اضطراب القلق العام
عندما أعود بذاكرتي إلى كل هذه المخاوف، أتذكَّر قصة الرجل العجوز الذي قال وهو على فراش الموت إنه واجه الكثير من المتاعب في حياته، معظمها لم يحدُث أبدًا.
يستخدم الآباء في جواتيمالا أسلوبًا غير معتاد لمساعدة الأطفال على التغلب على مخاوفهم. يعطون الطفل حقيبةً صغيرة تحتوي على ست دمًى صغيرة مصنوعة من القماش والخشب. في كل ليلة، يخبر الطفل إحدى الدمى بشيء معيَّن يقلقه، ثم يضع الدمية تحت وسادته. تتمثل وظيفةُ الدمية في أخذِ ما يقلقه، والتخلُّص منه، ومن ثَم السماح للطفل بأن ينامَ قرير العين. يمكن لأحد الوالدين أخذُ الدمية أثناء الليل. ومن ثَم، عندما يستيقظ الطفل في الصباح، يكون قلقه قد اختفى مع الدمية.
تُعرف هذه الدُّمى باسم «مونييكاس كيتابيناس» وتعني حرفيًّا «الدمى التي تزيح المخاوف»، وعادةً ما يعطيها الآباء إلى أطفالهم، ولكن يستخدمها الكبار أيضًا. وهناك سبب لاستمرار استخدامها منذ عصور المايا: وهو أنه يبدو أنها مجدية بالفعل. وهذا ببساطة لأن التعبير عن مخاوفك غالبًا ما يكون كافيًا لتحييدها. إذا كنت، أو طفلك، تعاني القلقَ ليلًا، فقد ترغب في صنع الدُّمى الخاصة بك.
(١) ما هو اضطراب القلق العام؟
قد يكون مصطلح «اضطراب القلق العام» جديدًا بالنسبة إليك، ولكنك بكل تأكيد ستكون على دراية بمفهوم القلق. إليك تعريفًا للقلق:
سلسلة من الأفكار والصور المحمَّلة بالتأثيرات السلبية [أي غير سارة انفعاليًّا]، ولا يمكن السيطرة عليها نسبيًّا؛ وهي تمثِّل محاولة للانخراط في حل مشكلةٍ ما ذهنيًّا، هذه المشكلة تتعلق بمسألةٍ نتيجتها غير مؤكدة، ولكن قد يكون لها نتيجة واحدة أو أكثر سلبية.
على الرغم من اللغة الاصطلاحية المستخدَمة، فعلى الأرجح ستتعرف في هذا الوصف على تجربتك الخاصة فيما يخص القلق. عندما نشعر بالقلق، ننشغل بجانب من جوانب حياتنا، ونحاول توقُّع ما يمكن ألا يسير على ما يرام، وإذا حدث، فما هي العواقب التي قد تتبعه. (لهذا السبب أطلق بعض علماء النفس على القلق، تفكير «ماذا لو؟».) على الرغم من أننا قد نتخيل أن القلق يساعدنا في حل مشكلاتنا، فإن هذا غالبًا ما يكون وهمًا. نادرًا ما يكون القلق بناءً. فبدلًا من تحسين مزاجنا، يجعلنا عمومًا نشعر شعورًا أسوأ. وبمجرد أن نبدأ في القلق، قد يكون من الصعب التوقف.
إن وجود مستوًى معيَّن من القلق أمر طبيعي، كما يقول الطبيب والكاتب لويس توماس: «ربما نحن البشر، من بين كائنات الأرض، نتفرد بكوننا الحيوان القَلِق. إننا نفني حياتنا في القلق.» ولكن بالنسبة إلى بعض الناس، يمكن أن يخرج القلق عن السيطرة. تنطوي جميع اضطرابات القلق تقريبًا التي نتناولها في هذا الكتاب على الكثير من الهواجس، كما هو الحال مع العديد من أنواع المشكلات النفسية الأخرى، وخاصة الاكتئاب. (من حيث المبدأ، يتعلق القلق بالمشكلات المستقبلية، بينما يركز الاجترار، وهي سمةٌ من سمات الاكتئاب، على الأحداث الماضية. ومع ذلك، كلاهما أسلوبان متكرران في التفكير وربما ينتجان عن نفس العمليات.)
