الفصل الحادي والعشرون

الموسيقى والشعر

أوين رايت، جامعة لندن

إنَّ العلاقة بين الموسيقى والشِّعر، بصرف النظر عن الاهتمام الحقيقي، بالغةُ الأهمية بسبب احتمالٍ نوقش كثيرًا بأنَّ الموسيقى (والموسيقيين) ربما ساهمتْ بشكلٍ كبير في التطور الذي حدث في شعر الحجاز في القرن الأول/السابع، لكنَّ طبيعة العلاقة لا يسهل تحديدها بدقَّة، وبعض المشاكل التي تثيرها مستعصيةٌ جدًّا على الحلِّ. تختلف بدايات الشِّعر العربي والموسيقى، موضوعَين للبحث العلمي، اختلافًا جذريًّا، وخاصة لأنه لا يوجد في الموسيقى ما يقارَن بالمجموعة الشعرية الهائلة التي حُفظت لنا. أول عيِّنة من التدوين الموسيقي قد يُعتقد أنَّها تقدِّم وصفًا دقيقًا إلى حدٍّ ما لأغنيةٍ، كما تحققت في الأداء تعود لفترةٍ متأخِّرة، سنة ٧٠٠ﻫ/١٣٠٠م تقريبًا، تمثِّل مؤلَّفًا من القرن السابع/الثالث عشر. وهي، إضافةً إلى ذلك، مثالٌ فريد.

إن بعث اللغة الموسيقية المبكِّرة من الموادِّ المحدودة المتوفِّرة؛ مستحيلٌ تمامًا. قد نقترح موازيًا أدبيًّا إعادةَ بناءِ شِعرٍ مبكِّر من الكثير من الأشكال اللاحقة، قائمة على النظر في مصادر متنوعة باعتبارها إشاراتٍ حاسمةً؛ مثل: الجاحظ، وابن قتيبة، وسير الشعراء في «كتاب الأغاني» (عمل شهير للأصفهاني من القرن الرابع/العاشر)، وأطروحة أو اثنتين تقنيَّتَين في العَروض والبلاغة، لكن باستبعاد كلِّ أمثلة الشعر. عمومًا، تميل مناقشات الموسيقى للاتجاه النظري (تبلغ ذِروتها في تجريدٍ مشكوك أحيانًا في مواءمته للممارسة) أو الاجتماعي حين تتناول مؤديًا ووسطه. من الأطروحات النظرية الحقيقية، يمكن استنباط وصفٍ تخطيطي رفيع للأنماط والإيقاعات التي تحكم البِنى الصوتية الحقيقية، ومعرفة شيء عن أشكال التأليف والتقنيات الصوتية والآلاتية؛ بينما يمكن الحصول على معلوماتٍ قيِّمة، من أعمال ذات طبيعة أكثر عمومية، عن سير حيوات الكثير من أبرز الموسيقيين؛ ونلقي، إضافةً إلى ذلك، نظرةً عميقة على مختلف وظائف الموسيقى في المجتمع، والتغيرات في الموقف تجاهها، لكنْ من العبث التظاهر بأنَّ هذا كلَّه يمثِّل أكثر من مادةٍ أساسية، وصف للمسرح والممثِّلين وليس للمسرحية. ومن المؤكَّد أنَّ القضية الخاصة بالعلاقة بين الشعر والموسيقى، التي كان يغنَّى بصحبتها؛ تتَّضح فقط بطريقةٍ متقطعة.

(١) المصادر

يمكن الحصول على إشارةٍ أدقَّ إلى حدٍّ ما لطبيعة المواد الأصلية الأساسية، من القائمة التالية لبعض أهمِّ الأعمال المبكِّرة (حتى «كتاب الأغاني»، وتشمله)، مرتَّبةً ترتيبًا زمنيًّا تقريبيًّا:١
  • الجاحظ (ت: ٢٥٥ﻫ/٨٦٩م): كتاب القِيَان.

  • الكِندي (ت: ٢٦٠ﻫ/٨٧٤م): رسالة في خبر صناعة التأليف.

  • ابن أبي الدنيا (ت: ٢٨١ﻫ/٨٩٤م): ذمُّ الملاهي.

  • المفضل بن سلمة (ت: ٢٩٠ﻫ/٩٠٣م تقريبًا): كتاب العود والملاهي.

  • ابن خرداذبة (ت: ٣٠٠ﻫ/٩١١م تقريبًا): مختار من كتاب اللهو والملاهي.

  • ابن المنجِّم (ت: ٣٠١ﻫ/٩١٢م): رسالة في الموسيقى.

  • ابن عبد ربه (ت: ٣٢٨ﻫ/٩٤٠م): كتاب العقد الفريد.

  • الفارابي (ت: ٣٣٩ﻫ/٩٥٠م تقريبًا): كتاب الموسيقى الكبير.

  • الأصفهاني (ت: ٣٥٦ﻫ/٩٦٧م): كتاب الأغاني.

تقدِّم هذه الوثائق المبكرة عينةً ممثِّلة تمامًا لمختلف المواد التي تشكِّل المجموعة الحالية من الأدب عن الموسيقى، حيث تمثِّل الخيوط الرئيسية كلَّها: الأدب (يحتوي أساسًا معلوماتٍ اجتماعيةً ومعلوماتٍ عن السِّيَر)؛ رسائل عن النظرية والآلات؛ وجدلًا بشأن شرعيَّة الموسيقى، لكنَّها أيضًا نموذجيةٌ في أوجه قصورها؛ لأنه حتى في الأعمال المخصصة للنظرية تهمل جوانبَ كثيرة من الممارسة المعاصرة، وتشوِّه جوانبَ أخرى لصالح انشغال الكاتب بمعايير مجرَّدة مستمدَّة من مطلقات رياضية.
وتنشأ صعوبةٌ عامة إضافية من حقيقةِ أنَّ هذه النصوص ترجع للقرنَين: الثالث/التاسع، والرابع/العاشر؛ لذا ينبغي رؤيتها بتحفُّظ باعتبارها مصادرَ للمعلومات عن العصر الأموي، وبأكبر حذرٍ باعتبارها مصادرَ لعصورٍ سابقة عليه. باستبعاد طبيعة مادة الحديث، الطبيعة التي يُحتمل أن تكون موضعَ ارتياب، عن إباحة الموسيقى أو غير ذلك. قد نقبل بسهولة أنه كان هناك القليل من الأُسس المذهبية أو الأُسرية للتزييف؛ وهكذا قد تبقى مادة عن العصر الأموي غير متأثِّرة عمومًا بالتحيز ضد الأمويين، الذي يمكن رصدُه بين المؤرخين العباسيين (إلا بقدْرِ ما قد تميل لإعطاء صورة صادقة لخليفة أموي معيَّن)، لكن لا يمكن، في الوقت نفسه، القول بأنَّ نقلَ المادة خضَعَ لفحصٍ صارم يماثل ما حدث في مجالاتٍ أخرى، رغم الوجود المتكرر للإسناد. ولا يمكن أن نفترض، مثلًا، أنَّ كلَّ الروايات المقتبَسة في «الأغاني» شهاداتٌ قابلة للتصديق؛ ينتقد الأصفهاني نفسُه بعضَها صراحةً. ورغم ذلك، نتيجة كل أوجه القصور؛ يتمتع توثيق النشاط الموسيقيِّ في العصر الأموي ببعض العمق والاتساق، ويتعلَّق الكثير من النقاط موضع الشك بتفاصيلَ لا بقضايا أساسية، أو تشمل مسائل التفسير لا التدقيق، لكنْ بالنسبة للفترات السابقة عليه؛ ينخفض حجمُ المادة المتوفرة ومصداقيتها بحدَّة، والحكايات عن النشاط الموسيقي قبل الإسلام خاصَّة هزيلةٌ وغيرُ مفيدة، كما أنَّ قيمتها التاريخية موضعُ شكٍّ إلى حدٍّ بعيد.

(٢) العصر الجاهلي

لا تزال النصوص السابقة، بكلِّ عيوبها، تُعتبر المصدر الرئيسي لتلك الفترة. لإكمالها يمكن الاعتماد على إشاراتٍ للموسيقى في الشعر وأدلةٍ لغوية، لكن بينما تحظى الأُولى باهتمامٍ كبير، الأخيرةُ ضئيلةُ الأهمية في الموضوع الذي نناقشه؛ لا تشير إلى أكثر من أصلٍ سامي مشترك للقليل من المصطلحات العامة الأساسية، والانتشار المبكِّر لأنواعٍ معيَّنة من الآلات بين الشعوب السامية. ولا يمكن البحث عن فائدةٍ كبيرة من البقايا الأثرية أو الفنية، التي ثبت غالبًا أنها المصادرُ الأكثر أهميةً في التاريخ الموسيقي المبكِّر لكلِّ الحضارات الأخرى.

