كما يلقبونه
في الأردن والذي أُقيل من رئاسة المخابرات في مايو ١٩٦٨ وأُبعد من وزارة الداخلية في
أزمة
فبراير ١٩٧٠، وأخيرًا وصفي التل رئيس الوزراء السابق المعروف بعَلاقاته البريطانية، والذي
بدأ منذ ثلاث سنوات يتخذ خطًّا وطنيًّا متطرفًا.
١٦ يونيو
إسقاط طائرتين للعدو، إصابة مباشرة تفجر إحداهما في الجو.
تبادل إطلاق سراح المحتجزين لدى المقاومة والسلطات في الأردن عقب الأحداث التي أصيب
فيها أكثر من ألف شخص.
قوة من الجيش الأردني تطلق النار على هليكوبتر يستقلها عرفات قبل هبوطها في مطار عمان
فتصيب قائدها، بينما قفز عرفات من الطائرة.
الذكرى العاشرة للمرحوم
شهدي عطية الشافعي
الذي استشهد في معتقل أبي زعبل.
تأميم ٦ شركات منتجة للبترول في الجزائر.
قمتَ بزيارة مفاجئة للجبهة في الصباح الباكر وشاركتَ الجنود في
الخنادق طعام الإفطار؛ عدسًا ساخنًا وجبنًا وشايًا. جلستَ على الأرض وسط الضباط والجنود؛
صالح
(٣٠ سنة) حكمدار طاقم أحد المدافع، دبلوم تجارة من دمياط، جرجس مزارع متعلم من دير مواس،
هاشم
خريج كلية علوم (٢٤ سنة) عريس جديد من أسبوع، عبد الرءوف (٢٤ سنة) حكمدار طاقم مدفع يستعد
لامتحان الثانوية العامة، صبري مهندس زراعي دفعة ٦٧ مدرس ابتدائي من قنا، الشباب المتعلم
الذين طعَّمتَ بهم القوات المسلحة.
الساعة ١١ قبل الظهر إنذار: غارة معادية. الساعة ١٢ مجموعة من طائرات
العدو تغير وتشتبك معها أجهزة الدفاع الجوي … ستار من النيران الثقيلة … تبتعد الطائرات.
الساعة ١٢ إشارة أخرى.
معاونوك قلقون ويصرون على انصرافك في الحال. يحذرون من تَكرار مأساة
الفريق «عبد المنعم رياض» الذي أصابته قذيفة العدو بينما كان يتفقَّد القوات الأمامية
على
الجبهة. تُذعن لهم لكنك تتابع في غرفة مكتبك/نومك بالتليفون اقتراب الطائرات الإسرائيلية
من
الموقع في الساعة الثالثة … صواريخ تسقط في الرمال. هدوء. مجموعة فوق المدافع مستعدة.
مجموعة
أخرى تنام. غفوتَ أنت قليلًا حتى هاتَفك معاونوك. ثم شردت كعادتك عندما تتأمل حياة الخنادق
وجبهة القتال … هناك شيء ما أزعجك في زيارة الصباح، ما هو؟ آه … صورة «شي جيفارا» معلقة
في
الخنادق. اغتالته المخابرات الأمريكية في بوليفيا في أكتوبر سنة ٦٧. ثوري من نوع غريب
حِرتَ
طويلًا في فهمه. رومانسي أكثر مما يجب … يفضل خنادق القتال على مقعد السلطة … يلهب مشاعر
شباب
العالم كما فعلتَ أنت منذ عشر سنوات.
التقيتَ به عندما جاء إلى القاهرة في ٦٥، وشعرتَ لأول وهلة بما
يعانيه من اكتئاب، وعاد جيفارا بعد عشرة أيام قضى بعضها في الكونغو وقال لك: إن ما شاهده
هناك
أحزنه وإنه يفكر في الانضمام إلى الكفاح وتولي قيادة كتيبتَين كوبيتَين
هناك.
وقال لك: «إنني أرى أنه يجب أن نفعل المزيد من أجل الثورة في
العالم.» ورددتَ عليه قائلًا: «إنك تدهشني لكنك إذا كنت تريد أن تصبح «طرزانًا» ثانيًا،
رجلًا
أبيض يُقحم نفسه بين الزنوج ليقودهم ويحميهم، فإن ذلك لن يفلح.»
وفي أثناء الحديث، بدأَت تتجلى أسباب اكتئابه. فقد قال إنه يُكنُّ
احترامًا شديدًا ﻟ «كاسترو» ويعتبره أخًا ومعلمًا، ولكن قامت بينهما أشياء لم تكن كلها
سوية.
أولها أن «جيفارا» استمال «راءول كاسترو» للمبادئ الشيوعية، بينما كان في المكسيك ولم
يخبر
«فيدل» بذلك. ثم أدخل «راءول» في عضوية الحزب الشيوعي وقرَّر معه أن يُخفيا الأمر على
«فيدل».
ولما عرَف الأخير بالأمر استشاط غضبًا، غضب لما حدث كما غضب لأنه أخفى عنه.
وعلى كل حال، فقد تجاوز كاسترو غضبه وجعله وزيرًا
للصناعة.
لكن مصاعب ذلك المنصب كانت هائلة، وكوبا ككل كانت تواجه مشكلات
هائلة. واعترف: «لقد تخبطنا — وربما كنت أنا المسئول عن هذه الأخطاء — فقد أممنا ٩٨ في
المائة
من كل ما وجدناه، أمَّمنا حتى دكاكين الحلاقة، وبعد ذلك وجدنا أنه كان علينا أن نترك
بعض
الناس خارج نطاق التأميم.» وقال إن مَن عهِد إليهم بإدارة المنشآت المؤممة نسوا حماسهم
الثوري
في أحضان السكرتيرات الفاتنات، وعلى مقاعد سياراتهم الفخمة، وفى أجواء امتيازاتهم ومكاتبهم
وبيوتهم المكيفة الهواء، وأخذوا يُغلقون أبواب مكاتبهم في وجوه الناس للحفاظ على الهواء
المكيف بدلًا من أن يفتحوها لاستقبال العمال.
وعاد الحديث إلى موضوع الكونغو وقلتَ له: «عليك — قبل كل شيء — أن
تنسى كليًّا فكرة الذَّهاب إلى الكونغو هذه، إنها لن تنجح؛ لقد عانيتَ ذلك في اليمن
واختبرتَه. فعندما بدأَت الثورة هناك، وجدتُني أهبُّ لمساعدتها. مع أنني تلقيتُ من التقارير
ما يُفيد أن الواقع هناك غير صالح للثورة. وما لبثتُ أن اكتشفتُ أولًا أنه لا يمكن مساعدة
الثورة من الخارج، وثانيًا أن ذلك سيقتضي وقتًا طويلًا وكثيرًا من العذاب. ووجدتُ أننا
بينما
نستطيع أن نسارع في العملية التاريخية للثورة فإننا لا يمكن أن نقفز متخطين العملية الطبيعية
العضوية التي تخلق قوى الثورة.»
وهنا عرضتَ عليه أن يرافقك في الغد إلى افتتاح مصنع جديد في محافظة
قريبة من القاهرة. وفي الطريق قلتَ له إن عملية الحماسة المطلقة تأتي في المرحلة الرومانسية
من الثورة، وإن يوم اندلاع الثورة هو يوم تحقيق أهداف الرومانسية. إنه ليلة الزفاف. ولكن
عليك
بعد الزفاف أن تجعل الزواج ناجحًا، عليك أن تكسِب مالًا وأن تبنيَ بيتًا وتُنجب أطفالًا.
وهذا
هو المقصود بالثورة، وهذا ما تعنيه الثورة. إنها تعني معاناة العبء العسير الكامن في
بناء
المصانع واستصلاح الأراضي وتحويل الحماسة المطلقة إلى حماسة لخطة محددة وهدف
بذاته.
وفي الطريق لقيتَ استقبالًا عارمًا، فقد اندفعَت قرى بأسرها بقضِّها
وقضيضها لتحية موكبك، وحاول الناس إيقاف سيارتك بإلقاء أنفسهم أمامها. وفى ذلك المصنع
تجمَّعَت الألوف المؤلفة تهتف لك. وأثار ذلك انفعال جيفارا الشديد فقال: «هذا ما أريده،
هذا
هو الغليان الثوري.»
وفي آخر اجتماع بينكما أبلغك جيفارا أنه لا يظن أنه سيبقى في كوبا.
وقال إنه لم يقرر بعدُ أين سيذهب، لكن الشيء الوحيد الذي ينتظره هو أن يقرر «أين يعثر
على
مكان يكافح فيه من أجل الثورة العالمية ويقبل تحدي الموت». وقد قبله بعد شهور قليلة من
هزيمتك
في ٦٧!
هززتَ رأسك أسفًا على رجل أحببتَه من اللحظة الأولى، ونحيتَ جانبًا
مشاعر الغَيرة التي انتابتك عندما رأيتَ جنودك يعلقون صورته إلى جوار صورتك، وعدتَ تتابعهم
لحظة بلحظة في خندقهم على الجبهة. الساعة ٩ مساء مرور القائد للتمام. الساعة ١٠ إشارة:
طابور
من مدرعات العدو يتقدم لإمداد مواقعه التي ضُربَت في الصباح. هدير المدافع تشق جبهة العدو
دفعة واحدة. الساعة ١١٢٥ الاشتباك توقَّف.
استشهاد ١٦ كويتيًّا من لواء اليرموك خلال الغارات الإسرائيلية على الضفة الغربية لقناة
السويس.
قصة الأيام الخمسة الدامية في الأردن.
… وكان من بين قرارات اللجنة وقف صحيفتَين لمدة غير محددة: صحيفة
«الدفاع» الفلسطينية، وصحيفة «الدستور»، وتم اتخاذ القرار بناء على طلب الملك حسين؛
لأنهما نشرتا في ٨ يونيو بيانًا من اللجنة المركزية للمقاومة يهاجم العائلة
المالكة.
نزاع بين أب مسلم وأم مسيحية على ميراث ابنهما والقضاء يحكم للأب لأن الابن يتبع خير
الأبوين دينًا.
١٨ يونيو
تقلب في ألبوم صور … صورتك وأنت ترفع العلم المصري بعد جلاء آخر جندي
بريطاني يوم ١٨ يونيو ١٩٥٦ تشعرك بالفخر؛ فعلى يديك انتهت سبعون سنة من الاستعمار، وأيضًا
صورتك الشهيرة ١٩٥٦ عندما ذهبت إلى جامع الأزهر وهتفتَ: سنقاتل، سنقاتل.
١٩ يونيو
«السنهوري» و«يوسف وهبي» و«نجيب محفوظ» يفوزون بجوائز الدولة التقديرية.
٢١ يونيو
هدوء مشوب بالقلق في عمان بعد إعلان اللجنة المركزية لحركة المقاومة برئاسة «عرفات»
توقع حدوث صدام مع السلطة، وخاصة أثناء تغيُّب الملك «حسين».
سيارات مشتركة من المقاومة والجيش تطوف شوارع عمان للدعوة لالتزام الهدوء.
وفاة سوكارنو في مسكنه الذي يقيم فيه بالعاصمة الإندونيسية تحت التحفظ منذ الانقلاب
العسكري اليميني الذي قام به الجنرال سوهارتو سنة ١٩٦٧ برعاية أمريكية.
تفكر: مأساة سوكارنو هي لعبة التوازنات بين القوي المختلفة التي
مارسها طويلًا. السياسة التي مارستها طويلًا وأدَّت إلى إطلاق يد الجيش، فأصبح يسيطر
على كرة
القدم والنقل العام وكل شيء، وأهمل دوره الرئيسي في الدفاع عن حدود البلاد. هل هي مأساتك
أيضًا؟
شهر غريب. في نفس هذا اليوم عاد نابليون مهزومًا من «واترلو» وفي
اليوم التالي تنحَّى للمرة الثانية عن الحكم وخاطب الشعب الفَرنسي: «أيها الفرنسيون،
إني أقدم
نفسي ضحية للحقد الذي يحمله لي أعداء فرنسا … لقد أنهيتُ حياتي السياسية …» تاريخ حافل
ذو
مغزى. منذ خلع السترة العسكرية قنصلًا أولًا وارتدى المدنية وحقق الاستقرار والسلام لفرنسا
لفترة قصيرة! فقد دفعته أطماعه وطموحه — وخطط الشريحة الاجتماعية التي ساندته — إلى المغامرات
الحربية حتى انتهى بفرنسا إلى الاحتلال الأجنبي والمهانة، وعودة ملوك
«البوربون»!
٢٢ يونيو
في ختام الاحتفال بتصفية القاعدة الأمريكية.
اجتماع دول المواجهة والمساندة السبع في طرابلس.
عبد الناصر يقول للبَكر رئيس الوفد العراقي: من سوء الحظ أننا لا نستطيع أن نثق بكم …
إن تحرير فلسطين لن يكون بالكلمات، وإنما بالدم … كنتَ أنت رئيس الوفد العراقي الذي جاءنا
في ١٩٦٢ لبحث الوحدة بين مصر وسوريا والعراق … وثبت أن كل ما قلتموه لم يكن بكل أسف إلا
كذبًا على طول الخط … أنتم تتحدثون عن معركة قومية وأنتم في الحقيقة لا تقومون إلا بمناورة
حزبية.
٢٣ يونيو
المدفعية المصرية تضرب حشودًا للعدو بين «الشلوفة» و«بور توفيق».
القوات المصرية تحبط محاولة تسلل للعدو خلف «الزعفرانة».
٢٥ يونيو
عبد الناصر في بني غازي: استكملنا الاستعداد للعبور.
تلقيتَ مشروع «روجرز» وزير الخارجية الأمريكي وأنتَ في ليبيا. وينص
على وقف إطلاق النار لمدة ثلاثة شهور وإجراء مباحثات بين مصر وإسرائيل والأردن لتحقيق
انسحاب
إسرائيلي من «أراضٍ» احتُلت في ٦٧. وفكرتَ أنها مبادرة غير متوازنة، فهي من ناحية ستسمح
لنا
بدعم حائط الصواريخ والدفاع الجوي واستكمال مواقعها التبادلية التي ستسمح بتغطية عملية
العبور
اللازمة للتحرير، لكنها في نفس الوقت سيكون لها تأثير سلبي على المعنويات المرتفعة لقواتنا.
وكان أن أجَّلت اتخاذ القرار بشأنها.
٢٦ يونيو
الطائرات المصرية تهاجم مواقع العدو ثلاث مرات.
معارك جوية بين الطائرات السورية والإسرائيلية فوق سوريا.
٢٧ يونيو
وزارة أردنية جديدة برئاسة «عبد المنعم الرفاعي».
الولايات المتحدة تعلن تعويض إسرائيل عن الطائرات التي تفقدها على جبهة القناة.
٢٨ يونيو
وزير خارجية تل أبيب يوقِّع اتفاقية مع السوق الأوروبية تمنح إسرائيل أولوية المعاملة
مع دول السوق.
نيكسون يأمر بسحب جميع قواته من كمبوديا إلى قواعدها في فيتنام الجنوبية.
٢٩ يونيو
الحكومة الأمريكية تقرر الإسراع في تسليم طائرات الفانتوم إلى إسرائيل.
الجيش الأردني يعلن حل الشعبة الخاصة في المخابرات بطلب من المقاومة الفلسطينية.
مطلوب مالك أرض، يشترك معنا بالأرض فقط، لإنشاء عمارة للتمليك، يصل الربح إلى ٨٠
بالمائة في عملية لن تستغرق أكثر من عام.
«أحمد كامل» محافظ الإسكندرية مرتديًا أوفرول عامل نظافة يقود بنفسه حملة القضاء على
الذباب وفي الصورة يرش بنفسه المبيدات أمام مصرف مياه.
الراقصة «زيزي مصطفى» حاولت دخول المسرح العائم بفستان فوق الركبة فاعترضها البعض وتطور
الأمر حتى خلعَت حذاءها لتستعمله في الدفاع عن نفسها.
٣٠ يونيو
بَدْء اجتماعات الجانبين المصري برئاسة عبد الناصر والسوفييتي برئاسة
«بودجورني».
الدفاع الجوي المصري يُسقط ٤ طائرات للعدو، ويتم أسر ثلاثة من الطيارين
الإسرائيليين.
أول يوليو
حكومة فيتنام الشمالية ترفض دعوة الرئيس نيكسون للتفاوض مشترطة سحب الولايات المتحدة
لقواتها من جنوب فيتنام فورًا وبدون شروط.
٣ يوليو
فرنسا تُجري تجربة ذرية هيدروجينية في المحيط الهادي بعد تجربتين في الصحراء الجزائرية
منذ عامين.
حكومة المحافظين البريطانية تُشدِّد القيود على هجرة الملونين من دول الكومنولث إلى
بريطانيا.
٤ يوليو
دخل الرئيس عبد الناصر اليوم مصحة «برييخا» على مبعدة ٥٢ كم من موسكو لإجراء فحوص طبية
وعلاج منتظم بناء على طلب طبيب القلب الشهير «شازوف» الذي حذَّره من مخاطر العمل ١٤ ساعة
في
اليوم.
وانتهزتَ الفرصة لتبحث مع القادة السوفييت مشروع «روجرز» وقلتَ لهم
«إنك تميل لقَبوله لثلاثة أسباب: السبب الأول هو تغيير الموازين الاستراتيجية بيننا وبين
إسرائيل لصالحنا نتيجة مساعداتكم. والسبب الثاني هو أننا لا نريد أن نتسبب في مواجهة
بينكم
وبين الأمريكيين. والسبب الثالث هو إعطاء فرصة لقواتنا لالتقاط الأنفاس والاستعداد لمرحلة
متقدمة من العمل العسكري.» وكان أن أعلنتَ قَبول المبادرة، وقابلَت أمريكا ذلك الإعلان
بالإلحاح على أن يتم تنفيذ وقْف إطلاق النار قبل الثامن من أغسطس.
الدفاع الجوي المصري يُسقط طائرتين فانتوم إسرائيليتين.
فيتنام الشمالية تشترط تحديد موعد للانسحاب الكامل للقوات الأمريكية للعودة إلى مفاوضات
باريس.