-
قلق مفرط، وغير واقعي، ولا يمكن السيطرة عليه.
-
قلق يستمر لمدةٍ لا تقل عن ستة أشهر.
-
ظهور ما لا يقل عن ثلاثة أعراض مما يلي: الأرق، والشعور بالضيق، والإجهاد، وصعوبة التركيز، وسرعة الغضب، والتشنج العضلي، ومشكلات النوم.
-
مستويات عالية من الكرب و/أو تعطُّل جوهري في الحياة اليومية للشخص المصاب.
يبذل الأشخاص المصابون [باضطراب القلق] قصارى جهدهم لتجنُّب المخاطر، وينخرطون في التدقيق بصورة متكررة، ويسعون إلى السلوك الحذِر ويوصون به، وينظمون حميتهم الغذائية بعناية، ويمارسون أقصى عادات النظافة، وينخرطون بشكل عام في السلوك الوقائي المفرط. وعلى الرغم من كل هذه المحاولات، فإنهم نادرًا ما يَبْلُغون شعورًا بالأمان أو الاطمئنان.
(٢) ما مدى شيوع اضطراب القلق العام؟
-
أفاد ٣٨٪ من الناس أنهم يقلقون مرةً واحدة على الأقل في اليوم. بينما يقلق ١٩٫٤٪ مرة كل يومين إلى ثلاثة أيام. ولا يقلق ١٥٪ سوى مرة في الشهر تقريبًا.
-
بالنسبة إلى ٩٪ من الأشخاص، استمرت نوبات القلق لديهم ساعتين أو أكثر. بينما استمرت لدى ١١٪ من ساعة إلى ساعتين. ولدى ١٨٪ مدة تتراوح بين عشر دقائق وساعة؛ ولدى ٣٨٪ مدة دقيقة إلى عشر دقائق؛ وقال ٢٤٪ من السعداء إنهم شعروا بالقلق لأقل من دقيقة في المرة الواحدة.
يعاني حوالي ٣٪ من الأشخاص اضطرابَ القلق العام، وتتضاعف احتمالية إصابة النساء عن الرجال. وتشير الأبحاث إلى أن قرابة ٢٪ من الشباب قد عانوا اضطرابَ القلق العام حتى سن الثامنة عشرة، وتضرر ٠٫٣٪ منهم من المرض بشدة.
(٣) ما الذي يسبب اضطراب القلق العام؟
يُعَد اضطراب القلق العام مفهومًا جديدًا نسبيًّا، فقد ظهر في «الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية» لأول مرة في عام ١٩٨٠، ولم تصبح فئة تشخيصية قائمة بذاتها فعلًا إلا في تسعينيات القرن الماضي. يوضح هذا جزئيًّا سبب كون الأبحاث حول القلق تُعَد تطورًا حديثًا نسبيًّا، دون وجود تفسير واحد مهيمن.
ومع ذلك، كان هناك العديد من نظريات القلق المؤثرة، وسنبدأ هذا القسم بمناقشة الأسباب الأربعة الرئيسية لاضطراب القلق العام.
(٤) نظريات القلق
النموذج ما وراء المعرفي
تعني كلمة «ما وراء المعرفي» المعتقدات التي نتمسك بها حول أفكارنا. وتضع النظرية التي طوَّرها أدريان ويلز المعتقدات وراء المعرفية حول القلق في مركز اضطراب القلق العام.
يسلط ويلز الضوء على نوعين من المعتقدات ما وراء المعرفية: الإيجابية والسلبية. مثل العديد من الأشخاص، سواء كانوا يعانون مشكلةَ القلق أم لا، يميل الأفراد المصابون باضطراب القلق العام إلى اعتبار القلق أمرًا مفيدًا. قد يعتقدون، على سبيل المثال، أن القلق يساعدهم على توقُّع المشكلات وحلها، وأنه يوفِّر الحافز الضروري لمعالجة تلك المشكلات، أو أنه يعدهم للأسوأ إذا تعذَّر إيجاد حل. وعلى الرغم من إدراكهم أن هذا محض خرافات، فقد يشعرون أنه من خلال القلق بشأن حدثٍ ما، يمكنهم منع حدوثه.