إذا تجاهلنا لحظةَ المجال الإضافي للشعر؛ قد يقال إنَّ المادة المتوفِّرة تهتمُّ أساسًا بتيمتَين: وصف مختلفِ أجناس الموسيقى والاختلافات بينها؛ وحكايات أسطورية عن موسيقيين معيَّنين وعن أصول الموسيقى وبعض الآلات. ويمكن إهمال الموضوع الأخير في السياق الحالي؛ لأنه حتى حين يفترض أنَّ الموسيقيِّين كانوا شخصياتٍ تاريخية، فإنَّ الإشارات المقدَّمة بشأنهم لا تقدِّم أيَّ معلوماتٍ ملموسة عن الموسيقى التي أدَّوها. النقطة الجديرة بالتوضيح هنا، هي أنَّ معظمهم من القِيَان (الجواري المغنيات).
مناقشات مختلف فئات الموسيقى أكثر فائدة إلى حدٍّ ما. يتمُّ تمييز نوعَين: الحُدَاء، والغناء؛ ويقسَّم الثاني أكثر إلى: النَّصْب، والسِّناد، والهَزَج. (لكنَّ الحكايات عن هذا الموضوع غيرُ متَّفق عليها، ويمكن افتراض أنساقٍ أخرى.)٢ يعتبر الحداء عمومًا أقدمَ شكلٍ للتعبير الموسيقي بين العرب، وطبقًا لمَا يقوله ابن خلدون من الحداء تطوُّر الغناء. ولسوءِ الحظِّ لا توصف الخصائص الموسيقية للحُداء في أيِّ موضع؛ نُترَك فقط بانطباعٍ عن شكلٍ بسيط وساذج نسبيًّا. ينص صراحةً، أو ضمنيًّا، على أنَّ أحد الأقسام الفرعية الثلاثة للغناء، النصب، مماثل للحداء. وإضافةً إلى ذلك، يشترك معه في الارتباط بالمؤدِّين الذُّكور. يبدو أنَّ النوعَين الآخَرَين، السناد والهزج، كانا ضدَّين متكامِلَين في لغةٍ واحدة أكثرَ تطورًا (ممَّا يوحي بأنَّ الفئات قد تُرتَّب بشكلٍ أكثرَ واقعيةً إلى: حداء، نصب، سناد/هزج). يوصف السناد بأنه «ثقيل»، بأسلوبٍ متناسق منمَّق؛ بينما نظيره الهزج «خفيف» ومرِح، ويرتبط (وإن يكُن طبقًا لمَا يقوله ابن رشيق، مؤلِّف من القرن الخامس/الحادي عشر) بالرقص.
بصرف النظر عن الترحيب بهذه التفاصيل، ينبغي أن نتذكَّر أنَّ التقابل خفيف/ثقيل، بالدلالات الأسلوبية نفسها بدقَّة، سمةٌ مهمَّة لوصف موسيقى البلاط الإسلامي في وقتٍ لاحق؛ لذا لا يمكن استبعاد احتمال أن كُتَّاب القرنَين الثالث/التاسع، والرابع/العاشر؛ أسقطوا على جنسٍ أدبي انقرض لفترة طويلة بعضَ خصائص الموسيقى كما مُورست في عصرهم. وحتى التقسيم الأوَّلي للغناء إلى ثلاثة أنواع، قد يكون متأثرًا إجمالًا بالمفاهيم اللاحقة؛ لأن التقسيم الثلاثي للموسيقى (طبقًا لمجموعة معايير) شائعٌ في أدبيات الموسيقى العربية، لكنْ بصرف النظر على خصائصه الخاصة، يمكن قبول وجود جنسِ السناد/الهزج بشكلٍ معقول؛ ويمكن أن يفترض أكثرَ أنَّ هذه الموسيقى ارتبطت أساسًا بغناء القِيَان؛ وأنَّ هذا النوع الخاص قدَّم الأساسَ لتطور غناءٍ مُتْقَن بعد ذلك؛ ومن ثَم ظهور اللغة المتطورة لموسيقى البلاط.
وراء التصنيف السابق لمختلف أنواع الغناء، يكمن، كما يوضِّح ابن خلدون، مفهوم تسلسلٍ تاريخي للتطور، لكنَّ هذا قد يكون إسقاطًا على مستوًى مؤقَّت من التناقضات تُوصف بشكلٍ أكثر اتساقًا في اختلافاتٍ في التعقُّد السطحي (حتى إذا لم يتطلَّب الأمر أن تكون الاختلافات في اللغة، بالنسبة للعصر الجاهلي، بين مختلف الأنواع المذكورة ملحوظةً جدًّا). بدلًا من ذلك، قد يعكس الانفصال التاريخي الضمني ما كان تمييزًا متزامنًا إلى حدٍّ بعيد يرتبط بالوظيفة الاجتماعية. على سبيل المثال، يمكن تمييز إحدى الطبقات البسيطة للموسيقى بأنها فئات من أغاني العمل، والموسيقى الاحتفالية، والموسيقى الترفيهية. وليس من غير المعقول، أنَّ الحداء والنصب والسناد/الهزج؛ كانت أنواعًا ممثِّلة للأغاني، تمثِّل تصنيفًا غير رسمي لنظامٍ مماثل. تحديد الحداء بأنه، على الأقل في الأصل، شكلٌ من أغاني العمل ليسَ موضعَ خِلاف؛ وربما كان السناد/الهزج نموذجًا للموسيقى الترفيهية، لكنَّ نقص الأدلة يجعل من المستحيل حقًّا أن ينسب النصب لفئةٍ معينة. عمومًا، توحي حقيقةُ أنَّه يبدو أنَّه يشبه الحداء من بعض الجوانب،٣ إضافةً إلى التمييز الصريح للحداء والغناء، بتعارُضٍ ثنائي ضمني بين الحداء والنصب (أساسًا موسيقى غير ترفيهية يؤدِّيها الذُّكور) من ناحية؛ ومن الناحية الأخرى، بين السناد والهزج (أساسًا موسيقى ترفيهية تؤدِّيها الإناث).
تبقى فئةٌ أخرى، النوح، لا توصف في أيِّ مكان أو توضع في مخطَّط التصنيف الذي ناقشناه. السبب الأكثر ترجيحًا لذلك، هو عدم وجود أيِّ إدراك بعنصرٍ موسيقي خاص يمكن عزله عن سياقه الشعائري. بالنسبة للوظيفة الاجتماعية، يمكن وضع النوح في فئة الموسيقى الاحتفالية، لكنَّه يشترك مع الموسيقى الترفيهية في أنه تقليديًّا تؤدِّيه إناث؛ ليس من غير المعقول بحالٍ من الأحوال أنَّ السناد «الثقيل» تطوَّر من النوح، أو على الأقلِّ تأثَّر به في المرحلة التشكيلية من تطوُّره.
إنَّ الاختلافات الأساسية بين الموسيقى الترفيهية (كما يمثِّلها السناد والهزج) والأنواع الأخرى؛ ربما ترتبط في الأصل باللغة الموسيقية أقلَّ ممَّا ترتبط بالوظيفة الاجتماعية؛ ولذا تشمل تنوعًا في سياقِ الأداء، والهوية الاجتماعية أو مكانة المؤدِّي، وطبيعة علاقة المؤدِّي والجمهور (مع الموسيقى الترفيهية فقط، يمكن أن نبدأ الحديث عن مؤدٍّ وجمهور كيانَين منفصلَين؛ لأنَّ التركيز في أغاني العمل والموسيقى الاحتفالية يكون على مساهمةِ الجماعة، سواءٌ بأداءٍ جماعي أو بالتكامل في نشاطٍ جماعي معقَّد لا تشكِّل فيه الموسيقى إلا عنصرًا واحدًا)، لكنْ رغمَ أنَّ لغة الموسيقى الترفيهية ربما كانت قائمةً بثباتٍ على الأساليب الأخرى الموجودة؛ فإنَّ تطوُّرَ بِنًى اجتماعية أكثرَ تعقيدًا، يرتبط بخبرةٍ تقنية أكبرَ قد تساهم في الظهور التدريجي للمؤدِّي المتخصِّص. يفترض هذا الاتجاه جمهورًا أكثر تطورًا، وحيث إنَّ استخدام موسيقيِّين محترفين (حتى لو كُن جواري) يتضمَّن في ذاته درجةً من التطور الاقتصادي تميِّز أكثر المجتمعات الحضرية أو المستقرة، لا يمكن الشكُّ في أنَّ هؤلاء المؤدِّين كانوا مركَّزين في مناطقَ خاصة، وخاصة البلدات الرئيسية في الحجاز، وفي بلاط الدول الحدودية في الحيرة وغسَّان. الأخيرة، التي تعرضت مباشرةً لتأثير ثقافاتٍ رفيعة في الشمال، يُفترض أنَّها كانت قنواتٍ (وفي الوقت نفسه مرشَّحات) من خلالها انتشرت التأثيراتُ الموسيقية جنوبًا، وربما كانت في طليعة التغيير الموسيقي.

(٢-١) الشعر الجاهلي

بالنسبة لمجموعة النصوص الشعرية، ربما لا يعتبر مصطلح «قبل الإسلام» في السياق الحالي حرفيًّا، تصريحًا موثوقًا فيه عن تاريخ، لكنه يعتبر مؤشرًا للخلفية الاجتماعية (توصف غالبًا بأنَّها بدوية الروح) وطريقةِ التأليف (تُعزَى أساسًا للتراث الشفهي). وطبقًا لهذا، يمكن التغاضي عمومًا عن مشاكل الأصالة؛ تقليدية التِّيمة، مع الطبيعة المحافظة المتأصِّلة لأسلوبٍ تكويني جزئيًّا على الأقل، تضمن أنَّ المادة التي قد تكون فيما يتعلَّق بتتابُع زمني صارم، بعد جاهليةٍ لا تزال تقدِّم انعكاسًا صادقًا بشكلٍ معقول للثقافة والقِيَم قبل الإسلام.
ترتبط المعلومات الموسيقية التي يمكن أن تستمد من الشعر الجاهلي بالمجال العام لممارسة الأداء، مع التركيز بشكلٍ أكثر خصوصيةً على المؤدِّي (جاريةٌ عادةً). ظهور القَينة في شكلٍ فني بدوي بالأساس، يبدو أنه يقدِّم برهانًا ضدَّ ربطها بمجتمعٍ مستقر أو على الأقل مجتمع شِبه متحضِّر، لكن الاتصالات بين السكان الرُّحَّل والمستقرِّين، ربما جعلها بسهولة شخصيةً مألوفة (وإن لم يكُن الأمر كذلك، يمكن أن نشير إلى عددٍ من المصادر في الشِّعر لظاهرةٍ غريبة على مجتمع قبَلي بدوي، تبدو مذهِلةً بدقَّة لغرابتها). لا تظهر الجارية في عزلة، لكنها تظهر عادةً جزءًا من وضعٍ معيَّن يجسِّد شكلًا نموذجيًّا للانغماس في الشهوات. تصوَّر تقليديًّا مرفِّهة في حفلٍ من السُّكارى يقوده شاعرٌ مستهتر، ربما يُبرز جانبَ الفخر بالتأكيد على جودة الخمر وأحيانًا أيضًا بالإشارة إلى براعةِ أواني الشُّرب، لكنه حين ينتقل إلى الجارية نفسها، يركِّز وصفه غالبًا على مفاتِنها الجسدية — ومن غير المدهِش في ضوء حقيقة أنَّ الترفيه الذي تقدِّمه لم يكن يقتصر على الموسيقى دائمًا — بحيث تكون التفاصيلُ المرتبطة بالأداء الصوتي أو الحقيقي أو بأداء الآلات ضئيلةً عادة، ولا تقدِّم إلا موتيفةً تقليدية أو اثنتَين، لكنَّ هذا قد يتضمن ذِكر آلات معيَّنة؛ تصوَّر الجارية غالبًا بصحبة عودٍ (من جِلد الأمعاء على ما يُفترض) يسمَّى بأشكال مختلفة: مزبارًا، كِرَانًا، وموتَّرًا؛ وآلات وتريَّة أخرى. وتذكر أيضًا بالإضافة إلى آلات النفخ والآلات الإيقاعية (أساسًا المزمار، والدُّف، والرِّق).

يوجد المحصول الأغنى لهذه الأسماء في ديوان ميمون بن قيس (الأعشى). هنا يشار إلى أسماء عديدة لآلاتٍ من أصلٍ فارسي، وتقدَّم تلميحاتٌ — ربما سمة فارسية أخرى — لموسيقيِّين ذكور. وإضافةً إلى ذلك، إذا قبلنا التحديدَ المنسوب لأبي عبيدة (ت: ٢٠٩ﻫ/٨٢٤-٨٢٥م)، بأنَّ هريرة مغنية؛ فإنَّ في معلقة الأعشى (التي مطلعها «ودِّع هريرةَ») تمنَح التيمة الشعرية عن جاريةٍ المعالجةَ الأوسع والأوضح، لكنَّ الموسيقى لا تذكُر في أيِّ موضع؛ الفقرة التي نحن بصددها بالأساس استكشافٌ بديع، واستغلالٌ للموتيفات المعيارية والتقنيات الشكلية، المرتبطة بالوصف الجسدي، في سياقٍ معيَّن لشعر الحُب. وفرضيَّة أنَّ المرأة التي توصف بهذا الشكل متدنِّيةُ المكانة (وأخلاقها موضع شك)، تعني أنها قد تُعتبر أيضًا تنوُّعًا لمحاكاةٍ ساخرة جزئيًّا على أعرافٍ موجودة. لتحديد المرأة المصوَّرة بأنَّها قَينة أهميةٌ أدبية بدقَّةٍ، لا أهمية موسيقية.