ليبيا تؤمم شركات بيع وتوزيع المنتجات البترولية.
٦ يوليو
إسقاط طائرتين إسرائيليتين في عدوان من ١٦ طائرة إسرائيلية على غرب قناة السويس وأسر
اثنين من الطيارين. مصادر تل أبيب تعتقد أن المصريين يستخدمون الآن صواريخ سام-٢.
المصادر الأمريكية تتحدث عن عزم الولايات المتحدة إقامة مظلة جوية فوق إسرائيل
لحمايتها.
التوصل إلى صيغة للتعايش بين منظمات المقاومة والسلطات الأردنية تضمن حرية العمل
الفدائي.
من المقرر إنتاج ٦٤ ألف جهاز بوتاجاز و١٢ ألف سخان و٦٥٠٠ ثلاجة و١٦ ألف غسالة و٧٦ ألف
جهاز تليفزيون و٦٥ ألف جهاز راديو و٦٥ ألف جهاز راديو ترانزستور و٤١ مليون بطارية جافة
و٢٠
ألف عداد كهرباء.
٧ يوليو
«حاييم بارليف» رئيس أركان الجيش الإسرائيلي في مؤتمر صحفي: مصر نجحت في إنشاء نظام
جديد من الصواريخ أرض جو على جبهة قناة السويس، وإن الخبراء السوفييت يشتركون في إدارة
وإطلاق هذه الصواريخ؛ وبذلك أصبح الاتحاد السوفييتي مشتركًا بصورة مباشرة في القتال.
وصفت وكالة «يونايتد بريس» الأسبوع الذي أُسقطَت فيه الطائرات الإسرائيلية على جبهة
القناة وأسر خمسة من طياريها بأنه أكثر الأسابيع سوادًا بالنسبة للطيران الإسرائيلي.
وزير الخارجية البريطانية يعلن التفكير في استئناف بيع الأسلحة إلى النظام العنصري في
جنوب أفريقيا.
٨ يوليو
عبد الناصر يبقى ١٠ أيام أخرى في موسكو.
ذهب الدكتور «شازوف» إلى بريجنيف يرجوه الإلحاح عليك كي تبقى شهرًا
تحت العلاج في موسكو. اقتنعتَ بعد أن رأيتَ تقارير الفحص أن تبقى أسبوعين، وقلتَ له إنك
مضطر
للعودة من أجل المؤتمر القومي العربي، ولا بد أن تكون في مصر قبل يوم ٢٠
يوليو.
٩ يوليو
المقاومة تدمر مواقع إسرائيلية بالجليل ووادي الأردن.
إصابة سكاي هوك أخرى أثناء غارة للعدو على الجبهة.
تعيين ٥٠ ألف خريج خلال السنة المالية الجديدة.
إلغاء تجارة الكبريت بالجملة وتسليم إنتاج المصانع من الكبريت لمؤسسة السلع الغذائية
لتوزيعه على تجار التجزئة عن طريق ١٢٠٠ فرع، وبذلك تنتهي أزمة الكبريت.
أمريكا تعوض إسرائيل بستِّ طائرات فانتوم خسرتها أخيرًا على جبهة القناة.
الذكرى السنوية
للملازم «محمد السعيد عز الدين».
تل أبيب تهاجم «أوثانت» لأنه وصف صواريخ «سام» بأنها سلاح دفاعي.
إصابة طائرة إسرائيلية وتدمير مدرعتين على جبهة القناة.
خريجو ٦٩ يبدأ تعيينهم هذا الشهر.
القبض على ٢١ تاجرًا أعلنوا عن أسعار وهمية في الأوكازيونات.
«القذافي»: الثورة الليبية تتجه لتمليك الأرض للشعب.
١٠ يوليو
اتفاق السلطات الأردنية وقيادة المقاومة على أسس المصالحة بينهما.
معركة جوية عنيفة فوق القناة تشترك فيها ٢٤ طائرة من الجانبين تنتهي بإصابة طائرتين
للعدو.
١١ يوليو
الاجتماع الثالث بين عبد الناصر والقادة السوفييت في الكرملين يستمر ثلاث ساعات
ونصف.
انفجاران بين ألفي إسرائيلي في مصيف.
١٢ يوليو
مجموعتان من القوات الخاصة المصرية تعبر القناة وتهاجم مواقع العدو.
هجمات بالصواريخ لمنظمة سيناء على عشرة مواقع للعدو.
محاولة لتسوية المشاكل بين المقاومة وسلطات لبنان.
قصف منزل الدكتور «وديع حداد» (الطبيب الفلسطيني وأحد قادة المقاومة والرجل الثاني في
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعد «جورج حبش») في بيروت في الفجر بصواريخ موقوتة من قاعدة
ثابتة في شقة بالدور الخامس من منزل مقابل. أصيبَ الدكتور وأفراد عائلته، بينما نجَت
المناضلة «ليلى خالد» التي تقيم معهم.
إسرائيل تتسلم ١٣٠ من أحدث أجهزة التشويش على الرادار بعد أن طلبتها بيومين فقط.
قوات مصرية عبرت القناة واكتسحت مواقع العدو بالقنابل والرشاشات.
حريق في مقر مجلة المقاومة في لندن.
استشهاد أحد زعماء الجبهة الشعبية في معركة شمال مدينة «الخليل».
١٤ يوليو
تلميحات في واشنطن بأنها تعطي السلاح لإسرائيل لتمنعها من استخدام القنابل
الذرية.
التصدي ﻟ ٥٦ طائرة أغارت على المواقع المصرية.
«المؤسسة المصرية العامة للأدوية» تنصحك بالاطمئنان إلى أن الطباخ أو الشغال الذي يقدم
لك الطعام يحمل شهادة صحية تثبت خلوه من الأمراض المعدية.
١٥ يوليو
المصادر الأمريكية تثير ضجة حول حصول مصر على معدات برمائية سوفييتية للعبور.
السلطات الإسرائيلية تفرض حظر التجوال في مدينة «العريش» المحتلة بعد نسف سيارة عسكرية
إسرائيلية بجنودها.
الذكرى الثالثة
للنقيب «توفيق أحمد يوسف».
الذكرى الثالثة
للملازم أول «محمد ماهر».
عملية مفاجئة ﻟ «منظمة سيناء» تدمر مواصلات العدو في «القنطرة».
برقية تأييد وتحية للرئيس عبد الناصر من اللجنة المركزية ﻟ «الاتحاد الاشتراكي».
مع الباعة
«المغامر»
قصة واقعية تاريخية.
العمران ابتلع نصف مليون فدان مزروع ونصف مليون أخرى في الطريق.
١٦ يوليو
استقبال رائع للرئيس عبد الناصر في مجلس السوفييت الأعلى.
مصانع متكاملة بمصر والهند ويوغوسلافيا لإنتاج سيارة ركوب شعبية ﺑ ٧٠٠ جنيه وجرارات
زراعية و«فسبا» وأجهزة تحكُّم كهربائية.
وسائل الدفاع الجوي تتصدى للطائرات الإسرائيلية.
١٧ يوليو
دستور العراق الجديد يكفل حقوق الشعب الكردي وأن تكون اللغة الكردية لغة رسمية إلى جانب
العربية في المنطقة الكردية.
الجيش الأردني ينسحب من ضواحي عمان.
كتاب جديد صدر في طرابلس بعنوان «آراء جديدة في التعبئة ومبادئ الحرب» وضعه العقيد
«القذافي» وقد بدأ تأليفه عندما كان ملازمًا في الجيش.
تاجر ألبان (٥٥ سنة) يذبح ابنة شقيقه (١٨ سنة) وصديقها (٢٥ سنة) ويقطع جثتيهما قطعًا
صغيرة بعد أن ضبطهما في وضعٍ مُخلٍّ بمسكنها، ثم يجلس بجوار الجثتين يشرب الشاي ويدخن
حتى
قُبض عليه.
ملكة جمال الإسكندرية: لن أقبل الزوج الذي يكبرني كثيرًا ولا الشاب الجامعي الذي يتقاضى
٢٠ جنيهًا راتبًا شهريًّا.
ماكسي مايوه لصيف ٧٠ من الأقمشة القطنية بألوان زاهية ومايوهات من قماش «الهيلانكا»
السادة أو المنقوش برسومات هندسية.
وزير الشباب يُعلن تكليف طلاب الجامعات إجباريًّا بمحو أمية عشرة أفراد على الأقل
للقضاء على الأمية في خمس سنوات، التي تبلغ ٧٠ في المائة.
١٨ يوليو
السفارة الأمريكية في تل أبيب:
إسرائيل في نطاق مسئولية سلاح الطيران الأمريكي.
وسائل الدفاع الجوي المصري تُسقط طائرة فانتوم إسرائيلية وتأسر أحد طياريها الذي يحمل
الجنسية الأمريكية.
«الأزهر» يوافق بعد سنتين على عرض مسرحية «الحسين شهيدًا» ﻟ «عبد الرحمن الشرقاوي» على
ألا يظهر على المسرح كلٌّ من «الحسين» والسيدة «زينب» والسيدة «سكينة».
من ٧٥ سنة في مصر
وقفنا على نسخة من الرسالة النفيسة التي وضعها حضرة الأصولي الفاضل عزتلو فتحي بك زغلول
رئيس محكمة المنصورة الابتدائية وجعل عنوانها «التزوير في الأوراق» وأهداها إلى حضرة
شقيقه
الفاضل سعد بك زغلول القاضي في محكمة الاستئناف الأهلية والرسالة صحيحة العبارة حسنة
السبك،
فنحث الجميع على اقتنائها،
ونهنئ حضرة المؤلف الفاضل.
١٩ يوليو
مليون ونصف جنيه بدل إجازات لكبار الموظفين.
مصري … أول طبيب للجراحة بالميكروسكوب في ألمانيا الغربية.
رئيس الأركان الإسرائيلي يتوقع أن يقوم المصريون قريبًا بعبور قناة السويس على نطاق
واسع، وقال إن إسرائيل تحاول بغاراتها المكثفة على جبهة القناة الوصول إلى قواعد الصواريخ
التي أقامتها مصر.
تحطُّم طائرة تدريب مصرية ومصرع ثلاثة من الطيارين.
٢٠ يوليو
إسقاط طائرة سكاي هوك إسرائيلية.
السلطات الأمريكية تُوقِّع عقودًا عاجلة بإمداد الطيران الإسرائيلي بالطائرات
والذخيرة.
الدفاع الجوي المصري يفسد طريقة جديدة للعدو في غاراته.
٢١ يوليو
إسقاط طائرة سكاي هوك إسرائيلية وإصابة أخرى على الجبهة المصرية.
«محمود رياض» وزير الخارجية المصرية يرد على مبادرة وزير الخارجية الأمريكي «روجرز»
مشترطًا أن تشمل الانسحاب من كافة الأراضي التي احتلتها إسرائيل في ١٩٦٧ والاعتراف بحقوق
الشعب الفلسطيني كأساس للموافقة على وقف إطلاق النار لمدة تسعين يومًا يتم خلالها استئناف
المباحثات لتنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم ٢٤٢ لسنة ١٩٦٧.
مجلس الثورة الليبي يقرر استرداد أملاك جميع الإيطاليين في ليبيا وعددهم ٥٧٥
إيطاليًّا.
انتهت اليوم الأعمال الرئيسية في السد العالي ومحطة الكهرباء.
انفجار قنبلة زمنية في قصر الشيخ «خالد بن محمد القاسمي» حاكم الشارقة.
٢٢ يوليو
استيلاء ستة من الفدائيين الفلسطينيين، بينهم فتاة من أعضاء جبهة النضال الشعبي، على
طائرة يونانية طراز بوينج ٧٢٧، بعد إقلاعها من مطار بيروت مطالبين بإطلاق سراح ٧ من رجال
المقاومة مسجونين في اليونان وبعد مفاوضات استمرت ٧ ساعات وافقت السلطات اليونانية على
مطالب المختطِفين، وهبطت الطائرة في مطار القاهرة.
حكومة الثورة الليبية تُصدر قانونًا بوضع اليد على ممتلكات اليهود في ليبيا، وعددهم ٦٢٠
وتعويضهم بسندات اسمية على الدولة.
يجري في قبرص بناء قاعدة عسكرية بريطانية ثالثة للقوات البريطانية المنسحبة من
ليبيا.
كان الحظ في جانبك في أغلب الأوقات منذ البداية رغم أخطاء الحسابات.
في هذا اليوم من سنة ٥٢ عقدت مع الضباط الأحرار اجتماعًا أخيرًا عند الظهر في منزل «خالد
محيي
الدين»، واستعرضتم خُطَّة الانقلاب الذي سيتم في الواحدة صباحًا. وقررتم أن يقوم «أنور
السادات» بقطع جميع الاتصالات. وفي المساء توجَّهتَ بعربتك الأوستن إلى بيت «السادات»،
فلم
تجده وأبلغك البواب أنه ذهب مع زوجته وابنته إلى السينما. فذهبت إلى منزل «ثروت عكاشة»
حيث
اجتمع عدد من الضباط أثار أحدهم الحاجة إلى مدافع رشاشة، فذهبتَ إلى آخر مسئول عن مخبأ
الأسلحة، فلم تجده في شقته وكانت معتمة، ثم انطلقتَ إلى بيت ضابط آخر فأوقفك ضابط مرور
فوق
موتوسيكل لأن سيارتك بلا أنوار خلفية ثم استأنفت المرور على بقية الضباط، وأخيرًا عدتَ
إلى
مسكنك في شارع «الجلالي» ﺑ «العباسية»، وكان من أربع غرف بالطابَق الثالث. استحممتَ وتبادلتَ
بضع كلمات مع أخويك «الليثي» و«شوقي»، ثم قبَّلتَ «هدى» و«منى» و«خالد» و«عبد الحميد»،
وكانت
«هدى» هي أكبرهم سنًّا (في عمر ست سنوات) وبدأتَ ترتدي ملابسك. وفي الساعة الحادية عشرة
وخمس
دقائق زارك أحد معارفك من الضباط كان يعمل في جهاز المخابرات، وأخبرك أن الملك علِم بالانقلاب
واتصل برئيس هيئة الأركان بهذا الشأن. أي عاقل حريص كان سيُلغي المشروع في الحال، لكنك
بعنادك
أصررت على المضي في خُطَّة الانقلاب. أعطيتَ أخويك مائة جنيه هي نصف ما معك من نقود طالبًا
منهما أن يعطيا النقود لزوجتك لو حدث لك شيء. كانت الساعة قد بلغَت الحادية عشرة واثنتين
وأربعين دقيقة، ولم يظهر «السادات» بعد، واقترح «عامر» الذَّهاب إلى الثكنات ومحاولة
اجتذاب
بعض القوات لصفوفهما، فوجدتاها مغلقة وأمامها عدد غير عادي من رجال البوليس الحربي فانصرفتما.
وبلغَت الساعة منتصف الليل وأنتما تتجولان بالسيارة حائرَين وتوشكان أن تُقرَّا بفشل
الخُطَّة، وإذا بكما تلمحان أنوار خمسين عربة قادمة من ناحية ثكنات «الهايكستب»، ثم تبينتما
أنها فرقة من كتيبة المدفعية أوقفتكما، وأعلن أحد ضباطها الشبَّان أن لديه أوامر باعتقال
كل
من يحمل رتبة البكباشي (مقدم) فما فوق، وأُلقي القبض عليك. من حسن حظك أن قائد الكتيبة
كان من
«الضباط الأحرار» وهو المقدم الشيوعي «يوسف صديق»، وكان متجهًا إلى مقر القيادة العامة
للجيش
في «كوبري القبة» للاستيلاء عليه قبل الموعد المحدد بساعة، فتم إطلاق سراحكما. تحرك الجميع
في
اتجاه «كوبري القبة» حيث تم الاستيلاء على المبنى والقبض على عشرين من اللواءات، وهنا
ظهر
«السادات». وفي الساعة الواحدة والنصف كنتَ تجلس خلف مكتب رئيس هيئة أركان حرب
الجيش.
٢٣ يوليو
الرئيس عبد الناصر يعلن اكتمال بناء محطة كهرباء السد العالي، وذلك في افتتاح الدورة
الرابعة للمؤتمر القومي للاتحاد الاشتراكي في العيد الثامن عشر للثورة. وقال إننا وافقنا
على مبادرة «روجرز»، ونحن نتحرك كما نشاء في العمل السياسي على أن ندرك بيقين أن ما أُخذ
بالقوة لا يمكن أن يُسترد بغيرها.
تحققَت أمنيتك، فقد كنتَ تخشى أن تموتَ قبل أن تعلن انتهاء العمل
تمامًا في السد العالي، فهو يعني لك الكثير، يعني كل شيء. يعني ثمرة كفاح طويل ومعارك
صعبة ثم
مستقبل مشرق تضيئه المصابيح في كل قرية، والمصانع في كل مدينة.
السعودية تعترف بجمهورية اليمن.
ثوار جنوب فيتنام يقتحمون قاعدة اللواء الأمريكي ١٠١ المحمول جوًّا في مشارف مدينة
«هيو»، ويصيبون ١٧٠٠ أمريكيًّا، ويدمرون ٩٧ طائرة أمريكية.
شركة «بيع المصنوعات المصرية» وفروعها بالقاهرة والأقاليم تقدم تشكيلات فوق العادة من
الملابس والراديوهات، والتليفزيونات والثلاجات.
ولاعات «ديبون»
بالأسواق الحرة للمصريين والدبلوماسيين والأجانب، وفي المطارات.
«سكريب»
أرقى أنواع الحبر في العالم،
معبَّأ بمعامل شركة «التوزيعات المصرية» تحت إشراف
٢٤ يوليو
الرئيس عبد الناصر يعلن لأعضاء المؤتمر القومي: لن نسلم طياري الفانتوم الأسرى
لإسرائيل. إذا كانت أمريكا تعوضها عن طائرات الفانتوم فإن تعويض الطيارين صعب.
الذكرى السنوية الأولى
للنقيب «جميل خليل عبد المجيد».