من الواضح أن الشخص الذي يفكِّر في القلق بمثل هذه الطريقة الإيجابية، قد يختار الشعور به في مواقفَ كثيرة. لكن الأشخاص الذين يعانون اضطرابَ القلق العام، على عكس الأفراد القلقين الآخرين، لديهم أيضًا عددٌ من الآراء السلبية عن القلق: لا سيما أن القلق لا يمكن السيطرة عليه — فبمجرد أن تبدأ الشعور بالقلق، يكاد يكون من المستحيل التوقُّف، وأن القلق خطِرٌ — كعلامة على الجنون الوشيك، على سبيل المثال.
إن هذا المزيج المؤلم من الآراء الإيجابية والسلبية حول القلق هو ما يميز اضطراب القلق العام، ويجعل الحياة بائسة لمن يعانونه. هؤلاء الأشخاص يقلقون لأنهم يشعرون أن هذا هو الشيء الصحيح الذي ينبغي فعله، ومع ذلك، فالقلق مصدرُ كرب كبير. في الواقع، لقد ساعدت هذه النظرية في إظهار أن الأشخاص المصابين باضطراب القلق العام يقلقون حتى من القلق نفسه.
نظرية التجنُّب المعرفي
على نحوٍ مختلف، يقول توم بوركوفيتش من جامعة ولاية بنسلفانيا إن القلق هو في الأساس استراتيجية تجنُّب. ما نتجنَّبه هو الحاضر، ونحن نتجنب الحاضر عندما نقلق بالتركيز على المستقبل. يقترح بوركوفيتش أن هذا التجنب يتخذ ثلاثة أشكال.
- أولًا: نشعر بالقلق لأننا نعتقد أنه سيساعدنا على منع حدوث كارثة أو، إذا حدثت، يساعدنا في التعامل معها.
- ثانيًا: القلق بشأن تهديدات تافهة نسبيًّا أو مستبعدة يصرف انتباهنا عن مشكلاتٍ أكثر خطورة. يلاحظ بوركوفيتش، على سبيل المثال، أن الأشخاص الذين يعانون اضطراب القلق العام يفيدون بتعرُّضهم لصدمات أكثر، ويعانون علاقات أسوأ.
-
أخيرًا: يكبت
القلق المشاعر، مما يسمح لنا بتجنب التأثير
الانفعالي الكامل للحدث المخيف. يقول بوركوفيتش إن
القلق في الأساس تفكيرٌ لفظي. والتفكير اللفظي
وسيطٌ غير جيد للانفعالات. لكي نشعر حقًّا بشيء
ما، نحتاج إلى تصوره، ولكن القلق يصرف انتباهنا عن
مثل هذه الصور. ويستشهد بوركوفيتش بالبحث الذي
يشير إلى أن القلق يقلل من التيقظ الجسدي (مثل
معدل ضربات القلب) استجابةً للصور المهددة. ويخلص
إلى ما يلي:
باختصار، قد يفلِت الأشخاص القلقون من وطأة الصور المخيفة بالتركيز على قناة الاتصال اللفظية أثناء التفكير في المستقبل بعبارات مجردة، مثل «سيحدث شيء مروع»، مع القليل من التفاصيل الملموسة.
عدم تحمُّل اللايقين
بالنسبة إلى نعومي كورنر وميشيل دوجاس، يقوم اضطراب القلق العام على «عدم تحمُّل اللايقين»:
يعتقد الأفراد الذين لا يتحملون اللايقين أنه أمرٌ مرهق ومزعج، وأن عدم اليقين بشأن المستقبل أمر غير عادل، وأن الأحداث غير المتوقعة سلبية ويجب تجنبها، وأن عدم اليقين يتعارض مع قدرة الفرد على أداء وظائفه.
يكاد يكون القلق، وفق تعريفه، هو محاولة لتوقُّع الأحداث المستقبلية غير المؤكدة والسيطرة عليها. ومن ثَم، يبدو من المنطقي أن الأشخاص الذين يعانون عدمَ التحمل الشديد لكل ما هو غير مؤكد، سيعانون القلقَ الدائم.