(٢-٢) الموسيقى والشعر

عمومًا، يمكن افتراض أنَّ الشعر الذي غنَّتْه القينة شعرُ الشعراء الذين يذكرونها في أشعارهم. وهكذا ربما وُجد ارتباط فضفاض بين البحور الكلاسيكية الرئيسية وأجناس السناد/الهزج (وربما النوح)، مع احتمال أن تكون أغاني النصب والحداء أكثرَ شيوعًا في بحر الرَّجَز (بحر الحداء الأول، طبقًا لإحدى الأساطير)، أو حتى لم تخضع لبنيةٍ عروضية منتظمة على الإطلاق، لكنْ بشأن طبيعة العلاقة، إنْ وُجدت، بين البحر الشعري والإيقاع الموسيقي في جنس السناد/الهزج؛ يمكن أن نخمِّن فقط. يبدو من المعقول أن نفترض أنه في مرحلةٍ مبكرة من التطور ربما تأثرت البنية الإيقاعية للَّحن بالتنظيم العَروضي للشِّعر، أو على الأقل، عمومًا، بالتكرار النسبي للمقاطع التي تحتوي على حروف العلة مقابل تلك التي تحتوي على الحركات؛ لكنَّا حتى لا نعرف إنْ كان اللحن قد مال ليكون أساسًا بإيقاع حُر (غير منتظِم) (حيث يمكن أن تكون الاعتبارات العَروضية ذاتَ أهمية كبيرة)، أو في دوراتٍ إيقاعية ثابتة (حيث يمكن أن تكون الاعتبارات العروضية ذاتَ أهميةٍ ضئيلة نسبيًّا، أو ربما تُهمل بالكامل). ربما وُجد النوعان جنبًا إلى جنب؛ ربما، على سبيل المثال، كان الهزج يميَّز باستخدام دوراتٍ إيقاعية ثابتة، لا يتميَّز بها السناد. الاقتراحات في مصادرنا بأنَّ بعض الدورات الإيقاعية الثابتة — طبقًا لأحد التفسيرات٤ — إن لم يكُن كلها، كانت من ابتكاراتِ الجاهلية؛ ينبغي أن تُؤخذ بحذر، لكنَّها قد تؤخذ على أنها تُشير إلى وجودِ أسلوبٍ أو جنسٍ خاص سَادَ فيه الإيقاع الحُر حتى ذلك الوقت. ومن الناحية الأخرى، الإشارات في الشعر لاستخدام آلاتٍ إيقاعية مثل الرِّق؛ توحي بالتأكيد بوجود بِنًى إيقاعيةٍ دورية منتظِمة (لكن، بالطبع، بدون توضيحِ استخدامها العام). والممارسة الإسلامية المبكِّرة في تمضية الوقت مع قضيب؛ يُفترض أنها أيضًا اعتُبرت من بقايا تقليدٍ سابق لإيقاعٍ موسيقي مصاحب.
المبهم بالقَدْر نفسه عمومًا — وخاصَّة بشأن الطريقة التي ربما تأثَّرت بها البنية اللَّحنية بالخصائص العَروضية — طبيعةُ التضادِّ بين الأساليب اللَّحنية للسناد «الثقيل» المنمَّق، والهزج «الخفيف». يبدو من المعقول نسبيًّا أنْ نفترض في الأول ميلًا أبرزَ بكثيرٍ لإطالة حروف العلة، سواءٌ على مستوى النغمة الواحدة أو بربطِ صائتٍ مفرد (ومن ثَم مَقْطع) بجملةٍ لحنيةٍ طويلة، باستخدامِ أكثرَ من مستوًى واحدٍ للنغمة. هذا الإجراء، مثل استخدام الدورات الإيقاعية الثابتة، وإن يكُن بطريقةٍ مختلفة تمامًا وربما أكثر راديكالية، يميل لتقويضِ أيِّ إحساس بعلاقة منتظمة كميًّا بين الأنماط العروضية والإيقاعية. مرةً أخرى، يمكن افتراض أنَّ اللَّحن كان ينظم على الأقلِّ جزئيًّا طبقًا لصيغٍ نمطية معيارية، ربما أسَّس بعضها — خاصةً الصيغ الإيقاعية — ارتباطاتٍ بسِماتٍ عَروضية معيَّنة، أُثيرت فعليًّا بمقطعٍ معين من الشِّعر. وينبغي، مع ذلك، التأكيدُ على أنَّ هذه الفرضيات حدسيةٌ تمامًا؛ أيَّة قواعد تحكم البنية النمطية واستجابتها للبنية العروضية، ربما نُقلت شفهيًّا (بالمثال، وليس لفظيًّا) ولم يبقَ منها أثرٌ، إلا بقدْرِ استمرارها، غيرَ مكتشفة، في مراحلَ لاحقةٍ من تطور النظام الموسيقي.
وليس هناك أيُّ دليلٍ قاطع بشأن مسألةِ إنْ كان الشِّعرُ يُغنَّى بشكلٍ طبيعي بدلًا من أن يُنطَق (بأسلوبٍ ما). هناك حكايةٌ أو اثنتان تتضمَّنان أنَّ شكْلَي النقل ربما كانا معروفَين، وربما تواجدا معًا، بالضبط كما يتواجدان، على سبيل المثال، بين بدوِ سيناء اليوم. من المؤكَّد أنَّه ليس من غير المعقول، بحالٍ من الأحوال، أن نفترض أنَّ الشاعر في مرحلةٍ مبكِّرة في تطور البِنَى العَروضية قبل الإسلام ربما غنَّى شِعره، حتى لو كان ذلك فقط للمساعدة على الانتظام العَروضي. ثمَّة تقاليد شعرية مماثلة في ثقافات أخرى، حيث الشعر شفهيٌّ وشكلي formulaic، تقدِّم أمثلةً كثيرة لهذا النوع من الممارسة، ويشار في هذا الصدد إلى أسلوبٍ للنقل يميِّز، على سبيل المثال، الشعرَ العامي النبطي حاليًّا. ربما كان شكلُ الغناء الذي استخدمه الشاعر قبل الإسلام بدائيًّا جدًّا، من جملةٍ لحنية بسيطة تتكرَّر في كلِّ بيت من القصيدة، أو حتى في كلِّ شطر، ربما مع تغيُّرٍ عَرَضي ضئيل لتجنُّب الرتابة. بالنسبة للشاعر، إذا كان يرتجل، قد يكون لهذا التكرار مزيَّةٌ مهمَّة في تقديم إطارٍ، تحكم طرُقُ النُّطق الثابتة له طولَ البيت. وفي الوقت نفسه تدفع إلى الاختيار من مجموعةِ صيغٍ لفظية مناسِبة لها بنية عروضية مشترَكة. وينبغي أن نتناول نوعًا من التعبير الموسيقي استُبعد من الموسيقى الترفيهية لجنس السناد/الهزج، وأقدم منه بكثيرٍ، ارتقى على أيدي القَينة (لذا لا يوجد تناقُض في اقتراحِ أنَّه بينما قد يساهم المرءُ في استقرار أنماطٍ عَروضية معينة، قد يتأثَّر الآخَر بها). ربما رافق غناء الشِّعر، إذا كان لا بد أن يرافِقَ شيئًا، الحداء والنصب، أو حتى شكَّل فرعًا من تراثٍ منفصِل يشمل أيضًا الغناء الديني، لكن هذا التراث لم يسجَّل إلا نادرًا، وينبغي التأكيد مرةً أخرى على أنَّ الملاحظات السابقة ذاتُ طبيعةٍ حدسيةٍ إلى حدٍّ بعيد.

(٣) القرن الأول من الإسلام

(٣-١) التطورات العامة

قد تكون تِيمة الابتكار التيمةَ الأكثر انتشارًا في التقارير التالية عن ممارسة الموسيقى في القرن الأول/السابع. يتمُّ لفتُ الانتباه إلى التغيرات التي أُدخلت في مجالاتٍ كثيرة، تشمل اللَّحن والإيقاع والشكل والآلات، والهُوية الاجتماعية ودور الموسيقيِّ. مدى المبالغة التي ربما تمَّتْ في تقدير هذه الابتكارات، نتيجةً لإضفاء الكثير من القيمة على عنصرٍ واحد (c) فيما يمكن تجريده باعتباره صيغةً سردية: «a أول b تفعل c في d» (حيث a شخص، وتحدد b الجنس مثلًا، c نشاطٌ موسيقي معيَّن، d زمنٌ أو مكان). ورغم ذلك قد يكون من الصعب الجدلُ بشأن حدوث تغيرات مهمَّة، وقد يعتبر معظمها، إن لم يكُن كلها، نتيجةً غير مباشِرة للفتوحات العربية من ناحية، ومن الناحية الأخرى نتيجة التطور التدريجي للعقيدة الإسلامية.

أدَّى انتشار الهيمنة العربية خارج حدود شبه الجزيرة لمزيدٍ من الاتصال المباشر مع الثقافات الرفيعة للأقاليم البيزنطية والفارسية السابقة؛ مباشَرةً أو من خلال الأسرى الذين أُرسِلوا إلى الحجاز. من الاثنَين ثبَتَ أنَّ التأثير الفارسي كان الأقوى بكثير، وكان «نشيط» رمزَه في مراحله المبكِّرة، ويقال لنا إنَّ أغانيه انتشرتْ جدًّا، حتى إنَّ الموسيقيين العرب البارزين اضطروا للتعلُّم منه. هناك نقص محزِن في المعلومات الحقيقية عن الخصائص الموسيقية للأغاني الفارسية، ولا توجد إشارةٌ تحدِّد إن كانت مجرَّد موضة دخيلة، أم كان لها تأثيرٌ أكثرُ ديمومةً على الممارسة الحجازية. وتبدو الفرضيةُ الأخيرة مرجَّحةً أكثر، لكنْ من المستحيل تحديد طبيعة التأثير ومداه. ربما ورَدَت المادة الأكثر أهميةً بهذا الصدد في تقاريرَ عن المسار المهني لاثنَين من أشهر الموسيقيين الأمويين، ابن مسجح (ت: ٩٦ﻫ/٧١٥م تقريبًا) وابن مُحْرِز (ت: ٩٦ﻫ/٧١٥م تقريبًا)، ويعود الفضل للاثنَين في دمج عناصرَ مكتسَبةٍ في رحلاتهما الكثيرة في الأقاليم البيزنطية أو الفارسية السابقة في لغتهما الموسيقية. قد لا يكون سرد معين صحيحًا تاريخيًّا من كل الجوانب؛ ومن المؤكَّد تقريبًا أنه ليس صحيحًا بشأن الاثنَين، لكن ربما يعتبر واقعيًّا، حتى إنه يعترف بأهمية التأثيرات الخارجية، ويؤكِّد في الوقت ذاته على الاستقلال الأساسي والمرونة في اللغة الموسيقية العربية، التي لم تكُن تستعير دون تمييز، بل كانت ترفض ما لا يُستوعب بسهولة.

