مطعم الوردة الحمراء!
باريس … مدينة النور والجمال … عاصمة الموضة والرشاقة … ونهر «السين» وبرج «إيفل» … مدينة الأمطار والشمس الساطعة صيفًا حتى التاسعة مساءً في نفس الوقت … استقبلَت باريس الشياطين الخمسة بمطر غزير … وقرص الشمس لا يزال معلَّقًا في قلب السماء كأنَّه مرسوم في لوحة باردة …
قالت «إلهام» لسائق التاكسي بالفرنسية: خذنا إلى «الشانزليزيه».
وبعد قليل ظهر أمام عيونهم بداية الشارع المتلألئ بالأنوار والحياة … قلب باريس في «الشانزليزيه»، واستطاعَت عيونُ الشياطين أنَّ تميِّز مطعم «الوردة الحمراء» بسهولة … كان مطعمًا كبيرًا فاخرًا يقدِّم أنواعًا خاصة من المشويات الغربية.
قالت «زبيدة» للسائق: سنهبط هنا.
وبعد أن غادروا السيارة قال «عثمان»: فلندخل هذا المطعم … فإنَّني جائع.
وتألَّقَت عيناه بوميض خاص أدرك بقيةُ الشياطين سرَّه …
كان «عثمان» جائعًا إلى شيء آخر غير الطعام … وأدهشهم المطعم الراقي من الداخل … وكان أنيقًا تنبعث منه موسيقى هادئة … لا يشغل موائدَه غيرُ قلة من الزوار …
وهمس «أحمد»: من العجيب أنَّ هذا المطعم الفاخر لا يرتاده غير القليلين.
قالت «إلهام»: لعل الناس تعرف حقيقته.
وأقبل الجرسون وهو يستقبلهم بنظرة باردة. فأملاه «قيس» طلباتِهم. وعاد الجرسون بعد قليل وهو يحمل أصنافَ اللحوم المشوية، التي تناولها الشياطين في صمت.
عاد الجرسون ليحمل الأطباق الفارغة وهو لا يزال يرمق الشياطين بنظرته الباردة، وبلغةِ العيون تساءلَت «زبيدة» مع الباقين: هل تظنون أنَّ هذا الجرسون يشك فينا؟
أجابها «أحمد» بنفس اللغة: ربما … لغتنا العربية واضحة وكذلك ملامحنا.
زبيدة: لو كان ذلك صحيحًا لكان معناه أنَّ هذا المطعم بأكمله تابعٌ لمنظمة «الشبح».
أشار «أحمد» للجميع فنهضوا وغادروا المطعم … وفي الخارج قال لهم: سنبحث عن فندق قريب يمكننا من خلاله مراقبة الحركة في هذا المطعم والداخلين إليه والخارجين منه.
أشارَت «إلهام» إلى فندقٍ قريب مواجهٍ للمطعم، وقالت: ما رأيكم؟
وخلال دقائق كان الشياطين قد استأجروا جناحَين كبيرَين يُطلَّان على المطعم الفاخر …
قال «عثمان»: سوف نقوم بتقسيم مراقبة مدخل المطعم ومراقبة روَّاده.
وأخرج «أحمد» من جيبه جهاز استقبال صغير قائلًا: وعندما يدخل أحد المشبوهين المطعم فسوف يُفيد هذا الجهاز في استقبال الحديث الذي يدور بداخله …
تساءلَت «إلهام» في دهشة: وكيف ذلك يا «أحمد»؟
أجاب «أحمد» ضاحكًا: لو تنبهتم إلى تحرُّكاتي داخل المطعم للاحظتم أنَّني أخفيتُ تحت المائدة جهازَ إرسال لاسلكي صغير يمكنه أن ينقلَ أيَّ حديث إلى مسافة بضعة كيلومترات، ولأن رواد المطعم قليلون؛ لذلك لن تكون اختلاط الأصوات مشكلة بالنسبة لنا.
قيس: رائع … والآن فلنبدأ عملنا.
وانقسم الشياطين إلى فريقين، «إلهام» و«زبيدة» أقامَا في جناح، وصوَّبَا بنظَّاراتهما المكبرة إلى مطعم «الوردة الحمراء»، و«قيس» و«عثمان» فعلَا نفس الشيء في الجناح الثاني، على حين انهمك «أحمد» في ضبط جهاز الاستقبال لديه.