ظهرت نتائج امتحانات المدارس الثانوية. نجح أصغر أبنائك «عبد
الحكيم»، وانتقل من السنة الثانية إلى الثالثة. وكنتَ قبل الامتحان قد وعدتَه إن حقق
أكثر من
٨٠ في المائة أن يطلب أيَّ شيء، ويجلبه له محمد أحمد السكرتير الخاص على الفور. وبالفعل
أحرز
عبد الحكيم ٨٤ في المائة، ودخل عليك بالنبأ، فهنأتَه وسألتَه عما يطلب. فطلب أن يذهب
إلى
لندن. قلت له: لك إخوة الآن في جبهة القتال يعانون الحر وأنت تذهب إلى لندن! إن شاء الله
بعد
ما نطلع الإسرائيليين سأرسلك إلى أي مكان تريده ولو كان طوكيو. كان عبد الحكيم في الخامسة
عشرة وأمَّن على كلامك، ثم طلب من السكرتير شراء موتوسيكل.
٢٥ يوليو
الدفاع الجوي يتصدى ﻟ ٤٦ طائرة إسرائيلية.
٢٦ يوليو
يوم مجدِك الحقيقي سنة ٥٦، عندما تَصدَّرَت صورتُك صحفَ العالَم،
واهتزَّت أركان الإمبراطورية التي لا يغيب عنها الشمس، يومَ أعلنتَ تأميمَ القناة التي
فقدَت
مصرُ في حفرها ١٢٠ ألف مصري، وصارت تُدرُّ ٣٥ مليون جنيه، تأخذ مصر منها مليونًا واحدًا.
أذهَلتَ العالَم بمُقامرة أفلتَّ منها بأعجوبة. لم تتوقع حربًا لكنها وقعَت. اكتشفتَ
معدِنك
ومعدِن الرجال الذين معك؛ «صلاح سالم» مثلًا انهار وطالبَك أن تُسلِّم نفسك للسفارة
البريطانية، ولم يكن أداء «عامر» على أحسن وجه. أنت نفسك بكيت، لكنك أبديتَ تماسكًا وصلابة
نادرَين. وفي ذروة العدوان — وأنت واقف فوق سطح البيت برفقة والدك تتابع قصْف الطائرات
البريطانية — فكرت في الاستعداد للعمل السري وقيادة مقاومة سرية. وكنت في قمة النشوة
عندما
أعلنتَ في الجامع الأزهر (وكنتَ قد حرصتَ على أن تذهب بمفردك دون أن يرافقك أحد من زملاء
مجلس
قيادة الثورة): سنقاتل، سنقاتل. وكنت مزهوًّا بأنك أول زعيم مصري يفعلها منذ «أحمس» قاهر
«الهكسوس». وأنعشك احتكاكك بالجماهير. وعدت منتشيًا بهُتافات الجماهير وقد تمزَّقت بدلتك
وتخربشت يداك من أظافر المتدافعين لمصافحتك.
المصادر المصرية الرسمية تعلن أن موافقة مصر على مبادرة «روجرز» لا تشكل وضعًا جديدًا
بالنسبة للمقاومة الفلسطينية.
«كاسترو» يعلن استعداده للتنحي بسبب الصعوبات الضخمة التي يواجهها الاقتصاد
الكوبي.
سهرة القاهرة الكبرى في سينما «قصر النيل».
«عبد الحليم حافظ»، «مها صبري»، «نجوى فؤاد»، «سهير زكي»، «شفيق جلال».
غدًا بسينما «قصر النيل»: «حيرة مقامر».
«سيجال» الشركة المصرية لتجارة المعادن تقدم الكراسي المعدِنية.
الذكرى السنوية الأولى
للنقيب «أحمد سمير عمر».
٢٧ يوليو
قوات المقاومة ترفض مشروع «روجرز».
نيران أرضية كثيفة تتصدى ﻟ ٢٨ طائرة إسرائيلية.
اجتماع اللجنة التحضيرية لمؤتمر دول عدم الانحياز.
انقلاب قصر في سلطنة عمان بقيادة الإنجليز يُطيح بالسلطان «سعيد بن تيمور» ويأتي بابنه
«قابوس» مكانه.
الأوكازيون السنوي الكبير ﻟ «عمر أفندي».
العاملون بشركة «بيرة الأهرام»:
زيادة الإنتاج دليل إصرارنا على الانتصار وتمسكنا بمبادئ ثورة يوليو الخالدة.
الأسبوع الثالث بنجاح ساحق في سينما «مترو»
التحفة الخالدة
«ذهب مع الريح».
٢٨ يوليو
طائراتنا تهاجم مواقع العدو مرتين، وتُسقط له طائرة «ميراج» في اشتباك جوي.
نقل يدي «جيفارا» وقناع وجهه إلى كوبا بعد مقتله في أحراش بوليفيا.
رجال المخابرات الأمريكية قطعوا أصابعه بعد اغتياله سنة ٦٧.
السلطات المختصة تعثر على ٨ أطنان من المخدرات في ٦ شهور مهربة عبر إسرائيل.
المؤتمر الثاني للطلاب الآسيويين في هونج كونج يرفض ضمَّ إسرائيل للمؤتمر.
لجنة في الكونجرس الأمريكي تكشف عن وجود قاعدة أمريكية في المغرب أقيمت عام
١٩٦٣.
٢٩ يوليو
مصر تُوقِف مؤقتًا الإذاعات الفلسطينية من القاهرة بسبب موقف بعض المنظمات الفلسطينية
من قَبول مصر للمبادرة الأمريكية.
سيلان تقطع عَلاقتها الدبلوماسية بإسرائيل.
السجن مدى الحياة لمن يقذف رئيس أوغندا «ميلتون أوبوتي» بالبيض.
صحف بريطانية: المستشارون الإنجليز لسلطان عمان هم الذين قادوا الانقلاب ضده.
البنك الدولي يرفع سعر فائدة قروضه للبلدان النامية من ٧٪ إلى٧٫٢٥٪.
لفتَ نظرك في الصحف إعلان لكوريا الشمالية بعنوان معارك التحرير يصور
زعيمها «كيم إيل سونج»، الملقب بالشمس المشرقة، أمام مجموعة من العسكريين، وخلفه خارطة
كبيرة
لبلاده وقد وضع يده اليسرى في خاصرته كما تظهر الشخصيات البارزة في اللوحات الزيتية للرسامين
الأوروبيين والأمريكيين القدامى، وأسفل الصورة كتب: «كيم إيل سونج» يقود بنفسه معركة
التحرير.
هل يمكن أن يحدث لك هذا؟ أن تصل إلى هذا المستوى المضحك من عبادة الفرد؟ يجب أن تعترف
بأنه
يبدو كما لو أن قوى عديدة تدفعك دفعًا في هذا الاتجاه.
٣٠ يوليو
«بيجين» يقول: مبادرة «روجرز» دعوة لتصفية إسرائيل.
معركة جوية فوق «العين السخنة» على ساحل «البحر الأحمر» اشتركت فيها ٣٠ طائرة من
الجانبين، وأجبرت الطائرات المعادية على الانسحاب.
البنك المركزي المصري يتلقَّى من ليبيا قسط الدعم العربي الدوري وقدره ٦ ملايين و٨٧ ألف
جنيه.
شركة «الملح والصودا» المصرية تُنتج الآن ربع إنتاج مصر من الصابون ونصف إنتاجها من
الزيوت.
تم إنشاء المزرعة الآلية غرب النوبارية بالتعاون مع الخبراء السوفييت.
٣١ يوليو
حكومة تل أبيب تعلن قَبولها للمبادرة الأمريكية في بيان أحاط بالغموض تفسير قرار مجلس
الأمن بالانسحاب.
الرئيس نيكسون يعلن أن الولايات المتحدة ملتزمة بالمحافظة على توازن القوى في الشرق
الأوسط.
مظاهرة صامتة في عمان من بعض منظمات المقاومة ضد مبادرة «روجرز».
من اليوم «الفرقة القومية للفنون الشعبية» على مسرح «البالون».
أول أغسطس
انتقاد واسع من القوى الثورية العربية لقَبول عبد الناصر مبادرة «روجرز».
بعض مظاهرات المقاومة يتصدرها حمار حمل اسمك … ألا يدرك الثوريون
الأغبياء أن مبادرة «روجرز» تتيح لنا التقاط الأنفاس واستكمال الاستعدادات؟ وأساسًا نشر
حائط
الصواريخ السوفييتية؟
٩٢ ألفًا و٥٨٣ طالبًا وطالبة يحصلون على الشهادة الثانوية العامة المصرية بينهم ٦٤٣١٥
بالقسم العلمي.
جمعية باريس للمؤلفين والملحنين ترسل مبلغ ٢١ ألف جنيه لجمعية القاهرة لحقوق الأداء
العلني للمؤلفين والملحنين المصريين عن إذاعة أغانيهم وموسيقاهم عن العام الماضي. أكبر
مبلغ
حصل عليه ملحن هو ٢٦٠٠ جنيه للموسيقار «محمد عبد الوهاب».
٢ أغسطس
رسالة مفتوحة من عبد الناصر إلى حكومة العراق يقول فيها: ليس بالشعارات تدار الحروب
وتتم معارك التحرير … لماذا لا تُوجِّهون النار إلى العدو؟ ولماذا لا يوجه العدو النار
إليكم؟
الأسبوع الخامس لأروع فيلم: «حفنة أشرار».
امتناع العراق والجزائر عن حضور اجتماع دول المواجهة في ليبيا.
وسائل الدفاع الجوي المصري تُسقِط طائرة سكاي هوك إسرائيلية في القطاع الأوسط
للقناة.
رئيس مجلس الرئاسة في اليمن الشعبية «سالم ربيع» يزور الصين.
راكب يخطف أكبر طائرة في العالم بوينج ٧٤٧ عليها ٢٧٩ من نيويورك، ويحول مسارها إلى كوبا
حيث غادرها وواصلت الطائرة رحلتها إلى بورتوريكو.
٣ أغسطس
الدفاع الجوي المصري يُسقط طائرة فانتوم إسرائيلية فوق «الإسماعيلية»، ويتم أسر
قائدها.
رجال المقاومة الفلسطينية ينسفون مصنعًا إسرائيليًّا في «الجليل» الأعلى.
الشركة المصرية لتجارة المعادن تقدم ماكينة الخياطة «نفرتيتي».
٢٤ ألف شخص تردَّدوا على حمامات «حلوان» الكبريتية هذا العام.
٤ أغسطس
محكمة الثورة العراقية تُصدر أحكامًا جديدة بالإعدام.
السلطات الاستعمارية البرتغالية في موزمبيق تتخلص من المعتقلين السياسيين بإلقائهم
للأسود من الطائرات.
٦ أغسطس
القوات الأمريكية تغزو لاوس بعد كمبوديا.
«عرابي» وكيل الفنانين يقدم «نجاة» على مسرح سينما «قصر النيل».
فرع جديد لبنك «القاهرة» يخدم المصطافين وأهالي منطقة «المعمورة» في الإسكندرية.
٧ أغسطس
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (القيادة العامة) تؤيد الموقف المصري.
إسقاط طائرة سكاي هوك فوق مدينة «الإسماعيلية».
الدفاع الجوي يصدُّ سلسلة من غارات العدو اشتركت فيها ٦٠ طائرة وأصيب خمسة من القوات
المصرية، وجرى ذلك قبل ساعة من تنفيذ قرار وقف إطلاق النار طبقًا للمبادرة
الأمريكية.
تصريحات للرئيس جمال عبد الناصر:
«حين قبلتُ قرار مجلس الأمن سنة ١٩٦٧ قال لي أصدقاء من القيادة
السورية: كيف تقبل هذا القرار الذي يؤثر على شعبيتك. أجبتُ: ما أرخص الشعبية التي تُشترى
بالكلمات السلبية ثم يدفع ثمنها من يعيشون الآن تحت رحمة العدو في غزة والضفة، وحين قبلتُ
المقترحات الأمريكية الأخيرة، وهي ليست إلا دعوة لتنفيذ قرار مجلس الأمن، فقد كنتُ أعرف
أن
بعض العناصر في العالم العربي سوف تملأ حناجرها بالصياح والصخب، لكن الولايات المتحدة
لم
تتقدم بمقترحاتها من أجل العودة إلى قرار مجلس الأمن إلا لأن حقائق كبرى أرغمَتها على
ذلك:
دعم الاتحاد السوفييتي لنا وتزايُد قدرتنا القتالية نتيجة لذلك … وقبلتُ مبادرة «روجرز»
لأتمكن من تثبيت الضغط العسكري والدولي على العدو عارفًا مقدَّمًا أن فرصة وصول هذه المقترحات
إلى نتيجة هي فرصة ضئيلة. نحن وحدنا الذين نقاتل فعلًا. وفد رسمي من بلد عربي استقل حديثًا،
في زيارة الاتحاد السوفييتي، وأثناء المفاوضات وضع الجانب السوفييتي في مشروعه للبيان
المشترك
إشارة إلى قرار مجلس الأمن في نوفمبر ١٩٦٧، فقال رئيس الوفد العربي: لا نستطيع أن نضع
توقيعنا
على أي بيان يشير إلى قرار مجلس الأمن. سأل الجانب السوفييتي: لماذا؟ أجاب رئيس الوفد:
لأننا
مصممون على الحرب. لا بد من الحرب ومن التحرير من النهر إلى البحر. قال السوفييتي: لكن
أقصى
ما تريدونه عشر طائرات وخمسون دبابة، فهل أنتم قادرون على الحرب؟ أجاب الآخر بدهشة: من
قال
إننا نحن الذين سنحارب؟!
حصر مرضى السكر وتوزيع الدواء عليهم.
مايوه رجالي من ٧ إلى ٨٠ قرشًا وحريمي من ٢٠ إلى ١٧٠ قرشًا.
أربع معارض للكتاب العربي تقيمها «الهيئة العامة للتأليف والنشر»
في ليبيا والسودان والجزائر.
«كورونا» إنتاج شركة «الإسكندرية للحلويات والشوكولاتة».
٨ أغسطس
بَدْء وقف إطلاق النار على الجبهة المصرية لمدة ٩٠ يومًا.
عبد الناصر يستقبل قائد الطيران السوفييتي.
الكونجرس الأمريكي يكتشف أن صناعة الأدوية الأمريكية تبيع الأدوية للبلاد النامية
بأضعاف ثمنها.
الجيش الأمريكي يتجاهل الاحتجاجات على إلقاء غاز الأعصاب القاتل في المحيط.
اتفاقية القواعد الأمريكية مع إسبانيا تربطها بحلف الأطلنطي.
فرقة «أضواء المسرح» تقدم «أنت اللي قتلت عليوة» تمثيل «جورج سيدهم» و«سمير غانم»
وآخرين.
أخطار التلوث في هواء القاهرة مع دخان ١٠٠ ألف سيارة تتحرك كل يوم.
تعادل «الزمالك» و«الإسماعيلي» ١-١ بعد مباراة مؤسفة. روح شريرة سيطرت على المباراة
وأفسدتها.
٩ أغسطس
مجلس السوفييت الأعلى يوافق على إنشاء مصنعين للفوسفات والألومنيوم في مصر.
سهرة الصيف الكبرى بكازينو «الأريزونا» يحييها «عبد الحليم حافظ».
صابون «لوريول» الإنتاج الجديد لشركة «القاهرة للزيوت والصابون».
مدرسة «مصر الجديدة» من أرقى المدارس الخاصة.
مدرسة «الأهرام» الخاصة ذات المستوى الرفيع.
مسرحية «الأميرة تنتظر» للشاعر «صلاح عبد الصبور» على مسرح «الجيب».
١٠ أغسطس
محاولات إسرائيلية للتلاعب في مسألة الانسحاب من الأراضي المحتلة.
قرض لإسرائيل من الحكومة العنصرية في جنوب أفريقيا قدره ١٥ مليون دولار.
قميص وبيجامة من شركة «مصر للغزل والنسيج» ﺑ «المحلة الكبرى».
٣٠٠٠ فرصة عمل يحققها مشروع الألومنيوم الجديد.
«العين السحرية» الآن من إنتاج الشركة المصرية لتجارة المعادن بسعر مائة قرش.
١٠ يُخرِجون ٣٠ مسرحية في الشتاء القادم هم «نبيل الألفي»، «حمدي غيث»، «سعد أردش»،
«جلال الشرقاوي»، «كرم مطاوع»، «عبد الرحيم الزرقاني»، «محمود السباع»، «كمال حسين»،
«أحمد
عبد الحليم»، «أحمد زكي»، «فتوح نشاطي»، «حسن عبد السلام»، «حسين جمعة»، «سيد راضي».
المسرحيات للكتاب «توفيق الحكيم»، «نعمان عاشور»، «عبد الرحمن الشرقاوي»، «يوسف إدريس»،
«رشاد رشدي»، «سعد الدين وهبة»، «ألفريد فرج»، «علي باكثير»، «صلاح عبد الصبور»، «معين
بسيسو».
سيدتي: أصبح البوتاجاز اليوم ضرورة لا غنى عنها في البيت، مع تحيات «الجمعية التعاونية
للبترول».
«ذهب مع الريح»: الأسبوع الخامس بنجاح ساحق.
١١ أغسطس
احتمال حضور عبد الناصر مؤتمر عدم الانحياز في زامبيا ٨ سبتمبر.
الحكومة الجزائرية تطلب سحب قواتها الموجودة على الجبهة المصرية — وعددها ٢٠٠٠ جندي —
التي وصلت مصر في يونيو ١٩٦٧. وقد استجابت الحكومة المصرية للطلب على الفور.
لم تكن خسارة كبرى. لديك ١٧٠٠ عسكري جزائري وحوالي ٦٠٠ عسكري كويتي
و٦٠٠ سوداني؛ تتكفل مصر بإعاشتهم وتعطيهم مصاريفهم. حوالي مليون جنيه وشوية شهريًّا!
