الأدب العربي في ما عليه
أمَّا مطاعن الأدب العربي إجمالًا فقد دعاني سياقُ الحديث باللمحة التاريخية في السطور السابقة إلى ذِكْرِ بعضها، وهي: التكلُّف، والإفراط في السجع والجناس، والتغزُّل بالغلمان، وعليَّ الآن أنْ أذكر بقيتها مع تقديم أمثلة عليها جميعًا. فمن تلك المطاعن أيضًا: الغلوُّ، أي: الإفراط في المبالغة، وطول المقدمات والاستطرادات، ونظم قواعد العلوم شعرًا، والإقذاع في الهجاء، والبذاءة في التعبير خارج باب الهجاء، والإفراط في المدح، وتصدير قصائد المدح، والتهنئة بالغزل، والنسيب، والتشبيب، وتحويل الخصومة الأدبية أو المناظرة الأدبية إلى عداوة صريحة، فمن التكلف ما جاء على منوال قول القائل:
الرحضاء هو عَرَق المحموم، خاطب الشاعر ممدوحه قائلًا: إنَّ السحاب لم تحك كرمك حين هطولها، بل أصابها الحسد لتقصيرها عنه، فأمرضها وأصابتْها الحُمَّى، وما الماء الذي تسح به إلَّا عرق الحمى! فتأمل هذا التكلف البارد، وهذا الإغراب المضحك، فالبيت يدل على دقة تفكير، وفساد ذوق معًا، ومن هذا القبيل قولُ إبراهيم بن سهل الإشبيلي في وصف جمال محبوبه:
وأعيد هنا بشأن هذين البيتين ما قلته في بحث أدبي لي قديم، قلت: إنَّ كل هذا العناء بتمثيل صراط يوم الدين في وعد مخلوق آدمي، واشتمال ثيابه على جنة الفردوس تحتها، وغصة النجوم حين تراه لِحسدها إياه، وموت غصون البان غمًّا حين ترى اعتدال قوامه لا يفعل شيئًا في نفس الأديب الناضج؛ لظهور الكلفة عليه، واستصعاب الذهن أنْ يستحضر صورته الحسية. هذا مع أنَّ ناظم البيتين اشتهر بالرقة والسلاسة، ولكن سبحان من جعل لكل قاعدة شذوذًا.
والإفراطُ في السجع أوضحُ وأَشْيَعُ من أنْ يحتاج إلى تمثيل؛ إذ لم يكد ينجو منه كاتبٌ كبيرٌ أو صغير من أدباء المولدين. ولا شك أنَّ كثيرين منهم أجادوه، فجاءوا به راسخًا في موضعه غير متزعزع، وإحكامهم له على هذه الصورة خَفَّفَ سآمةَ القارئ منه ولكنه لم يُزِلْها؛ لأن القطعة الطويلة من الكلام إذا سُجعت جُمَلُها كلها أَحَسَّ لها السامع ببعض الثِّقَل، ووَدَّ لو تستريح أُذُنه من قسم فيها إلى شيءٍ من الكلام المرسل هذا، ولو جاء سجعها حسنًا فصيحًا. وأمَّا إذا كان ركيكًا فهناك البلاء الذي لا يُطاق، إذا كان من نمط مخاطبة ذلك السيد لخادمه: «من بالباب أيها المهاب …»
إنَّ السجع الطيب في أدبنا العربي كثيرٌ، وأكثرُ منه السجع المتوسط الحسن، وللسجع القبيح زوايا غير قليلة. فمن السجع الطيب ما جاء في أثناء فصل للوزير المهلبي أبي محمد الحسن وزير معز الدولة بن بويه في العراق قال: قد ترامت — بفلان — البلدان والأسفار، ونبت عنه الأوطان والأوطار، وضاقت به الأعطان والأقطار — إلى أنْ يقول: تركت قلبه طافحًا بوجده، ودمعه سافحًا على خده، قد أمرته أنْ يجعل رأيك سراجه، ورسمك منهاجه — ثم يقول: لست غفلًا عن الدهر فتنكر نوائبه، ولا مطيقًا له فتدفع مصائبه، قد تناسخت الأيام قواه، وشذبت الحوادث هواه.