وهتفَت «زبيدة» بعد قليل، ها هو «مالكوم لوبين» يدخل المطعم.
أسرع «أحمد» إلى النافذة، فشاهد الإرهابي الشهير وهو يخطو داخل المطعم … وبعد قليل تَبِعه شخصٌ آخر كانت ملامحه تؤكد بأنَّه يمارس نفس المهنة.
وساد الصمتُ لحظات قبل أن يأتيَ صوت الاثنين واضحًا من خلال جهاز الاستقبال اللاسلكي.
وسمع الشياطين الإرهابيَّين يتحدثان، فقال «مالكوم»: إنَّ كل شيء يسير حسب الخطة المرسومة، وسوف تُنفَّذ عمليتنا هذا المساء.
تبادل الشياطين النظرات. وقال الشخص الثاني: إنَّني لا أدري سرَّ التأخير الذي حدث في هذه العملية.
أجابه «مالكوم»: لقد أمر الزعيم بذلك ولا يمكننا أن نخالفَه … ولكن هذه المرة سيكون العمل رائعًا والخطة أكثر من جهنمية.
وصمت لحظة ثم هتف: ها قد جاء الزعيم.
تبادل الشياطين النظرات المندهشة؛ فلم يكن أحد قد دخل إلى المطعم خلال ذلك الوقت، وبعد لحظة جاء صوت الزعيم يقول: كيف حالكما؟
أجابه «مالكوم»: نحن في خير حال … وكل شيء يسير حسب الخطة الموضوعة.
تساءل الزعيم: وأنت يا «مكس»؟
وضح للشياطين أنَّ الشخص الآخر يُدعى «ماكس» الذي أجاب: إنَّني أخشى أن تكون هذه العملية مراقبة يا سيدي.
ضحك الزعيم في خشونة قائلًا: وماذا في ذلك؟! … إنَّهم حتى لو كانوا يقومون بمراقبتنا فلن يستطيعوا أن يُمسكوا علينا شيئًا … ولا حتى أن يقوموا بمنع هذه العملية!
مالكوم: ولكن ذلك الجاسوس الذي اكتشفنا حقيقتَه داخل المنظمة، والذي وشَى ببعضِ أسرارنا قبل أن نقتلَه، ألَا يمكن أن يكون قد تسبَّب في كشف بعض هذه الأسرار للآخرين؟
الزعيم: لا تخشيَا شيئًا؛ فقد وضعتُ كلَّ الترتيبات هذه المرة … وبعد هذه العملية التي سنقوم بها الليلة سوف نتوقف بعضَ الوقت قبل أن نقوم بضربتنا القادمة.
مالكوم: وأصدقاؤنا … هل أرسلوا لنا المبلغ المطلوب؟
ضحك الزعيم في سرور قائلًا: نعم … فما دمنا نقوم بتحقيق أهدافهم دون أن يظهروا هم في الصورة، فسوف يدفعون ما اتفقنا عليه وأكثر.
تبادل الشياطين نظرةً غاضبة … وبعد لحظة قال «ماكس»: إنَّني متشوقٌ لكي أرى ردَّ الفعل الذي سيحدث للمصريين بعد أن نقوم بنسفِ سفارتهم في «باريس» هذه الليلة.
وأطلق الإرهابيُّ ضحكةً عالية مقهقهًا … على حين لمعَت عيون الشياطين في سعادة. وهتفَت «إلهام»: يا لَها من ضربة حظ رائعة … فقد تمكنَّا من معرفة مكان ضربة هؤلاء المجرمين القادمة.
أشار «أحمد» للجميع أن يصمتوا … ولكن جهاز الاستقبال لم يحمل غير عبارة «مالكوم» وهو يقول: سوف نتقابل هنا بعد أن نقوم بعمليتنا.