… حتى
الدشم، حتى الإصلاحات، حتى الصيانة؛ كل هذه العمليات يتكفل بها الجيش المصري. كل ٦ شهور
يرسلون كتيبتَين من أفراد غير مدربين، يتولى المصريون تدريبهم. وما إن ينتهي التدريب
حتى تكون
الشهور الستة قد انتهت، فيرحلون وتحل محلهم كتيبتان جديدتان. وهكذا دواليك! لكن ماذا
تفعل في
الغباء؟
صحف إسرائيل: مصر بدأت في نقل معدات عسكرية كبيرة إلى منطقة قناة السويس في نفس الليلة
التي بدأ فيها تنفيذ وقف إطلاق النار.
وزير خارجية إسرائيل: لا توجد حدود قديمة لإسرائيل.
وايزمان يقول: مرتفعات «الجولان» ووادي الأردن هي الحدود الشرقية لإسرائيل.
مصرع ٦ في الاشتباكات بين منظمات المقاومة.
مكتب التحقيقات الأمريكية الذي يرأسه «إدجار هوفر» يهدد أعداءه بنشر فضائح عَلاقاتهم
الخاصة.
ثوار كمبوديا على بعد ٧كم من العاصمة.
تجارة الشنطة تحت الحصار: ٥٠٠ حقيبة شملت أجهزة التليفزيون والمراوح.
تشطيب ٢٠٠ شقة بمدينة «نصر» لتمليكها، والسماح للمُهجَّرين من مدن القناة بتملُّك الشقق
المؤجرة لهم.
إعلان أسماء المسئولين عن تشكيل لجان المواطنين من أجل المعركة.
حفلة الموسم الكبرى ﺑ «رمسيس الهرم» مع صوت الجبل «فهد بلان».
«كيم» أحسن منظف من إنتاج شركة أقطان «كفر الزيات».
تركيب التكييف داخل قاعات الحفلات بفندق «سميراميس».
١٢ أغسطس
«أبو عمار» يقوم بزيارة مفاجئة لسوريا ويجتمع برئيس الجمهورية «نور الأتاسي» ورئيس
الوزراء «يوسف زعين» ووزير الدفاع «حافظ الأسد».
جريدة «فتح» تتهم محمد حسنين هيكل بأنه يدعو إلى التسابق مع إسرائيل في خدمة مصالح
أمريكا لتجنُّب عدائها.
رئيس وزراء ألبانيا لوفد «فتح»: حل «روجرز» سيتم على حسابكم. أنتم الآن مُهدَّدون
بالموت … ليست ألبانيا وحدها معكم، معكم الصين وهي القاعدة الرئيسية العالمية للحركات
التحررية.
اجتمعَت المنظمات التالية في مقر قيادة الكفاح المسلح
الفِلَسطيني في معسكر «البوادي» وهم: حركة التحرير الوطني، الجبهة الشعبية الديمقراطية،
منظمة الصاعقة، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الجبهة الشعبية القيادة العامة، قوات
التحرير الشعبية، جبهة التحرير العربية، منظمة فلسطين العربية، الهيئة العاملة لتحرير
فلسطين، وذلك لبحث الاعتداء على مكتب منظمة فلسطين العربية وتبين عدم مسئولية الجبهة
الشعبية لتحرير فلسطين أو أي منظمة أخرى.
تعرف أن أغلب هذه المنظمات تتبع الأنظمة العربية. كل دولة لها
منظمتها الفلسطينية، تمامًا مثل الصحف اللبنانية.
١٣ أغسطس
كان أول عضو تضمه إلى تنظيم الضباط الأحرار. وكنت تقول: «أنا يكملني
«عبد الحكيم» وأنا أكمل «عبد الحكيم» …» كانت بينكما في البداية وحدة في الفكر واندماج
وثقة
بغير حدود وتوافق في الأحاسيس والمشاعر. كنتَ كلما تناولت طعامًا أو شرابًا أو اشتريت
ملبسًا
تحرص على إرسال مثله ﻟ «عامر»، وهو كان يفعل المثل. وكان «عبد الحكيم» يردد في مجالسه
الخاصة
— في البداية — أن عبد الناصر فلتة من فلتات الزمن، ولو أن نساء مصر ظللن يحملن ويلدن
لمدة
خمسين عامًا لما أتين بمثله. وكان «عبد الحكيم» يحظى بصفات لا تنكر، فقد كان ذكيًّا لطيف
المعشر خفيف الظل لا يعرف التعالي ولا يصطنعه، يجبر من حوله على حبه ويحمل صفات الرجولة
والشهامة التي تميز أبناء الإقطاعيين. وكان معك في حصار «الفالوجا» وفي السودان. وهكذا
تركتَ
له القوات المسلحة بعد الثورة. وكان عجزه أمام العدوان الثلاثي واضحًا. وعندما حاولت
إجراء
التغييرات اللازمة في القيادات العسكرية وقتها تمسك بهم وﺑ «صدقي محمود» — الذي أبرز
عجزه في
٥٦ ثم في ٦٧ — بشهامة العمدة الصعيدي وهدَّد بالاستقالة، فاستجبت له. وتكرَّر الأمر في
انفصال
سوريا — الذي تم بقيادة عناصر من مكتبه — وعاد منها منكسرًا. تسامحتَ معه أكثر من مرة،
ثم
شرعت تلاحظ تغيُّرات عليه، فقد بدأ يهتم بمظهره وبقمصانه. وعرفتَ بقصة «برلنتي عبد الحميد».
ثم جاءت الهزيمة النكراء وعجزه وانهياره.
بعد عودتك عن التنحي وضعتَ القوات المسلحة تحت إشرافك المباشر، وبدأت
عملية إعادة تشكيل القيادات العسكرية. وتخلصتَ بذلك من مشكلة «عبد الحكيم». أو هكذا ظننت،
فقد
أصبح بيته في «الجيزة» مركزًا لتجمع عدد من الضباط المحالين للاستيداع والمطلوبين للتحقيق،
بدأ نشاطهم يؤثر على الضبط والربط في القوات المسلحة. خصوصًا وهناك من يتوهَّمون أن المشير
سيعود مرة أخرى إلى قيادة الجيش.
وقررت أن تذهب بنفسك لزيارة «عامر» في بيته، رغم ما في الأمر من
مخاطر بالنظر إلى الأسلحة والأفراد المتواجدة في البيت. فاتصلتَ به وقلت له إنك ستمر
عليه في
بيته.
ذهبت إليه بصحبة «هيكل». وحاولت أن تُبصِّره بعواقب التصرفات التي
يقوم بها هو وبعض المتحصنين معه في بيته. ورد «عامر» بأن تليفوناته تحت المراقبة، والبوليس
يحيط ببيته، وهناك سيارات تراقب الداخلين والخارجين منه، وهناك ملاحقة للناس المحسوبة
عليه.
فقلت له إنك مستعد لبحث أي إجراءات تضايق المشير إذا خرج المعتصمون في بيته إلى بيوتهم.
وهنا
انفعل «عامر» غاضبًا قائلًا إن هذا المطلب يمس رجولته. وبعد ربع ساعة غادرته أنت و«هيكل»،
مدركًا أن الزيارة لم تكن فكرة صائبة.
وُضعت خطة سرية حظِيَت بموافقتك — وتولى الإشراف على تنفيذها «سامي
شرف» و«شعراوي جمعة» و«أمين هويدي» — وتقضي باعتراض المشير أثناء عودته في المساء إلى
بيته في
الجيزة من مقره في الثكنة العسكرية ﺑ «الحلمية» عن طريق شارع «صلاح سالم» المقفر، ثم
التحفظ
عليه بعيدًا عن هذه الأماكن ريثما يتم السيطرة عليها.
وفي ٥ أغسطس استدعى «زكريا محيي الدين» الثلاثة، كلٌّ على حِدة، إلى
منزله في الثامنة مساء، فجاءوا كلهم مجتمعين للإيحاء بتضامنهم. وهو معنى لم يغِب عن رجل
المخابرات المتمرس فقال لهم إنك أطلعته على الخطة وطلبت إليه مراجعتها معهم والإشراف
على
تنفيذها.
وجرت تعديلات في الخطة.
وفي ١٩ أغسطس تلقيتَ تقريرًا من المخابرات العسكرية بأن بعض المحيطين
بعامر قد رسموا خُطَّة لذَهابه إلى الجبهة حيث يعلن عودته إلى القيادة العامة للقوات
المسلحة،
ثم يتفاوض معك من موقع قوة على ترتيبات جديدة «تحفظ حقه». كما أن «شمس بدران» الذي أقام
في
بيت المشير أكد له أنك سوف تقبل شروطه لأنك تخاف من الفضيحة ومن سفك الدماء، واقترح أن
يتم
ذلك أثناء وجودك في الخرطوم.
وفي ٢٤ أغسطس دعوت إلى اجتماع لكل من تبقَّى من مجلس قيادة الثورة،
وهم «زكريا محيي الدين» و«أنور السادات» و«حسين الشافعي». وطرحت الأمر عليهم (هكذا ظللت
تراعي
مبدأ التراتبية والأقدمية حتى آخر لحظة). واتفق الجميع على أن موقف «عبد الحكيم» أصبح
خطرًا
على سلامة الجيش والوطن.
اتصلت ﺑ «عامر» ودعَوْتَه إلى العشاء في بيتك في اليوم التالي. ولعله
والمحيطين به فكروا في أنك تميل إلى التفاهم وعقد صفقة، فجاء إليك المشير بصحبة أربعة
من ضباط
الصاعقة السابقين يتولَّون حراسته.
وقبل موعد وصوله كان أعضاء الخطة قد تجمعوا في مكتب «سامي شرف»،
وقاموا باستدعاء اللواء «حسن طلعت» مدير المباحث العامة واللواء «محمد صادق» مدير المخابرات
الحربية والعميد «سعد زغلول» مدير الشرطة العسكرية و«الليثي ناصف» قائد الحرس الجمهوري.
وكان
«سامي شرف» مستعدًّا لتسجيل كلِّ ما يدور في منزلك.
وعندما دخل «عامر» إلى صالون البيت وجدك ومعك «زكريا محيي الدين»
و«أنور السادات» و«حسين الشافعي»، وبدا عليه أنه فوجئ بوجودهم. فقال محاولًا الابتسام:
هي
محاكمة ولَّا إيه؟
لم يشاركه أحد ابتسامته وطلبتَ منه الجلوس، ثم شرعتَ في عرض تصرفاته
واتهمتَه بأنه يتآمر على النظام، فقاطعك قائلًا: أنا لا أتآمر، وأرفض كلامك
ده.
قلتَ: إنك تآمرتَ فعلًا، وسأذكر لك حادثة واحدة من وقائع ثابتة؛ أنت
بعثتَ بسكرتيرك «محمود طنطاوي» للفريق «صدقي محمود» من خمسة أيام برسالة تتضمن أنك تنوي
الاستيلاء على السلطة وأنك تطلب منه الاشتراك معك، لكن «صدقي» أبدى عدم موافقته، بل إن
زوجته
شتمَت سكرتيرك وطردَته من المنزل.
وفي نفس الوقت وصل الفريق «محمد فوزي» والفريق «عبد المنعم رياض» في
صحبة عدد من السيارات المصفحة إلى منزل «عامر» في الجيزة. وبعث الفريق «فوزي» بأحد ضباطه
إلى
داخل بيت المشير يطالب كلَّ من فيه بإلقاء السلاح وتسليمه، مذكرًا إياهم بدواعي الانضباط
العسكري ودواعي الوطنية وضرورة المحافظة على سلامة أفراد أسرة المشير الذين يقيمون
بالمنزل.
وبعد دقائق من التوتر العنيف تصاعدت ألسنة النيران من داخل المنزل،
وتبيَّن أنها نتيجة محاولة «عباس رضوان» و«شمس بدران» حرق أوراق وخرائط في البدروم. ثم
اتخذت
المصفحات وضعًا هجوميًّا، فآثر الجميع الاستسلام. ودخل «فوزي» و«رياض»، وأشرفا على جمع
السلاح
من البدروم، وعلى استسلام ٦١ فردًا من المسلحين المقيمين في البيت. وكان بين السلاح خمسة
مَدافع آر بي جي المضادة للدبابات و١٠ صناديق من القنابل اليدوية المتفجرة والحارقة و٢٧
صندوق
ذخيرة.
وفي بيتك كان رد «عامر» على الحقائق التي استعرضتَها أن قام واقفًا
قائلًا إنه لو كان يعرف أن الأمر بهذا الشكل ما جاء. وقال إنه منصرف إلى بيته. واتجه
إلى باب
الصالون وفتحه، ففوجئ بوجود مجموعة من ضباط الحراسة المسلحين. فتراجع عن الباب قائلًا:
كده؟
عاوزين تقتلوني بأه؟
قمتَ واقفًا وقلتَ إنه تَقرَّر تحديد إقامته في بيته، وإنه قد تم
الآن تنظيف هذا البيت، وخرج منه كل المتربصين بالسلاح.
انهار «عامر» وجلس على مقعد، في الوقت الذي غادرتَ فيه القاعة. فقد
كان الموقف فوق احتمالك، إذ بدأ «عبد الحكيم» يصرخ ثم يبكي وحاول أن يناديَ حراسه بصوتٍ
عالٍ،
ولم يجِبه أحد لأنهم كانوا قد وُضعوا تحت التحفظ.
وعندما أحس «عامر» بأنه لم تعُد هناك فائدة بدأ يستسلم. وراح «زكريا
محيي الدين» يحدثه بهدوء عن عواقب تصرفاته، وكان يُبدي الاستماع. وطال الحديث لأكثر من
ساعة
ثم طلب أن يذهب إلى الحمام، وذهب بمرافقة «أنور السادات». وعندما عادا قال للكل: أبلغوا
الرئيس «جمال» أنني حليت له مشكلة «عبد الحكيم عامر». ثم فاجأهم بقوله إنه ابتلع سمًّا
وسيموت
في ظرف دقائق، وارتمى على أحد المقاعد. فجرت على الفور محاولة لإسعافه. وسمعتَ من الدَّور
العلوي بما يجري، فنزلتَ مسرعًا تُتابع ما يجري. وبعد ساعات تأكد الأطباء من سلامة «عامر»
ورجَّحوا أن كلامه عن السم كان محاولة للتأثير على الآخرين. ثم حمل إلى استراحة «المريوطية»،
حيث قطعت عنه كافة الخطوط التليفونية عدا خطًّا واحدًا. وانتقلتَ أنت إلى الخطوة التالية،
وهي
السيطرة على المخابرات العامة التي كان رئيسها «صلاح نصر» يرقد مريضًا في
بيته.
وبعد أيام كنتَ تستقل الطائرة إلى الخرطوم.
١٤ أغسطس
مجلس محافظة «المنيا» يمنع عرض مسرحية «كفر أيوب».
… وقد سبقَت محاولة «مصطفى محمود» محاولة أخرى للرجل المؤمن المخلص الدكتور «عبد الرازق
نوفل» بدأت بكتابه «الله والعلم الحديث»، لكن الفرق بين الاثنين أن الأول بدأ بالعلم
والدكتور «نوفل» بدأ بالإيمان.
في مسرحية بتل أبيب جنرالات إسرائيليون يصرخون: «شبابنا يعودون من السويس إما بساقٍ
واحدةٍ أو بذراع واحدة أو بعين واحدة … لا بأس، المهم أن تبقى إسرائيل.»
المقاولون يهددون عمال التراحيل ليجبروهم على عدم التعاون مع مشروع محافظ الشرقية
لتنظيم تشغيل العمال ورعايتهم.
في أعقاب اجتماع باستراحة «المعمورة» بالإسكندرية يضم «شعراوي جمعة»
وزير الداخلية وأمين تنظيم الاتحاد الاشتراكي و«سامي شرف» و«حافظ إسماعيل» رئيس المخابرات
العامة و«فتحي الديب» مسئول الشئون العربية و«هيكل» وزير الإعلام، قلت ﻟ «شعراوي جمعة»
في
حدَّة: إزاي يا «شعراوي» حزب «البعث» العراقي ينجح في تجنيد ضباط من القوات المسلحة المصرية
والمخابرات العامة؟ ورد «شعراوي» الذي فوجئ بالسؤال أن لا دخل له بأمن القوات المسلحة
وأنَّ
المسئولية تقع على عاتق المخابرات الحربية. وقلتَ لو كان التنظيم الطليعي فعَّالًا لما
استطاعت عناصر حزب «البعث» أو غيره النفاذ إلى الساحة المصرية.
وانتقل «شعراوي» و«سامي شرف» إلى مكتب الأخير في «المعمورة» على
مبعدة نصف كيلو ولاحقتَهما بالتليفون.
رد عليك «سامي» قائلًا: أيوة. وكانت عادته أن يرد بكلمة
أفندم.
سألتَه: إنت زعلان ولَّا إيه؟
أجاب: أبدًا يا فندم، حزعل من إيه؟ الشغل مافيهوش زعل، ومن حق سيادتك
تحتد وتقرص علينا. ده حقك كقائد ومعلم.
سألتَه عما وصلتما إليه ووافقتَ على قرارهما، وهو القبض على الضباط،
وكان أحدهم زوجًا لابنة «كمال الدين رفعت».
١٥ أغسطس
عدوان إسرائيلي مسلح على الأراضي الأردنية.
القاهرة تعلن أنها غير مستعدة للرد على الادعاءات الإسرائيلية بشأن إقامة بطاريات
صواريخ مصرية مضادة للطائرات في جبهة القناة بعد وقف إطلاق النار.
قوة إسرائيلية تتسلل داخل لبنان وتنسف ٣ منازل ثم تعود أدراجها حاملة اثنين من
المواطنين اللبنانيين.
وزير الداخلية اللبناني «كمال جنبلاط» يرفع قرار الحظر على الحزب الشيوعي والحزب القومي
السوري وحزب البعث العربي.
«جولدا مائير» تطالب زعماء المنظمات الصهيونية الأمريكية بجمع ألف مليون دولار لتعويض
الاقتصاد الإسرائيلي.
الولايات المتحدة تستخدم الأقمار الصناعية وطائرات التجسس في عمليات استطلاع فوق
القناة.
حكومة كمبوديا الانقلابية تحكم بالسجن مدى الحياة على زوجة الأمير «سيهانوك» رئيس
البلاد الشرعي بتهمة تهريب السلاح للثوار.
