منظمة الشبح!
كان الاجتماع عاجلًا للشياطين اﻟ «١٣» …
وكان قاصرًا على الشياطين الخمسة … «أحمد»، و«عثمان»، و«قيس»، و«إلهام»، و«زبيدة» …
كانت وجوه الشياطين الخمسة غاضبةً مقطبة … وقد حملَت إليهم الجرائدُ وأخبار التليفزيون آخرَ أنباء السفارات المتفجرة …
وقالَت «إلهام» في غضب شديد: إنَّني لا أستطيع أن أتخيَّلَ وجودَ إنسانٍ يمتلك قلبًا بلا رحمة، لكي ينسفَ إحدى سفاراتنا، ويقتلَ ويصيبَ العشرات من الأبرياء ممن يتواجدون بداخلها. في نفس اللحظة قال «عثمان»: إنَّها حربٌ منظَّمةٌ بلا شك تُديرها رءوس جهنمية تكره كلَّ ما هو عربي.
قال «أحمد»: لا شك أنَّ استدعاء رقم «صفر» لنا بسبب هذه الانفجارات.
قال «قيس»: أرجو هذا … لكي أضعَ يدي على المسئول عن هذا العمل الشائن وأُعاقبه.
قالت «إلهام»: وأنا أيضًا لن تأخذَني أيَّةُ شفقة بالمجرم المسئول عن هذا العمل الشائن …
وسادَت لحظةُ صمت عند دخول رقم «صفر» للمكان … وشاهده الشياطين في مكانه المظلم وهو يقول: مرحبًا بكم!
صمت لحظة، ثم أضاف في صوت يحمل رنة حزن: إنَّكم ولا شك قد عرفتم السبب الذي استدعيتُكم على عجل من أجله.
قال «عثمان»: إنَّها حرب نسف سفاراتنا في كل بقاع العالم.
قال رقم «صفر»: هذا صحيح تمامًا … وأضاف في حزن: إنَّها حرب جهنمية لا تخضع لأي مقاييس أو شرائع … وقد سقط فيها ضحايا عديدون … برغم كلِّ احتياطاتنا الأمنية؛ فقد كان هؤلاء المجرمون يتفنَّنون في القيام بعملهم الفظيع … ففي المرة الأولى استقل المجرم سيارةً فاخرة لتُبعدَ الشبهاتِ عنه … وفي المرة الثانية، سيارة نقل خضروات … والمرة الثالثة، كانت سيارة إصلاح التليفونات … وأضاف في نبرةِ ألمٍ: أمَّا المرة الرابعة فكانت سيارة إسعاف!
صاحَت «زبيدة» في ذهول: هل كانت هناك مرة رابعة؟
قال رقم «صفر»: للأسف هذا هو ما حدث منذ دقائق … فقد أُصيب أحدُ العاملين بإحدى سفارتنا في «أوغندا» بحالةِ تسمم غذائية … فاضطر العاملون لاستدعاء سيارة إسعاف لنقله إلى المستشفى … وبعد وصول السيارة بلحظات قليلة اختفى سائقها … وانفجرَت السيارة بنفس الطريقة لتنسف السفارة بمن فيها …
هتف «عثمان»: هذا مذهل … إنَّ هؤلاء الوحوش يُثبتون أنَّهم يطوِّرون أساليبهم، فهم هذه المرة تمكَّنوا من إرسال طعام فاسد داخل السفارة لكي يُصابَ مَن يتناوله بتسمم غذائي فتُستدعى له سيارة إسعاف يكون من السهل عليها الاقتراب من السفارة برغم كلِّ احتياطات الأمن، لتنفجر بحمولتها من المتفجرات.
رقم «صفر»: هذا ما حدث بالضبط يا «عثمان» … وأنت على حقٍّ في قولك إنَّ هؤلاء الإرهابيِّين يطورون في أساليبهم … وهم في كل مرة يُرسلون شخصًا في عملياتهم الإرهابية، وبرغم كلِّ احتياطات الأمن التي اتخذناها منذ بداية سلسلة الإرهاب هذه، فقد تمكَّنوا من اختراقها والقيام بعملهم اللاأخلاقي …
قال «أحمد»: هناك ملحوظة هامة … وهي أنَّ عمليات التفجير شملَت حتى الآن سفاراتنا في أربع قارات من العالم … كأنَّ هؤلاء الإرهابيِّين يريدون أن يقولوا لنا إنَّ باستطاعتهم إرهابنا في كل القارات.
قال رقم «صفر»: إنَّها ملحوظة جيدة يا «أحمد» … ومن الواضح أنَّ هذه هي رسالة الإرهابيين، والشيء المؤكد أنَّه بعد أن ارتكب هؤلاء المجرمون أعمالَهم البشعة في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية فمن المؤكد أنَّ عمليتهم القادمة ستكون في أوروبا …
قالت «إلهام»: أو أستراليا.
