منذ الصلب حتى حلول الروح القدس
وأسلم السيد الروح معلقًا على الصليب يوم الجمعة، فيما يعادل في حسابنا السابع
من نيسان من السنة ٣٠ بعد الميلاد،
١ وأنزل يوسف الذي من الرامة جسد السيد، ولفَّه في كتان ووضعه في قبر منحوت
لم يكن قد وُضِع فيه أحد، وكان قد أخذ السبت يلوح، وكانت النساء اللواتي أتين مع
السيد من الجليل يتبعن، فأبصرن القبر وكيف وُضِع فيه جسده، فرجعن وأعددن حنوطًا
وأطيابًا، وفي أول الأسبوع باكرًا جدًّا أتين إلى القبر يحملن الحنوط، فوجدن الحجر
مدحرجًا، فدخلن فلم يجدن جسد الرب، فإذا برجلين بلباس برَّاق يقولان لهن إنه ليس
ها هنا لكنه قد قام، اذكرن كيف كلَّمكنَّ وهو في الجليل إذ قال: ينبغي لابن البشر أن
يُسلم إلى أيدي أناس خطأة، ويُصلَب ويقوم في اليوم الثالث. فذكرن كلامه ورجعن من
القبر، وأخبرن الأحد عشر وجميع الباقين، وهؤلاء اللواتي أخبرن الرسل هنَّ: مريم
المجدلية، وحنة، ومريم أم يعقوب، وأُخَر معهن، فقام بطرس وأسرع إلى القبر، وتطلع
فرأى الأكفان موضوعةً على حدة، فانصرف متعجِّبًا، وكان اثنان في ذلك اليوم سائرين إلى
عمواس، وكانَا يتحادثان في هذا كله، فدنا السيد منهما وسار معهما واشترك في حديثهما،
فقال: يا قليلَي الفهم وبطيئَيِ الإيمان، أما كان ينبغي للمسيح أن يتألَّم، ثم يدخل إلى
مجده.
فلما اقتربوا من القرية دخل يسوع ليمكث معهما، ولما اتكأ أخذ خبزًا وبارَكَ
وكسر وناولهما، فانفتحت أعينهما وعرفاه فغاب عنهما، فقامَا في تلك الساعة ورجعَا إلى
أوروشليم، فوجدَا الأحد عشر والذين معهم مجتمعين، وهم يقولون: لقد قام الرب وتراءى
لسمعان. فأخذَا يخبران بما حدث، وبينما هم يتحدثون وقف يسوع في وسطهم، وقال: السلام
لكم أنا هو لا تخافوا. وقال: ينبغي للمسيح أن يتألم، وأن يقوم في اليوم الثالث من
بين الأموات، وأن يكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا في جميع الأمم ابتداءً من
أوروشليم، وأنا أرسل إليكم موعد أبي، فامكثوا أنتم في المدينة إلى أن تلبسوا قوة من
العلاء. ثم خرج بهم إلى بيت عنيا، ورفع يدَيْه وباركهم، وفيما هو يباركهم انفرد عنهم
وصعد إلى السماء، فسجدوا له ورجعوا إلى أوروشليم بفرح عظيم، وكانوا كل حين في
الهيكل يسبحون الله ويباركونه.
٢
يوم العنصرة
والعنصرة كلمة عبرانية معناها اجتماع أو محفل، وعيد العنصرة عند اليهود هو عيد
الشكر، وعيد تذكار قبولهم الشريعة في طور سينا على يد موسى.
٣ وعيد العنصرة عند النصارى هو عيد تذكار حلول الروح القدس على التلاميذ،
وهو بعد عيد الفصح بخمسين يومًا؛ ولذا يُسمَّى باليونانية بنتيكوستي
Pentekoste.
وعاد الرسل إلى أوروشليم، وواظبوا على الصلاة بِنَفْسٍ واحدة مع النساء ومريم أم
يسوع ومع إخوته، وكان عدد «الإخوة» جميعًا نحو مائة وعشرين، فطلب إليهم بطرس أن
ينتخبوا من الرجال الذين رافقوا يسوع منذ معمودية يوحنا، رجلًا يحل محل يهوذا الذي
علَّق نفسه فانشنق، فقدموا اثنين: يوسف البار المسمَّى برسابا، ومتيا؛ وصلوا وقالوا:
أيها الرب العارف قلوب الجميع، أظهِرْ أي هذين اخترتَ لكي يُستخلَف في الخدمة والرسالة
التي سقط عنها يهوذا، ثم ألقوا القرعة فوقعت على متيا، فأُحصِي مع الرسل الأحد عشر.