الاتحاد السوفييتي يطلق محطة فضاء كونية إلى كوكب «الزهرة» تصله في نهاية العام.
٢٠ أغسطس
الملك «حسين» في القاهرة لاجتماع مع عبد الناصر.
السلطات السورية تتهم العراق بمحاولة إحداث انقلاب في سوريا.
عامل ياباني يخطف طائرة ركاب يابانية مستخدمًا مسدس أطفال.
٢٢ أغسطس
مدارس لبنانية تمنح شهادة الثانوية العامة للطلبة المصريين بالمجموع الذي
يريدونه.
التحقيق مع تنظيم سري لحزب البعث العراقي في القاهرة.
اليسار الطفولي … قصر النظر والحماس الطفولي.
الاتحاد السوفييتي يُطلِق صاروخَين جديدَين متعددي الرءوس النووية.
تقرير رقابي: معظم الأعمال الفنية التي أنتجتها مؤسسة السينما من تأليف موظفي المؤسسة
نفسها وأبرزهم: «سعد الدين وهبة» تقاضى ١٢ ألف جنيه بين فبراير ١٩٦٨ وسبتمبر من نفس العام
–
«يوسف جوهر» تقاضى ١١ ألفًا بين يناير ١٩٦٨ ومارس ١٩٧٠ – «عبد الرحمن الشرقاوي» تقاضى
٥
آلاف جنيه بين ديسمبر ١٩٦٧ ويونيو ١٩٦٩ – «نجيب محفوظ» تقاضى ٥ آلاف جنيه بين يناير ١٩٦٩
ونهاية نفس العام.
حادث لقطار «الصعيد» يروح ضحيته ١٣ شخصًا.
«محرم فؤاد» يغني «أنا عايز صبية»،
كلمات «عبد الرحمن الأبنودي».
٢٤ أغسطس
قال متحدث إسرائيلي إن العمل في قواعد الصواريخ المصرية قد بدأ يوم ١٩ أغسطس وإن كل
قاعدة تحتوي على ست منصات للإطلاق يتوسطها جهاز قيادة قوي التحصين.
٢٥ أغسطس
مجلس الثورة السوداني يُصدر قرارًا بتأميم الصحافة.
عبد الناصر يستقبل «ياسر عرفات» ومعه وفد من اللجنة المركزية لمنظمة تحرير فلسطين
(فتح)، وذلك للمرة الثانية خلال يوم واحد.
مؤتمر الاتحاد الفلكي في «برايتون» يعلن اكتشاف مجموعة شمسية جديدة بخلاف المجموعة
الشمسية التي تتبعها الأرض.
حادث لقطار إكسبريس «مطروح» بالقرب من مدينة «دمنهور».
٢٧ أغسطس
المصادر الأمريكية والبريطانية تُثير ضجة حول شِحنات من الأسلحة تسلَّمتها مصر من
الاتحاد السوفييتي، وما زالت تتسلمها في تيار لا ينقطع، وتشمل صواريخ مضادة للطائرات
وسيارات برمائية ومدفعية ثقيلة يتجاوز مداها ٦٠ كم.
اشتباك مسلح بين المقاومة الفلسطينية والجيش الأردني في أحد شوارع عمان، بينما تتواصل
معركة ضارية بين المقاومة والعدو الإسرائيلي على خط المواجهة الأردنية استشهد فيها ٣
ضباط
من المقاومة.
٢٩ أغسطس
الجيش الأردني يشنُّ هجومًا شاملًا بالمدفعية والدبابات ضد مواقع المقاومة الفلسطينية
في عمان.
إسرائيل تتخذ خطوات للانسحاب من المباحثات مع المبعوث الدولي «يارنج».
٣١ أغسطس
نيكسون يعلن أنه تخلَّى عن فكرة التعاون مع الاتحاد السوفييتي في عمل مشترك لحفظ
السِّلم في الشرق الأوسط.
اختطاف طائرة جزائرية إلى مطار «دوبروفنيك» في يوغوسلافيا.
أول سبتمبر
ليبيا تحتفل بأول عيد لانقلاب «القذافي» في حضور عبد الناصر.
تجدد الاشتباكات بين الجيش الأردني والمقاومة.
٢ سبتمبر
وزير الدفاع الأمريكي يعلن أن الولايات المتحدة مستمرة في إرسال طائرات الفانتوم إلى
إسرائيل.
٣ سبتمبر
حكومة تل أبيب تعلن تجميد اتصالاتها مع المبعوث الدولي «يارنج».
معهد الدراسات الاستراتيجية يعلن أن مصر تمتلك ٤١٥ طائرة مقابل ٣٣٠ تمتلكها
إسرائيل.
مصادر إسرائيلية تقول إن إسرائيل فقدت على جبهة القناة ١٣ طائرة فانتوم.
٥ سبتمبر
قتال عنيف بين الجيش الأردني والمقاومة الفلسطينية ببلدة «الزرقاء» على بعد ٢٥ كم شمال
عمان، والضحايا نحو ٣٠ شخصًا.
الحكومة الليبية تقرر وقف الدعم الذي تقدمه للأردن حتى تتضح الرؤية في النزاع القائم
بين الجيش الأردني والمقاومة.
وزير الدفاع الإسرائيلي يعلن أن على أمريكا أن تعمل على سحب الصواريخ المصرية، وإلا
سحبت إسرائيل موافقتها على وقف إطلاق النار.
فاز «سلفادور الليندي» المرشح اليساري في انتخابات رئاسة شيلي.
المجلس الأعلى للولايات الهندية يرفض إلغاء المعاشات والامتيازات التي يتمتع بها
الراجات الهنود.
٦ سبتمبر
قام الفدائيون الفلسطينيون بخطف ومحاولة خطف أربع طائرات تابعة لشركات أمريكية وسويسرية
وإسرائيلية.
الطائرة الأمريكية من طراز الجامبو وعليها ١٧٧ راكبًا أُجبرت على الهبوط في مطار
القاهرة، وبعد إجلاء ركابها تم نسفها بثماني قنابل زمنية.
الطائرة الإسرائيلية استولت عليها الفدائية الفلسطينية «ليلى خالد» واضطُرت للهبوط في
لندن حيث تم اعتقالها.
عدد ضحايا اشتباكات الأردن بين الجيش والمقاومة ٥٢ قتيلًا و٢١٠ جرحى.
إسرائيل تعلن انسحابها من الاتصالات مع «يارنج».
٧ سبتمبر
سويسرا وألمانيا الغربية تعلنان قَبول الإفراج عن الفدائيين العرب المسجونين لديهما
مقابل الإفراج عن الطائرات المخطوفة وركابها المحتجزين في قواعد الفدائيين بالأردن.
الاشتباكات الدامية في الأردن مستمرة.
٨ سبتمبر
تجدُّد الاشتباكات المسلحة بين الجيش والمقاومة في الأردن بعد توقيع اتفاق جديد لتسوية
الموقف.
رائحة فضيحة كبرى في لبنان.
سجن حديث تبنيه شركة فَرنسية قُدرت تكاليفه الأولية ﺑ ٦ ملايين ليرة، ثم أُنفق عليه حتى
الآن ١٦ مليون ليرة، ويطالب القائمون عليه بأربعة ملايين ليرة أخرى، وتلزم ٢٢ مليون ليرة
إضافية حتى يصبح السجن جاهزًا بصورة نهائية. يشرف على تنفيذ المشروع «مالك سلام» الذي
يرأس
مجلس تنفيذ المشاريع الكبرى وهو شقيق رئيس الحكومة «صائب سلام» وزوج شقيقة الرئيس
«كرامي».
وجدت ربات البيوت الموظفات في الجيزة حلًّا لمشكلة الوقت الذي يجبرهن أحيانًا على تقديم
السردين والبولوبيف والجبنة الرومي في الغداء لأزواجهن، فقد أنشأت جمعية التحرير الاقتصادي
نظامًا يمكن معه طلب «وجبة بيتي» بالتليفون. تقوم بالطهي أُسَر من المهجرين من مدن
القناة.
٩ سبتمبر
خطف الفدائيون الفلسطينيون طائرة ركاب بريطانية تُقِلُّ ١٢٨ شخصًا كانت في طريقها من
بومباي إلى لندن وأجبروها على تحويل مسارها إلى مطار الثورة في شمال الأردن.
أعلنت الولايات المتحدة تزويد إسرائيل بصفقة جديدة من طائرات الفانتوم عددها ٤٥
طائرة.
الاحتفال بعيد الفلاح في ذكرى إصدار أول تشريع للإصلاح الزراعي بعد ثورة ١٩٥٢.
١٠ سبتمبر
بريطانيا تبدأ في إجلاء رعاياها من الأردن بينما تجددت الاشتباكات.
١١ سبتمبر
حاملة طائرات أمريكية وقطع مساعدة تابعة للأسطول السادس تصل إلى شرق البحر المتوسط
قبالة شواطئ فلسطين المحتلة.
تل أبيب تطلب من الولايات المتحدة أسلحة جديدة بقيمة ٨٠٠ مليون دولار.
في اجتماع لمجلس الوزراء قلت للدكتور «عزيز صدقي» وزير الصناعة: يا
دكتور «عزيز»، السنة الدراسية بدأت وأسعار الملابس المنتجة محليًّا نار … الناس بتكتبلي
يسألوني مين يقدر يشتري الفانلة بجنيه؟ أو البلوفر باتنين؟ الشراب بربع جنيه والقميص
بخمسين
قرش … يعني لو واحد عنده خمسة أولاد حيحتاج عشرين جنيه لشراء بلوفرات وشرابات فقط. كام
يدفع
الموظف علشان يشتري هدوم وجزم ومساطر وأساتيك وكراريس لأولاده وبناته لدخول المدارس؟
إن لم
تعمل على تخفيض أسعار هذه المنتجات حاضطر أتفق مع الصين لاستيرادها والناس اللي قادرة
أفتح
لهم فرع خاص في ميدان «سليمان باشا».
١٢ سبتمبر
«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» تنسف الطائرات الثلاث المخطوفة لعدم الاستجابة
لمطالبها.
تجدُّد إطلاق النار في عمان بين الجيش و«فتح».
الاتحاد السوفييتي يُطلق سفينة فضاء جديدة إلى القمر.
١٤ سبتمبر
اشتباكات جديدة في مدينة «إربد».
وزير الخارجية الأمريكي «روجرز» يعلن في مجلس الشيوخ أن وزارة الدفاع الأمريكية ستمول
طلبات إسرائيل من السلاح إيمانًا من الرئيس نيكسون بأن مصلحة أمريكا في تسليح
إسرائيل.
بَدْء بناء حي يهودي في مدينة «الخليل» العربية ﺑ ٤٠٠ مسكن.
يوم مأساوي آخر في حياتك.
مسرحه استراحة «المريوطية» وبطله هو «عبد الحكيم عامر» الذي حددت
إقامته بها. ففي صباح ذلك اليوم من ٦٧ لم يتناول المشير أيَّ طعام سوى بعض السوائل بسبب
القيء
المتواصل. واستمر القيء رغم الأدوية فتقرر تغذيته بالجلوكوز، وظل راقدًا تحت الرعاية
الطبية.
وفي الساعة الخامسة استنجد السفرجي فأسرع إليه الطبيب ووجده في حالة غيبوبة وبنبض ضعيف
فأعطاه
حقنة كورامين وأجرى له تنفسًا صناعيًّا من أنبوبة الأكسجين. ووجد لِصْق جسده شريطًا لاصقًا
يحتوي على مادة «الأكونيتين» السامة التي يُحدث تعاطيها بالفم الوفاة خلال أربع ساعات.
وفي
الساعة الخامسة والأربعين دقيقة لفَظ أنفاسه.
١٥ سبتمبر
اتفاق على انسحاب قوات الجيش الأردني المحاصرة لعمان وانسحاب قوات المقاومة من مواقعها
في قلب العاصمة. وقال أحد قادة المقاومة: «حاولنا الاتصال برئيس أركان الجيش اللواء «مشهور
حديثة» لبحث تنفيذ الاتفاق، وفي العاشرة والنصف اتصلنا بالقصر الملكي بحثًا عنه … واتضح
أن
الملك شكَّل وزارة عسكرية جديدة … وبعد ساعات رن التليفون في مقر اللجنة المركزية ودار
الحديث بين الأخ «ياسر عرفات» والعميد «محمد داود» رئيس الحكومة العسكرية الجديدة الذي
طلب
اجتماعًا عاجلًا مع أعضاء اللجنة المركزية لتنفيذ الاتفاق. فقال له «أبو عمار» إن تشكيل
الحكومة العسكرية يُعَدُّ نقضًا للاتفاق. وقطعت المكالمة. ودعونا إلى إضراب عام من الغد
لإسقاط الحكومة العسكرية وإعادة الحكومة الوطنية. وصرنا نشاهد أرتال السيارات المصفحة
ودبابات الجيش الأردني تتحرك في مختلف الاتجاهات …»
شعرت بالإرهاق يضغط عليك، وبالآلام تشتد، وقررتَ أن تذهب إلى «مرسى
مطروح»، في إجازة لأسبوع كامل.
لكن الأزمة في الأردن انفجرت.
وبقي الكل مترددًا في الاتصال بك هناك، أول أيام الأزمة، لكنك عند
المساء سمعتَ من الإذاعات بما يجري، واتصلتَ تطلب موافاتك أولًا بأول
بالتفاصيل.
وجاء «معمر القذافي» في اليوم التالي إلى «مرسى مطروح»، ونُقلَت إليك
بالتليفون عِدة رسائل من «ياسر عرفات».
وقررت أن تبعث الفريق «صادق» إلى عمان برسالة منك إلى الملك، ثم انضم
إليك — في الرسالة إلى الملك — «معمر القذافي» و«جعفر نميري».
تابعت التطورات دقيقة بدقيقة وأنت في القطار من القاهرة إلى
الإسكندرية برفقة زوجتك وابنك «عبد الحكيم»، بالإضافة إلى «حسين الشافعي» ووزير الحربية
«فوزي». قلتَ لهم إنك لم ترَ ابنك الأصغر «عبد الحميد» منذ شهرين، وليست هناك فرصة لرؤيته
لأنه في الكلية البحرية، وأنت ستواصل السفر في الغد إلى «مرسى مطروح» للقاء «القذافي».
وعندما
وصلت إلى مقرك في «المعمورة» بالإسكندرية اتصل «عبد الحميد» بأمه في المساء وقال لها
إن قائده
في الكلية أبلغه بأن لديه إذن خروج كي يذهب إلى مقر الرئيس. وقال إنه يشعر بالحرج أمام
زملائه
ولا يريد الخروج الآن. ثم سألها في ضيق: هل طلبتم خروجي؟ وتناولتَ السماعة وقلتَ لابنك:
وحشتني جدًّا يا «ميدو». استمعتَ إليه برهة ثم قلتَ: افعل ما يريحك. بعد فسحة من الوقت
ظهر
«عبد الحميد» في صالة المنزل فاصطحبَته أمه إلى غرفتك. صافحتَه وقبَّلتَه ثم قلتَ له
ضاحكًا:
أنت تدخن كم سيجارة في اليوم؟ ثم قلت له: لا تدخن كثيرًا حتى لا يطلب منك الأطباء عندما
تكبر
أن تمتنع عن التدخين. وتناول الفتى العشاء مع الأسرة كلها، وقال إنه رفض الخروج من الكلية
في
البداية، فقال له الضابط النوبتجي لا بد من خروجك الآن فلدينا أمر بذلك. سألتَه: ومتى
ترجع
الكلية؟ قال: غدًا في العاشرة صباحًا، لكني أريد العودة الليلة لأكون مع الطلبة في الصباح.
قلتَ له: اعمل يا ابني زي ما انت عايز. وبالفعل عاد إلى كليته بعد العشاء مباشرة، وكانت
آخر
مرة رأيته.
١٦ سبتمبر
الملك «حسين» يعلن الأحكام العرفية في الأردن ويعين «حابس المجالي» مستشاره العسكري
حاكمًا عسكريًّا واللواء «زيد شاكر» رئيسًا للأركان.
إضراب عمال شركة «جنرال موتورز» الأمريكية وعددهم ٣٤٤ ألفًا، وتُقدَّر خَسارة الشركة
يوميًّا في هذا الإضراب بنحو ١٠٠ مليون دولار.
«جولدا مائير» رئيسة وزراء إسرائيل تطير في زيارة للولايات المتحدة.
١٧ سبتمبر
بدأَت فجر اليوم الخميس معارك ضارية في شوارع عمان، اقتحم فيها الجيش الأردني العاصمة
بدباباته لإخراج الفدائيين منها وهو يطلق النار على أي شيء يتحرك في الشوارع، سواء من
مدافع
المورتار أو الرشاشات الثقيلة أو السيارات المصفحة أو مدافع عيار ٦ ملِّيمتر التي لا
ترتد
إلى الوراء. وحاصرت القوات الأردنية في شارع قريب من مكتب الاستعلامات الأمريكي خمسين
فدائيًّا قاتلوا حتى لقوا حتفهم جميعًا، فنقلوا جثثهم إلى أحد الشوارع الرئيسية، وأذيعَ
أن
المشير «حابس المجالي» قد منح سلطات مطلقة لمواجهة الموقف. وقبل الظهر امتد القتال إلى
عدة
مدن أخرى. وتكررت الأوامر من المشير «حابس المجالي» الحاكم العسكري العام عن طريق الراديو
تطلب من الجيش «تطهير الأردن من مراكز الفدائيين». ولدى المقاومة أكثر من ١٢٠ فرعًا ومكتبًا
للإعلام موزعة على عِدة مناطق في العاصمة، وأقيمت فوق سطحها أوكار للرشاشات الثقيلة.
راديو عمان على لسان المشير «المجالي»: «ويل للذين اختطفوا أشخاصًا وأجبروا طيارات على
تغيير خط سيرها والذين استولَوا على رهائن وفنادق ومدارس … وويل للذين نسفوا بيوت الأبرياء
ومنعوا وصول الماء وأوقفوا العمل في أجهزة الدولة.»
«القذافي» يصل مرسى مطروح للاجتماع بعبد الناصر.
