الفصل الثاني والعشرون
(٥٠) يفتتح هذا الفصل فلسفة لاو تسو في اللِّين، وهي الفلسفة التي سيتابع شرحها في فقرات عديدة مما سيلي من الفصول. التاو يفعل دون قسر أو إكراه، وصورته في الطبيعة هي الماء الذي يشق طريقه ويصل إلى غايته دون جهد. والتاوي الذي تماثلَ مع التاو ينسج على منواله فينشط من خلال اللافعل واللاجهد، وتتسم كل مبادراته باليسر واللِّين لا بالعُسر والقوة. إنه ينحني لكي يغلب، وينطوي لكي يستقيم، ويفرغ لكي يمتلئ، يبدو باليًا ولكنه متجدِّد على الدوام، يأخذ القليل من متاع الدنيا ولكنه يكسب الكثير من متاع الرُّوح. إنه مع الواحد الذي يتجاوز الثنائيات. يجعل من نفسه أمثولة للآخَرين بدلًا من أن يسير على خُطاهم.
والحكيم في سلوكه يصدر عن موقف متجاوز للأنا الفردية المنغلقة. إنه لا يؤكِّد ذاته في مقابل الآخَرين ولا يدخل في تنافس معهم. إنه لا يحاول إظهار نفسه ولكنه يبرز للعَيان، لا يتمسَّك بآرائه ومواقفه ولکن آراءه ومواقفه تلقى القبول، لا يتفاخر ولكنه يوضع في المكانة اللائقة، لا يتبجَّح ولكن الجميع يعترفون به. وهو إذ يحوز على ذلك كله دون قصد أو سعي، إنما يعتبره زينة خارجية ومتعة زائلة، فلا يُعوِّل عليه، لا يرفضه ولا يقبله أيضًا.
وبما أنه لا يُباري أحدًا ولا يدخل في منافسة مع أحد، فإنه لا يغلب ولا يتعرَّض للهزيمة. إن كل نصر تعقبه خسارة، وكل خسارة يعقبها نصر، وما من قوي إلا وهنالك مَن يفوقه قوة. فلماذا تسعى وراء موقف زهو عابر؟ إذا كنت في صميمك مع الواحد الذي يتجاوز الثنائيات، كنت في مواقفك وراء الثنائيات، تراقبها وتتعرض لتناوباتها ولكنك لا تثبت في واحد منها.