٤
ولما حلَّ يوم الخمسين بعد القيامة كانوا كلهم معًا في مكان واحد، فحدث بغتةً صوت
من السماء كصوت ريح شديدة، وملأ كل البيت الذي كانوا جالسين فيه، وظهرت ألسنة
منقسمة كأنها من نار، فاستقرت على كل واحد منهم، فامتلئوا كلهم من الروح القدس،
وطفقوا يتكلمون بلغات أخرى؛ وكان في أوروشليم رجال من اليهود أتقياء من كل أمة تحت
السماء من البرتيين، والماديين، والعيلاميين، وسكان ما بين النهرين، واليهودية،
وقبدوقية، والبونط، وآسية، وفريجية، وبمفيلية، ومصر، وليبية، والغرباء من رومة، واليهود
الدخلاء، والكريتيين، والعرب؛ وكانوا كلهم مندهشين متحيرين، يقول بعضهم: ما عسى أن
يكون هذا؟ ويقول آخَرون مستهزئين: إنهم قد امتلئوا سُلافة. فقال بطرس إلى اليهود:
فَلْيعلم يقينًا جميعُ آل إسرائيل أن الله جعل يسوع هذا الذي صلبتموه ربًّا ومسيحًا.
وقال إلى الإخوة: فيسوع هذا قد أقامه الله ونحن كلنا شهود، وإذا كان قد ارتفع بيمين
الله، وأخذ من الآب الموعد بالروح القدس أفاض هذا الروح الذي تنظرون وتسمعون. فلما
سمع اليهود نخسوا في قلوبهم، وقالوا لبطرس ولسائر الرسل: ماذا نصنع أيها الرجال
الإخوة؟ فقال لهم بطرس: توبوا وَلْيعتمد كلُّ واحد منكم باسم يسوع المسيح لمغفرة
الخطايا، فتنالوا موهبة الروح القدس. فالذين قبلوا كلامه اعتمدوا، فانضمَّ في ذلك
اليوم نحو ثلاثة آلاف نفس، وكانوا مواظبين على تعاليم الرسل والشركة في كسر الخبز
والصلوات.
أم الكنائس
وكان جميع المؤمنين معًا، كان كل شيء مشتركًا بينهم، وكانوا يبيعون أملاكهم
وأمتعتهم، ويوزعونها على الجميع على حسب حاجة كل واحد، وكانوا يلازمون الهيكل كل
يوم بنفس واحدة، ويكسرون الخبز في البيوت، ويتناولون الطعام بابتهاج ونقاوة قلب،
مسبحين الله ونائلين حظوة لدى جميع الشعب، وكان الرب كلَّ يومٍ يضمُّ الذين يخلصون إلى
الكنيسة.
٥
ثم صعد بطرس ويوحنا إلى الهيكل معًا لصلاة الساعة التاسعة، وكان رجل أعرج من بطن
أمه يُحمل، وكان يُوضَع كلَّ يوم عند باب الهيكل ليسأل صدقةً، فلما رأى بطرس ويوحنا
سألهما صدقة، فتفرَّسَ فيه بطرس مع يوحنا، وقال: ليس لي فضة ولا ذهب، ولكني أعطيك ما
عندي باسم يسوع المسيح الناصري، قُمْ وامشِ. وأمسكه بيده وأنهضه، فوثب وقام وطفق يمشي
ودخل معهما إلى الهيكل وهو يمشي ويسبِّح، فتبادر إليهم الشعب وهم منذهلون، فوعظ
بطرس قائلًا: ما بالكم متعجبين من هذا؟ ولماذا تتفرسون فينا كأننا بقوتنا وتقوانا
جعلنا هذا يمشي؟ إن إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب قد مجَّد فتاه يسوع الذي أسلمتموه
أنتم وأنكرتموه، وقد حكم هو بإطلاقه.
٦ وإن كثيرين من الذين سمعوا آمنوا، فصار عددُ الرجال خمسة آلاف.