١٨ سبتمبر
القتال يمتد إلى خمس مدن أردنية وتحولت المعارك في عمان من بيت لبيت، وارتفع عدد
الضحايا إلى نحو ٥٠٠.
الفريق «صادق» يحمل رسالة من عبد الناصر ونميري والقذافي إلى عمان، ويجتمع بالملك
«حسين» و«ياسر عرفات».
قتال من شارع إلى شارع بين الجيش والمقاومة.
عمان معزولة عن العالم بإغلاق مطارها وانقطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية معها وحظر
التجول الشامل فيها.
الدخان الكثيف يتصاعد فوق المدينة من الحرائق التي أشعلتها المدافع.
٣ رسائل من «عرفات» إلى عبد الناصر تطلب تدخُّله الفوري لوقف المؤامرة ويتهم الملك بأنه
أصدر أمره بقصف المدينة وتدميرها.
قوات العراق تنسحب بعيدًا عن المعارك الدائرة في الأردن، وسمحت لقوات الجيش الأردني
بالمرور كي تتخذ مواقع هجوم على الفدائيين.
«شويكار» و«فؤاد المهندس» على القناة ٥ فترة العصر في فيلم «شنبو في المصيدة».
١٩ سبتمبر
قوات «جبهة التحرير العربية» التابعة للبعث العراقي تنسحب من مواقعها في جبل عمان؛ مما
فتح ثغرة خطيرة في دفاعات المقاومة.
قصف مخيمات اللاجئين في ضواحي العاصمة. جنود البادية الذين يعتمرون البيريهات الخضراء
ينهبون المتاجر.
إنذار جديد من «المجالي» في الساعة الثانية والثلث للفدائيين بالاستسلام قبل الخامسة
مساء.
٢٠ سبتمبر
راديو القاهرة يقطع برامجه العادية عند الظهر ويُذيع برقية عاجلة من الرئيس عبد الناصر
إلى الملك «حسين».
عبد الناصر يطلب وقف القتال.
قال الرئيس للملك: معلوماتنا أن الخسائر مخيفة … وآلاف الأبرياء تحت رحمة النيران أو
النزيف بالشوارع.
وقال ﻟ «ياسر عرفات»: مصر تحرص حرصًا كاملًا على المقاومة الفلسطينية وهو نفس حرصها على
الجيش الأردني.
نيكسون يتابع تطورات الموقف في الأردن ساعة بساعة ومعه مساعداه «كيسنجر» و«هيلدمان» من
مقره في «كامب دافيد».
التحركات الأمريكية تُنذِر بتصعيد النزاع في الأردن.
«نميري» يتهم المخابرات الأمريكية بتدبير المعارك الضارية في الأردن.
الملك «حسين» يصدر الأمر لقواته بوقف إطلاق النار في السابعة مساء.
آلاف القتلى والجرحى في شوارع العاصمة الأردنية.
الأهالي يواجهون نقصًا خطيرًا في الطعام والماء.
الدبابات الأردنية، تعززها قوات المشاة، تهاجم مستشفى «الهلال الأحمر»
الفلسطيني.
راديو اللجنة المركزية للمقاومة: «عمان تحترق … عمان تحترق.»
راديو عمان يذيع إنذارًا أخيرًا.
راديو اللجنة المركزية للمقاومة: ابنة العميد «داود» رئيس الحكومة العسكرية في الأردن
تُذيع نداءً إلى والدها تطالبه بالاستقالة والتضامن مع الفلسطينيين.
الملك «حسين» يجتمع بالسفير الأمريكي في الأردن لبحث تطورات الموقف بعد أن فشِلَت
محاولات الاجتماع السابقة.
محطة الفضاء السوفييتية «لونا ١٦» تهبط برفق فوق سطح القمر في بحر «الخصوب» بعد رحلة
من
الأرض استغرقت أربعة أيام ونصف يوم.
عبد الناصر يدعو إلى مؤتمر قمة عربي.
بَدْء توافد الملوك والرؤساء العرب إلى القاهرة.
٢٢ سبتمبر
وفد برئاسة «نميري» يطير بعد الظهر إلى عمان.
الحرب الأهلية في الأردن تدخل يومها السادس بينما مؤتمر للقمة العربية قد الْتأم في
القاهرة.
وفد أردني رسمي في القاهرة برئاسة رئيس الوزراء الأردني العميد «محمد داود».
الولايات المتحدة تعلن إجلاء رعاياها من الأردن وتلوح بإمكانية التدخل.
الرئيس عبد الناصر ينتقل للإقامة في جناح خاص بالطابَق الثالث عشر بفندق هيلتون لمتابعة
أعمال مؤتمر القمة.
٢٤ سبتمبر
استمرار القتال العنيف في عمان وامتداده إلى «إربد».
الهلال الأحمر الفلسطيني يدعو إلى شرب البول لتعويض النقص في مياه الشرب.
مراسل بريطاني: الجنود الأردنيون كسروا أصابع جميع الرجال والأولاد في المنازل التي
عثروا فيها على بقايا قذائف.
«نميري» في برقية إلى الملك «حسين» باسم الرؤساء العرب المجتمعين في القاهرة: هذا إذا
صح يعتبر مخالفًا لما اتفقنا عليه من وقف فوري وشامل لإطلاق النار.
الملك يرد بأنه لا يوجد قتال بين الجانبَين.
العميد «محمد داود» رئيس وزراء الأردن يبعث من القاهرة باستقالته من منصبه إلى الملك
«حسين».
الملوك والرؤساء العرب يبعثون بوفد كبير إلى عمان طار من القاهرة في الخامسة إلا ثلثًا
بعد الظهر ويجتمع بالملك «حسين» فور وصوله.
راديو عمان يذيع في الحادية عشرة وعشر دقائق نداءً بصوت الرئيس «نميري» موجهًا إلى
السيد «ياسر عرفات» يدعوه لاقتراح طريقة للاتصال به.
راديو عمان يكرر النداء عدة مرات.
راديو اللجنة المركزية من دمشق يذيع في الساعة الثانية عشرة و٤٥ دقيقة رد «ياسر عرفات»:
«سيادة الأخ الرئيس اللواء أركان حرب «جعفر محمد نميري» … تلبية لندائكم أقول … ليكن
الاجتماع الليلة في حدود الساعة الواحدة، ونقترح أن تصلوا بسيارتكم عبر الطريق الموصل
من
فندق «الكرفان» إلى مدرسة «عالية» إلى مقر سفارة الجمهورية العربية المتحدة في جبل
«اللوبيدة» ويصلكم مندوب منا لمرافقتكم إلى مقر الاجتماع.»
مذبحة للفلسطينيين في «إربد».
٢٥ سبتمبر
ضحايا القتال الوحشي في أسبوع يزيدون على ١٥ ألف شخص، أي أكثر من ضحايا حرب ١٩٤٨
والعدوان الثلاثي ١٩٥٦، وعدوان يونيو ١٩٦٧.
صورة الهليكوبتر الذي كان معدًّا طول الوقت للطيران فوق سطح قصر الملك «حسين».
عبد الناصر يستقبل قادة المقاومة (صلاح خلف «أبو إياد» وفاروق قدومي «أبو اللطف»
وإبراهيم بكر وبهجت أبو غريبة) في مطار القاهرة بعد تحريرهم من الاعتقال في عمان.
صحيفة لبنانية تقول إن الأربعة اعتُقلوا معًا وهم يحاولون الانتقال من مقر اللجنة
المركزية في جبل «الحسين»، وتم الفتك بحراسهم ونقلوا إلى أقبية قصر «الحمر»، وفي اليوم
التالي وُضعوا في دبابة طافت بهم في أحياء عمان ليروا مشاهد الجثث والجرحى والجياع ثم
الحرائق والخراب الشامل.
ترقيم جديد ﻟ ١٧٥ خط أتوبيس.
كاريكاتير عن مواطن حائر بين أرقام الأتوبيسات: ناس أغبيا صحيح … عشان واحد بقى ٨٩٠
وواحد بشرطة ٩٠٨ وواحد بشرطتين بقى٨٩٠ بشرطة واتنين بقى ٧٠٤ وثلاثة بقى ٨٤١ وتلاتة بشرطة
بقى ٨٥١ بشرطة وأربعة بقي ٩٤٣ … خلاص يقولوا مش فاهمين؟
نائب رئيس الجمهورية العراقي: الجيش العراقي باقٍ في الجبهة وسيُلقِّن كل من يريد
النَّيل من العمل الفدائي درسًا لن ينساه.
٢٦ سبتمبر
المدفعية الأردنية تقصف السفارة المصرية أثناء وجود وفد الملوك والرؤساء العرب
بها.
وفد الملوك والرؤساء يصل إلى اتفاق بين «ياسر عرفات» والملك «حسين» على وقف إطلاق النار
فورًا.
الملك «حسين» يتلو بنفسه من راديو عمان أمرًا بوقف إطلاق النار فورًا.
الرئيس السوداني يتلو بنفسه أمر «ياسر عرفات» القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية
بوقف القتال.
وفي طريق عودة وفد الملوك والرؤساء من قصر «الحمر» إلى مقر السفارة المصرية، وبعد إعلان
البيانات بالراديو كان القصف مستمرًا بصورة رهيبة، وتم قصف مستشفى «الأشرفية» ونقل مئات
الأطفال والنساء والعجَزة ووضعوا بالطريق وحضرت آليات لسحقهم. كما قاموا بخطف الأطباء
والممرضين والممرضات. كل هذا حدث في وقت لم يجِفَّ فيه مداد الحبر الذي كتبت به الاتفاقية.
وعند وصول الوفد إلى السفارة المصرية جرى ضرب مكثف لها بالنيران دون انقطاع. وأجرى الرئيس
«نميري» اتصالًا شخصيًّا بالملك «حسين» وأبلغه بخطورة الموقف وأسمعه دوي الرَّصاص على
التليفون فسكت. وقال «إني أقوم بالواجب الآن.» فبعث إليهم باللواء «محمد خليل» نائب رئيس
الأركان و«أحمد طوقان» رئيس الديوان و«زيد بن شاكر» نائب مدير العمليات، الذين لم يتمكنوا
من دخول السفارة إلا بعد أن استقلوا سيارة مصفحة وداخلها تحدثوا إلى إدارة العمليات
العسكرية بالتليفون وطلبوا وقف إطلاق النيران فورًا فتوقفت على الفور.
الوفد يغادر عمان في السابعة مساء في سيارة مصفحة تعرضت لإطلاق الرَّصاص من جانب
الجيش.
«ياسر عرفات» يصل إلى القاهرة في الساعة الثانية عشرة إلا ربعًا، ويتوجه فور وصوله إلى
فندق «هيلتون» حيث اجتمع بالملوك والرؤساء العرب.
الرئيس «نميري» يقوم بتهريب «عرفات» في سيارته بعد أن تنكَّر في زي كويتي.
تهتز أعطافك من الحماس. الشباب بكل روعته يستطيع أن يفعل المستحيل،
كما فعلت أنت. ترى ماذا تخبئ لهم الأيام؟ «نميري» و«القذافي»؟ و«عرفات»؟ ماذا ستفعل بهم
السلطة؟ التزاماتها وإغراءاتها ومخاطرها؟
وزارة الخارجية الأمريكية تعلن أن الملك «حسين» طلب من أمريكا كميات من الطعام
والذخيرة، و«نيكسون» يعلن تعويض الأردن من الخسائر في المعدات والأسلحة التي تكبَّدتها
في
معاركها ضد المقاومة، بالإضافة إلى خمس ملايين دولار في صورة منحة.
العميد «محمد داود» يطلب اللجوء إلى ليبيا.
١٠٠ ألف أردني فقدوا منازلهم.
«الصليب الأحمر»: نواجه في الأردن موقفًا لا يصدقه عقل، فالجثث ملقاة متعفنة في الطرق
وآلاف المنازل انهارت ومئات الأشخاص تحت الأنقاض.
وزير الإدارة المحلية المصري: نظام الإدارة المحلية يسير في الخطوات المرسومة له
تمامًا.
موشيه دايان: من حسن حظ إسرائيل أن يقتتل الجيش الأردني والفدائيون بعيدًا عنا.
في الساعة الرابعة صباحًا،
برقية عاجلة من عبد الناصر ﻟ «حسين».
«جلالة الملك «حسين بن طلال»: باسم رؤساء الدول العربية المجتمعين بالقاهرة يؤسفني أن
أبلغكم قلقنا الشديد بعد التقرير الذي استمعنا إليه من الأخ الرئيس «جعفر نميري» وبقية
أعضاء الوفد الممثل لنا الذين عادوا من عمان. إن التقرير الذي استمعنا إليه منهم جميعًا
يؤكد لنا بما لا يدع مجالًا للشك عدَّة حقائق: أن هناك إصرارًا من جانب السلطة الأردنية
على
مواصلة إطلاق النار برغم كل المحاولات التي بُذلت، أن كل الوعود التي قُطعت لنا أُهدرت
إهدارًا كاملًا وأُفرغت من كل قيمة حقيقية لها، أن هناك مخططًا تفصيليًّا لتصفية المقاومة
الفلسطينية برغم كل ادعاء بغير ذلك، أن وفد الرؤساء الذي عاد من عمان يشعر أنه قد تعرَّض
لمراوغات لم يكن يجب أن يتعرض لها. إزاء هذا كله فإننا اتفقنا الآن على أن يعقد الأخ
الرئيس
«جعفر نميري» مؤتمرًا صحفيًّا يذيع فيه باسمه وباسم كل أعضاء اللجنة التي شاركته في مهمته
تفاصيل تقريره إلينا. إننا نشعر بحزن شديد أن تصل الأمور بيننا إلى هذا الحد … ولكن ما
يجري
الآن لا يترك مجالًا لغيره … فالحق أحق أن يُقال. ستبقى أمتنا دائمًا أكبر من كل شر وأقوى
من كل تدبير.»
مؤتمر صحفي للرئيس «نميري»: الملك «حسين» يتحمل وحده المسئولية كاملة عن تنفيذ مُخطَّط
إجرامي نيابة عن إسرائيل وأمريكا لإبادة جميع رجال المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني
في
الأردن.
«حسين» يبرق إلى عبد الناصر معربًا عن أسفه لما قيل في المؤتمر في الوقت الذي يمر فيه
الأردن بمحنة، وقال إن الأمر في الأردن يتطلب الآن العمل الإيجابي والمسارعة الفورية
إلى
وضع الاتفاق الأخير موضع التنفيذ نصًّا وروحًا.
السلطات الأردنية اعتقلت ١٤ ألف فلسطيني.
«حسين» يُشكِّل حكومة جديدة برئاسة «أحمد طوقان».
رئيس الديوان الملكي آل «طوقان» يتبرءون منه.
«حسين» يطلب زيارة القاهرة.
الدخان الأسود الكثيف يتصاعد من أحد المخيمات الفلسطينية في جبل عمان.
ليبيا تقطع عَلاقاتها الدبلوماسية بالأردن.
الملوك والرؤساء العرب أثناء اجتماعهم فجرًا بحضور السيد «ياسر عرفات» في فندق «هيلتون»
بالقاهرة.
المشكلة أنك عملاق بين الأقزام. هل يدركون خطة الأعداء؟ بعضهم يدرك
بالتأكيد والبعض الآخر يتعامى والبعض الثالث لا يصدق. تفكر: نحاول تجنب المخطط لنا، وأساسًا
وقف نزيف الدم، والاستعداد لمعركة تسيل فيها دماء لا نتمناها ونحاول تجنبها قدر الإمكان
وإنما
نحن على استعداد لها.
فتح باب التطوع للأطباء المصريين لإيفادهم في بعثات طبية إلى الأردن.
رئيس أركان الجيش الإسرائيلي: إذا استمر الموقف في الأردن فإن إسرائيل ستقوم بعمل عسكري
يختلف في نطاقه وطبيعته عن الأعمال التي قامت بها حتى الآن.
المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية يعلن أن الاتحاد السوفييتي بدأ في بناء قاعدة
للغواصات في كوبا.
«نيكسون» في نابولي يستعرض أقوى قطع الأسطول السادس الأمريكي: ثلاث من حاملات الطائرات
على ظهرها ٣٠٠ طائرة قاذفة مقاتلة، وعليها بطاريات مدفعية وقواعد لإطلاق الصواريخ. وتتقدم
هذه الحاملات مجموعة من البوارج والطرادات الصاروخية، ثم أسطول من قوارب الطوربيد وكاسحات
الألغام … والمقرر أن يشهد نيكسون هذه المناورة — التي تبدأ في العاشرة مساء ٢٨ سبتمبر
— من
جسر حاملة الطائرات «ساراتوجا».
الصحفي الأمريكي ماكس فرانكل في «النيويورك تايمس» — من على ظهر «ساراتوجا» — المقصود
من هذه المناورة شيء واحد: … أن يسمع جمال عبد الناصر في القاهرة دويَّ مدافع الأسطول
السادس.
الذكرى السنوية الثالثة
للشهيد النقيب «محمد المختار زكي قاسم».
الذكرى السنوية
للرائد طيار «نور السويفي».
شركة «بنها» للصناعات الإلكترونية.
تليفزيون ١٩ بوصة يعطيك صورة ثابتة أوتوماتيكية.
راديو ترانزستور يعمل بأربع بطاريات طورش.
يسر الشركة أن تقدم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك لكل مشترٍ تليفزيون «كاترون» قيمة
رسوم الحيازة وقدرها ٣ جنيهات.
وزارة التجارة الأمريكية تعلن أن صافي أرباح الشركات الأمريكية العاملة في دول أمريكا
اللاتينية بلغ ٢٤٠٠ مليون دولار بزيادة أكثر من النصف عن عام ١٩٦٠ الذي أعلن فيه البرنامج
الأمريكي للتحالف من أجل التقدم.
الأحد ٢٧ سبتمبر
جلسة عاصفة لمؤتمر القمة العربية بعد الظهر، حضرها الملك «حسين» لأول
مرة، بدأت في الواحدة بعد الظهر، وكان الجو متوترًا: الملك «حسين» مع بعض ضباطه في ركن،
و«ياسر عرفات» على مقعد يضبط أعصابه بالكاد، والملك «فيصل» في مقعده التقليدي في هذه
الاجتماعات، واضعًا يده على خده يفكر.