فهذا الكلام المسجع بصورة رشيقة أنيقة؛ مقبولٌ مستحسن، ولكن على شرط أنْ يكون قاصرًا لا يزيد على المثال الذي أوردتُه هنا، فإذا بلغ أضعافه حجمًا كما هي فصول المهلبي وغير المهلبي من كبار المسجعين كالصابئ، وابن العميد، والصاحب، والحريري، والهمذاني، وأمثالهم؛ أتعب الأذن والذهن، ووجد القارئ المتوسط الفهم كثيرًا من فقره جاءت حشوًا أو لغوًا، أو ساقها السجع أنْ تكون مرادفاتٍ لِمَا قبلها بحيث يستغنى عنها. وهذه الزيادة تناقض البلاغة، ويسميها البلغاء إسهابًا، وطالما عهدنا الزيادات في أُمور كثيرة انقلبتْ إلى نقائص.
وقد أُولع المولدون بالسجع إلى حدٍّ صاروا معه يَعُدُّون غياب السجع دليلَ عجز وتقصير، ولو في تسمية كتاب، أو فصل من كتاب، أو قصيدة، أو خطاب، أو نبذة قصيرة.
وهذا الاصطلاحُ في التسمية لا يزال أكثرُنا يجري عليه في العصر الحاضر، مع أنَّ التخلص من أَسْرِهِ أجدرُ بنا وأَدَلُّ على قوة التمييز فينا. ومن ثمَّ بتنا نرى من أسماء الكتب: طِيب العرف في علم الصرف – عقود الجمان في المعاني والبيان – ضوء المشرق في علم المنطق – قطف الزهور في تاريخ الدهور … إلخ … إلخ.
ومما سمعت به أنَّ رجلًا من أبناء عصرنا — وقد انتقل إلى رحمة ربه — كان يعد نفسه من المطلعين على اللغة العربية وعلومها، حتى همَّ بتأليف كتابٍ في النحو، فهاتوا حدسكم في التسمية المسجعة التي اختارها له، سماه: «الكتاب الملتقَط في علم النحو فقط»، ونحن نجيز التسمية المسجعة بمثلها قائلين: «الدهر لم يرتكب الغلط، بإخفاء كتاب على هذا النمط.»
وأدعى إلى الغرابة مما ذكر أنَّ رجلًا أراد أنْ يُؤبِّن صديقًا له اسمه فليمن، وكان المؤبن ضعيفًا حتى في محادثة اعتيادية، فضلًا عن الخطابة، وكل ما يعلمه أنَّ التقفية شرط واجب أداؤه على كل خطيب وكاتب، فقام في الحشد وقال: «أيها السادة، وا أسفاه! مات الكريم الفاضل صديقنا فليمن … نعم نعم مات حبيب قلوبنا فليمن … أبجد هوز حطي كلمن.» ثم نزل عن المنبر، وقد أصاب وأظهر خفة روح بسرعة هربه، فلو صبر إلى فقرة ثالثة في تأبينه البليغ لهرب المنبر منه. ويقال — والعهدة على من سمع وروى — إنَّ الخطيب لَمَّا عاد إلى مجلسه بين القوم سأله أحدُهم: ما بالك اختصرت التأبين كل هذا الاختصار؟ فأجابه: خير الكلام ما قلَّ ودلَّ، ولم يمل.
وأدهى من هذا أنَّ رجلًا من أدعياء الأدب كان يتمدح ويقول: إنه سريع الخاطر في كل قافية أرادها أو أُريدت منه، ولو كانت صعبة مستعصية، فقال له بعض خِلَّانه ذات يوم: هات لنا شيئًا من القوافي على حرف الثاء، ففكر هنيهة، ثم قال: «لم أزل على فعل الخير حثاثًا، وناقتي ترعى من البيداء فيصومًا وجثجاثًا.» ثم ارتج عليه فتوقف فتضاحكوا، وقالوا: أثلث، فقال: «وأم عمرو طالق ثلاثًا» يريد بأم عمرو امرأته. فطلقت منه، وأقبل أهله وأهلها يلومونه ويقولون له: ويحك ما ذنبها إليك وكانت ساعة طلقتها تخدم بيتك وتنظفه، وتعد طعامًا لك ولأولادك، فأجابهم: بل الذنب ذنبها لا ذنبي، فلماذا استهدفت للخطر ووقفت في وجه قافيتي.