وفي الغد اجتمع في أوروشليم رؤساء اليهود والشيوخ والكَتَبة وحنَّان رئيس الكهنة
وجميع الذين كانوا من عشيرة رؤساء الكهنة، وكانوا قد أمروا بحبس بطرس ويوحنا، فلما
اكتمل الجمع أقاموا بطرس ويوحنا في الوسط، وسألوهما: بأي قوة صنعتما هذا؟ فأجاب
بطرس: باسم يسوع المسيح الناصري، الذي أقامه الله من بين الأموات بذاك وقف هذا
أمامكم متعافيًا. فلما رأوا جُرأة بطرس ويوحنا، ونظروا الرجل الذي شُفِيَ واقفًا
معهما، لم يكن لهم شيء يقولونه، فتهددوهما ألَّا يكلِّمَا أحدًا من الناس بهذا الاسم،
فأجاب بطرس ويوحنا، وقالا لهم: احكموا أنتم ما العدل أمام الله؛ أن نسمع لكم أم نسمع
لله؟ فإنا لا نقدر ألَّا نتكلَّم بما عايَنَّا وسمعنا. فهددوهما وصرفوهما، فصلَّى
المؤمنون أن يهبهم الله أن ينادوا بكلمته بكل جرأة، وباع يوسف اللاوي القبرصي الأصل —
الذي لقبه الرسل برنابا، الذي تفسيره: ابن العزاء — حقله وأتى بثمنه وألقاه عند
أقدام الرسل.
٧ وكان المؤمنون بالرب يأخذون في الازدياد جماعات من الرجال والنساء،
وجرت على أيدي الرسل آيات وعجائب كثيرة.
٨
وامتلأ رئيس الكهنة ومَن معه غيرة، وألقوا أيديهم على الرسل وجعلوهم في الحبس،
ففتح ملاك الرب أبوابَ السجن وأخرجهم، وقال: «كلِّموا الشعب بجميع كلمات تلك الحياة.»
فلما كان الفجر ذهب الرسل إلى الهيكل وطفقوا يعلِّمون، ثم التأم محفل اليهود وأنفذوا
إلى السجن ليحضروا الرسل، فجاء رجال الشرطة ولم يجدوهم، فعادوا وأخبروا أن السجن
مقفل، وأنهم لم يجدوا أحدًا في الداخل؛ فتحيَّرَ أعضاء المحفل، ثم علموا أن الرسل في
الهيكل يعلِّمون الشعب، فانطلق الوالي مع الشرطة وأحضر الرسل، فسألهم رئيس الكهنة: قد
أمرناكم أمرًا ألَّا تعلِّموا بهذا الاسم. فأجاب بطرس والرسل: إن الله أحق من الناس بأن
يُطَاعَ! فتشاور الأعضاء في قتلهم، فنهض أحدهم غملائيل وأمر بأن يخرج الرسل
قليلًا، ثم قال: اعدلوا عن هؤلاء الرجال واتركوهم؛ لأنه إن كان هذا الرأي من الناس
فسوف ينتقض، وإن كان من الله فلا تستطيعون نقضه. فارتضوا برأيه ودعوا الرسل
وجلدوهم، وأمروهم ألَّا يتكلموا باسم يسوع ثم أطلقوهم، فخرج الرسل فَرِحين بأنهم
حسبوا مستأهلين أن يهانوا لأجل اسم يسوع، وعادوا إلى التعليم والتبشير في الهيكل
وفي البيوت.
٩
بداية التنظيم
ولما تكاثر التلاميذ حدث تذمُّرٌ من اليونانيين على العبرانيين بأن أراملهم كنَّ
يهملن في الخدمة اليومية، فدعا الاثنا عشر جمهورَ التلاميذ وقالوا: لا يحسن أن نترك
كلمة الله ونخدم الموائد؛ فاختاروا أيها الإخوة سبعة رجال منكم يُشهَد لهم
بالفضل، قد ملأهم الروح والحكمة، فنقيمهم على هذه الحاجة، ونحن نواظب على الصلاة
وخدمة الكلمة، فاختار الجمهور إسطفانوس وفيليبوس وبروكوروس ونيقانوروس وطيمون
وبرمناس ونيقولاوس دخيلًا أنطاكيًّا، وأقاموهم أمامَ الرسل فصلُّوا ووضعوا عليهم الأيدي،
١٠ وهؤلاء هم الشمامسة، وهنالك إشارات في مواضع أخرى من هذا السِّفر نفسه؛
أيْ سِفْر الأعمال، إلى اﻟ
Presbyteroi.
١١ وهؤلاء هم الشيوخ المقدمون أعوان الرسل في الخدمة الروحية؛ وهكذا فتكون
أم الكنائس قد انتظمت منذ أوائل عهدها برسل يقودون، وشيوخ يدبِّرون، وشمامسة يخدمون،
وتلامذة وإخوة مؤمنين، وكان أنفذ الرسل كلمةً بطرسُ ويعقوبُ أخو الرب.
