الرُّهاب الاجتماعي
الأمر أشبهُ بكاميرا تقترب من وجهٍ مُروَّع، أحمر، مذعور وتُكَبِّرُه … إنني أبدو محرَجة وعصبية بحق.
صورةٌ لي أبدو فيها مذنبًا، وعصبيًّا، وقلقًا، ومحرَجًا. إنه وجهي؛ الملامح مشوَّهة وضخمة: أنف كبير، ذقن نحيل، أذنان كبيرتان، ووجه أحمر. وضعيةُ الجسم غريبة قليلًا: وضعية منكمشة، متقوقع فيها على نفسي. نبرة صوتي مُبالغ فيها. أبدو غبيًّا، لست لبِقًا ولا أستطيع التواصل جيدًا.
أرى الغرفة، إنها غرفة كبيرة، الطاولات موضوعة في جميع أنحائها على شكل مربع، والناس يجلسون خلف الطاولات. أنا جالسة على طاولة. الجميع ينظرون إليَّ محدقين فيَّ بحق. أبدو مرعوبة، الأمر بادٍ في عيني، مرتجفة، إنني أتحدث ولكن لا أستطيع سماع نفسي. إنني أميل إلى الأمام، يداي أمامي، وأعبث بخاتَمي. الناس أقرب إليَّ مما يكونون عليه حقًّا.
يرجع أول وصف من هذه الأوصاف الزاخرة بالتفاصيل إلى امرأةٍ تخشى أن يحمر وجهها خجلًا في الأماكن العامة. أما الوصف الذي يليه فهو لرجلٍ يخشى أن يُعْتَقد أنه غبي، ولا يُتقن التعبير، وممل. أما التعليق النهائي فهو لامرأة تخشى أن ترتجف وتبدو متوترة في المواقف الاجتماعية.
يعاني الأفراد الثلاثة كلُّهم «الرُّهاب الاجتماعي». ويعتقدون أنهم لا يرقون إلى مستوى مهمة التفاعل الاجتماعي، وأنهم لن يفوا بالمعايير التي يتوقعونها أو التي يتوقعها أي شخص آخر، وأنهم سيدفعون ثمنًا باهظًا لقصورهم، وأنهم سيتعرضون للرفض باعتبارهم حمقى أو غير مؤهلين أو أغبياء. في المواقف الاجتماعية الموترة، تتحول أفكارهم إلى الداخل تلقائيًّا. وبدلًا من التركيز على العالم من حولهم، فإنهم يركزون على عيوبهم. ومع ذلك، فالصور التي تظهر في أذهانهم لا علاقةَ لها بالواقع؛ وفي الواقع، غالبًا ما تكون مشوَّهة بشكل صارخ وشديدة القسوة.
(١) ما الرُّهاب الاجتماعي؟
يأخذ الرُّهاب الاجتماعي — الذي يُطلق عليه أحيانًا اضطراب القلق الاجتماعي — أشكالًا عديدة. يجد بعض الناس جميعَ المواقف الاجتماعية مقلِقة. بالنسبة إلى الآخرين، يبدأ الخوف فقط عندما يضطرون إلى أداء نشاط معيَّن أمام الآخرين. غالبًا ما يكون هذا النشاط هو التحدث أمام جمهور من الناس، ولكن الرُّهاب الاجتماعي يمكن أن يكون ذا صلة بكل شيء من المواعدة إلى تناول الطعام إلى استخدام المراحيض العامة.
-
وجود خوف واضح من موقف اجتماعي يكون فيه الشخص معرَّضًا للتعامل مع غرباء أو من موقف قد يحكم فيه الآخرون عليه. يخشى الشخص أن يَظهر عليه قلقُه أو أن يفعل شيئًا يهين أو يحرج به نفسه.
-
تقريبًا دائمًا ما يصبح الشخص قلقًا في مواقفَ معينة.
-
يدرك الشخص أن مخاوفه غير معقولة أو مُبالغ فيها.
-
تجنُّب المواقف المخيفة أو تحمُّلها بضيق.
-
يجد صعوبةً في العيش بشكل طبيعي بسبب القلق.