وأمَّا تزاحم الجناس والتكلُّف فيه فهو أيضًا كثيرٌ في آثارنا الأدبية، فليس من الحسن أنْ يقال مثلًا:
وفي البيت تقديم وتأخير في غير مواضعهما مما جعله معقدًا وعرًا، كل ذلك إكرامًا لخاطر المجانسة بين أَمَا لك — أي: أليس لك — وأمالك من الفعل أَمَالَ. وبين صد وصد بمعنى عطشان، وبين ظلم بالفتح — أي: ريق — وظلم. وحل البيت نثرًا على وجه صحيح يكون هكذا: أما لك ميل عن صد صب ظلمته وهو صد إلى ظلمك — أي: متعطش لريقك.
وأزيدكم علمًا أنَّ البيت لرجل عظيم من أشعر شعرائنا، وأقدرهم في صناعة الكلام، وحسن سبكه، وأعجبهم توفيقًا في أنواع البديع، لا سيما الجناس والطباق أريد به عمر بن الفارض، ولكن إفراطه في هذه الأنواع قد يُلجئه إلى ما نذكره. هذا شأنه في إفراطه، فما القول فيمن دونه من الأدباء إذا استرسلوا إلى مثل هذه الزخارف اللفظية، وأين موقع الجناس في البيت المذكور من حسن موقعه في الأبيات التالية للفارض نفسه في قصيدته التائية الكبرى، المسماة نظم السلوك؟ قال أحسن الله إليه وإلينا بأنفاسه:
إلى أنْ يقول:
ومنها قوله:
ومن النكات المروية بشأن الجناس أنَّ أميرًا كان شديد الولوع به، ففكر ذات يوم أنه يمكن إيراد جناس تام بين قم فعل أمر من قام، وقم اسم بلدة في مملكته، وما عتم أنْ عزل قاضيًا كاتبًا إليه: «أيها القاضي بقم، قد عزلناك فقم.» فقال القاضي: والله ما عزلني إلَّا محبة الأمير للتجنيس والقافية. فتأملوا تكلفًا خبيثًا في القول يعزل قاضيًا فاضلًا من منصبه، ويطلِّق امرأة بريئة من بعلها.
ومن دواعي الدهشة والاستغراب أنَّ هذه التزويقات اللفظية التي ليس تحتها طائل كبير استهوتْ كثيرين من جبابرة العقول بين أدباء العرب، وقادتْهم إلى ميدانها، وفي جملتهم شاعرُ الفلاسفة وفيلسوف الشعراء أبو العلاء المعري؛ فإن تقيده بنوع الالتزام في القوافي لا يخرج عن كونه نوعًا من تلك الأنواع اللفظية. وقد بنى عليه معظم شعره، فوصل إلينا ديوانه «اللزوميات» مسمًّى بهذا النوع، ولو لم يتقيد به لَأراح نفسه من عناء كبير، ولَجاء تعبيره أرسخَ، وأسلسَ قيادًا في مواضع كثيرة. ولَمَا خسر الأدبُ العربي بهذا الانعتاق شيئًا من الفائدة واللذة.