يمكن العثور على تفاصيلَ أكثر تحديدًا عن الآلات. نرى، على سبيل المثال، إدخال العُود الخشبي الفارسي — الآن فقط يصبح مصطلح «عُود» متداوَلًا — وبكلِّ الاحتمالات، ثمَّة تحوُّل في الضبط الموسيقي إلى نظامٍ للضبط في كل الأرباع، وهكذا تعطي مجالًا من اثنَين من الثماني، مقابل الثماني المفرد في وقتٍ سابق، لكنْ لا يمكن أن نستنتج من هذا أنَّ المجال الصوتي العادي كان ممتدًّا على الإطلاق؛ ليس هناك ما يجعلنا نفترض أنه كان مقيَّدًا دائمًا بمحدودية الآلات المصاحبة. التأكيد على التناوب بين الثماني: المرتفع/المنخفض؛ لا يبدو أنَّه كان خاصيةً من خصائص الممارسة العباسية، لكن من الواضح أنه نشأ قبل ذلك بكثير؛ تمَّ تبنِّي امتدادِ مجال العُود بسهولة بحيث يمكن نسخُ نموذجٍ صوتي موجود.
ثمَّة تطورٌ عام آخَر مهم — ربما تمَّ أيضًا جزئيًّا بتأثيراتٍ خارجية — يُزعم أنه كان الغناء المُتقَن. مرةً أخرى، ليس هناك وصفٌ لهذا الأسلوب فيما يلي، ولا نعرف أيَّ شيء عن الاختلافات، وربما كانت ضئيلة، بينه وبين السناد/الهزج، الذي يُفترض أنه تطوَّر عنه، ويبدو أنه أُبطِل. النعت المرتبط به، رقيق، يوحي ربما بدرجةٍ أكبرَ من الدقَّة، وربما ارتبط تطوُّره (متضمنًا للفعل في كلمة «مُتقَن») ليس فقط بابتكاراتٍ في نسيج الصوت؛ لكنه ارتبط جزئيًّا أيضًا بتغيُّر السلوك، حيث توجد مؤشرات على درجةٍ أعلى من الرسمية واللياقة من جانب المؤدِّي والجمهور.
ربما كان التقابل بين أساليب «الثقيل» و«الخفيف» سمةً مهمة من سمات الغناء المتقَن، حتى لو لم يناقَش قَط بهذَين المصطلحَين. يحتوي كتاب «الأغاني» على عدَّة حكايات مفيدة، تشير بوضوحٍ لتمييزٍ بين الأساليب الأكثرِ جديَّةً والأكثرِ مرحًا في التأليف في القرن الأول/السابع، وأوائل القرن الثاني/الثامن؛ لكنْ من الصعب تصوُّر أنها لم ترتبط بالغناء المتقَن. تظهر أيضًا عدَّة تفاصيل مثيرة: هكذا يبدو أنَّ الأسلوب «الثقيل» تمتَّع بمكانةٍ فنية أعظم، بينما هناك إيحاءاتٌ بأنَّ الأسلوب «الخفيف»، على الأقل قُرب نهاية العصر الأموي، كان الأكثرَ شعبيةً وازدهر باعتباره ضمانًا أكثرَ أمنًا للمكافأة المالية. (ويمكن تفسير تسجيل «الأغاني» في الوقت ذاته لعددٍ أكبر من الأغاني ذات الإيقاعات «الثقيلة»؛ بأنه قيمةٌ خفيَّة للحُكم.) التحديد المتزايد، يقابَل بلا شك بتطوراتٍ في التقنية، تدلُّ عليه الإشاراتُ المستمرة لأشخاص بارزين في منطقة محدَّدة. التقابل الذي وضعه معبد (ت: ١٢٥ﻫ/٧٤٣م)، أحد أعظم المغنِّين الأمويين، بينه وبين ابن سريج (ت: ١٠٧ﻫ/٧٢٦م)، وهو شخصيةٌ بارزة بالقَدْر نفسه، ربما يشير إضافةً إلى الفوارق الجغرافية، بشكلٍ موحٍ، إلى أنَّ الأسلوب الخفيف كان أكثرَ تأثرًا بالابتكارات ذات الأصل الفارسي. وقد يكون هذا ما تتضمنه حكايةٌ ينتقد فيها غناءً لموسيقى حجازيةٍ بالتذكير بأوصاف السناد «الثقيل» قبل ذلك؛ ومرةً أخرى يبدو أنَّ الأسلوب «الخفيف» كان أكثرَ تقبُّلًا للموجة التالية من التأثير الفارسي على موسيقى البلاط العباسي.
لكن بصرف النظر عن الاختلافات بين الأساليب «الثقيلة» و«الخفيفة» — وفي المواقف تجاهها — من الواضح من نموِّ المصطلحات التقنية المعيارية قُرب نهاية العصر الأموي؛ أنها كانت تعتبر منتميةً للنظام العام نفسه. تطوَّر بشكلٍ خاص تدوينُ هذا النظام في مجالاتِ اللَّحن والإيقاع، بينما كثيرًا ما يوضح انتقادُ أغانٍ مفردة اهتمامًا كبيرًا بالاعتبارات الشكلية وإدراكها. يصنَّف اللَّحن طبقًا لنظامٍ من ثمانية أنماط أسماؤها أوصافُ تقنيةٍ مختزلة ترتبط بالدساتين على العُود. التسمية المستخدمة تقسِّمها إلى مجموعتَين (مجرى) من أربعة، واحدة تشمل النغمات التي تعزف على دستان الوسطى، والأخرى على دستان البنصر (نغمات دستان الوسطى والبنصر متنافية)، وربما يمكن تصوُّر أنَّ تنظيم النظام كلِّه تأثَّر بالأوكتويكوس octoechos البيزنطي. تخبرنا مصادرنا بشيءٍ ما عن نظام السلالم الذي ترتبط به هذه الأنماط، لكنها لا تخبرنا بشيءٍ عن المدى الذي تكون به أكثرَ من مجرَّد سلالم، أيْ إلى أيِّ حدٍّ تصِفُ ما ينبغي للمؤلِّف أو المؤدِّي أن يفعله أو لا يفعله. رغم أنَّ الحكايات التي توحي بأنَّ التأليف فوري، في الواقع يبدو أنها تشير إلى استخدامٍ متطوِّر جدًّا للصِّيغ النموذجية. تمايُز المفاهيم، ويبدو أنه لا يوضع في الصدارة إلا في العصر العباسي، يميِّز الخطوطَ الأساسية لأغنيةٍ عن الزخرفة المضافة إليها في الأداء، لكنَّه يعكس صراعًا ربما بدأ مبكِّرًا إلى حدٍّ ما؛ المدى الذي يمكن للمغنِّي أن ينمِّق أغنيةً مثَّل حلًّا وسطًا بين التأثير المعتدِل للذائقة والرغبة في إظهار البراعة، والميل إلى العرض التقني — الذي يتضمن أيضًا خفضًا نسبيًّا لقيمة الكلمات في الأثر الجمالي الكلي للأداء — لا يمكن أن يكون ظاهرةً عباسية خالصة.

(٣-٢) الموسيقى والشعر

هناك مؤشرات أخرى، ربما أكثر وضوحًا، عن زيادة استقلالية الموسيقى مقابل الشعر، أو التأكيد أكثر عليها، لكنَّ هذا لا يعني أنَّ العلاقة بين الاثنَين تآكلتْ بشكلٍ خطير أو تقلَّصت بحالٍ من الأحوال؛ الكتالوج الموجز لابن سريج عن الفضائل التي يجب توافرها في مغنٍّ جيد تعطي قيمةً مناسبة لتصحيح نُطق الشعر، وفي العصر العباسي لا تزال البنية الداخلية للأغنية تناقَشُ بمصطلحاتٍ مستمدَّة من عِلم العَروض؛ بحيث يُفترض أنَّ صياغة اللَّحن تقيَّم على الأقلِّ جزئيًّا في ضوءِ مواءمتها للتقسيمات الطبيعية للشِّعر. ورغم ذلك، كانت وحدة اللحن تمتدُّ من بيتٍ إلى اثنين، ممَّا يوحي بعلاقة أقلَّ صلابةً بين وحدة اللَّحن ووحدة الشعر، وفي الأولى القدرة على تنظيم بِنًى أكثر امتدادًا. ويبدو أن الموسيقي أيضًا يعالِج، أحيانًا، نصَّه بشكلٍ أكثر مهارة. وبصرف النظر عن التغيُّر أو الكبح المتوقَّع للمواد المنفِّرة لجمهورٍ معين؛ نجِدُ أمثلةً لأبياتٍ مأخوذة من أجزاءٍ مختلفة من قصيدة، أو كلمات خضعتْ للتغيير، أو لبيتٍ أُدرج من مصدرٍ مختلف، لكن لا ينبغي إعطاءُ قيمةٍ كبيرة لهذا؛ يوجد تنوُّعٌ لافتٌ في الصياغة وترتيب الأبيات بين الروايات المختلفة لكثيرٍ من الشعر المبكِّر، وهو أمرٌ متوقَّع في تراثٍ لا يزال شفهيًّا إلى حد ما؛ ولذا قد يُشكُّ فيما إن كان هناك أيُّ شذوذٍ أو تطرُّف في الهوى الظاهر للموسيقي، رغم أنَّه من المفيد المقابلة بين الممارسة الأُمويَّة في هذا الصدد والمواقف المحافِظة بصرامة لإسحاق الموصلي (١٥٠–٢٣٥ﻫ/٧٦٧–٨٥٠م)، الذي حاول الحفاظ على الشرعيَّة الموسيقية الأُموية ضدَّ هجمات معاصِريه.

ربما تأثَّر أيضًا التوازن بين الموسيقى والشعر بدقَّة بالتغير في العلاقة بين الصوت والأدوات المصاحبة. بينما لا تزال الأخيرة تابعةً اكتسبت أهمية أكبر، وأصبح المعيار تدريجيًّا بالنسبة للمغني أن يصاحبه العُود (ومن قبل ربما استُخدم، إذا استُخدم أيُّ شيء، آلةٌ إيقاعية، الرِّق عادةً). وامتدادًا لهذه الممارسة، تطور دليل آخر على استقلال الموسيقى: المقدمة الآلاتية، بنية لحنية أصبحت في زمن الفارابي (ت: ٣٣٩ﻫ/٩٥٠م)، إن لم يكُن قبلَه، آلاتية خالصة في المفهوم.

الصقل المتنامي لتقنية الآلات، كان يناظره — على ما يبدو — براعةٌ متزايدة في التقنية الصوتية. لم يتمَّ الانتباه فقط إلى التنوع في إنتاج الصوت والجرس — رغم أنَّ المصطلحات المستخدمة ليست واضحةً دائمًا لسوء الحظ، وهي سَمعية وانطباعية وليست لفظية — لكن تمَّ الانتباه أيضًا إلى الخصائص الصوتية، بحيث اعتُبر الشعر بمعنًى ما مادةً خامًا، وعلى المغني أن يعالج النسيج الصوتي له بأفضل وجه؛ لذا عليه الاهتمام بتأكيد جمال الكلمات وتعزيزه؛ وفي الوقت ذاته، للمفارقة، خفض قيمة تأثير معناها باستخدامها أداةً لإبراز تأثيرات موسيقية محددة. ولتحقيق الهدف الأخير، يمكن أن تخضع الكلمات أحيانًا لبعض التعديل (ويشمل حتى تغيُّر القافية في مثال سجَّله «الأغاني»). ومع ذلك، من الطبيعي أن يحدث هذا على مستوًى ما تحت المورفيم، ويشمل غالبًا أساليبَ مختلفة (تشمل تكرار المقطع) لتمديد حروف العلَّة.

تتَّضح الطبيعة الوظيفية لتقييم الموسيقي للخصائص الصوتية للشِّعر بتحليل الفارابي، وهو مستقلٌّ تمامًا عن تراث سيبويه، النحوي الشهير من القرن الثاني/الثامن. هنا تقسَّم الأصوات أولًا إلى صوائت، بأقسامٍ فرعية تشمل الحركات وحروف العلَّة والإدغام؛ وثانيًا إلى صوامت. ثم من الواضح أن تقسَّم الأخيرة، طبقًا لمعايير موسيقية، إلى الممتدة وغير الممتدة؛ وتقسَّم الممتدة أكثر على أساسٍ جمالي إلى لينةٍ وأنفية (ل، م، ن) من ناحية، ومن الناحية الأخرى إلى ذلك الذي يُعتبر انتقاصًا من جودة النغمات التي ترتبط بها (الأمثلة المقدمة: ع، ح، ظ).

ويرتبط بطريقةٍ ما بظهور الغناء المُتقَن في القرن الأول/السابع، على ما يبدو درجة من الابتكار في مجال الإيقاع، لكن كما لاحظنا لم تكن الدورات الإيقاعية الثابتة غائبة عن الموسيقى الترفيهية قبل الإسلام، وقد لا تشير الابتكارات المسجلة كثيرًا إلى ابتعاد جديد جذري، بوصفه اتجاهًا لجعل استخدام هذه الدورات (ربما زاد عددها بالتطورات الجديدة) سمةً أكثر أهمية، وربما حتى عامة وواجبة، للنظام الموسيقي. وإذا كان الأمر كذلك، فإن التغيُّر قد يشير مرةً أخرى إلى درجةٍ أكبر من استقلال الموسيقى؛ حيث إنَّ الاستخدام العام لدوراتٍ ثابتة قد يميل لخفض أيِّ تأثير لبنية الشِّعر على النطق الإيقاعي للَّحن. (ربما كان التحول دراميًّا أكثر إذا كان مدى الابتكار الإيقاعي في القرن الأول/السابع أكبر ممَّا يُفترض هنا.) ازدهار أسلوبٍ موسيقي أو استمراره، لا يدمج دورات إيقاعية ثابتة، ربما وجد فقط على هامش الممارسة الأموية (على سبيل المثال حين لا يرافقه ارتجالٌ صوتي) أو في مجالاتٍ محدَّدة؛ مثل: المقدمات الآلاتية المرتجَلة، تعتبر خارج نطاق الكيان الرئيسي للأغنية؛ لأنه حينما تقدَّم تفاصيل تقنية عن أغنية في «الأغاني» تشمل دائمًا إشارةً إلى الدورة الإيقاعية المستخدمة. ومن الواضح أن الدورة الإيقاعية بالنسبة للعلماء العباسيين، كانت لها الأولوية على نمط اللحن معيارًا للتحديد — ربما كان عزله أسهل — لأنَّ الأخير كثيرًا ما يقدَّم مختصرًا، أو لا يُذكر إطلاقًا.