قال رقم «صفر»: أنا أرجِّح أن تكون في أوروبا … فلدينا بعضُ المعلومات السرية التي تقول إنَّ الضربة التالية … ستكون في باريس بالذات … في المكان الذي يتخذه الإرهابيون مقرًّا لهم.
قالت «زبيدة»: هذا مدهش … ولماذا لم يقوموا بضربتهم الأولى في مكان إقامتهم بباريس؟
قال رقم «صفر»: لأنَّ هذا كان سيلفت الأنظار إليهم ويكثف البحث عنهم في باريس، أما وقد ارتكبوا عملياتِهم الأولى في ثلاث قارات، فإنَّ هذا سيُشتت البحث عنهم ولن يلفت الأنظار إلى أنَّهم يقيمون في مكان ضربتهم الخامسة … في باريس …
قيس: يا لَهم من أشرار!
عثمان: ولكن ما هو هدفُ الإرهابيِّين من هذا العمل؟
رقم «صفر»: إنَّه نوع من الحرب الخفية ضد كلِّ ما هو عربي في العالم، ونشر حالة من الفزع والفوضى في سفارتنا بالخارج لتعطيل أعمالها وإغلاقها إن أمكن. وبالتأكيد فقد نجح هؤلاء الإرهابيون في جزء من مخططهم بنشر حالة من القلق والخوف لدى العاملين في سفارتنا بالخارج … برغم مضاعفة احتياطات الأمن حولها.
قطب «أحمد» حاجبَيه متسائلًا: ولكن كيف أمكنكم تحديدُ مكان الضربة التالية؟
قال رقم «صفر»: إنَّ لهذا قصة غريبة؛ ففي سفارتنا ﺑ «بيروت»، كان المفترض أن تزورها شخصية هامة قبل تفجيرها بقليل؛ ولذلك كان أحد الأشخاص يقوم بتصوير مدخل السفارة من الداخل بواسطة كاميرا فيديو … وبالطبع بعد تفجير السفارة قمنا برفع الركام والبقايا فعثرنا على تلك الكاميرا سليمة لم تُمسَّ، فكان بداخلها الفيلم الذي قام بتصويره ذلك المصور، فوجدناه قد قام بتصوير السيارة الفاخرة التي كانت تحمل المتفجرات، وكذلك سائقها، دون أن يدري هذا السائق أنَّ هناك كاميرا تقوم بتصويره …
ضغط رقم «صفر» على زرٍّ بجواره قائلًا: سأُريكم ما قامت الكاميرا بتصويره.
وظهرَت على الشاشة لحظة وصول السيارة الفاخرة إلى السفارة حتى وقوع الانفجار …
ظهرَت صورةُ سائق السيارة مكبرة عدة مرات …
وتأمَّله الشياطين في صمتٍ … كانت ملامحُه أوروبيةً، بوجهٍ عريضٍ، وشاربٍ كثٍّ، وندبة واضحة فوق حاجبه الأيسر …
ضاقَت عينَا «عثمان»، وقال: إنَّ هذا المجرم هو «مالكوم لوبين» الإرهابي الدولي المعروف والهارب من العدالة … برغم أنَّه قام بتغيير ملامحه بإضافة هذا الشارب الكبير …
قال رقم «صفر»: هذا صحيح تمامًا يا «عثمان» … والمؤكد أنَّ «مالكوم لوبين» قام بعمليتَين إرهابيتَين ضد سفاراتنا وأنَّ آخرين قاموا بالعمليتَين الأخريَين …
قالت «إلهام»: إنَّ هذا يقطع بوجود منظمة إرهابية خلف هذا العمل الإرهابي.
رقم «صفر»: هذا مؤكد … فآخر المعلومات التي وصلَتنا تُفيد بأنَّ أحدَ مصادرنا السرية في «باريس» استطاع أن يعرف أنَّ منظمة سرية إرهابية جديدة أُنشئَت هذا العام، وأُطلق عليها اسم «الشبح»، وأنَّها أُنشئَت خصوصًا لمحاربة المصالح والتواجد العربي في كل مكان في العالم، وأنَّها بدأت أعمالها بنسف السفارات العربية في كل مكان … وأنَّها لأجل ذلك ضمَّت إليها عددًا من كبار الإرهابيِّين ليعملوا في خدمتها بمبالغ ضخمة جدًّا.
قالت «زبيدة»: ولكن من المؤكد وجود أعداء آخرين يهمُّهم القيام بهذا العمل؛ فأيَّة منظمة إرهابية لن تستفيد من محاربة المصالح العربية في العالم.