يتكهَّن كورنر ودوجاس بأن التطور من عدم تحمُّل اللايقين إلى القلق قد يتأثر بثلاثة عوامل. الأول هو المعتقدات الإيجابية حول القلق التي تطرَّقنا إليها عند مناقشة النموذج ما وراء المعرفي. والثاني هو أشكال التجنب المعرفي التي حدَّدها بوركوفيتش. والثالث هو الاعتقاد، الذي يؤمن به العديد من الأشخاص المصابين باضطراب القلق العام، بأنهم يفتقرون لمهارة في حل المشكلات: «نظرًا لوجود درجة من اللايقين متأصلة في معظم المشكلات، فمن السهل أن نرى كيف يمكن أن يشعر الأفراد المصابون باضطراب القلق العام بالإحباط والارتباك حتى في حل المشكلات البسيطة»، وهو ما يزيد من قلقهم ويؤجج توترهم.
نظرية المزاج كمُدْخَل
وضع عالم النفس البريطاني جراهام ديفي نظريةَ المزاج كمُدْخَل للقلق، على الرغم من أنها وُضِّحَت بصورة جيدة من خلال تجربة أجراها باحثون آخرون قبل بضع سنوات. وُضِع نصف المشاركين في التجربة في مزاج سيئ، والنصف الآخر في مزاج جيد. ثم طُلب من كلٍّ منهم وضع قائمة بأسماء الطيور. قيل لنصفهم إنهم يستطيعون التوقف عندما يشعرون بالرغبة في ذلك (قاعدة التوقف التي تُعرف ﺑ «الشعور بالرغبة في الاستمرار») وقيل للنصف الآخر أن يستمروا حتى يستنفدوا كل الأسماء التي يعرفونها (قاعدة التوقف التي تُعرف ﺑ «قدر المستطاع»).
اعتمدت استجابة المشاركين لقواعد التوقف هذه على مزاجهم. بالنسبة إلى مجموعة «الشعور بالرغبة في الاستمرار»، فقد صمد مَن يشعرون بالتفاؤل فترةً أطولَ ممن يعانون مزاجًا سيئًا. ولكن الوضع كان معكوسًا في مجموعة «قدْر المستطاع»، فمن كانوا في حالة مزاجية سيئة كانوا أكثر ميلًا للإصرار على إتمام المهمة.
يجادل ديفي بأن هذه التجربة تتضمن سمتين أساسيتين للقلق الحاد. الأولى هي حقيقة أن إحساسنا بما إذا كنا قد أكملنا مهمةً ما بشكل مُرْضٍ أم لا يعتمد غالبًا على مزاجنا، وليس على أي قياس موضوعي. ينطبق هذا بصفة خاصة على المهام التي ليس لها نقطة نهاية واضحة، مثل القلق. يشير المزاج السيئ إلى أن المهمة لم تكتمل. ومن ثَم، من المرجَّح أن يشعر الشخص الذي يشعر بالقلق أو التعاسة — كما يشعر الأشخاص المصابون باضطراب القلق العام عمومًا — بأنه لم يقلق بدرجة كافية بعد.
النقطة الثانية هي أن مَن يقلقون باستمرار يميلون إلى استخدام قاعدة التوقف «قدْر المستطاع». قد يرجع هذا جزئيًّا، كما يبدو، إلى وجودِ ميل طبيعي لاختيار مثل هذه القاعدة عندما نشعر بالإحباط، وجزئيًّا لأن الأشخاص القلقين غالبًا ما يتمسكون ببعض المعتقدات الصارمة إلى حدٍّ ما، على سبيل المثال: أن القلق ضروري إذا كانت هناك رغبة في تجنب وقوع كارثة؛ وأن الكمال فقط هو ما سيفي بالغرض؛ وأن عدم اليقين غير مرغوب فيه. ولكن اتباع قاعدة التوقف «قدْر المستطاع» يمكن أن يكون صعبًا. ومع الأنشطة ذات النهايات المفتوحة مثل القلق، نادرًا ما تظهر نتيجةٌ واضحة في الأفق.
(٥) اضطراب القلق العام من منظور بيولوجي
ما الذي نعرفه عما يحدث في الدماغ عندما نشعر بالقلق؟ لا تزال الأبحاث العصبية حول القلق في مراحلها المبكرة، ولكن بعض المعلومات قد خرجت إلى النور بالفعل.