يمكن أن يبدوَ الرُّهاب الاجتماعي مثل الخجل. يشترك الاثنان في العديد من السمات: على سبيل المثال، الأفكار القلِقة حول المواقف الاجتماعية، الرغبة في تجنُّب تلك المواقف، والميل — إذا أُجبر الشخص على تحمُّلها — إلى الارتعاش أو التعرُّق أو احمرار الوجه. هل الرُّهاب الاجتماعي هو ببساطة شكل متطرف من أشكال الخجل؟ تشير الأبحاث إلى صحةِ هذا إلى حدٍّ ما. عندما يقارن العلماء تجاربَ العديد من الأشخاص الشديدي الخجل ومَن يعانون الرُّهاب الاجتماعي، يجدون أنها متشابهة بما يكفي للإشارة إلى أن الخجل والرُّهاب الاجتماعي يحتلان أماكن مختلفة في نفس الطيف. من ناحية أخرى، يُفيد بعض الأشخاص الخجولين بعدم خوفهم من المواقف الاجتماعية مثل الحفلات أو المحادثات أو الاجتماعات أو التحدُّث الرسمي أمام جمهور أو تناول الطعام في الأماكن العامة. وهذا يعني أن شكل الخجل لديهم ليس مجرد نسخةٍ أخف من الرُّهاب الاجتماعي. لذا يبدو أن «الخجل» يُعَد فئة واسعة إلى حد كبير.
(٢) ما مدى شيوع الرُّهاب الاجتماعي؟
الرُّهاب الاجتماعي هو أحدُ أكثر اضطرابات القلق شيوعًا. على سبيل المثال، قدَّرَ المسح القومي الأمريكي للاعتلال المشترك أن ١٣٫٣٪ من الأمريكيين يختبرون الرُّهاب الاجتماعي في مرحلةٍ ما خلال حياتهم. ووجد المسح الاستقرائي — المسح القومي الأمريكي المكرَّر للاعتلال المشترك — التالي للمسح القومي للاعتلال المشترك، أن ٦٫٨٪ من المشاركين في الدراسة عانوا الرُّهابَ الاجتماعي في الاثني عشر شهرًا الماضية. عندما حلَّل المسح القومي الأمريكي المكرَّر للاعتلال المشترك شدةَ تلك الحالات، انقسمت نسبة اﻟ ٦٫٨٪ إلى ثلاثة أقسام متساوية تقريبًا تُصنِّف حدةَ الحالة: «خطِرة»، و«معتدلة» و«خفيفة». ولكن تظل هذه المصطلحات نسبية؛ فحتى الحالات «الخفيفة» وُجِد أنها تفي بمعايير الاضطراب السريري.
يبدأ الرُّهاب الاجتماعي عادةً في مرحلة المراهقة. وجدت دراسة استقصائية أمريكية كبرى أن ٩٪ من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين ١٣ و١٨ عامًا عانوا مشكلاتٍ في مرحلةٍ ما من حياتهم، و١٫٣٪ منهم تأثَّروا بشدة. مثل اضطرابات القلق عامةً، فالرُّهاب الاجتماعي أكثرُ شيوعًا عند النساء منه عند الرجال (بنسبة ٣: ٢ تقريبًا).
(٣) ما الذي يسبب الرُّهاب الاجتماعي؟
يبدو أن الرُّهاب الاجتماعي يسري في العائلات؛ حيث يُعتقد أن الجينات لها تأثير متوسط. وقد قُدِّرَت قابلية الوراثة بحوالي ٤٠٪. ومع ذلك، فما يُوَرَّث هو على الأرجح قابلية الإصابة بالقلق بشكل عام، لا الإصابة بالرُّهاب الاجتماعي بشكل خاص.
ما يسهم بصورةٍ أكبر في الإصابة بالرُّهاب الاجتماعي هو ما يسميه العلماء بالعوامل البيئية غير المشتركة: أي التجارب الشخصية التي تخص كلَّ واحد منا بمفرده. ولكن كُنْه هذه العوامل البيئية مُبهم في معظمه. ومع ذلك، توجد بعض الأدلة التي تشير إلى أن الآباء الذين يبالغون في حماية أطفالهم، أو الذين يرفضونهم، قد يساهمون في تطوُّر الرُّهاب الاجتماعي لدى أبنائهم. يبدو من المعقول بلا شك افتراض أن الرفض قد يضر بثقة الطفل بنفسه، ويترك في نفسه بعض الافتراضات المؤذية عن نفسه وعن الآخرين. أما في حالة الآباء الذين يبالغون في حماية أطفالهم، فقد أُشيرَ إلى أنهم قد يحدُّون من فرص أطفالهم في تطوير المهارات الاجتماعية.