(٣-٣) الموسيقى والشاعر

وربما كان للتغيرات الاجتماعية التي تحدث في القرن الأول/السابع أهميةٌ أكبر من أهمية هذه التطورات التقنية في العلاقة بين الموسيقى والشعر. الموسيقيون الذين ذُكرت أسماؤهم في الأقسام السابقة، كلُّهم من الذكور. بينما استمرَّت القَينة، التي وُضعت في مرتبةٍ أسمى في الموسيقى الترفيهية في الجزيرة العربية قبل الإسلام، تلبِّي وظيفة مهمة، تخلت عن صدارة المكان للموسيقي الذَّكر. ليس من السهل تفسير هذا الانقلاب المفاجئ على ما يبدو، لكن ربما يرتبط بتحولٍ عام في المجتمع الحجازي في تلك الفترة. لم يخضع فقط النسيج الاجتماعي التقليدي لتوتراتٍ شديدة، وخاصة في المراكز الحضرية، حيث ازدهرت الموسيقى الترفيهية، بترسيخ الدولة الإسلامية، لكنْ كان عليه أيضًا بعد ذلك، أن يتوافق مع الفقدان الملازم للسُّلطة السياسية بتأسيس الخلافة الأموية ونقل العاصمة إلى الشام. تبيَّن أن العملية كانت مؤلمةً، وأحدُ أعراضها التعارض المتنامي بين الملتزِمين الأتقياء، وأحيانًا الزُّهاد، بالدين الجديد والنخبة الشابة الباحثة عن اللذة، والاستمتاع بالثروة دون مسئولية، وهي النخبة التي عمل الموسيقيون المحترفون في خدمتها. في هذا السياق، لا يخلو من مغزًى أنَّ عددًا من الموسيقيين الذكور الأوائل الأكثر بروزًا مخنثون؛ لذا شكَّلوا مجموعةً تعمل بمعنًى ما على جانبَي الخط الفاصل بين الذكور والإناث، وربما ساعَدَ ذلك على الحفاظ على بعض مواقف السلوك الاجتماعي الجاهلي وأشكاله بالالتفاف على فصلِ الإسلام بشكلٍ أكثر صلابةً بين الجنسين.

وهكذا ربما اعتُبر أن هؤلاء المخنَّثين يمثِّلون مرحلةً انتقالية وسطى في الانتقال من مهنةٍ تسيطر عليها الإناث إلى مهنة يسيطر عليها الذكور. وممَّا لا شك فيه أنه كانت هناك مراحلُ انتقاليةٌ في ممارسة الأداء أيضًا؛ هناك حكايات، على سبيل المثال، توحي بالإبقاء على عناصر «أنثوية» في التقنية الصوتية لابن سريج (ربما في استخدام أسلوبٍ معين لإنتاج الصوت، أو تسجيل عالٍ مبالغ فيه). يحدث أيضًا إدخالُ الرجال إلى ما كان من قبل قاصرًا على المرأة خارج القيود الصارمة للموسيقى الترفيهية؛ لأنَّ ابن سريج والغَريض بدآ، طبقًا لمَا يرِدُ في «الأغاني»، المهنة ممثلين للنوح، وفي حالة الأخير كانت النساء، بشكلٍ مثير، توَّاقات لتعليمه. ثمَّة عنصرٌ آخَر مشترك بين الموسيقيين الأموين، وهو مكانتهم الاجتماعية: كانوا كلُّهم تقريبًا من الموالي وكان بعضهم، إضافةً إلى ذلك، مشكوكًا في نسَبهم؛ لذا لا يدعو للدهشة أن نجد الكثير منهم على حواف المجتمع الراسخ، يقومون بوظائف لا يسمح المجتمع لأعضائه المعتمدين بأدائها. وبصرف النظر عن عدم التقدير، تمتعت مهنتهم بمزية حاسمة تمنح درجة من الحراك الاجتماعي وإمكانية الحصول على مكافأة مادية.

ويمكن أيضًا النظر إلى الوضع الاجتماعي الخاص الذي عمل فيه المؤدي — وخاصة بقدرِ ما حافَظَ على مبدأ سلوكي غير إسلامي أساسًا — باعتباره أحد الأسباب الرئيسية للمواقف المتغيرة تجاه الموسيقى التي كانت تتبلور إلى عداءٍ صريح من جانب المشرِّعين العباسيين. وبصرف النظر عن الاستياء التلقائي، الذي يصبُّ على أيِّ نوعٍ من الموسيقى تصاحبه ممارساتٌ دينية وثنية رفضها الإسلام؛ يبدو من غير المرجَّح أنه كان هناك أيُّ رفض أولي للموسيقي. بدلًا من ذلك ارتبطت الموسيقى، أو بشكل أكثر تحديدًا الموسيقى الترفيهية، تدريجيًّا بأنشطة متنوعة محظورة، وهكذا اعتبرت بأنها تتضمن، أو حتى تجسِّد، قيمًا تبيَّن أنها غير مقبولة بشكلٍ متزايد والعقيدة الإسلامية تتشكل بشكلٍ أدق. ومن الواضح من الجدل بعد ذلك، بشأن شرعية الموسيقى، أنَّ دعاة العقيدة اعترفوا ضمنيًّا بتقسيم، مؤسَّس على اختلاف الوظيفة، لا يختلف جوهريًّا عن التقسيم المقترَح من قبل في مناقشة العصر الجاهلي؛ ولذا قُبلت الأنشطة الموسيقية التي تصاحب الأنشطة الاجتماعية والاحتفالات وتندمج فيها (وإن كان أحيانًا على مضضٍ، أو تُعرَّف بالخيال الشرعي بأنها شيءٌ غير الموسيقى)، وحُكمَ على الموسيقى الترفيهية والآلات المصاحبة لها بأنها غير شرعية. ارتبطت الموسيقى الترفيهية أساسًا بالعالَم الخُلقي الغامض للمخنَّثين، وروَّاده المتلبِّسين جنسيًّا؛ مع شرب الخمر (في الأدب لا يمكن فصل الاثنَين فعليًّا)؛ وخاصة بشأن الجواري، مع الإثارة الجنسية. وازداد أثرها الإيروسي أكثرَ بحقيقةِ أنَّ شعر الغزل كان الأكثرَ شيوعًا في الشعر الموضوع للموسيقى حتى ذلك الوقت.

في المنطقة المفضَّلة، أظهر أوائل الموسيقيين الأمويين أيضًا تحيزًا واضحًا لشعر معاصريهم، وخاصة شِعرَ عمر بن أبي ربيعة وشعراء الغزل الحجازيين الآخَرين. يبدو أنَّ الموسيقيين والشعراء الحجازيين في القرن الأول/السابع؛ أدركوا إنجازاتِ بعضهم البعض وقدَّروها، بينما يتم تصوير بعض الشعراء البدو التقليديين بأنهم كانوا يستجيبون بسذاجة إلى حدٍّ ما لموسيقى المؤدي الحجازي الحضري المحترف، الذي لم يكونوا قد ألِفوه بعدُ على ما يُفترض. في هذه الظروف — واضعين في الاعتبار حقيقةَ أن الحجاز تبدو، في الشعر والموسيقى في هذه الفترة، مركزَ الابتكار — السؤال الذي يفرض نفسه عادةً عن احتمال تأثير فنٍّ على الآخر، وخاصة إن كان للأسلوب الجديد للموسيقى الترفيهية تأثيرٌ على تطور الشعر. كما قد نتوقع: الأدلة المتوفِّرة لا تسمح بالتوصُّل إلى إجابة قاطعة. ومع ذلك، منذ وُضع في الصدارة الرأيُ بأنَّ بعض أبرز خصائص شعر الغزل الحجازي الجديد قد تُنسب على الأقل جزئيًّا إلى هذا المصدر،٥ هناك عدَّة ملاحظاتٍ عامة ينبغي تقديمها، أساسًا عن الوزن، وعن تطور الشكل والأسلوب والتيمة.
الارتباط التيمي واضح: كان الشعر الذي اختار المغني مادَّتَه غالبًا، الموضوعَ المفضَّل للشاعر، لكنَّ طبيعة الارتباط العِلِّي ليست بهذا الوضوح. لا شك في أنَّ عددًا من قصائد الحُب (أو أجزاء منها) اشتهرت أولَ مرة في شكلِ أغنية؛ وبالتالي، يمكن أن نتخيَّل شاعرًا ناشئًا يركِّز على شعر الحُب لجذب انتباه مغنِّين مشهورين؛ ليكسب جمهورًا أوسع لشِعره، لكنَّ الشعراء ذوي السمعة المستقرَّة، قد لا يشعرون بهذا الضغط؛ لذا لا يمكن في حالتهم أن يُملى الميل لشِعر الحُب — رغم أنه قد يحدث — بما يفضله المغنِّي. ثمَّة عاملٌ آخَر معقَّد يتعلَّق بتوقُّعات جمهور المغنِّي ومتطلباته، أدبيًّا وموسيقيًّا أيضًا؛ باختصار، إلى أيِّ مدًى قد يُفترض أنَّ المغنِّي كان الحَكَم على الذائقة العامة وليس خادمها؟ في الشراكة مع الشاعر، قد يعود إليه الفضل في تعبيرٍ معين مميز؛ ليغير في حساسية ضمن قطاعاتٍ مؤثِّرة من المجتمع الحجازي المرفَّه، لكنْ رغم أن مساهمته في ازدهار شعر الحُب، يحتمل أن يكون لها بعض الأهمية؛ فإنَّ تأثيره بشكل خاص على مادته يمكن فقط أن يكون على نظامٍ عام. وإلى هذا المدى لا تكون نظرية التأثير الموسيقي، في مجالٍ معيَّن من المحتوى التِّيمي، غير مستساغة، لكنها بالأحرى غير كافية باعتبارها فرضيةً تفسيرية؛ حيث إن فائدتها هامشيةٌ فقط في الابتكارات التي ميَّزت قصيدةَ الحُب الحجازية عن النسيب الجاهلي.٦
يمكن طرح حُججٍ مماثلة عن الشكل والأسلوب. إذا افتُرض أن القصيدة سبقَت القطعة؛ فمن المتصوَّر أنَّ ما يفضِّله المغني ربما عجَّل استقرار النسيب بوصفه قسمًا منفصلًا، وهو ما يمكن أن يكون قد تطور بعد ذلك باعتباره قصيدةَ حُب مستقلة، لكن متوسط طول القطعة، لا يمكن أن يكون قد تأثَّر ببنية الأغاني؛ حيث إنها ربما أوحتْ بتطور أشكالٍ أقصر بكثير تتناول موتيفةً واحدة منفصلة. العثور على موسيقي لحَّن قصيدةً كاملة، أو حتى أكثر من عشرة أبيات، أمرٌ نادر جدًّا؛ يختار عادةً بيتَين أو ثلاثة. وبالإشارة إلى الأسلوب، كان الإيحاء بأنَّ أحد أسباب البساطة الشديدة للُّغة في شعر الحُب الحجازي الرغبةُ في تعزيز تأثيره حين يُغنَّى؛ ربما لا يكون خطأ واضحًا، لكن من الصعب أن يكون مقنعًا. يمكن أن يُعزى تقليص المجال المعجمي بسهولةٍ تامة إلى الطبيعة الخاصة للمحتوى التيمي، ولتبنِّي نبرة المحادثات المتكررة. على أية حال، إنَّ الإيحاء بأنَّ نصوص الأغاني تميل عادةً باتجاه البساطة، ربما يُهمَل هو نفسه باعتباره تبسيطًا، سمةٌ بارزة للكثير من الشعر الشعبي العربي الذي يغنى، عادة — على سبيل المثال — تُعقد القافية؛ ممَّا يؤدي إلى تكرار التورية والجناس.

