إهداء الكتاب
إلى خزانة حضرة صاحب الجلالة فؤاد الأول ملك مصر المعظم
تلقيت علوم الشريعة الإسلامية عن أساتيذَ لهم غوص في أسرار التشريع، فعرفتُ أن في كل حلقة من سلسلة حياة محمد ﷺ معجزة، فإن أساليب دعوته وحكمة شريعته لا تربطها بالأمية إلا يد فوق يد الطبيعة البشرية.
رأيت وأنا بتونس أن القيام بحق الإسلام يستدعي مجالًا واسعًا، وسماءً صافية، فهاجرت منها والعيش رغيد، والأمة في إقبال، والإخوان في مصافاة، وأنزلت رحلي بدمشق الشام، فمدت لنا الأيام من الأمل طرفًا، فإذا رحى الحرب العامة تدور، وحامل رايتها ينجد ويغور.
وبعد أن وضعت الحرب أوزارها، وأخذت البلاد العربية والتركية هيئة غير هيئتها، هبطتُ مصر فلقيت على ضفاف وادي النيل علمًا زاخرًا، وأدبًا جمًّا، فلم ألبث قليلًا حتى شهدت من حضرة صاحب الجلالة ملك مصر المعظم غيرة على دين الحق، وعناية برفع شأن المعاهد العلمية الإسلامية، فقلت: إن في هذه الغيرة والعناية لحمايةً للدين الحنيف من نزعة ترمي حوله بشرر الكيد والأذى.
تلك المزية التي أصبح بها صاحب الجلالة واسطة عقد ملوك الأمم الشرقية قد أخذت في نفسي مأخذ الإكبار والإجلال، ودعتني إلى أن أقدم إلى خزانته الملكية مؤلفًا قمت فيه ببعض حقوق إسلامية وعلمية؛ وهو: «نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم»، ورجائي أن يتفضل عليه بالقبول، والله يحرس ملكه المجيد، ويثبِّت دولته على دعائمِ العز والتأييد.