أما بعض واضعي النظريات، فيعتقدون أن الرُّهاب الاجتماعي هو من بقايا عصور إنسانِ ما قبل التاريخ. كان لدى أسلافنا خياران عند مواجهة تهديدات من داخل مجموعتهم الاجتماعية: الدفاع عن أنفسهم أو الخضوع. قد يؤدي القتال والخسارة إلى التهميش، أو الأسوأ من ذلك، الطرد من الجماعة. وبوجود الكثير من المخاطر البالغة، فقد يجد الأفراد الأقل عدوانية أو حبًّا للسيطرة أنه من الحكمة قبول وضع اجتماعي أقل فحسب.
وفقًا لهذه النظرية، فما نراه في الرُّهاب الاجتماعي في الوقت الحاضر، ما هو إلا استيعاب داخلي ضار لهذه الاستراتيجية التي كانت مفيدة في السابق. نظرًا لفرط حساسية هؤلاء الأفراد تجاه المكانة الاجتماعية، فهم يعتبرون أنفسهم أقلَّ شأنًا. ولأنهم مقتنعون بأن قصورهم سيكون واضحًا للجميع، فإنهم يخشون المواقف الاجتماعية. ومن ثَم، إذا لم يتمكَّن الأشخاص الذين يعانون الرُّهاب الاجتماعي من تجنُّب مثل هذه المواقف تمامًا، فسيحاولون أن يكونوا خانعين ومتوارين عن الأنظار قدْر الإمكان.
هل تستطيع هذ النظرية الصمودَ أمام التدقيق؟ على الرغم من معقوليتها في بعض حالات الخجل والقلق الاجتماعي الأقل حدة، فإنها لم تختبر بشكلٍ ملائم لدى الأشخاص الذين يعانون الرُّهاب الاجتماعي. لذلك، في الوقت الحالي على الأقل، تعتبر بمثابة تكهنات إلى حدٍّ بعيد.
(٤) سيكولوجية الرُّهاب الاجتماعي
عندما يتعلق الأمر بفهم العمليات النفسية التي تتسبب في حدوث الاضطراب واستمراره، تتضح الصورة أكثر.
طَوَّر عالِما النفس الإكلينيكيان البريطانيان ديفيد كلارك وأدريان ويلز النموذجَ الأكثر أهميةً لهذه العمليات في تسعينيات القرن الماضي. وسنوضح هذا النموذج باستخدام دراسة حالة مُتخيَّلة.
أليس كاتبةُ محتوًى تبلغ من العمر ثلاثين عامًا تعمل في وكالة إعلانات. مطلوب منها تقديمُ عروض تقديمية لعملها بصورة منتظمة لزملائها وعملائها. لم تستمتع أليس قط بهذا الجانب من وظيفتها، ولكن على مدى العامين الماضيين، ازدادت حدةُ قلقها إلى درجةٍ دفعتها للتساؤل عما إذا كان يتعين عليها تغيير مهنتها. تشعر أليس يقينًا أنها ستكون أضحوكة، ومن ثَم تعجز عن النوم في الليلة السابقة للعرض التقديمي. تميل أليس إلى تجنُّب الموقف تمامًا بإبلاغهم أنها ستتغيب لأنها مريضة. وأثناء العرض التقديمي، كلُّ ما يمكن لأليس التفكير فيه هو الشعور المروع الذي تشعر به، وكم تبدو مضحكة بالنسبة إلى جمهورها. إذا أثنى أيُّ شخص على عرْضها التقديمي، فإنها تفترض أن الدافع وراء مديحه هو السخرية، أو الأسوأ من ذلك، الشفقة.