ثمَّة حجةٌ عامة أقوى إلى حدٍّ ما، يمكن طرحها بأنَّ ممارسة الموسيقى أثَّرت على طول البيت؛ وبالتالي البحر أيضًا. افتراض أنَّ غناء بيت الشعر يستغرق عادةً وقتًا أطول بكثير من إلقائه، ربما كان هناك اتجاه، خاصة، في ردِّ فعلٍ للتعقيد المتزايد في بنية اللَّحن، لتفضيل الأبيات الأقصر عند تأليف شعر للغناء. ولا يساعد هذا فقط على ضمان الفَهْم، بل يحافظ أيضًا على البيت المفرد وحدةً مستقرة للإدراك؛ ولذا يبدو أن هناك مبرِّرًا أكبر للإيحاء بأنَّ ممارسة الموسيقى والرغبة في تأليف شعرٍ أسهل شجَّعتا على زيادة انتشار البحور الخفيفة والقصيرة (على سبيل المثال: الهَزَج، والرَّمَل، والسريع، ومجزوء الكامل، والوافر)، لكن قد يكون من الأفضل النظر إلى هذه القضية الخاصة، في سياق مناقشةٍ أوسع للعلاقة بين البحر الشعري والإيقاع الموسيقي.

(٣-٤) الإيقاع والعروض

البنية الإيقاعية للموسيقى العربية المبكِّرة والشعر، من المجالات الواضحة التي قد نتصور علاقةً مستقرة بينهما يتمُّ الحفاظ عليها بوعيٍ ويمكن قياسها بسهولة. يتطلَّب الأمر اعتبار اللَّحن تنظيمًا للنغمات، منفصلًا تمامًا عن ملامح النغمة الغامضة التي يمكن اشتقاقها من أنماطٍ منغمة من الحديث؛ لكنْ قد يكون هناك نوعٌ من التوازي بين المجموعات المنتظمة من المقاطع الطويلة والقصيرة (مع أيِّ أنماطِ توتُّر مرافِقة) مشكِّلةً النبضة العَروضية والمساحات المعيارية للإيقاعات في دورة إيقاع.

يؤكِّد التراث العربي نفسه على العلاقة بين الاثنَين. الأبوة نفسها، أبوة الخليل بن أحمد، تنطبق على دراسة العَروض ودراسة الإيقاع، بينما يستخدم عددٌ كبير من المنظِّرين بعد ذلك تقنياتٍ للتحليل ومصطلحاتٍ مستمدَّةً من علماء العَروض. وهناك أيضًا تداخُلٌ واضح، وإن يكُن جزئيًّا، في التسمية؛ لأنَّ اسمَي البحرَين الشعريَّين، الرَّمَل والهَزَج، يُستخدمان أيضًا للدلالة على إيقاعاتٍ موسيقية، وبحر ثالث، الخفيف، يُستخدم مرةً أخرى أحيانًا لدورةٍ إيقاعية معيَّنة، رغم أنَّه يُستخدم أكثر للدلالة على مجموعةِ إيقاعات. لهذه الاقترانات الخاصة أهميةٌ إضافية؛ لأنَّ البحور الشعرية المعنيَّة نادرةٌ نسبيًّا في مجموعة النصوص الجاهلية، ولم تبرُز إلا في شِعر الحُب الحجازي في القرن الأول/السابع؛ لذا يبرُز فورًا احتمالُ أنَّ بعض الخصائص الإيقاعية في الأسلوب الجديد ذي الشعبية المتزايدة، أسلوب الغناء المتقن، أثَّرت على نظام البحور الشعرية، إن لم يكُن في وضعِ بِنًى جديدة، فعلى الأقلِّ في تحويل ميزانِ شعبيةِ البحور الموجودة.

(٣-٥) تحليل الإيقاع

لكنَّ أيَّة فرضية حول تأثير البنية الإيقاعية على البنية العروضية (أو العكس)؛ يمكن اختبارها، على الأقل في الحالة الأولى، بمقارنة النظامَين فقط. وهنا تظهر عدَّة صعوبات؛ لأنه بينما دوِّن نظام البحور الشعرية في مجموعةٍ متَّفق عليها من البِنَى المُثلى، كل منها بعدَّة تنوُّعات مسموح بها؛ يبقى نظامُ الإيقاعات الموسيقية في المقابل غامضًا. وأيضًا، حيث إنَّ المكوِّنات الفردية تخضع لتغيُّر تاريخي، ليس هناك ما يضمن أن المعلومات الواردة في المصادر العباسية صالحةٌ للفترات السابقة. وإضافةً إلى ذلك، أقدَمُ التقارير الموجودة — تقارير الكندي (ت: ٢٦٠ﻫ/٨٧٤م)، وابن خلدون (ت: ٣٠٠ﻫ/٩١١م تقريبًا)، والفارابي (ت: ٣٣٩ﻫ/٩٥٠م تقريبًا) — تختلف عن بعضها البعض في جوانبَ مهمَّة. وإضافةً إلى ذلك، يصعُب تفسيرها أحيانًا وتكون غيرَ دقيقة أحيانًا. حتى التسمية تختلف إلى حدٍّ ما؛ ما يلي، على سبيل المثال، الإيقاعات المذكورة في «الأغاني» وعند الكندي، أقْدَم المنظِّرين:

الأغاني الكندي
ثقيل أول ثقيل أول
ثاني ثقيل ثقيل ثاني
خفيف الثقيل خفيف الثقيل
خفيف الثقيل الأول
ماخوري ماخوري
رمل رمل
خفيف الرمل خفيف الرمل
هزج هزج
خفيف الهزج
خفيف الخفيف
يتفق الكندي وابن خلدون (كما يقتبس عنهما إسحاق الموصلي) في مخطَّطٍ من ثماني دورات إيقاعية أساسية، لكن ليس من الواضح إن كان هذا يعكس الممارسةَ بدقَّة، أو ربما كان من بعض النواحي بناءً مصطنَعًا. وقد نتذكَّر أنه كانت هناك ثمانية أنماط لحنية أيضًا، ويبدو من غير المتوقَّع العثور على نظامٍ للإيقاعات يعكسها ليس فقط في العدد الكلي للمواد لكن أيضًا (رغم عدم الاتساق) في التقسيم الفرعي إلى مجموعتَين (في هذه الحالة مجموعة الثقيل ومجموعة الخفيف). في القرن الرابع/العاشر يقدِّم الفارابي وصفًا مختلفًا إلى حدٍّ ما وأكثر تفصيلًا بكثير للدورات الإيقاعية. معالجته النظرية للموضوع معقَّدة جدًّا، ويبدو التقرير عن الإيقاعات المقدَّم في الإيقاعات، على سبيل المثال، مرةً أخرى ناتجًا إلى حدٍّ كبير من رغبةٍ في التنظيم بقدْرِ ما هو ناتجٌ من ملاحظة محايدة، لكنْ لا يوحي هو أو المنظِّرون بعد ذلك، وقد قدَّم بعضهم تقريرًا أكمل عن الممارسة، بأيِّ تكافُؤ بين الأنماط والإيقاعات، سواءٌ في العدد الكلي أو المجموعات الداخلية.
ثمَّة صعوبةٌ أكثر صلةً بالموضوع في أيَّة محاولةٍ لمواجهة الإيقاعات مع بحور الشِّعر، وهي تعريفات الدورات الإيقاعية المفردة نفسها. يدمج الفارابي المتغيرات في بعض تعريفاته بطريقةٍ تثير المشاكل في ذاتها. وهكذا يُعرَّف الرَّمَل، على سبيل المثال، بأنه (س + ٢) + (س + ١) + (س +٣)، مسفرًا عن دورات محتملة من ٢ + ١ + ٣ (س = ٠)، ٣ + ٢ + ٤ (س = ١)، ٤ + ٣ + ٥ (س = ٢). من المُنصِف إذن، مع استثناءٍ جزئي للفارابي، أن نقول إنَّ المنظرين يقدمون البِنى التي لا تستنفد، بحالٍ من الأحوال، الاحتمالات التي تواجَه في الممارسة. يمكن تفسيرها بالأحرى باعتبارها أنماطًا أصلية، كلٌّ منها يرمز لمجموعة أشكال متنوعة متوفرة، مميَّزة عن المجموعات الأخرى بخصائصَ مميِّزة. وهكذا يمكن للدورات بهذه الطريقة أن تُعدَّل، ليس فقط بالأقسام الفرعية الداخلية والترخيم — خصائص لا تختلف في ذاتها جذريًّا عن التنوع العروضي المسموح به — لكن أيضًا، كما يبدو، بالتوسُّع، أي بتكرارِ مُكافئ التفعيلة العَروضية. وإضافةً إلى ذلك، استخدام مصطلحَي «الثقيل» و«الخفيف» لكلِّ من البحور والإيقاعات مخادِع؛ لأنه، رغم أنه بدون شكٍّ مبرَّر بالتأثيرات المتماثلة عمومًا؛ فإنه يخفي اختلافًا بنيويًّا أساسيًّا. التمييز بين البحور «الثقيلة» و«الخفيفة» (على سبيل المثال، الطويل والهَزَج) قائمٌ عمومًا على طول البيت، بينما التقابل المناظر في الإيقاع، رغم أنه أيضًا تنوع البنية، يرتبط أساسًا بالإيقاع. وهكذا إذا أخذنا، على سبيل المثال، الأوصاف التي يقدِّمها الكندي، يمكن أن نقدِّم ما يلي باعتباره تفسيرًا حدسيًّا (o تمثِّل وحدةَ الزمن مميَّزًا بالإيقاع، و«.» وحدة زمنية غير مميزة):٧
البطيء/الثقيل السريع/الخفيف
ثقيل أول o o o . خفيف الثقيل o o o .
ثقيل ثانٍ o o o . o ماخوري o o . o .
رمل o . o o . خفيف الرمل o o o
خفيف الخفيف o o .
هزج o o . .

(٣-٦) الارتباطات

ممَّا يدلُّ على الطبيعة الإشكالية بين الإيقاع والبحر، أنَّ المصطلحات المشترَكة بين الاثنَين هي الأصعب استيعابًا. رغم أنَّ منطق التضادِّ الرَّمَل/خفيف الرَّمَل، مدعومًا بالفارابي، يقسِّم الرمل ضمن المجموعة البطيئة؛ فإنه يرتبط في «الأغاني» بالأسلوب «الخفيف». مرةً أخرى، رأينا أنَّ مصطلح الهزج كان من قبل يُستخدم للدلالة على هذا الأسلوب، ولم يكتسب دلالاتٍ إيقاعيةً معينة حتى العصر الأموي؛ وحتى حينذاك ربما استمرَّ يعمل مؤشِّرًا لجنس وليس ببساطة اسمًا لدورة معينة؛ لأنه رغم الشعبية المزعومة للهزج، فإن عدد الأغاني في دورة إيقاع الهزج المذكورة في «الأغاني» صغيرٌ جدًّا، ربما لأنها اعتبرت ذات قيمةٍ فنية أقلَّ، ولا تستحق التسجيل. وإضافةً إلى ذلك، يدلُّ الهزج عند الفارابي على المفهوم المجرَّد لنبضةٍ إيقاعية متكرِّرة، وأيضًا على دورةٍ معيَّنة؛ لذا يبدو أنَّ مصطلح الهزج يشمل حزمةَ خصائص، وليس من المؤكد بحال من الأحوال إنْ كان في أيِّ وقت عنصرًا شائعًا مشتركًا للبنية العروضية والإيقاعية التي وجَدَت وظيفتها في الموسيقى والشعر.
لكن إذا حاولنا ربطَ التفسير السابق لأوصاف الكندي بالتفعيلات العروضية؛ فإنه يمكن تحديد نوع من التوازي في حالتَين. دورة الرمل (° .° ° .) يمكن ربطها ﺑ «فاعلن»، وهي، ضمن أخرى، تفعيلة بحر الرمل (° – –° = ٢ + ١ + ٢ = ° . ° ° .)، بينما يمكن بشكل مماثل ربط ماخوري (° ° . ° .) ﺑ «فعولن»، تفعيلةٌ توجد في الطويل والوافر، وأساسية في المتقارب (– –° –° = ١ + ٢ + ٣ = ° ° . °.). وأشباه هذا النوع، يذكُرها صراحةً الحسن بن أحمد بن علي الكاتب (أواخر القرن الرابع/العاشر)، وإن كانت فقط تهمل لأنها نادرة، وتجنَّبها الموسيقيون الجيدون. لكنْ سواءٌ أُغرينا أو لم نُغرَ بالبحث هنا عن أصلٍ محتمل لدورة إيقاعية أو نمط عَروضي؛ لا يوجد يقينٌ بأن الارتباط كان له صلاحية بالنسبة للممارسة الأُموية.