بالنسبة لكلٍّ من المجموعة المصاب أفرادها باضطراب القلق العام وتلك التي لا يعاني أفرادها من القلق، نشطت نفس مناطق الدماغ عند الشعور بالقلق. كانت هذه المناطق هي قشرة الفص الجبهي الإنسي، والتي تلعب دورًا مهمًّا في أفكارنا عن أنفسنا؛ ومنطقة القشرة الحزامية الأمامية، والتي — من بين مهامَّ أخرى — تشارك في حل المشكلات ومعالجة الانفعالات. ولكن كان هناك فرق بين المجموعتين. في الأفراد المصابين باضطراب القلق العام، ظلت مناطق الدماغ «القلقة» نشطةً حتى عندما طُلب منهم التوقف عن التفكير في الجملة أو الوجه والاسترخاء بدلًا من ذلك. إننا نعلم أن الأشخاص الذين يعانون اضطرابَ القلق العام يجدون صعوبةً بالغة في التوقف عن القلق، وتوفِّر هذه التجربة التأكيد العصبي على ذلك.
وفيما يخص التأثيرات الجينية، تشير الأدلة إلى أن هذه التأثيرات أقلُّ أهميةً بالنسبة إلى اضطراب القلق العام من العديد من اضطرابات القلق الأخرى. صحيح أن الاضطراب يبدو أنه يسري في العائلات، إلى حدٍّ ما على الأقل، ولكن يبدو أنه ينتج عن عواملَ بيئية في المقام الأول. لم يُعْثر على أي تأثير وراثي على الإطلاق في دراستين متطابقتين، بينما قدَّرت ثلاث دراسات أخرى الوراثة بنسبة حوالي ٢٠٪. علاوة على ذلك، فالقابلية الجينية للإصابة باضطراب القلق العام قريبة جدًّا بالفعل من الاكتئاب، مما دفع بعض الباحثين إلى اقتراحِ أنه «من منظور جيني، يبدو أن اضطراب الاكتئاب الشديد (MD) واضطراب القلق العام هما نفس الاضطراب».
(٦) اضطراب القلق العام من منظور اجتماعي
قد يبدو أن اضطراب القلق العام والاكتئاب متطابقان ظاهريًّا من حيث التأثير الجيني، ولكن تظهر اختلافاتٌ أكبر بينهما إذا نظرنا إلى عواملِ الخطر الطويلة المدى لكل اضطراب.
اكتشف الباحثون الذين تابعوا ألف مواطن نيوزيلندي من سن الرضاعة حتى بلغوا ٣٢ عامًا، أنه على الرغم من أن الاكتئاب السريري واضطراب القلق العام يشتركان في بعض عوامل الخطر، فإن الاختلافات بينهما أكبرُ بكثير. يرتبط الاكتئاب بتاريخ عائلي من الإصابة بالمرض وبمشكلات في مرحلة المراهقة. على الجانب الآخر، يرتبط اضطراب القلق العام ارتباطًا وثيقًا بتجارب الطفولة، ولا سيما الخلفية الاجتماعية والاقتصادية المتدنية؛ وطريقة التنشئة التي تتسم بالقلق أو العدائية أو الإساءة؛ والتثبيط السلوكي؛ والميل إلى القلق أو التعاسة أو الخوف؛ والمشكلات السلوكية مثل التنمر، والعراك، والسرقة، ونوبات الغضب، والكذب.
وبالمثل، عندما أجرى علماء النفس مقابلةً مع مجموعة من أطفال المدارس الابتدائية الهولندية، وجدوا أن الأطفال الذين اعتبروا والديهم قلقين أو رافضين لهم، أبلغوا عن مستويات أعلى من القلق. ونفس الشيء قاله مَن رأوا أنفسهم أنهم «متعلقون بشكل غير آمن» — مما يشير إلى مشكلة جوهرية في علاقتهم بوالديهم (لمزيد من المعلومات حول أنماط التعلق، انظر القسم المعنون «نمط التعلق» في الفصل الثالث). من الواضح أن الباحثين كانوا يعتمدون على روايات الأطفال أنفسهم. وليس من المستحيل أن يكون الأطفال الذين أبلغوا عن صعوبات في التنشئة فعلوا ذلك «لأنهم» كانوا عرضةً للقلق. ومع ذلك، يعزِّز البحث الصلةَ بين القلق وتجارب الطفولة التي اقترحتها الدراسة النيوزيلندية.