اللدة ويافة وقيصرية
وسارت الكنيسة في سلام في اليهودية والجليل والسامرة،
١٦ وكان بطرس يطوف في جميع الأطراف، فنزل إلى لدة فأبرأ إينياس، فرجع جميع
الساكنين في لدة وشارون إلى الرب، وزار يافة فجثَا على ركبتيه وصلى، ثم التفت إلى
جثة طابيثة، وقال: قومي. ففتحت عينيها وقامت؛ فذاع الخبر في يافة فآمَن كثيرون
بالرب، وبقي مقيمًا في يافة أيامًا كثيرة عند سمعان الدباغ.
١٧ وكان في قيصرية عاصمة فلسطين قائد مائة اسمه كرنيليوس، وكان كرنيليوس
تقيًّا يخشى الله هو وجميع أهل بيته، فرأى في رؤيا ملاك الله داخلًا عليه، وقائلًا:
أرسل رجالًا إلى يافة، واستحضر سمعان الملقب بطرس، فهذا يقول لك ماذا ينبغي أن
تعمل. فجاءه بطرس وقال: «قد علمتم أنه حرام على رجل يهودي أن يخالط أجنبيًّا أو
يدنو إليه، أما أنا فقد أراني الله ألا أقول عن أحد أنه بخس أو دنس، فالله لا يحابي
الوجوه، ولكن في كل أمة من أتقاه وعمل البر، فإنه يكون مقبولًا عنده، وأنتم قد
علمتم كيف مسح الله بالروح القدس وبالقوة يسوع الناصري، وكيف قتله اليهود معلقين
إياه على خشبة. هذا أقامه الله في اليوم الثالث، وأعطاه أن يظهر علانيةً لا للشعب
كله، ولكن لشهود اصطفاهم الله من قبل، أي لنا نحن الذين أكلنا وشربنا معه بعد
قيامته، وقد أوصانا أن نكرز للشعب، ونشهد بأنه هو الذي عينه الله ديانًا للأحياء
والأموات، وكل مَن يؤمن به ينال مغفرة الخطايا.» وفيما كان يتكلم حل الروح القدس على
جميع الذين سمعوا الكلمة، ثم أمر بطرس أن يعتمدوا باسم الرب.
١٨
وسمع الرسل والإخوة الذين في اليهودية أن الأمم أيضًا قد قبلوا كلمة الله، فلما
صعد بطرس إلى أوروشليم خاصمه الذين من أهل الختان قائلين: إنك دخلت عند رجال قُلف
وأكلت معهم. فشرح لهم بطرس ما جرى، وقال: بعد حلول الروح القدس على هؤلاء القلف
تذكرتُ كلام الرب حيث قال: إن يوحنا عمَّد بالماء، وأما أنتم فستعمدون بالروح
القدس. فإن كان الله قد أعطاهم نظير الموهبة التي أعطانا نحن، فمَن أنا حتى أستطيع
أن أمنع الله؟ فلما سمعوا ذلك سكتوا ومجدوا الله.
١٩
أم المؤمنين
وكانت مريم أم يسوع قد نالت نعمة عند الله، فحلَّ الروح القدس عليها وظللتها قوة
العلي، فذهبت إلى مدينة يهوذا، ودخلت إلى بيت زكريا وسلمت على اليصابات؛ فعندما
سمعت اليصابات سلامها ارتكض الجنين في بطنها وامتلأت من الروح القدس، فصاحت مباركة:
أنتِ في النساء ومباركة ثمرة بطنك. من أين لي هذا أن تأتي أم ربي إليَّ. فقالت
مريم: تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي، فها منذ الآن تطوبني جميع الأجيال؛
لأن القدير صنع بي عظائم واسمه قدوس ورحمته إلى أجيال وأجيال للذين يتقونه.