والأهم أنه يمكن الجدل بأن العناصر المتجاورة، لم يتضح أنها قابلةٌ للقياس. تفعيلة الشعر، بتجاهل أشكالها المتنوعة، لا لبس فيها، ويمكن استخراجها من الشعر الموجود. الإيقاع الموسيقي، من الناحية الأخرى، لا يمكن استخراجه من أغنيةٍ بالطريقة نفسها (إلا إذا نظرنا إلى الإيقاع المصاحِب منعزلًا)؛ لأن المغني لم يكُن مضطرًا لجعل الكلمات تُناسب الإيقاع بالمعنى نفسه الذي كان به الشاعر مرغَمًا على اختيار الكلمات التي تناسب البحر. التطابق بين بنية الشعر (التفعيلة) وبنية الدورة الإيقاعية — كما تطبق على اللَّحن — ربما حدث بشكل متقطِّع، لكنه لم يكُن ممنهجًا. وبالنسبة للحسن بن أحمد بن علي الكاتب، لم يتطلَّب علم الجمال المعاصر أي تطابق، وهكذا قد يمتنع الموسيقي متعمِّدًا عن وضع شعرٍ لإيقاع بأنماط التأكيد نفسها، لكن بصرف النظر عمَّا إن كان هذا الموقف خاصًّا بالعصر العباسي؛ تبقى حقيقة أن الارتباط الصالح الوحيد بين العرض العَروضي واللحني للكلمات، قد يكون واسعًا بدرجةٍ تستبعد احتمال المقارنات المهمة في أية حالة؛ لا يمكن أن نقول أكثر من أنَّ المقاطع الطويلة في الغناء يمكن أن تبقى في المتوسط أطولَ بشكلٍ دالٍّ من المقاطع القصيرة، لكنْ ليس بالنسبة التقريبية ٢: ١ للشكل المنطوق. يعرض التدوين بعد ذلك المقاطعَ الصغيرة منتشرةً على وحدة زمنية أو اثنتَين، بينما تختلف المقاطع الطويلة في المدة من وحدتَين زمنيتَين إلى أكثر من خمسين وحدة. وربما لم تقدِّم الممارسة الأموية مثلَ هذه التناقضات المفرطة، لكن من المؤكَّد حدوث الامتداد النسبي للمقاطع الطويلة.

ويتبع ذلك أنَّ الاستخدامات الإيقاعية والعروضية للبِنَى المتجاوِرة من قبل؛ كانت مختلفةً تمامًا. وترتبط الأخيرة مباشرةً بالكلمات، بينما الأُولى لا ترتبط مباشرةً بها، وليس لها وظيفة تنظيمية تتعلق بها. ونتيجةً لذلك لا جدوى من البحث عن دافعٍ موسيقي للشعبية المتنامية للبحور «الخفيفة» في هذا المستوى من التحليل. في الغياب الظاهري لعلاقةٍ بنيوية أو كمية، يبقى — مع ذلك — أنْ نرى أنه ربما كان هناك تناظُر تقليدي فعَّال، بحيث يُدرَك أنَّ إيقاعًا معينًا، وإن يكُن بشكلٍ عشوائي، مناسبٌ أكثر لوضع الشعر في بحرٍ معين. ويتبع هذا أنه إذا كان الموسيقيون يفضِّلون إيقاعًا مثل هذا بشكل خاص؛ فإن ذلك قد يشجِّع الشعراء على استخدام البحر بشكلٍ ذاتي مرافقًا له.

(٣-٧) بيانات مقارنة

ربما لا تكون الأدلة التي يقدِّمها «الأغاني» قاطعةً، لكن لا يمكن تأكيد هذه الفرضية. ربما يمكن التعبير عن المعلومات ذات الصلة في المجلدات ١–٥ من الكتاب بشكلٍ أكثر دقة في جداول؛ ممَّا يمكِّننا من مقارنةِ الشعبية النسبية لمختلف الدورات الإيقاعية مرتبطةً ببحور الشعر الموضوعة بين فتراتٍ مختلفة وداخل الفترة نفسها، بين موسيقيين مختلفين.