وأمَّا التغزل بالغلمان فمن أمثلته قول الشريف البياضي:
وقول كمال الدين بن النبيه:
ولكن كثيرين من القوم خالفوا هذا المذهب مفضلين الجمال الأُنثوي، حتى قال قائلهم:
وقريب من هذا ما رُوي من أنَّ أحد الخلفاء، وقيل: هو المأمون العباسي غضب على إحدى حظاياه فانتهرها وطردها من حضرته، فذهبت إلى حجرتها مغتمة منكسرة الخاطر، ثم رأى سيدها أنَّ عقوبتها كانت أشد مما تستحق، فأرسل إليها من قِبَلِهِ غلامًا يجبر خاطرها، ويبشرها برضى الخليفة عنها، وأبطأ الغلام بالعودة إلى سيده، فلما عاد قال له سيده:
ومما فيه إشارة إلى المذهب الأول مذهب أصحاب الغزل المذكر قول أحدهم، وفي عجز البيت الثاني تورية لطيفة:
وأصرح من ذلك قول بدر الدين بن الدماميني:
وفوقه في الصراحة وسوء الاندفاع قول الآخر:
وقد رد على هذا الاندفاع من قال:
وأمَّا الإفراط في المدح فمن أمثلته قول المتنبي:
ولكن صيغة القول عن طريق الاشتراط والافتراض خفَّفت قبح هذا الغلو، فهو خير من قول متنبي الغرب ابن هاني الأندلسي:
والغلو أكبر عيوب هذا الشاعر المقتدر، ولولاه لبلغ في الأدب مرتبة أجمل وأعلى.
وأمَّا البذاءة في التعبير فمرجعها في معظم مواقعها إلى ما لا خير فيه من ذكر متعلقات الفسق والفجور ولوازمهما، ومما جاء في هذه المزالق على صورة خفيفة ولكن تركها، كان خيرًا وأشرف قول المتنبي:
فإن قافية البيت هجنته كله، مع أنَّ معناه حسن شريف لو اختير له أُسلوب شريف، وأشنع من ذلك تعبيرًا قول الأبيوردي:
العنة هي العجز في الوظيفة التناسلية، والتعنيس عدم التزويج، والافتراع افتضاض البكارة.
وعلى هذا المنوال قال في الخمرة ومجلسها غيرُه، وأظنه صفي الدين الحلي — إذا لم تَخُنِّي الذاكرة:
أراد تشويقًا إلى ذلك المجلس وإغراء به، ولكنه لَمَّا ذكر الوقاع وهو الفعل الشنيع، ثم شفعه بمنديل العذرة أقرف السامع أيما إقراف، وزهَّده أيما تزهيد، وأبعد ميله عن تلك المباءة الموبوءة وأهلها ألف فرسخ، لكيلا يمس كأسهم وطاسهم، ويمس منديل العذرة شفتيه.
ومن تعابيرهم البعيدة عن اللياقة والاحتشام قولهم: كانت فلانة تحت فلان — أي: زوجًا له — وقد كان للقوم عذر، أو شبه عذر في هذا التعبير وأمثاله؛ لقرب عهدهم من عهد الجاهلية، وقرب بيئتهم من بيئة البدو، وأمَّا نحن أبناء العصر الحاضر فلا عذر لنا، ولا رائحة عذر فيما ذكر.
ومن تلك المطاعن الإقذاع في الهجاء — أي: الإفراط في قبح اللفظ — مع أنَّ الهجاء بتهكم أدبي أوقع وأوجع، قال الجاهلي:
الطاعم الكاسي — أي: الآكل المكتسي — وكان الأخطل في تمدُّحه يقول: ما هجوت أحدًا قط بما تستحي منه العذراء أنْ تسمعه أو تنشده، وهي في خدرها. ومن الهجاء المؤلم مع تنزهه عن فحش اللفظ قول بعضهم:
وقول الآخر:
وقول غيره وقد أراد المرور في أثناء سفره بمنزل صديق له في إحدى المدن، فلما شعر الصديق بقدومه تغيب عن منزله عمدًا، واعتذر الخدم إلى الضيف بما حضرهم من كلام ملفَّق، فانتظره عبثًا نحو ساعة، ثم انصرف بعد ما ترك له رقعة فيها هذان البيتان:
وأمَّا الهجاء المقذع الذي لا يخرج عن كونه شتمًا صريحًا، فمنه قول القائل:
وقال بهاء الدين زهير:
كأنه نظر إلى قول من قال قبله هاجيًا بني باهلة:
وما أبلغ ذلك العواء الذي هو تمامًا بمقام احتجاج عند أهل السياسة، وسحب بروتستو عند التجار.