٢١ ثم ولدت الرب وأضجعته في مذود، فسبَّح جمهور من الجند السماويين
قائلين: المجد لله في العلا وعلى الأرض السلام وللناس المسرة. فسمعت مريم بهذا
«وحفظته كله وتفكرت به في قلبها»، ولما أتم يوسف ومريم كل شيء حسب الناموس، رجعَا
بيسوع إلى الناصرة، فكان الصبي ينمو ويتقوى ممتلئًا حكمة، وكان أبواه يذهبان إلى
أوروشليم كل سنة في عيد الفصح، فلما بلغ اثنتي عشرة سنة صعدا إلى أوروشليم، ولما
تمت الأيام عند رجوعهما بقي الصبي في أوروشليم، فطلباه فلم يجداه، وبعد ثلاثة أيام
وجداه في الهيكل جالسًا فيما بين المعلمين يسمعهم ويسألهم، فقالت أمه له: لِمَ صنعتَ
بنا هكذا؟ إننا كنا نطلبك متوجعين. فقال: إنه ينبغي لي أن أكون فيما هو لأبي. ثم نزل
معهما إلى الناصرة، «وكانت أمه تحفظ ذلك الكلام كله في قلبها»،
٢٢ ثم اعتمد يسوع، ولما ابتدأ في الوعظ والعمل كان له نحو ثلاثين سنة،
وكان عرس في قانا الجليل، وكانت مريم هناك، فدُعِي يسوع وتلاميذه إلى العرس، وفرغت
الخمر فاشتركت مريم في أداء الرسالة، فقالت ليسوع ليس عندهم خمر، فقال: لم تأتِ
ساعتي بعدُ. فقالت للخدام: مهما يأمركم به فافعلوه. فحوَّلَ يسوع الماء خمرًا،
٢٣ وكانت هذه أولى عجائبه، ورافقت مريم يسوع حتى ساعة موته على الصليب،
فقد جاء في إنجيل يوحنا الحبيب أنها كانت واقفة عند صليب يسوع، وأن السيد قال لها
مشيرًا إلى الذي كان يحبه: «هو ذا ابنك.» وأنه قال لهذا: «هذه أمك.» وأن يوحنا أخذها
من تلك الساعة إلى خاصته،
٢٤ وبعد الوفاة وبعد أن قام السيد من بين الأموات واظبَتْ مريم على الصلاة
مع الرسل والتلاميذ.
٢٥
ويرى بعض العلماء المتطرفين المتحذلقين في النقد أن السيدة العذراء لم تنتسب إلى
أم الكنائس، وأنها لم تقم بأي دور فيها، وأن أم الكنائس لم تُعِرْ شخصَ العذراء أيَّ
اهتمام، وهم يستندون في رأيهم هذا إلى سكوت متَّى ومرقس عما جاء من أخبار العذراء
في لوقا ويوحنا، ويرون أن متَّى يجعل من مريم العذراء شخصية سلبية، وأن مرقس يذهب
إلى أبعد من هذا فيزجها في مرتبة إخوة الرب وأخواته في الجسد.
٢٦ والإشارة هنا إلى ما جاء في الفصل الثالث من إنجيل مرقس إلى الآيات
العشرين، والحادية والعشرين، والحادية والثلاثين، حتى الخامسة والثلاثين: «وسمع ذووه
فخرجوا ليمسكوه؛ لأنهم قالوا إنه شارد العقل، وجاءت أمه وإخوته، ووقفوا خارجًا،
وأرسلوا إليه يدعونه، فقالوا له: إن أمك وإخوتك خارجًا يطلبونك. فأجابهم: مَن أمي
وإخوتي؟ ثم أدار نظره في الجالسين حوله وقال: هؤلاء هم أمي وإخوتي؛ لأن مَن يعمل
مشيئة الله، ذاك أخي وأختي وأمي.»
ونحن نرى أن التضلع من اللاهوت لا يكفي وحده للتثبت من صحة الروايات في تاريخ
الكنيسة ومن سلامة الاستنتاج، فهؤلاء الرجال وفي طليعتهم موريس غوغل، عميد كلية
اللاهوت البروتستانتية في باريز، يجهلون فيما يظهر أبسطَ قواعد المصطلح؛ فلا يكون
سكوت الأصول حجةً إلا بشروط معينة، وهي أن يكون المؤرخ على يقين جازم من أمر اطِّلاعه
على جميع الأصول، وألَّا يعتريه شكٌّ في أن ما لديه من الأصول هو «جميع ما دوَّنه
السلف في الموضوع الذي يبحث»، وأنه «لم يَضِعْ ممَّا دوَّنه السلف شيءٌ»؛ وعليه أن يتثبَّت
من «استحالة» السكوت في الأصول عن الموضوع الذي يدرس، فقد تسكت الأصول عن أمور
شتَّى تكون قد وقعت في الماضي.
ونحن علاوة عمَّا تقدَّمَ لا نرى مبررًا لاعتماد مرقس دون لوقا، فالاثنان دوَّنا في
عصر واحد وفي زمنين متقاربين جدًّا، وهناك ما يجعلنا نؤثر رواية لوقا من حيث
الإحاطة على رواية مرقس؛ لأن لوقا توخَّى كتابة سيرة السيد لأجل المثقفين من
الوثنيين، ويوحنا الحبيب اتخذ العذراء إلى خاصته منذ وفاة السيد، فهو والحالة هذه
أقرب لفهمها والإحاطة بأخبارها من مرقس ومتَّى.