قال رقم «صفر»: هذا صحيح … وقد أوشك مصدرُنا السري أن يَصِل إلى اسم الجهة الخفية التي موَّلَت منظمة «الشبح» بالمال للقيام بهذا العمل … لولا أنَّه عُثر عليه قتيلًا في شقته ﺑ «باريس» قبل اهتدائه إلى هذا السر …
إلهام: الملاعين … لقد تمكنوا من الوصول في اللحظة الأخيرة.
رقم «صفر»: هذا صحيح للأسف … فقد كانت المعلومات الأولى التي بعث بها لنا هذا المصدر السري تُفيد أنَّ العملية التالية لمنظمة «الشبح» ستكون ضد إحدى سفاراتنا في «باريس» ولكنه لم يتمكن من معرفةِ أيِّ بلد عربي تتبع له هذه السفارة، وقد قُتل قبل أن يكتشف الاسم؛ ولهذا أصدرنا أوامرنا بتشديد الحراسة حول كلِّ السفارات العربية في «باريس».
قال «أحمد»: هذا مؤكد … فقد حانت لحظة الهجوم بكل تأكيد … ونحن لن نسمح لهؤلاء المجرمين أن يمارسوا إرهابهم ضدنا أكثر من ذلك …
قال رقم «صفر»: وكل ما أرجوه أن تتمكنوا من الوصول إلى الخيوط المؤدية لأفراد هذه المنظمة قبل القيام بعمليتهم، وأن تقوموا بكشفهم للعدالة وتقديمهم أمام سلطات التحقيق الفرنسية …
قالت «إلهام» غاضبة: إنَّهم لا يستحقون غير معاملتهم بالمثل. قنبلة تنفجر فيهم.
رقم «صفر»: لا يا «إلهام» … نحن لن نقوم بممارسة القتل والإرهاب ضد أعدائنا، وإلا لتحولنا إلى صورة مكررة منهم …
قيس: ومن أين سنبدأ في «باريس» يا سيدي؟
رقم «صفر»: ستكون نقطة البداية من مطعم في باريس شهير في حي «الشانزليزيه»، واسمه «الوردة الحمراء» … فقد ثبت لنا أنَّ بعضَ الإرهابيِّين يتواجدون بصفة دائمة في هذا المطعم وأنَّهم هناك يلتقون بقائد تنظيم «الشبح» المجهول لنا حتى الآن …
تساءلَت «إلهام» في دهشة: إذا كان معروفًا لنا مكانُ التقاء هؤلاء الإرهابيين في قلب باريس، فلماذا لم نَقُم بإبلاغ الشرطة الفرنسية ونُخطرها بأمرهم لتقوم بالقبض عليهم؟
قال رقم «صفر»: إنَّنا لم نفعل ذلك لعدة أسباب، أولها هو أنَّ هؤلاء الإرهابيين بارعون في التخلص من أيِّ اتهام ضدهم؛ فهم لا يتركون أيَّ دليل خلفهم، كما أنَّهم دائمًا يستعينون بأعظم المحامين الذين يحصلون لهم على أحكام البراءة … وثانيًا لأنَّ السلطات الفرنسية ربما لا تتعاون معنا تعاونًا كاملًا … بل نحن نظن أنَّ بعض هؤلاء الإرهابيين ربما كانت لديهم مصادرهم السرية التي تتعاون معهم داخل نطاق السلطات الفرنسية … وهذا يعني أنَّهم سيتلقَّون تحذيرًا في الوقت المناسب يدفعهم للهرب … ولهذا أفضِّل أنَّ نقوم بهذه المهمة بأنفسنا …
ترامق الشياطين في صمت … كان رقم «صفر» على حق … وتساءل بعد لحظة: هل هناك أيَّة أسئلة؟
عثمان: سؤال وحيد … من أين سنحصل على الأسلحة التي سنواجه بها هؤلاء الإرهابيين في باريس …
أجاب رقم «صفر» في صوت عميق: ليس مسموحًا لكم بالحصول على أيَّة أسلحة … وإلا اتهمنا البعض بأنَّنا نقوم بتهريب الأسلحة والإرهاب أيضًا … وعليكم أن تواجهوا هؤلاء المجرمين بسلاح العقل وحده …
ترامق الشياطين الخمسة النظرَ في صمت … وقد أحسُّوا أنَّ رقم «صفر» يُضيف عليهم عبئًا جديدًا … ولكن «أحمد» قال في صوتٍ مليء بالقوة: لسوف نُواجههم ولو بأظافرنا … وسنعرف كيف نلقِّن هؤلاء الملاعين درسًا بالغًا … فإنَّ ما سُكب من دم الأبرياء لن يضيع هدرًا …