ودخلتَ متجها إلى حيث جلس «فيصل» الذي بادرك قائلًا: «فخامة الرئيس،
لا أريد أن أجلس وسط كل هذه المسدسات.» قلتَ ضاحكًا: «لا عليك، سوف أجلس أنا وسط هذه
المسدسات، وتفضل أنت فاجلس مكاني.»
انتهت الجلسة في الثالثة والنصف، ثم اقتصر الاجتماع على الملوك
والرؤساء. قلتَ: «إننا نفهم من مجيء الملك «حسين» أنه يريد حلًّا، ومن موافقة المقاومة
الفلسطينية على مجيئه أنها هي الأخرى تريد حلًّا، وبالتالي يجب أن تتجه المناقشات إلى
وضع
حدٍّ للكارثة وليس إلى زيادة مضاعفاتها المحزنة.»
وعندما انتهى الاجتماع كان «هيكل» في انتظارك بجناحك. وبعد نصف ساعة
تركك فدخلتَ غرفة نومك تستريح قبل جلسة المساء المحدد لها الساعة السادسة. وعاد «هيكل»
في
الساعة الخامسة بعد أن غيَّر قميصه، ودخل على أطراف أصابعه إلى جناحك. ووجد «محمد داود»
المكلف بخدمتك الخاصة واقفًا على باب حجرة النوم فقال لهيكل: الرئيس نائم وقد طلب إيقاظه
في
الخامسة والنصف.
وبعد دقائق جاء «محمد أحمد» سكرتيرك الخاص يقول: الرئيس «نميري»
و«الباهي الأدغم» قادمان الآن … فهل نوقظه؟
نظر «هيكل» في ساعته وكانت الخامسة وسبع دقائق، وقال: «ننتظر بعض
الوقت … نعطيه دقائق إضافية من النوم». وقام الاثنان باستقبال «نميري» و«الباهي الأدغم»
وقال
هيكل لهما همسًا إن الرئيس نائم ويمكن إيقاظه لو أرادا.
قال نميري: نتركه بعض الوقت. لقد جئنا بمشروع اتفاق كُلِّفنا بإعداده
على ضوء مناقشات الجلسة الماضية ليكون أساس مناقشات جلسة المساء.
وبالفعل انتظروا حتى الخامسة والنصف عندما جاء «محمد داود» يطلب
«هيكل» إلى غرفة النوم. وجدك واقفًا بجوار فراشك وقلتَ له: «اقعد معاهم … حاخد حمام سريع
وأحصلكم …» ثم قلتَ: «لقد كنت في نوم عميق من شدة التعب.»
وفي الخامسة والنصف تمامًا لحِقتَ بهم في غرفة الصالون. أمسكتَ بيدك
مشروع الاتفاق، ولم تجد معك نظارتك فناولت الأوراق ﻟ «هيكل» وطلبت منه أن يقرأها عليك،
وقلتَ
إن المشروع يمكن أن يكون أساسًا مقبولًا «إذا خلصت النوايا».
وجاء «محمد أحمد» برسالة ﻟ «هيكل» من «ياسر عرفات» الذي كان يقيم في
الدَّور الرابع من الفندق. سألتَ عن محتويات الرسالة، فقال هيكل: إن عرفات تلقَّى معلومات
من
عمان بأن الجيش الأردني يكثف هجماته لتتم له السيطرة على عمان الليلة، وهو يريد تعليمات
لضباط
المراقبة المصريين الذين سافروا إلى عمان في الصباح لكي يباشروا عملهم.
قلتَ: «لنطلب «ياسر عرفات» لنبحث معه مشروع الاتفاق قبل الجلسة …
واسألوا أيضًا إذا كان «القذافي» وصل لينضم إلينا هنا.»
جاء «عرفات»، وكان منفعلًا. قال: «سيادة الرئيس، كيف نستطيع أن نأتمن
هؤلاء الناس، وهم هناك مصرون على التصفية، بينما نحن هنا نتباحث؟ لا فائدة، ليس أمامنا
إلا أن
نهد الدنيا على رءوسهم ورءوسنا، ولتكن النتيجة ما تكون.»
أجبته: ياسر … لا يجب لأي شيء الآن أن يجعلنا نفقد أعصابنا، لا بد أن
نسأل أنفسنا طول الوقت: ما الهدف؟ الهدف كما اتفقنا هو وقف إطلاق النار بأسرع ما يمكن،
إنني
تحركت من أجل هذا بناء على تقديري للظروف، وبناء على طلبك أنت لي من أول لحظة. موقفكم
في عمان
مرهق، ورجالكم في إربد عرضة للحصار، وقلت لك من أول دقيقة إننا لا نستطيع مساعدتكم بتدخل
عسكري مباشر من جانبنا لأن ذلك خطأ، لأن معناه أنني سأترك إسرائيل لأحارب في الأردن …
وإذا
حدث فسيفتح الباب لتدخلات أجنبية تنتظر هذه اللحظة. إنني أحاول أن أكسب وقتًا لكي أستطيع
زيادة قدرتكم على المقاومة ولتصلوا إلى حل معقول، إنني خلال الأيام الأخيرة فتحتُ لكم
أبواب
كل ما أردتموه من سلاح وذخيرة، وبعثتُ إلى «بريجنيف» ليضغط الاتحاد السوفييتي بقوته على
الولايات المتحدة حتى لا تتدخل … وبعثتَ أنت لي تطلب منى أن أفعل ذلك وفعلتُه، كل ذلك
في سبيل
أن نكسِب وقتًا نحُول فيه دون ضربة قاصمة توجَّه للمقاومة. حرقت دمى خلال الأيام الأخيرة
لأحافظ عليكم، وكان أسهل الأشياء بالنسبة لي أن أُصدر بيانًا إنشائيًّا قويًّا أُعلِن
فيه
تأييدي لكم، ثم أعطيكم محطة إذاعة تقولون منها ما تشاءون ضد الملك، ثم أُريح نفسي وأجلس
لأتفرج، لكنني بضميري وبالمسئولية لم أقبل ذلك. أستطيع أن أنهيَ المؤتمر هذه اللحظة.
المؤتمر
من الوجهة السياسية حقق كثيرًا، ذهب الأخ «نميري» أول مرة وعاد بأربعة من زعماء المقاومة
استخلصهم بالضغط من السجن، وذهب مرة أخرى وعاد بك، ثم صدر عنا تقرير نميري والبعثة التي
رافقته إلى عمان، تقرير أوضح الحقيقة، وشكَّل قوة ضغط. أستطيع أن أترك الأمور على هذا
الحد
وأستريح، ولكنني أسأل نفسي وأسألك: ما الهدف؟ هذا هو السؤال الذي يجب ألا ننساه، هدفنا
لا
يزال هو وقف إطلاق النار لإعطائكم فرصة لإعادة تقدير موقفكم، وإعادة تجميع قواكم. نحن
الآن
أمام فرصة للاتفاق، هل نحاول أو نسكت وننسى هدفنا؟ لك القرار لأن موقفي منذ اللحظة الأولى
كان
من أجلكم، من أجل حمايتكم، وحماية الناس الذين لا ذنب لهم، والذين هم الآن قتلى لا يجدون
من
يدفنهم، وجرحى لا يجدون من يعالجهم، وشاردون بين الأنقاض أطفالًا ونساءً يبحثون في يأس
عن
أبسط حق للإنسان وهو حق الأمن على حياته.
وانفعلتَ. لاحظ «السادات» ذلك، فعرض عليك أن تتناول فنجان قهوة وأن
يُعِدَّه لك بنفسه. ودخل «السادات» مطبخ الجناح، وأخرج «محمد داود» المرافق للرئيس والقائم
على خدمته، وأعدَّ القهوة بمفرده ثم قدَّم لك الفنجان، وشربته.
وساد الصمت، ثم دخل «القذافي»، وتوافد الملوك والرؤساء للقاعة في
انتظار الاجتماع. سألتَ عرفات: «هل نذهب؟» وأردفتَ: «هل نذهب لنفضَّ الاجتماع، أو لنواصل
الحديث سعيًا وراء هدفنا؟»
قال الرئيس نميري: على بركة الله نذهب.
وقام الجميع إلى المصعد نازلين إلى قاعة الاجتماعات في الطابَق
الثاني. وكان «عرفات» ممسكًا بيد «هيكل» ومال عليه قائلًا: له الله، كتب عليه أن يحمل
هموم
العرب كلهم، وخطاياهم أيضًا.
ولأن الاجتماع كان مقصورًا على الملوك والرؤساء فقد صعد «هيكل» —
الموجود بصفته وزير الإعلام المصري — إلى الطابَق الحادي عشر حيث يقيم «أنور السادات»
وكان
جالسًا في الشرفة وأمامه جهاز راديو يحاول أن يسمع منه إحدى المحطات، ثم ذهب إلى مكتبه
في
«الأهرام» فوجد مكالمة تليفونية من كبير الياوران يقول إن الرئيس يريده في القاعة فورًا.
فعاد
بسرعة إلى «الهيلتون» وإلى قاعة الاجتماعات.
ولمحتَ «هيكل» فاستدعيته إلى جانبك، وقلتَ له همسًا: تم الاتفاق وهم
يكتبون الآن صيغته النهائية على الآلة الكاتبة لكي نوقع عليها جميعًا.
بعد يوم من العمل المركز، وستة أيام من الاجتماعات المتصلة، توصل
عشرة من الرؤساء (الملك «فيصل»، الملك «حسين»، «جمال عبد الناصر»، «ياسر عرفات»، «الباهي
الأدغم» (تونس)، «سليمان فرنجية» (لبنان)، «أحمد الشامي» (اليمن)) إلى اتفاق بين الأردن
والمقاومة على إنهاء العمليات العسكرية وسحب قوات الجانبين من عمان وعودة الأوضاع في
الشمال
الأردني إلى ما كانت عليه. ووقَّعوا الاتفاق في الساعة التاسعة مساء الخميس. وأثناء التوقيع
كنتَ واقفًا بين الملك «حسين» و«ياسر عرفات» بنظارته السوداء وقميص شمرت أكمامه وعلى
رأسه
الحطة الفلسطينية.
صعدتَ إلى جناحك ووقفتَ في الشرفة المطلة على النيل وحولك «أنور
السادات» و«حسين الشافعي» و«علي صبري» و«هيكل». رحتَ تروي بطريقتك المرحة بعض ما دار
في
الاجتماع. ثم سألتَ فجأة: أين «معمر القذافي»؟
وجاء «محمد أحمد» بعد قليل يقول إن «القذافي» توجَّه من قاعة
الاجتماع إلى المطار ليعود إلى بني غازي مكتفيًا بمصافحة الرئيس عبد
الناصر.
قلتَ على الفور: اتصلوا بالمطار وعطلوا الطائرة حتى أذهب … لا بد أن
أودعه بنفسي … ثم أضفتَ: أظن لم يعد هناك داعٍ الآن لبقائي في الفندق … أوحشني الأولاد
…
لعلِّي أستطيع أن أراهم قبل أن يناموا …
ورافقك «هيكل» حتى المصعد … وسلَّم عليك قبل قفل الباب، ولم يكن
أحدكما يعرف أنها المرة الأخيرة التي تتصافحان فيها.
ذهبتَ إلى المطار وقمتَ بتوديع «معمر القذافي» ثم عدتَ إلى قصر
«القبة». والتقيت مع عائلتك الصغيرة لأول مرة منذ أكثر من أسبوع. وفي الساعة الحادية
عشرة
دخلتَ غرفة نومك، ولحق بك «حكيم» أصغر أبنائك قائلًا: أنا نفسي أتفرج على الفيلم الهندي
«ماسح
الأحذية» في سينما «أوديون» أو فيلم «غروب وشروق» ﻟ «سعاد حسني» في سينما «ديانا». قلت
له: من
عيني.
ثم تناولت سماعة التليفون مخاطبًا معاونك «سامي شرف» وقلتَ له: حنعمل
إيه في «خالد» بالنسبة للتجنيد لما يخلص الكلية السنة دي؟
قال «سامي»: هل في ذهن سيادتك قرار محدد أم ترى أن أتشاور مع الفريق
«فوزي» حول هذا الموضوع؟
قلتَ: أنا شايف إنه يُجنَّد ويلحق بالحرس الجمهوري كفرد عادي تحت
إشراف «الليثي»؛ لأني أخشى لو جُنِّد في أي وحدة أخرى سيكون موضع محاباة ولن يستفيد من
فترة
التجنيد، لكن في الحرس وتحت أنظار «الليثي» وأنت، سيعامل المعاملة العادية كجندي بسيط
دون
مجاملات أو محاباة … ولَّا إيه رأيك؟ على العموم خد رأي «فوزي» و«الليثي». نتكلم بكرة
في
الموضوع … إيه آخر أخبار الجبهة؟
ثم أطفأتَ نور غرفة نومك.
وفي الساعة الثانية عشرة مساء أحضر السفير البريطاني برقية خاصة
بمبادلة المخطوفين السبعة المحتجزين في بريطانيا بالرهائن من ركاب الطائرة المخطوفة إلى
الأردن. وطلب السفير إيصال البرقية إلى الرئيس عبد الناصر في الحال.
اتصل «هيكل» ﺑ «سامي شرف» وزير الدولة وسكرتير الرئيس للمعلومات
وسأله: هل نام الرئيس وهل انطفأ النور في غرفته؟
قال «سامي»: كان يتحدث معي الآن … تستطيع أن تتصل به
بسرعة.
أدار هيكل رقم تليفونك فأجبتَ، وبادر «هيكل» باعتذار لإزعاجك فقلتَ
برِقَّة: «أبدًا … ما زال هناك وقت طويل قبل أن أنام … كنتُ أفكر فيما يحدث وفيما يمكن
أن
يحدث …»
نقل «هيكل» رسالة السفير البريطاني.
سألتَ عن الترتيبات المالية للجنة المراقبة المسافرة إلى الأردن،
وطلبت من «هيكل» أن يتصل ﺑ «سامي شرف» ويطلب منه أن يضع ثلاثين ألف جنيه تحت تصرُّف البعثة،
على أن يساهم الملك «فيصل» وأمير الكويت في المبلغ.
ثم قلتَ: هل تذكر بيتَي الشعر اللذين قلتَهما لي أثناء
الأزمة؟
وردد «هيكل» البيتين:
أمرتُهمُ أمري بمُنعَرَجِ اللِّوى
فلم يَستبينوا الرُّشدَ إلا ضُحى الغدِ
وما أنا إلَّا مِن غَزيَّةَ إنْ غوَت
غَويتُ وإن تَرشُد غَزيَّةُ أَرشُدِ
قلت بنبرة ارتياح: «ألا يجب أن نحمد الله لأنهم «رأوا الرشد الليلة» ولم
ينتظروا عليه إلى ضحى الغد.»
ثم أضفتَ بصوت خفيض: «مَن يعلم ماذا سيأتي به
الغد؟!»
الإثنين ٢٨ سبتمبر
استيقظت قبل الثامنة وحضر الطبيب الخاص. ثم بعد حمام الصباح وحقنة
الأنسولين وإفطار اقتصر على تفاحة واحدة من صندوق تفاح أهداه إليك الوفد اللبناني، ثم
أدوية
الضغط والسكر والقلب ومسكن لآلام الساقين، ثم فنجان قهوة مع قرينتك التي قالت لك قبل
أن تغادر
إلى المطار لأول وداع رسمي: إن الأولاد سيكونون جميعًا على الغداء اليوم.
سألتَها عن أحفادك فقالت: «جمال — ابن «منى» — هنا منذ الصباح
الباكر. جاءت به أمه وهي في طريقها إلى عملها ليراه جده في الصباح كما طلبتَ قبل أن تنام
…
أما «هالة» — ابنة «هدى» — فهي في الطريق.»
قلتَ إنك ستراهم جميعًا على الغداء، وخرجت قبل الساعة التاسعة
بدقيقتين، وسرعان ما كنت في مطار القاهرة. ودَّعتَ الرئيس اللبناني «سليمان فرنجية» في
الساعة
١٠:٤٥ والملك «حسين» في الساعة ١١: ١٥ والملك «فيصل» في الساعة ١١:٤٥ و«نميري» في الساعة
١٢: ١٥، وعُدتَ بعدها إلى البيت.
في الساعة ١٢:٣٠ اتصلتَ تليفونيًّا مع «محمد حسنين هيكل» تسأله عن
آخر التطورات وقلتَ: أشعر بتعب شديد، مش حاسس إني قادر أقف على قدمي.
سألك هيكل: هل رأيت الطبيب؟
قلتَ: كان عندي الدكتور «الصاوي» … وأجرى رسمًا جديدًا للقلب وقال إن
كل شيء كما هو.
قال «هيكل»: وآلام الساق؟
ضحكتَ وقلتَ: حاحط رجلي في ميه سخنة وملح وحاستريح
بعدها.
قال لك «هيكل»: الجهد كان كبيرًا، وما زال الرئيس في حاجة إلى
إجازة.
قلت: بعد شوية حاروح أودع أمير الكويت وأرجع بعدها أنام … عاوز أنام
نوم طويل، يوم أو يومين.
قال «هيكل»: هل من الضروري أن تذهب لوداعه وأنت في هذه
الحال؟
قلتَ: لا بد أن أقوم بالواجب إلى النهاية … وعلى أي حال فهو الوداع
الأخير.
ثم قلتَ: قد لا أتصل بك في المساء لأني سأنام.
قال «هيكل»: تصبح على خير.
ضحكتَ وقلتَ: ليس بعد … فما زلنا في عز النهار.