دعونا نستكشف الرُّهاب الاجتماعي الذي تعانيه أليس باستخدام نموذج كلارك وويلز. حملت أليس معها منذ المراهقة عددًا من الافتراضات المؤذية عن نفسها وعن الآخرين، على الرغم من جهلها بذلك. نشأت هذه الافتراضات بعد أن انتقلت أليس إلى مدرسة جديدة حيث وجدت صعوبةً في تكوين صداقات. ترغب أليس بشدة في خلق انطباع جيد، ولكن في أعماقها — وعلى الرغم من كل الأدلة التي تشير إلى عكس ذلك — تعتقد أنها غير جذابة وغير لبقة.
لا يقتصر الأمر على تقليل أليس من شأن مزاياها فحسب، بل إنها تضخِّم مزايا الأشخاص الذين تلتقي بهم، مفترضةً أنهم يمتلكون أقصى درجات الثقة والقدرة التي تشعر أنها تفتقر إليها. وتتوقع أن الآخرين سيلاحظون — بل سيتذكرون — حتى أتفه السلبيات في أدائها. الكمال فقط هو ما سيفي بالغرض.
يشعر الجميع تقريبًا بدرجةٍ من التوتر عند تقديم عرْض تقديمي، ولكن افتراضات أليس اللاواعية تعني أن الموقف يبدو أكثرَ تهديدًا لها مما هو عليه بالفعل. عانت أليس القلقَ بشأن العرْض التقديمي لأيام. حانت اللحظة الحاسمة الآن، ويبدو أن خطرَ أن تصير أضحوكةً أكبرُ من أي وقت مضى. تستحوذ «الأفكار السلبية التلقائية» على عقلها: «لا يمكنني فِعل هذا. لا بد أن أخرج من هنا. أشعر بالإعياء. يعلم الجميع أنني أكذوبة.» ويصل قلقها إلى أعلى المستويات، كما هو متوقَّع.
يتجلى هذا القلق بثلاث طرق:
-
أولًا: الأعراض الفسيولوجية: التعرق، واحمرار الوجه، والارتجاف،
وصعوبة التركيز. تلاحظ أليس بسرعة هذه التغيرات الجسدية. بدلًا من
قبولها كأعراض طبيعية تظهر في المواقف العصيبة، تخشى أليس أن يخرج
قلقها عن نطاق السيطرة، وأن ذلك سيكون واضحًا لجمهورها، وهو ما لا
يفيد بشيء إلا زيادةَ قلقها أكثر.
يُعَد قلق أليس بشأن الأعراض الجسدية للقلق وحساسيتها الشديدة تجاهها، سمةً نموذجية للأشخاص الذين يعانون الرُّهاب الاجتماعي. في الواقع، وجد الباحثون أن مجردَ إخبار شخصٍ ما بأنه يمر بردِّ فعلٍ فسيولوجي شديد — حتى وإن كان ذلك غير صحيح — يمكن أن يكون له تأثير بالغ على تفكيره. طُلب في إحدى الدراسات من الطلاب إجراءُ محادثة مع شخص غريب. أفاد مَن قيدوا إلى الاعتقاد بأن جهاز استشعار قد اكتشف احمرارًا في وجههم، وارتعاشًا، وتعرقًا، وزيادةً في معدل ضربات القلب، بأنهم شعروا بقلقٍ أكبر، وزعموا أنهم شعروا بالمزيد من أعراض القلق الجسدية، واعتقدوا أنهم تركوا انطباعًا أسوأ من أولئك الذين لم يحصلوا على مثل هذه المعلومات. بعبارة أخرى، تصرَّف الأشخاص من المجموعة الأولى مثلَ مَن يعانون الرُّهاب الاجتماعي.
-
ثانيًا: والأهم، تجد أليس نفسها تتخيَّل كيف تبدو في نظر
جمهورها. ترى أليس نفسها شخصًا محطَّمًا مثرثرًا، مرتعشًا،
ومشوشًا. لا يقتصر الأمر على عدم ارتباط هذه الصورة بالواقع فحسب،
بل إنها قوية للغاية لدرجةِ أن أليس لا تراجع كيفيةَ استجابة
جمهورها فعليًّا. وبدلًا من ذلك، تنظر داخلها بحثًا عن إشارةٍ إلى
كيفية سير الأمور.