شاهد الشياطين «مالكوم» و«ماكس» يغادران المطعم، وقال «عثمان» ﻟ «أحمد»: هل نقوم بمراقبة هذين المجرمين؟
ردَّ «أحمد»: لن يُفيدَ ذلك في شيء، وقد يكشف لهؤلاء الأوغاد أنَّ هناك مَن يراقبهما … والأفضل لنا أن نُسرع إلى السفارة المصرية لنقوم بتحذير مَن فيها من العملية الإرهابية التي ستحدث الليلة.
إلهام: ولكن ذلك الزعيم … من أين أتى إلى المطعم وكيف غادره؟
أجابَتها «زبيدة»: لعل هناك بابًا سريًّا يستخدمه في الدخول أو الخروج.
اندفع الشياطين يغادرون الفندق على عجل … واستقلوا سيارة تاكسي حملَتهم إلى مبنى السفارة المصرية يطلبون مقابلة السفير.
وهناك استقبلهم أحدُ المسئولين في دهشة، وقال لهم: إنَّ السفير في القاهرة في إجازته السنوية المعتادة … فهل هناك ما يمكن أن أقدِّمَه لكم؟
تبادل الشياطين النظرات؛ فلم يكن هناك وقتٌ لإضاعته … وقال «أحمد»: لقد تلقينا معلومات على أعلى درجة من السرية بشأن عملية إرهابية سيقوم بها بعضُ الإرهابيين الليلة ضد مبنى السفارة … وانطلق «أحمد» يحكي للمسئول المعلوماتِ التي توصلوا إليها، فقال المسئول في قلق: إنَّنا في هذه الحالة في حاجة للإبلاغ عن هذه العملية للشرطة الفرنسية لتأمين مبنى السفارة.
أحمد: لا أظن أنَّ هذا هو أفضل الحلول؛ لأنَّ الشرطة الفرنسية قد تطرح بعض الأسئلة التي لن نستطيع الإجابة عنها بشأن شخصياتنا وحقيقة عملنا.
تساءل المسئول: وماذا تقترحون؟
أجابَته «إلهام»: سنقوم نحن بتأمين مبنى السفارة.
قال المسئول في قلق: لكن … كيف؟!
أجابه «أحمد» في ثقة: لا تخشَ شيئًا … فهذا هو صميم عملنا، ومهما كانت براعة هؤلاء الإرهابيين فلن يتمكنوا من خداعنا أو الاقتراب من مكان مبنى السفارة.
المسئول: حسنًا … كما تشاءون … ولكنكم ستتحملون المسئولية في حالةِ حدوثِ أيِّ خطر للسفارة أو العاملين بها.
تساءلت «إلهام»: هل توجد لديكم أيَّة أسلحة هنا؟
أجابها المسئول: لا ليست هناك غير الأسلحة الشخصية لحرَّاس السفارة.
أحمد: نحن لن نكون بحاجة إلى أيِّ نوع من الأسلحة … ويمكننا أن نستعير أسلحة الحراس إذا ما احتجنا إليها.
أسرع الشياطين إلى خارج مبنى السفارة في الحي الهادئ … وقد أوشكَت الشمس على الغروب ثم جاء الليل وأُضيئَت أنوار السفارة، التي غادرها أغلبُ العاملين فيها ولم يبقَ غير القليل من الموظفين وأفراد الحراسة …
أشارت عقارب الساعة إلى الحادية عشرة مساءً، فتساءل «عثمان» في دهشة: لماذا تأخرت سيارة الإرهابيين كل هذا الوقت؟
إلهام: مَن يدري … قد يجيئون في أيَّة لحظة.
زبيدة: ولكن من العجيب أنَّهم اختاروا الليل لعمليتهم هذه المرة، وهم يعرفون أنَّ في المساء يكون أغلب موظفي السفارة قد غادروا.
قيس: لا أحدَ يدري السرَّ في ذلك!
وفجأةً صاحَت «إلهام»: انظروا … إنَّ النار تندلع من إحدى غرف السفارة.
فالتفتَ الشياطين في دهشة … وشاهدوا النار وقد أمسكَت بشدة بستائر إحدى الغرف، واندلعَت ألسنتُها عالية تُهدِّد بأن تمتدَّ إلى بقية مبنى السفارة …
فتبادل الشياطين النظراتِ في دهشة بالغة، وقد وضح لهم أنَّ الإرهابيِّين قد غيَّروا من طريقتهم هذه المرة …