استرحتَ قليلًا في غرفتك. حاولتَ أن تغفوَ قليلًا فلم تتمكن، لكن صور
الجنود الهائمين في الصحراء تطاردهم الطائرات الإسرائيلية لا تفارقك. تتخللها صور حصار
الفالوجا في ٤٩، والبول الذي اضطُررتم لشربه عندما عزَّ الماء، ويوم زفافك إلى «تحية»
قبلها
بخمس سنوات، وصورة الزفاف التي التقطها المصور «إرمان»، ويوم الفرح الذي أحيته المطربة
«سيدة
حسن» بأغنيتها الشهيرة: «اتمخطري يا حلوة يا زينة … يا وردة من جوه جنينة». وبيت الزوجية
الأول في عمارة شارع «الجلالي» بالعباسية وكيف حملتها بين ذراعيك حتى الدَّور الثالث
على
طريقة الأفلام، ويوم وُلدت «هدى» بعده بعام، وقد أسميتها على اسم «هدى شعراوي» زعيمة
النهضة
النسائية، وبعدها «منى» ثم «خالد» في ٤٩، وخلال ذلك الاجتماعات السرية بأعضاء التنظيم.
وجمع
الأسلحة التي كانت «تحية» تُخفيها في الدواليب قبل أن يتم تهريبها إلى مجموعات الفدائيين
في
القنال، واقتناء السيارة «الأوستن» السوداء التي اشتريتَها بمدخراتك وبمساهمة «تحية»،
ثم حريق
القاهرة، وتوعُّك «عبد الحميد» أصغر أطفالك وقتها الذي لم يتجاوز عمره عدة شهور، ثم ليلة
الانقلاب عندما أوشك على الفشل لولا جرأة الشيوعي المتهور «يوسف صديق»، والأيام الحافلة
التي
تلته ولم تعرف النوم خلالها تقريبًا، والمفاوضات المرهقة مع الإنجليز حتى تحقَّق الجلاء
أخيرًا. وصراعات مجلس «قيادة الثورة» ثم تصرفات الأخوين «سالم»، «صلاح» و«جمال»، المصابَين
بشكل من الاضطراب العصبي يدفع الأول إلى الانهيار التام في لحظة أمام الإنذار البريطاني
أيام
السويس وفي اللحظة التالية يتطوع للقتال في الصفوف الأمامية بالجبهة. ويدفعه أيضًا إلى
أن
يخلع حزامه ويضرب به الكاتب «إسماعيل الحبروك» على ظهره بعد تعريته مما أدى إلى وفاته
من
الحسرة بعد أيام، ورصاصات «الإخوان المسلمين» في ميدان «المنشية» بالإسكندرية التي أفلتَّ
منها بأعجوبة، ومولد «عبد الحكيم» أصغر الأبناء في ٥٥، ثم الأمجاد: باندونج عندما جلست
بجوار
العمالقة «نهرو» و«شوإين لاي» و«تيتو»، وبعدها عندما وقفتَ تردد «ديلسبس … ديلسبس»؛ كلمة
السر
التي أطلقَت عملية السيطرة على مقرات شركة «قناة السويس» وتأميمها، الضربة الصاعقة التي
زلزلَت عواصم العالم ووضعتك في مصاف الزعماء والأبطال، وانهيارك بعدها عندما بدأ العدوان
الثلاثي ورأيتَ بنفسك الدبابات والطائرات التي اشتريتَها بأكثر من مائة مليون جنيه مدمرة
تمامًا. يومها بكيتَ بحرقة ثم استعدت رباطة جأشك وصممتَ على القتال، وعندما رفعَت جماهير
دمشق
سيارتك على الرءوس، ويوم كنتَ في عُرض البحر الأبيض المتوسط بعد انقلاب العراق سنة ٥٨
وسط
دراما مثيرة أروع من أفلام الأكشن التي تحبها … وحلم الدولة العربية الواحدة العملاقة
قد أصبح
على وشك التحقُّق، والمحاولات العديدة لاغتيالك التي نجوت منها بأعجوبة، ويوم زفاف ابنتك
الكبرى «هدى» في ٦٥ وكيف بكيتَ عندما غادرت المنزل مع زوجها، وهو ما لم يحدث مع أختها
«منى»
في العام التالي عندما تزوجَت من «أشرف مروان»، فلم تكن متحمسًا لهذه الزيجة. لم يرُق
لك
الشاب الوسيم الذي أُغرمَت به الفتاة اللاهية لكنها أصرَت على الزواج منه وخضعتَ لها،
في حفل
الزفاف فاجأتك بطلب هدية من الماس. ذكَّرتَها بوضع البلاد فتطوع بعض المدعوين وجمعوا
من بينهم
قيمة العِقد وأحضروه لها، وأثبتَت الأيام سريعًا صدق حدسك بشأن الزوج، فقد تواترت الأنباء
عن
غرامه بالمقامرة وعرفتَ أنه استدان عدة آلاف من الدولارات في نادي قِمار بلندن وأن «سعاد
الصباح» زوجة الأمير الكويتي الشيخ «عبد الله المبارك الصباح» قد سددَت عنه الدين، فثار
غضبك
واستدعيتَ «أشرف» وزوجَته فورًا إلى القاهرة وعنَّفتهما، وطلبتَ من «منى» أن تطلب الطلاق
لكنها رفضَت وألحَّت فخضعتَ. نقطة ضعفك. لكنك حرَّمتَ عليه دخول مكتبك.
تتقلب في الفراش تحاول الاستقرار على جانب مريح، تستعرض تعليقات
التشفي في صحف الغرب والصحف السعودية في بيروت. الجميع يقولون إن عبد الناصر انتهى وإن
إسرائيل تنتظر على التليفون مكالمة من القاهرة تسأل عن شروط الاستسلام.
وخطرت لك فكرة أزعجتك: إن البلد التي تسلم أمرها لرجل واحد مهما كانت
عظمته ومهما حقق من انتصارات مصيرها دائمًا في النهاية إلى الفشل. ومرة أخرى قمت ترتدي
ملابسك
لتتجه إلى المطار. واتصلتَ ﺑ «سامي شرف» تسأل عن الأخبار، فألح عليك أن تريح نفسك فقلتَ:
سأنام بعد أن أعود، سأنام نومًا طويلًا.
وخرجت من غرفتك متوجهًا إلى السُّلَّم وترددتَ لحظة أمام المصعد ثم
ضغطتَ على الزر تطلبه. وكانت أول مرة منذ تركيب المصعد تستعمله للنزول، فقد كنت تستعمله
دائمًا للصعود وعند النزول كنت تفضل السُّلَّم.
غادرتَ البيت في الساعة الثانية والنصف إلى مطار القاهرة. وقبَّلتَ
أمير الكويت وأنت تتصبب عرقًا. وفى الثالثة والربع أحسست بألم في صدرك وأنت إلى جوار
طائرة
أمير الكويت في انتظار تحركها، ثم أحسستَ بالعرق الغزير يتصبب منك بغزارة والتفتَّ بجانبك
وطلبتَ أن تأتيَ سيارتك إلى حيث تقف؛ لأنك تشعر بتعب مفاجئ ولا تستطيع السَّير إليها
كما تفعل
عادة.
دخلت السيارة بسرعة وطلبتَ من «محمد أحمد» أن يستدعيَ الدكتور
«الصاوي» لمقابلتك في البيت الآن. دخلتَ البيت وألقيتَ نظرة على المكتبة التي تعتز بها.
استقللتَ المصعد إلى الطابَق الثاني، وكانت الأسرة كلها في انتظارك. وكانت «هدى» قد أنهَت
عملَها في سكرتاريتك، وهو العمل الذي تشغله منذ سنة. وقفتَ بينهم دقيقة تداعب حفيدَيك
ثم
توجهتَ إلى غرفة نومك وطلبت من قرينتك أن تلحق بك. سألتَها إذا كانت قد تناولَت طعام
الغداء،
فقالت إنها كانت في انتظارك. قلتَ وأنت تخلع ملابسك: مش حاسس إني حاقدر أحط حاجة في
بقي.
ارتديت بيجامة بيضاء مخططة بخطوط زرقاء، واستلقيتَ على فراشك، واتصلت
ﺑ «سامي شرف» مستفسرًا عن آخر المعلومات. وقطع المكالمة دخول «جمال» ابن «منى» طالبًا
كعادته
قطعة لبان أو شوكولاتة. فطلبت من «سامي» أن يبعث إليك بكمية جديدة منهما لأن علبتهما
فرغت.
واستكملتما الحديث الذي قال فيه «سامي» إنه سيبدأ من الآن ترتيبات إعداد القطار ليغادر
محطة
«سراي القبة» في العاشرة من صباح اليوم التالي. وفي هذه اللحظة تلقَّى «سامي» رسالة بأن
عناصر
المقاومة الفلسطينية التي كانت تنوي نسف طائرة الملك «حسين» عند هبوطها في عمان قد ألغت
العملية استجابة لرغبتك. قلتَ له: الحمد لله، إنت عارف يا «سامي» رأيي إن الدم يجيب دم.
وطلبت
منه أن يذهب إلى بيته لتناول طعام الغداء، وأنك ستستريح قليلًا.
وجاء الدكتور «الصاوي». استأذنَت قرينتك في الخروج لأنها كما عودتها
دائمًا لا تقف في الحجرة عندما يكون فيها غيرها، حتى لو كان الطبيب.
قلتَ لها: لا تخافي، أظن أنه نقص في السكر.
قالت: أجيبلك أي حاجة؟
قال الدكتور الصاوي: أي عصير.
ذهبَت تعصر كوب ليمون وكوب برتقال.
خرج الدكتور الصاوي من الغرفة ليتصل بمحمد أحمد ويطلب استدعاء
الدكتور منصور فايز والدكتور زكي الرملي. ويعود إلى الغرفة بينما دخلَت قرينتك حاملةً
كوب
عصير ليمون وكوب عصير برتقال.
قالت: هذا برتقال محفوظ وليمون طازج.
اخترت البرتقال وشربت وأنت تقول: متشكر.
خطر بذهنك كيف قمتَ وأنت تلميذ بتمثيل دور «يوليوس قيصر» على مسرح
«بريتانيا» في الإسكندرية يوم ١٩ يناير ١٩٣٥، وكيف انتهت حياته على يد أقرب الناس إليه،
وعندما ردَّد الجملة الخالدة: «حتى أنت يا بروتوس؟» … هل ستكون نهايتك
مماثلة؟
عادت اللحظات الرائعة تتداعى: ٨٠ ألف جندي إنجليزي يرحلون أخيرًا من
مصر بعد احتلال ٧٠ سنة، لحظة «ديليسبس» … «ديليسبس»، تدشين السد العالي؛ أعظم بناء من
نوعه في
القرن باعتراف الأمم المتحدة، ومؤشر على قرب تحقيق حلمك ببلد تنتشر به المصانع والجامعات
والجماهير السعيدة، وجه «عبد الحكيم عامر» بملامحه الرقيقة وابتسامته الودودة، «فهيمة
حماد»،
أصوات الهُتاف الحماسي باسمك. كم سنة؟ ٢٠ سنة من نضال لا يهدأ ومعارك مستمرة يمينًا ويسارًا،
هل آن لك أن تستريح؟
كان التشخيص الفوري للطبيب أن هناك جلطة في الشريان الأمامي للقلب
وهي أمر خطير لأن الجلطة السابقة في سبتمبر العام الماضي أثرت في الشريان
الخلفي.
ووصل الدكتور «منصور فايز» ثم لحِقَ به الدكتور
«الرملي».
كان التشخيص واحدًا والإسعافات التي بدأها الدكتور «الصاوي» مستمرة
وأنت منتبه لما يجري حولك.
وحوالي الساعة الخامسة بدأ النبض ينتظم وضربات القلب تعود إلى ما هو
طبيعي. وفي الساعة الخامسة إلا خمس دقائق قال لك الدكتور «منصور فايز» إنك في حاجة إلى
إجازة
طويلة.
قلتَ: كنتُ أريد الذَّهاب إلى الجبهة أولًا … هل أستطيع أن أذهب وأرى
أولادنا قبل الإجازة؟
قال الدكتور «منصور فايز»: سيكون ذلك صعبًا. قال الدكتور «منصور
فايز»: سيكون ذلك صعبًا. لا يجب أن يسبق الإجازة أيُّ نشاط آخر.
مددت يدك إلى جهاز الراديو بجانبك وفتحته لتعرف أخبار الساعة الخامسة
من إذاعة القاهرة.
وبينما اللحن المميز لنشرة الأخبار ينساب، أراد الدكتور «منصور فايز»
أن يدخن سيجارة فخرج إلى غرفة المكتب، ثم إلى البهو المؤدي إلى غرفة الجلوس، ووجد قرينتك
أمامه ويداها تعصران وجهها من القلق.
قال لها باسمًا: إنه بخير والحمد لله.
سألَته بلهفة: صحيح؟
قال: يمكنك أن تدخلي وتريه بنفسك.
قالت: أخشى إن دخلت أن يتضايق؛ فلم يتعود أن أدخل في وجود أطباء، قد
يتصور أن هناك شيئًا غير عادي.
ثم تغير كل شيء.
في غرفة النوم استمعتَ إلى موجز الأخبار ثم قلتَ: لم أجِد الخبر الذي
كنتُ أتوقع سماعه.
قال الدكتور «الصاوي»: ألا تستريح سيادتك؟! لقد فتحتَ جهاز الراديو
ثم قفلتَه، لا داعي لأي مجهود الآن.
عدتَ تتمدد في فراشك قائلًا: لا يا «صاوي»، الحمد لله، دلوقت أنا
استريحت.
أغمضتَ عينيك، ونزلت يدك من فوق صدرك لتستقر إلى جوارك، واسترخت
ملامح وجهك.
جرى الدكتور «الصاوي» في هلع ينادي الدكتور «منصور فايز». والتفَّ كل
الأطباء حول الفراش. وفي هذه الأثناء وصل «هيكل» إلى البيت فالتقى قرينة الرئيس وهي تضغط
بيد
على خدها واليد الأخرى تمسك برأسها، عبر غرفة المكتب بسرعة إلى غرفة النوم والفراش الذي
رقدَت
فوقه وحوْله الأطباء يقومون بالتدليك الصناعي للقلب في صمت غريب. وفي الغرفة أيضًا «سامي
شرف»
و«شعراوي جمعة» و«محمد أحمد». وتكررت تجربة الصدمة الكهربائية فيختلج الجسد ثم
يهدأ.
ووفد «علي صبري» ووقف مبهوتًا وتبعه «حسين الشافعي» الذي استدار إلى
القبلة يصلي. وجاء «أنور السادات» ووقف أمام الفراش رافعًا وجهه إلى السماء يتمتم بآياتٍ
من
القرآن. ودخل الفريق أول «محمد فوزي» مذهولًا. وقال أحد الأطباء: كل شيء انتهى. فقال
«فوزي»
في حدَّة: لا، لا يمكن، واصلوا عملكم. وانفجر الدكتور «منصور فايز» باكيًا وتبعه بقية
الأطباء.
في السادسة والربع تمامًا تَبدَّد كل أمل. وفي الساعة السابعة ابتعد
الأطباء عن الفراش وهم يبكون. وأحسَّت قرينتك بما يجري فاندفعت إلى غرفة النوم تمسك بيدك
وتُقبِّلها، وتبعتها ابنتك «هدى» وشقيقتها ثم «خالد» و«عبد الحكيم»، ولم يكن «عبد الحميد»
موجودًا لأنه في الكلية البحرية.
وتجمع الذين خرجوا من غرفة النوم في غرفة المكتب الملاصقة لها، ودعا
«أنور السادات» إلى اجتماع في صالون البيت.
٢٩ سبتمبر
انهد الركن الذي كانت الأمة العربية تلوذ به.
مظاهرات باكية في بيروت ودمشق وعمان وطرابلس والأرض المحتلة وبقية العواصم
العربية.
انتحارات ونساء يقطعن الشعور ويلطمن الخدود.
نيكسون يُلغي مناورة الأسطول السادس ويعلن من فوق حاملة الطائرات الأمريكية «ساراتوجا»
قرب الشاطئ الإيطالي: العالم فقد زعيمًا بارزًا (وكأنه يقول: «المهمة أُنجزت»).
دايان يصدر أمره للقوات المعدة للتدخل الإسرائيلي الأمريكي بالتفرق.
الجماهير تبيت حول قصر «القبة».
خرجت مصر كلها إلى الشارع. ارتدت النساء ملابس الحِداد، وقلب
الشبَّان جاكتاتهم تعبيرًا عن الحزن والأسى، وسار الكثيرون بصدورٍ عارية يرددون: بلادي
بلادي
… لكِ حبي وفؤادي … سارت الملايين بلا هدف وهي تحمل صورك، واكتظت الشوارع المؤدية إلى
بيتك،
الأتوبيسات اتجهت بركابها إلى هناك، وصعِد البعض فوق أسطحها، وحملت السيارات الخاصة وسيارات
الأجرة أقصى حمولتها من الركاب متجهة إلى «مصر الجديدة». وزحفت ورديات المصانع المسائية
من كل
ضواحي العاصمة. تعالى الصراخ في دُور السينما، واندفعت الألوف منها ذاهلة. ولم ينقطع
تدفُّق
الجماهير إلى «منشية البكري» حتى منتصف الليل عندما انتشر بينهم أنك ترقد في قصر «القبة»
فتحركت كتلهم إلى هناك. خرج مرضى مستشفى «منشية البكري» من عنابرهم واتجهوا إلى بيتك.
سيارات
الإسعاف تنقُل عشرات المصابين بحالات الإغماء. حتى الواحدة صباحًا بلغ عدد الذين نُقلوا
إلى
مستشفيات القاهرة وحدها حوالي ٢٥٠ شخصًا. في «السيدة زينب» تشنَّجت إحدى السيدات وماتت
بالسكتة القلبية، وفي «العباسية» لم يجد شابٌّ مكانًا في الأوتوبيس فصعد فوق سطحه وهو
يلطم
خديه واختلَّ توازنه فسقط تحته. وعند منتصف الليل كانت الجماهير الزاحفة من المناطق القريبة
من القاهرة قد وصلت، بينما كانت محطات القطارات في كل مدينة تزدحم بالمتدافعين. وطَوال
الليل
ظلَّت الجموع في مكانها حول قصر «القبة» تهتف: في ذمة الله يا حبيب الله … وداعًا يا
جمال …
يا حبيب الملايين …
***
خذلتَ نفسك وخذلتَنا، ثم ذهبتَ، وذهبَت معك مُقدَّرات الأمة وآمالها
… إلى حين!