وقال بهاء الدين أيضًا:
وقال آخر:
وأمَّا ما وراء هذه المنزلة من التقبيح في الهجاء، فالأولى ترك أمثلته عادلين عنه إلى الهجاء الأدبي اللطيف في أذن سامعه، وإنْ لم تستلطفه أذن المهجو، ومنه قول الشيخ ناصيف اليازجي في بخيل:
وقلت أنا في رجل جافي الطبع والقول:
وأمَّا تصدير قصائد المدح بالغزل والنسيب والتشبيب، فأمر في منتهى القبح والغرابة، إذ أي علاقة لغرامك يا فلان، أو شوقك إلى وطنك، أو تأسفك على إطلال أحبابك بما تريده من مدح فلان أو تهنئته، وإنما هي عادة درج عليها بدو الجاهلية لإظهار ما تحملوه وضحوا به في سبيل الوصول إلى الممدوح؛ وذلك لأجل هز أريحيته، أو إظهار ولوعهم به، وحسن ظنهم فيه، وهذا العذر ليس بالعذر الكافي لهم في اتخاذ تلك العادة المستهجَنة، ولكن على كل حال يسمى عذرًا، فإذا أضفنا إليه عدم استقصاء ابن البادية لشروط التأدُّب والاحتشام مصداقًا لقول أبي تمام:
مع تعوُّد البدوي إطلاق لسانه بما يكنه جنانه من فراق أهل وأحباء وشوق إليهم، إذا أضفنا ذلك إلى العذر السابق لم نستنكر على الأعراب اتخاذ تلك العادة، ولكن ما عذر الحضري فيها، ولا سيما ابن القرن العشرين، وربما كان هو والممدوح في بلدة واحدة، بل في شارع واحد، فما معنى مشقة السفر التي عاناها، والأشواق التي قاساها، والمطية التي أضنتْه وأضناها، وقد نبهت على قبح هذه العادة وأنا في القاهرة منذ أكثر من ثلاثين سنة، حين انتقدتها على ثلاثة من كبار الشعراء هناك استعملوها في معارضات شعرية بينهم لحادثٍ معين.
وأمَّا نظم الأراجيز في قواعد وأحكام بعض العلوم، كالصرف، والنحو، والبيان، والمنطق، وبعض حوادث التاريخ، فوجه التعسف والتكلف فيه أوضح من أنْ يحتاج إلى بيان. والحمد لله على تخلص نهضتنا من هذه العادة، كما تخلصت من غيرها.
وأمَّا طول المقدمات في كتابات كثير من أدباء العرب، فهو داخل في أنواع التكلف أيضًا مما تقدم ذكره، ومثلها الاستطرادات إذا كثرت وطالت، وهو أمر يدعو إلى إتعاب الذهن والذاكرة في وصل كل مطلب بأخيه، بعد ما تكون تلك الاستطرادات قد فصلت بينهما، ومن الاستطرادات التي شوهت محاسن ما اكتنفها، ما ورد منها في كتاب «كليلة ودمنة» فلولا طولها وكثرتها هناك، وتداخل الأغراض بعضها في بعض بسببها، لجاء الكتاب تام الحسن والبهاء.
وأمَّا الخصومة والمنافسة فحقها ألَّا تتعدى دائرتها، فلا تتحول إلى عداوة ومناكدة ومكايدة، وجعل الأبيض أسود، والأسود أبيض مما نراه وقع، ولا يزال يقع في كثير من الخصومات الأدبية بين أدباء العرب، ومنها نقائض جرير والأخطل، وجرير والفرزدق، وما كان أجدر هؤلاء القوم أنْ يتأدبوا بأدب سلفهم الصالح مما أجمله بكلمة مأثورة حضرة الخليفة عمر بن الخطاب، حيث قال: «إني لأغضب ولا أقول إلَّا حقًّا، وإني لأرضى ولا أقول إلَّا حقًّا.»