هناك، لسوء الحظ، عدَّة عوامل معقدة تتطلَّب ملاحظاتٍ تمهيديةً موجزة. المنطقة التي تمت تغطيتها في الأعمال النظرية المبكرة للزوج خفيف الثقيل الأول وخفيف الثقيل الثاني (ماخوري مرادف له)، موزعة في «الأغاني» بين ثلاثة مصطلحات: خفيف الثقيل، وخفيف الثقيل الأول، وخفيف الثقيل الثاني ماخوري. وقد يكون خفيف الثقيل(وهو الأكثر تكرارًا بين الثلاثة) ببساطة مصطلحًا أكثر عموميةً، يشمل الاثنين الآخرين؛ ربما كان في العصر الأموي غير متميِّز نسبيًّا. ربما يمثل خفيف الثقيل الثاني/ماخوري خاصة نظرًا لارتباطه الخاص بإبراهيم الموصلي (١٢٥–١٨٨ﻫ/٧٤٢–٨٠٤م)؛ تطورًا بعد أموي بشكلٍ كامل (يقال إن مؤلَّفًا واحدًا فقط وُضع به في العصر الأموي). لكن إذا كان الأمر كذلك، فإن إدراج الأول في المجالس الأموية يمكن اعتباره إضافةً للعلماء بعد ذلك، وإن لم يكن كذلك، يبقى التمييز بين خفيف الثقيل وخفيف الثقيل الأول غامضًا. ونتيجةَ هذا الارتباك بشأن المجال الدقيق لكل مصطلح؛ جُمِع الثلاثة معًا. وفي مواضع أخرى، ربما ينتج عدم الدقة من التعامل العشوائي إلى حد ما مع حالات تُنسب لمزدوج أو متعدد، ومن تضمين كيانات مكرَّرة غير محددة، لكنْ إذا كان عدم الدقة يفترض أنه انتشر بالتساوي تمامًا؛ فإن درجة التشوُّه المتضمَّنة لا تكون مرتفعة جدًّا.
يشمل الجدول ٢١-١ المجالس الأموية فقط. الموسيقيون الذين يمثلون الغالبية العظمى منهم، يمكن بشكلٍ معقول أن يشكِّلوا مدرسةً واحدة، بحيث لا يمثِّل الجدول ٢١-١ من هذا المنظور دمجًا لاتجاهاتٍ مختلفة (رغم أنه، كما نرى، قد يكون هناك تنوعٌ كبير من موسيقيٍّ إلى آخر). العلاقات ذات الصلة بين الأستاذ والتلميذ٨ (وينبغي ألًا يُفهَم أنَّها تتضمَّن بالضرورة علاقةَ تلمذة لفترة طويلة) يوضِّحها الشكل ٢١-١؛ الأسماء الموضوعة في مستطيلات هي الأسماء التي ذكر الأصفهاني مؤلَّفاتها أكثر.
لأهدافِ المقارنة، يوضِّح الجدول ٢١-٢ المجالسَ العباسية المبكِّرة. اعتُمد التخطيط نفسه، بحيث يكون هناك مدخلٌ واحد مركَّب لخفيف الثقيل، رغم الصِّلة الوثيقة للعصر العباسي بالتمييز بين خفيف الثقيل الأول وخفيف الثقيل الثاني/ماخوري. المساهمون الرئيسيون في الجدول ٢١-٢: إبراهيم الموصلي، وإسحاق الموصلي، وابن جامع، وعَريب، ومتيم، وعَلَّوَيْه، وسياط، ومخارق. العلاقات ذات الصلة بين المعلِّم والتلميذ (تختلف، كما كانت من قبل، في أهميتها اختلافًا كبيرًا) يوضحها الشكل ٢١-٢.٩ ويمكن ملاحظة أن يحيى المكي ويونس الكاتب يقدِّمان روابطَ مباشرةً مع الممارسة الأموية، ويقال إن الأخير كانت له اتصالاتٌ مع ابن مُحْرِز وابن سريج والغريض، وآخرين.
fig5
شكل ٢١-١: العلاقات بين الأساتذة والتلاميذ في العصر الأموي
fig6
شكل ٢١-٢: العلاقات بين الأساتذة والتلاميذ في العصر العباسي
جدول ٢١-١: المجالس الأموية
البحر/الإيقاع ثقيل أول ثاني ثقيل خفيف الثقيل رمل خفيف الرمل هزج خفيف الهزج المجموع النسبة المئوية
طويل ٥٢ ٢٦ ٢٣ ٢٠ ٩ ٤ ٠ ١٣٤ ٢١,٦
كامل ٣٧ ١٥ ٢٧ ١٥ ١٣ ٢ ٠ ١٠٩ ١٧,٦
خفيف ٢٩ ١٢ ٤٠ ١٤ ١٣ ٠ ١ ١٠٩ ١٢,٦
وافر ٢٣ ١٢ ١٩ ١٠ ٨ ٠ ٠ ٧٢ ٧١,٢
بسيط ١٧ ٨ ١٣ ٩ ٥ ١ ١ ٦٤ ٨,٧
رمل ٥ ١٠ ١٤ ١٠ ٧ ١ ٠ ٤٧ ٦,٧
منسرح ٧ ٤ ٨ ٧ ٤ ١ ٠ ٣١ ٥
متقارب ٣ ٨ ٦ ٧ ٣ ٠ ١ ٢٨ ٤,٥
سريع ٢ ٥ ٢ ٣ ٢ ٠ ٠ ١٤ ٢,٣
مديد ٦ ٢ ٤ ٠ ٢ ٠ ٠ ١٤ ٢,٣
آخر ٢ ١ ٠ ٣ ٣ ٠ ٠ ٩ ١,٤
المجموع ١٨٣ ١٠٣ ١٥٦ ٩٨ ٦٩ ٩ ٣ ٦٢١
النسبة ٢٩,٥ ١٦,٦ ٢٥,١ ١٥,٨ ١١,١ ١,٤ ٠,٥
جدول ٢١-٢: المجالس العباسية
الإيقاع/البحر ثقيل أول ثاني ثقيل خفيف الثقيل رمل خفيف الرمل هزج خفيف الهزج المجموع النسبة المئوية
طويل ٣٢ ٢٠ ٢٣ ٢١ ١٣ ٥ ٠ ١١٤ ٣١,٨
كامل ١٣ ٩ ٧ ١٣ ٤ ٢ ١ ٤٩ ١٣,٧
خفيف ١٠ ٩ ١٠ ٩ ٥ ٣ ٠ ٤٦ ١٢,٨
وافر ٧ ٧ ١١ ٩ ٥ ٣ ١ ٤٣ ١٢
بسيط ٥ ١ ٤ ٤ ٢ ٦ ٠ ٢٢ ٦,١
رمل ٥ ٥ ٧ ٤ ٣ ٣ ١ ٢٨ ٧,٨
منسرح ٤ ٠ ٣ ٢ ٣ ٠ ٠ ١٢ ٣,٤
متقارب ٤ ٦ ٥ ٢ ٢ ٠ ٠ ١٩ ٥,٣
سريع ٣ ١ ٣ ٠ ٣ ١ ٠ ١١ ٣,١
مديد ٢ ٠ ٣ ١ ١ ١ ٠ ٨ ٣,٢
آخر ٢ ٠ ٠ ١ ٢ ١ ٠ ٦ ١,٧
المجموع ٨٧ ٥٨ ٧٦ ٦٦ ٤٣ ٢٥ ٣ ٣٥٨
النسبة ٢٤,٣ ١٦,٢ ٢١,٢ ١٨,٤ ١٢ ٧ ٠,٨
من الواضح أن الجدول ٢١-١ والجدول ٢١-٢ متماثلان في الصورة العامة. يوحي الجدول ٢١-٢ بأنَّ بين الإيقاعات انخفاضًا نسبيًّا ضئيلًا في شعبية مركب ثقيل الأول وخفيف الثقيل، مع زيادةٍ هامشية مناظِرة في شعبية الرمل، وزيادةٍ ملحوظة بشكلٍ أكبر إلى حدٍّ ما في نسبة الهزج، لكن يبقى الهزج نادرًا إلى حدٍّ ما، بنسبة متواضعة ٧٪، والتغير الكلي صغير بشكلٍ لافت. إضافةً إلى ذلك، إذا اعتُبر الرمل إيقاعًا «ثقيلًا»؛ فإن العلاقة بين «الثقيل» و«الخفيف» تبقى أيضًا بدون تغيير فعليًّا، تشكل الإيقاعات «الثقيلة» ٦٢٪ من الجدول ٢١-١، ٥٩٪ من الجدول ٢١-٢. (وإذا لم يعتبر كذلك، يكون هناك انخفاض من ٤٦٪ إلى ٤٠,٥٪.) التغيرات في التكرار النسبي لمختلف البحور غير ملحوظ أيضًا عمومًا، باستثناءٍ لافت وهو بحر الطويل، الذي تزيد هيمنته بشكلٍ غير متوقَّع إلى حدٍّ ما؛ ليكون مسئولًا عن ثلث المجالس كلها تقريبًا في الجدول ٢١-٢.
أهمية الطويل بمثابة تذكير بأنَّ ولع الموسيقيين بالبحور الخفيفة — يفترض أنَّ شعبيتها مشجعة — لم يكُن شديدًا بحال من الأحوال. مقارنة الجدول ٢١-١ بتكرار جدول البحور المستخدمة في الشعر البدوي المبكِّر (وليكُن في «المُفضَّليَّات»)؛ لا يوضح انعكاسًا دراميًّا للتفضيلات السابقة، لكن بالأحرى تسطيحًا عامًّا للاختلافات بين البحور. لا تزال البحور الأربعة (الطويل والكامل والوافر والبسيط)، وتمثِّل الغالبية العظمى (٨٣٪) من قصائد «المفضليات». بينما تفقد تفوُّقها الكاسح، تحتلُّ أربعة من المواضع الخمسة الأُولى في الجدول ٢١-١، وتمثل بينها ٥٩٪ من المجموع الكلي (رغم أن هذا الرقم يُخفي الميل باتجاهِ استخدامٍ أكثر لمجزوء الكامل والوافر). البحور «الخفيفة» التي تبدو أكثر بروزًا هي الخفيف، والرمل بدرجةٍ أقل، ويمثلان معًا ٢٥٪ من المجموع الكلي في الجدول ٢١-١، و٢٠٪ من الجدول ٢١-٢. من المثير بشكل كبير، بالطبع، أنَّ البحرَين ارتفعت شعبيتهما بسرعةٍ هائلة، وأنهما الاسمان اللذان يُعتبران أيضًا مصطلحَين تقنيَّين يرتبطان بالإيقاع الموسيقي، لكنْ لسوء الحظ، لا يمكن إلا أن نلاحظ الحقيقة؛ حيث، كما رأينا، من الصعب جدًّا أن نؤسِّس روابطَ ذات مغزًى بين الاستخدامات العَروضية والموسيقية لهذَين المصطلحَين.
بالنسبة للاختلافات بين الجدول ٢١-١ والجدول ٢١-٢ في المزاوجة بين البحور والإيقاعات، لن تكون هناك إشارةٌ لمجموعاتٍ مع بحور السريع وما دونه، وإيقاعات الهزج وخفيف الهزج؛ بسبب الحجم الصغير للعيِّنة. النقطة المهمَّة التي ينبغي ملاحظتها بشأنهما في السياق الحالي، أنَّ الجدول ٢١-١ والجدول ٢١-٢ لا يعرضان بينهما أكثرَ من مثالٍ لقصيدة من الهزج في إيقاع الهزج. وبمقارنة المجالس في مختلف الإيقاعات في صورة نسبة مئوية من المجموع الكلي لكل بحر، يوضِّح الجدول ٢١-٢ عدَّة تغيرات مهمة، ورغم عدم ظهور نمطٍ واضح منهما يمكن مع ذلك تحديد انخفاضٍ نسبي في نسبة مجموعات البحور «الثقيلة» مع الإيقاعات «الثقيلة»، و«الخفيفة» مع «الخفيفة». ومقارنةُ مجالس مختلف البحور، في صورة نِسب مئوية من المجموع الكلي، بالنسبة لكلِّ إيقاع، يقدِّم تناقضاتٍ حادَّةً أقل بين الجدولَين، لكنْ يبدو أن الاختلافات تشير إلى الاتجاه العام نفسه، وتشير خاصة إلى توزيع متساوٍ أكثر إلى حدٍّ ما للطويل في كل الإيقاعات.
التنوعات الداخلية في الجدول ٢١-١، رغم أنها أكبر من الموجودة في الجدول ٢١-٢، ليست درامية. يبدو أنها تشير إلى تفضيلٍ هامشي للمزاوجة بين البحور «الخفيفة» والإيقاعات «الخفيفة»، والبحور «الثقيلة» والإيقاعات «الثقيلة»، لا أكثر. وهكذا، رغم بروز مجموعات خاصة — وخاصة الطويل/ثقيل الأول، والخفيف/خفيف الثقيل — لا يبدو أنَّ هناك مؤشرًا قويًّا لميلٍ باتجاه مزاوجاتٍ تقليدية خاصَّة، قد توحي بتأثيرٍ موسيقي محتمَل.
يبدو أنَّ اختيار الإيقاع، كان يحدِّده عمومًا الميلُ الشخصي للموسيقي أو مجاله الخاص بالخبرة التقنية. الغالبية العظمى من أغاني معبد، على سبيل المثال، في ثقيل الأول. بينما يبرهن مالك على تفضيل إيقاع(ات) خفيف الثقيل. (ومن الصحيح بدون شكٍّ أنه بمجرَّد رسوخ هذه الارتباطات، يوجد ميلٌ يُنسب تلقائيًّا قطعًا لمؤلِّف مجهول، لكنَّ التأثير يقتصر على تشويه الصورة، لا خَلْق صورةٍ زائفة تمامًا.) أحد أمثلة التنوع في اختيار الإيقاع قد يُرَى في الجدول ٢١-٣، الذي يتضمن كل المجالس في المجلدات ١–٥ من «الأغاني» (باستثناء واحد في خفيف الهزج) لشعر لعمر بن أبي ربيعة.
جدول ٢١-٣: مجالس قصائد لعمر بن أبي ربيعة
الإيقاع/البحر ثقيل أول ثاني ثقيل خفيف الثقيل رمل خفيف الرمل ثقيل أول ثاني ثقيل خفيف الثقيل رمل خفيف الرمل
طويل ٤ ٢ ١ ١٠ ١ ٤ ٢ ١ ٠ ٠
كامل ٢ ٠ ٠ ١ ١ ٢ ٠ ٤ ٠ ٠
خفيف ١ ١ ٣ ٦ ١ ٢ ١ ٣ ٠ ٢
وافر ٢ ١ ٥ ٣ ١ ٤ ١ ٢ ٠ ٢
بسيط ١ ٠ ٠ ٤ ٣ ١ ٠ ٢ ٠ ٠
رمل ١ ٣ ٠ ٤ ٣ ٠ ٢ ٠ ٠ ٠
متقارب ١ ٣ ٠ ٣ ٠ ٠ ٣ ٠ ٠ ٠
ابن سريج الغريض
الإيقاع/البحر ثقيل أول ثاني ثقيل خفيف الثقيل رمل خفيف الرمل
طويل ٧ ٣ ٤ ٠ ٠
كامل ٣ ١ ٤ ٠ ٠
خفيف ٣ ١ ١٣ ١ ٣
وافر ٣ ١ ٤ ١ ٠
بسيط ٢ ٠ ٣ ٠ ٠
رمل ١ ٢ ٤ ٠ ٠
متقارب ٠ ٢ ٣ ٣ ٢
موسيقيون آخرون

المجالس المنسوبة لكلٍّ من ابن سريج والغريض، أو إلى أحدهما أو موسيقي آخر، أُدخلت في الأعمدة ذات الصلة.

بصرف النظر عن العدد الأقل من المتوسط للمجالس في الكامل، لا يوضِّح الجدول ٢١-٣ شيئًا غيرَ متوقَّع بشأن التوزيع النسبي للبحور. وبالنسبة للإيقاع، يبدو ما يفضِّله الغريض نموذجيًّا جدًّا، ويختلف عن المتوسط فقط في الاستخدام الأقل قليلًا لإيقاع (ات) خفيف الثقيل. الأرقام بالنسبة لابن سريج، في المقابل، توضِّح ميلًا لافتًا وغريبًا للرَّمَل (يمثل ما لا يقلُّ عن ٤٣٪ من المجالس المنسوبة له) مصحوبًا بانحرافاتٍ أقل عن المتوسط في عدة مداخل لخفيف الرَّمَل، وخاصةً في انخفاض عدد خفيف الثقيل.

قد يكون من السهل التسليم بأن المعلومات الواردة في الجداول الثلاثة ليست محلَّ ثقة بحالٍ من الأحوال في جميع النواحي، لكنْ من الصعب الشك في أنها تقدِّم لنا انعكاسًا دقيقًا عمومًا لسماتٍ عامة؛ لذا، بالنسبة لمجال معيَّن للإيقاع والبحر، يمكن أن نقبل بأمان أنَّ الفرضيات التي تقدَّم أحيانًا بشأن تأثير الموسيقى على تطوُّر الشِّعر في القرن الأول/السابع؛ لا تقبل التوضيح على أساسِ الأدلة المتوفرة حاليًّا. ومع ذلك، لنخلص إلى أنَّ مِثل هذا التأثير المباشر على البحر، ربما لا ينخفض بحالٍ من الأحوال بإنكار احتمال التفاعل الخلَّاق والمثمِر بين الموسيقي والشاعر، لكنْ بالأحرى عن المستوى الذي ربما كان يتمُّ به ذلك.

١  راجع: Farmer, Sources, 19–37.
٢  الأسد، القِيَان، ٩٥–١٠٠.
٣  الأسد، القِيَان، ٩٥–١٠٠.
٤  انظر، على سبيل المثال: Farmer, History, 51.
٥  انظر، على سبيل المثال: ضيف، التطور [والتجديد في الشعر الأموي]، ١٠١–١٠٥.
٦  انظر، مع ذلك: Vadet, Esprit courtois, 71–102، لكن قارن: J. E. Bencheikh, “Musicien”.
٧  لتفسيرٍ مختلف، راجع: Farmer, “Music,” 448.
٨  عن: Farmer, History, 53–58 and 77–86.
٩  عن Neubauer, Mustker, 140–152. يقِّدم Farmer, History أشكالًا مختلفة لبعض هذه الأسماء: عريب، متيم، سياط.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