إن الأشخاص الذين يعانون الرُّهاب الاجتماعي أكثرُ عرضةً من غيرهم للمرور بتجربة الصور المتخيَّلة في المواقف الاجتماعية، وتكون هذه الصور أكثرَ سلبيةً وأكثرَ ميلًا لأن تكون صورًا من وجهة نظر المراقب. أظهرت الأبحاث أن مجرد أن تطلب من الناس التفكيرَ في صورة ذاتية سلبية وليست إيجابية يُفضي إلى قلق بالغ يشعر به الفرد نفسه ويكون واضحًا للمراقب. كما أنه يقود الناس إلى الاعتقاد بأنهم أدَّوا بشكل سيئ في المواقف الاجتماعية.
- ثالثًا وأخيرًا: تتَّبع أليس عددًا من «سلوكيات السلامة»، وهي تصرُّفات تعتقد أنها ستساعدها في تجاوز محنتها (انظر الفصل الثاني). فهي على سبيل المثال، تبالغ في حفظ خِطابها؛ وتعرِضه بسرعة؛ وتتجنب النظر إلى جمهورها؛ وتحاول التفكيرَ في الأوقات السعيدة، مثل إجازتها الأخيرة.
ولكن في الواقع، هذه الاستراتيجيات لا تساعد أليس. فمثل جميع سلوكيات السلامة، تمنعها هذه السلوكيات من اكتشافِ أن قلقها مُبالغ فيه: فعندما تنجح في إتمام العرْض التقديمي، تنسب أليس الفضل في ذلك إلى سلوكيات السلامة التي اتبعتها وليس إلى قدرتها على التعامل مع مهمة مرهقة. علاوة على ذلك، فهذه السلوكيات — تمامًا مثل الصور الذاتية والأعراض الجسدية للقلق — تشدُّ انتباهها إلى الداخل وبعيدًا عن المهمة التي تقوم بها، مما قد يعوق أداءها. ويمكن لجمهورها أن يلاحظ مثل هذه السلوكيات. وعلى الرغم من كلِّ ما يشغل بالها ويشتِّت انتباهها؛ فقدرة أليس على ملاحظة نظرة متسائلة أو انتباه شارد حادةٌ للغاية. وعندما تلاحظ أيًّا من ذلك، يرتفع قلقها إلى مستوًى أعلى.
(واللافت هو أن الدراسات العصبية أكَّدت فكرة أن الأشخاص الذين يعانون الرُّهاب الاجتماعي لديهم حساسية مفرِطة للنقد. عندما يطلب الباحثون من أفرادٍ قراءة ملاحظات سلبية عن أنفسهم، يُظهر مَن يعانون الرُّهابَ الاجتماعي — ولكن ليس غير المصابين به — مستوياتِ نشاط متزايدة في اللوزة الدماغية — وهي «الكمبيوتر الانفعالي» للدماغ (انظر الفصل الثاني) — وفي قشرة الفص الجبهي الإنسي، التي تلعب دورًا حاسمًا في كيفية تفكير الفرد في ذاته.)
لا يقلُّ قلقُ أليس كثيرًا في نهاية عرْضها التقديمي. لأنها، مثل الكثير من الأشخاص الذين يعانون الرُّهاب الاجتماعي، تفكِّر في أدائها بلا توقُّف (يطلق كلارك وويلز على هذا الأمر «تشريح الجثة»). وكلما أطالت التفكيرَ في العرض التقديمي، ازداد شعورها سوءًا حياله وازدادت حدة مخاوفها من العرض التالي.
غالبًا ما يُنْقَل نموذج كلارك وويلز في الكتب الإرشادية على هيئةِ نوع من أنواع مخططات التدفق التوضيحية. في الواقع، يمكن تمثيلها أيضًا على شكل سلسلة من الحلقات المفرغة، كلُّ حلقة منها تثير قلقَ الشخص وتزيده. مع العلاج، يمكن كسر دائرة الرُّهاب الاجتماعي. أما إذا تُرِك دون علاج، فقد يشعر الشخص وكأنه محاصر داخل تروس آلة وحشية لا تتوقف.